الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
(إِذَا طَلَّقَهَا مَرَّةً) أي: طلقةً واحدةً (فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ، وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؛ فَهُوَ سُنَّةٌ)، أي: فهذا الطلاقُ موافِقٌ للسَّنةِ؛ لقولِه تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)[الطلاق: 1]، قال ابنُ مسعودٍ:«طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ» (1).
لكن يُستثنى مِن ذلك: لو طلَّقَها في طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لرجعةٍ مِن طلاقٍ في حيضٍ؛ فبدعةٌ.
(وَتَحْرُمُ الثَّلَاثُ إِذاً)، أي: يحرُمُ إيقاعُ الثلاثِ ولو بكلماتٍ في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه، لا بعدَ رجعةٍ أو عقدٍ، رُوي ذلك عن عمرَ (2)،
(1) رواه ابن أبي شيبة (17725)، الطبري في التفسير (23/ 432) من طريق الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله. قال ابن حزم:(وهذا في غاية الصحة عن ابن مسعود)، وصحح إسناده ابن حجر، وقال الألباني:(صحيح على شرط مسلم). ينظر: المحلى 9/ 400، فتح الباري 9/ 346، الإرواء 7/ 118.
(2)
رواه سعيد بن منصور (1073)، ومن طريقه الطحاوي (4488)، عن أبي عوانة، عن شقيق، عن أنس: فيمن طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، قال:«لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره» ، قال:«وكان عمر بن الخطاب إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثاً أوجع ظهره» ، وإسناده صحيح.
ورواه عبد الرزاق (11065)، عن ابن عيينة، عن شيخ يقال له سفيان، عن أنس بنحوه. وفي إسناده راوٍ مبهم.
ورواه عبد الرزاق (11345)، من طريق عبيد الله بن العيزار، أنه سمع أنس بن مالك يقول:«كان عمر بن الخطاب إذا ظفر برجل طلق امرأته ثلاثاً أوجع رأسه بالدرة» ، وعبيد الله بن العيزار قال فيه الهيثمي:(لم أجد من ترجمه). ينظر: مجمع الزوائد 4/ 146.
وعليٍّ (1)، وابنِ مسعودٍ (2)، وابنِ عباسٍ (3)،
وابنِ عمرَ (4).
(1) رواه عبد الرزاق (11084)، وسعيد بن منصور (1080) من طريق مطرف، عن الحكم، أن عليًّا وابن مسعود وزيد بن ثابت قالوا:«إذا طلق البكر ثلاثاً فجمعها، لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإن فرقها بانت بالأولى، ولم تكن الأخريين شيئاً» . وهو منقطع بين الحكم ومن ذكر من الصحابة، وقد وصفه بالتدليس غير واحد على ما قال العلائي، وليس فيه ذكر التحريم. ينظر: جامع التحصيل ص 106.
(2)
رواه عبد الرزاق (11064)، وسعيد بن منصور (1076) من طريق عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها قال:«لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره» . وإسناده حسن، وليس فيه ذكر التحريم.
(3)
قوله: (وابن عباس) سقطت من (ع).
رواه عبد الرزاق (11346) من طريق ابن طاوس، عن أبيه قال: كان ابن عباس إذا سئل عن رجل يطلق امرأته ثلاثاً قال: «لو اتقيت الله جعل لك مخرجاً» ، ولا يزيده على ذلك. وإسناده صحيح.
وروى سعيد بن منصور (1064) من طريق الأعمش، عن مالك بن الحارث، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إن عمه طلق امرأته ثلاثاً فأكثر، فقال:«عصيت الله عز وجل، وبانت منك امرأتك، ولم تتق الله عز وجل فيجعل لك مخرجاً» ، وإسناده صحيح.
وروى الطحاوي (4483) من طريق مجاهد: أن رجلاً قال لابن عباس: رجل طلق امرأته مائة، فقال:«عصيت ربك وبانت منك امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجاً، من يتق الله يجعل له مخرجاً، قال الله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن)» ، وإسناده صحيح.
(4)
رواه مسلم (1471) عن نافع قال: كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض، يقول:«أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجعها، ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها، وأما أنت طلقتها ثلاثاً، فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك» .
فمَن طلَّقَ زوجتَه ثلاثاً بكلمةٍ واحدةٍ؛ وَقَع الثلاثُ، وحَرُمَت عليه حتى تَنكِحَ زوجاً غيرَه، قبلَ الدخولِ كان ذلك أو بعدَه.
(وَإِنْ طَلَّقَ مَنْ دَخَلَ بِهَا فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ) ولم يَسْتَبِنْ حمْلُها، وكذا لو علَّقَ طَلاقَها على نحوِ أكلِها مِمَّا (1) يتحقَّقُ وقوعُه حالتَهما؛ (فَبِدْعَةٌ)، أي: فذلك طلاقُ بدعةٍ محرَّمٌ، و (يَقَعُ)؛ لحديثِ ابنِ عمرَ:«أَنُّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمُرَاجَعَتِهَا» رواه الجماعةُ إلا الترمذي (2).
(وَتُسَنُّ رَجْعَتُهَا) إذا طُلِّقَت زمنَ البدعةِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ.
(وَلَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ) في زمنٍ أو عددٍ (لِصَغِيرَةٍ، وَآيِسَةٍ، وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَمَنْ بَانَ)، أي: ظَهَر (حَمْلُهَا).
فإذا قال لإحداهنَّ: أنتِ طالقٌ للسنَّةِ طلقةً وللبدعةِ طلقةً؛ وقعَتَا
(1) في (ق): بما.
(2)
رواه أحمد (304)، البخاري (4908)، ومسلم (1471)، وأبو داود (2179)، والنسائي (3389)، وابن ماجه (2023)، ورواه الترمذي أيضاً (1175)، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:«ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله عز وجل» .
في الحالِ، إلا أن يُرِيدَ في غيرِ الآيسةِ إذا صارت مِن أهلِ ذلك.
وإن قاله لمن لها سنةٌ وبدعةٌ؛ فواحدةً في الحالِ، والأُخرى في ضدِّ حالِها إذاً.
(وَصَرِيحُهُ)، أي: صريحُ الطلاقِ، وهو ما وُضِعَ له:(لَفْظُ الطَّلَاقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ)؛ كطلَّقْتُكِ، وطالِقٌ، ومُطَلَّقَةُ -اسم مفعولٍ-، (غَيْرَ أَمْرٍ)؛ كطَلِّقِي (1)، (وَ) غيرَ (مُضَارِعٍ)؛ كتَطْلُقِين، (وَ) غيرَ (مُطَلِّقَةٍ -اسْمَ فَاعِلٍ-)؛ فلا يَقعُ بهذه الألفاظِ الثلاثةِ طلاقٌ.
(فَيَقَعُ) الطلاقُ (بِهِ)، أي: بالصريحِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، جَادٌّ أَوْ هَازِلٌ (2)؛ لحديثِ أبي هريرةَ يرفعُهُ: «ثَلَاثَةٌ (3) جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» رواه الخمسةُ إلا النسائي (4).
(1) في (أ) و (ح): كاطلقي. وهو الموافق لعبارة الإقناع، والمثبت موافق لعبارة المنتهى.
(2)
في (ق): وهازل.
(3)
في (أ) و (ح): ثلاث.
(4)
لم نقف عليه في مسند أحمد، ورواه أبو داود (2194)، والترمذي (1184)، وابن ماجه (2039)، وابن الجارود (712)، والحاكم (2800) من طريق عبد الرحمن بن حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن ماهك، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. وحسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود والحاكم، وأقره ابن دقيق، وصححه ابن الملقن، وقال ابن حجر:(وهو من رواية عبد الرحمن بن حبيب بن أردك وهو مختلف فيه، قال النسائي: منكر الحديث، ووثقه غيره، فهو على هذا حسن)، واعترض عليه الألباني فقال:(فليس بحسن؛ لأن الغير المشار إليه إنما هو ابن حبان لا غير، وتوثيق ابن حبان مما لا يوثق به إذا تفرد به كما بينه الحافظ نفسه فى مقدمة اللسان، وهذا إذا لم يخالف، فكيف وقد خالف هنا النسائي فى قوله فيه: منكر الحديث، ولذلك رأينا الحافظ لم يعتمد على توثيقه في كتابه الخاص بالرجال: (التقريب)، فالسند ضعيف، ليس بحسن عندي).
وضعَّفه ابن العربي، وابن حزم، وابن القطان بعبد الرحمن بن حبيب المذكور.
وللحديث شواهد، منها:
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: رواه الحارث بن أبي أسامة (503) من طريق عبد الله بن لهيعة، ثنا عبيد الله بن أبي جعفر، عن عبادة بن الصامت مرفوعاً:«لا يجوز اللعب في ثلاث: الطلاق والنكاح والعتاق، فمن قالهن فقد وَجَبْنَ» ، وهو معلول بالانقطاع بين عبيد الله وعبادة، وضعف ابن لهيعة.
مرسل الحسن: رواه ابن أبي شيبة (18406) من طريق عيسى بن يونس، عن عمرو، عن الحسن مرسلاً:«من طلق، أو حرر، أو أنكح، أو نكح فقال: إني كنت لاعباً، فهو جائز» ، وهو صحيح مرسل.
أثر عمر رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (18403) من طريق حجاج، عن سليمان بن سحيم، عن سعيد بن المسيب، عن عمر قال:«أربع جائزة في كل حال: العتق، والطلاق، والنكاح، والنذر» ، ورجاله ثقات إلا أن حجاج بن أرطاة عنعنه وهو مدلس.
أثر أبي الدرداء رضي الله عنه: رواه عبد الرزاق (10245)، وابن أبي شيبة (18402) من طريق الحسن، عن أبي الدرداء قال:«ثلاث لا يُلعب بهن: النكاح، والعتاق، والطلاق» ، وقال أبو زرعة:(الحسن عن أبي الدرداء مرسل).
وغيرها من الآثار عن الصحابة: أخرجها عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما، ولا تخلو جميعها من ضعف.
ولهذه الشواهد حسَّنه الألباني، وقال:(والذي يتلخص عندي مما سبق: أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التى حسنها الترمذي، وطريق الحسن البصري المرسلة، وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت، والآثار المذكورة عن الصحابة، فإنها - ولو لم يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم - تدل على أن معنى الحديث كان معروفاً عندهم). ينظر: المحلى 7/ 209، بيان الوهم 3/ 509، البدر المنير 8/ 81، التلخيص الحبير 3/ 449، جامع التحصيل ص 164، الإرواء 6/ 224.
(فَإِنْ نَوَى بِطَالِقٍ) طالِقاً (مِنْ وَثَاقٍ) -بفتحِ الواوِ (1) -، أي: قَيْدٍ، (أَوْ) نَوى (طالِقاً فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَرَادَ) أن يقولَ (طَاهِراً فَغَلِطَ)، أي: سَبَق لسانُه؛ (لَمْ يُقْبَلْ) منه ذلك (حُكْماً)؛ لأنَّه خلافُ ما يَقتضيه الظاهرُ، ويُدَيَّنُ فيما بينه وبينَ اللهِ؛ لأنَّه أعلمُ بنيَّتِهِ.
(وَلَوْ سُئِلَ: أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ وَقَعَ) الطلاقُ، ولو أرادَ الكذبَ أو لم يَنْوِ؛ لأنَّ (نَعَمْ) صريحٌ في الجوابِ، والجوابُ الصريحُ للَّفظِ الصريحِ صريحٌ.
(أَوْ) سُئل الزوجُ: (أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَرَادَ الكَذِبَ)، أو لم ينْوِ به الطلاقَ؛ (فَلَا) تطلُقُ؛ لأنَّ الكنايةَ (2) تَفتقِرُ إلى نيةِ الطلاقِ ولم تُوجَدْ.
وإن أخرَجَ زوجتَه مِن دارِها، أو لطَمَها، أو أطعَمَها ونحوَه،
(1) قال في المطلع (ص 407): (الوثاق- بفتح الواو وكسرها-: ما يوثق به الشيء من حبل ونحوه).
(2)
في (أ) و (ح): لا كناية.