الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ المِلَلِ)
جمعُ مِلَّةٍ، بكسرِ الميمِ، وهي: الدِّينُ والشريعةُ.
مِن موانِعِ الإرثِ: اختلافُ الدِّينِ، فـ (لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ إِلَّا بِالوَلَاءِ)؛ لحديثِ جابرٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَرِثُ المُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» رواه الدارقطني (1)، وإلَّا إذا
(1) رواه الدارقطني (4081)، والحاكم (8007) من طريق عبد الله بن وهب، أخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنهما مرفوعاً. وصححه الحاكم وقال:(محمد بن عمرو هذا هو اليافعي من أهل مصر، صدوق الحديث صحيح)، ووافقه الذهبي، واستنكره ابن عدي على محمد بن عمرو، وقال:(له مناكير).
وأعله ابن حزم والألباني بعنعنة أبي الزبير عن جابر. وأجيب: بأن مسلماً روى لأبي الزبير عن جابر بالعنعنة في صحيحه ولم ينتقدها الحفاظ، كما لم يُعل أحد من الحفاظ المتقدمين حديثاً لعنعنة أبي الزبير عن جابر.
وأعلَّه ابن القطان بمحمد بن عمرو، وقال:(إنه مجهول الحال). قال ابن الملقن: (هذا غريب، فقد روى عن ابن جريج وغيره، وعنه ابن وهب، وأخرج له مسلم في صحيحه، وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: شيخ، وقال الحاكم: صدوق الحديث صحيح. نعم قال ابن عدي: له مناكير. وقال ابن يونس: روى عنه ابن وهب وحده بغرائب)، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب:(صدوق له أوهام).
ورواه عبد الرزاق (9865)، ومن طريق الدارقطني (4082) عن ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر رضي الله عنهما موقوفاً. وصوبه الدارقطني، والأشبيلي، وابن القطان، وابن حجر. ينظر: الكامل لابن عدي 7/ 460، المحلى 8/ 338، بيان الوهم 3/ 538، تحفة المحتاج 2/ 325، تهذيب التهذيب 9/ 380، الإرواء 6/ 155.
أسْلَم كافرٌ قبلَ قَسْمِ ميراثِ مُورِّثِهِ المسلمِ فيَرِثُ.
(وَلَا) يرِثُ (الكَافِرُ المُسْلِمَ إِلَّا بِالوَلَاءِ)؛ لقولِهِ عليه السلام: «لَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ، وَلَا المُسْلِمُ الكَافِرَ» متفقٌ عليه (1)، وخُصَّ بالولاءِ فيَرِثُ به؛ لأنَّه شُعْبَةٌ مِن الرِّقِّ.
(وَ) اختلافُ الدَّارَيْن ليس بمانعٍ، فـ (يَتَوَارَثُ الحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وَالمُسْتَأْمِنُ) إذا اتَّحدت أديانُهم؛ لعمومِ النُّصوصِ.
(وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً مَعَ اتِّفَاقِ أَدْيَانِهِمْ لَا مَعَ اخْتِلَافِهَا، وَهُمْ مِلَلٌ شَتَّى)؛ لقولِهِ عليه السلام: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» (2).
(وَالمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَداً) مِن المسلمين ولا مِن الكفارِ؛ لأنَّه
(1) رواه البخاري (6764)، ومسلم (1614) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(2)
رواه أحمد (6664)، وأبو داود (2911)، وابن ماجه (2731)، وابن الجارود (967) من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما مرفوعاً. وصححه ابن الجارود، وقال ابن حجر:(وسند أبي داود فيه إلى عمرو صحيح)، وحسَّنه الألباني.
قال ابن الملقن: (وهذا إسناد جيد إلى عمرو، لا جرم قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الفرائض له: هذا الإسناد لا مطعن فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث، لكن خالف أبو عمر نفسه في هذه؛ فضعفه في تمهيده). ينظر: البدر المنير 7/ 221، فتح الباري 12/ 51، الإرواء 6/ 121.
لا يُقَرُّ على ما هو عليه، فلم يَثبُتْ له حُكمُ دِينٍ مِن الأديانِ.
(وَإِنْ مَاتَ) المرتدُّ (عَلَى رِدَّتِهِ؛ فَمَالُهُ فَيْءٌ)؛ لأنَّه لا يُقَرُّ على ما هو عليه، فهو مُبايِنٌ لدِينِ أقاربِهِ.
(وَيَرِثُ المَجُوسُ (1) بِقَرَابَتَيْنِ) غيرِ محجُوبَتَيْن في قولِ عمرَ (2)، وعليٍّ (3)، وغيرِهِما (4)، (إِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ)، فلو خلَّفَ أُمَّه وهي أختُهُ؛ بأن وطِئَ أبوه ابنتَه فولدت هذا الميتَ؛ وَرِثَت الثُّلثَ بكونِها أُمًّا، والنِّصفَ بكونِها أختاً.
(1) في (أ): المجوسي.
(2)
لم نقف عليه مسنداً، وأورده ابن قدامة في المغني (6/ 375).
(3)
رواه عبد الرزاق (9910) من طريق سلمة بن كهيل، عن أبي صادق أو غيره:«أن عليًّا كان يورث المجوسي من مكانين» ، يعني: إذا تزوج أخته أو أمه، وأبو صادق لم يسمع من علي كما قال أبو حاتم، قال ابن حجر:(وحديثه عن علي مرسل). ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 130.
ورواه البيهقي (12511) من طريق الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار:«أن عليًّا رضي الله عنه كان يورث المجوس من الوجهين جميعاً إذا كانت أمه أو امرأته أو أخته أو ابنته» ، ضعَّفه البيهقي، وقال:(الحسن بن عمارة متروك).
(4)
رواه عبد الرزاق (9906)، وابن أبي شيبة (31424)، والبيهقي (12512) من طريق سفيان ، عن رجل - وسماه عبد الرزاق: محمد بن سالم - ، عن الشعبي ، عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا في المجوس:«يرث من مكانين» ، قال البخاري:(محمد بن سالم أبو سهل الكوفي كان الثوري يروي عنه فيقول: أبو سهل، وربما قال: رجل عن الشعبي، يتكلمون فيه، كان ابن المبارك ينهى عنه)، وضعفه البيهقي، وقال:(الروايات عن الصحابة في هذا الباب ليست بالقوية). ينظر: التاريخ الكبير 1/ 105.
(وَكَذَا حُكْمُ المُسْلِمِ يَطَأُ ذَاتَ رَحِمٍ مُحَرَّمٍ (1)
مِنْهُ بِشُبْهَةِ) نكاحٍ أو تَسَرٍّ، ويَثبُتُ النَّسبُ.
(وَلَا إِرْثَ بِنِكَاحِ ذَاتِ رَحِمٍ مُحَرَّمٍ)؛ كأمِّه، وبنتِه، وبنتِ أخيه.
(وَلَا) إرثَ (بِعَقْدِ) نكاحٍ (لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ)؛ كمطلَّقتِهِ ثلاثاً، وأُمِّ زوجتِه، وأختِه مِن رضاعٍ.
(1) قال في المطلع (ص 199): (ويقال: هو ذو رحم محرم -بفتح الميم والراء مخففة، وبضم الميم وتشديد الراء-: وهي من ذوات المحارم).
وأما إعراب (محرم)، فقال في مصباح المنير (1/ 131):(يقال: ذو رحم محرم، فيجعل (محرم) وصفاً لرحم؛ لأن الرحم مذكر وقد وصفه بمذكر، كأنه قال: ذو نسب محرم، والمرأة أيضاً ذات رحم محرم .... ومن أنث الرحم يمنع من وصفها بمحرم؛ لأن المؤنث لا يوصف بمذكر، ويجعل (محرماً) صفة للمضاف وهو: ذو، وذات، على معنى شخص، وكأنه قيل: شخص قريب محرم، فيكون قد وصف مذكراً بمذكر أيضاً)، ورجَّح النووي أنه وصف للمضاف. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 286.
(بَابُ (1) مِيرَاثِ المُطَلَّقَةِ)
رَجعيًّا أو بائناً يُتَّهَمُ فيه بقصدِ الحرمانِ.
(مَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ فِي صِحَّتِهِ) لم يَتوارَثا، (أَوْ) أبانَها في (مَرَضِهِ غَيْرِ المَخُوفِ وَمَاتَ بِهِ) لم يَتوارَثا؛ لعدمِ التُّهمةِ حالَ الطَّلاقِ، (أَوْ) أبانها في مرضِهِ (المَخُوفِ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ لَمْ يَتَوَارَثَا)؛ لانقطاعِ النكاحِ، وعدمِ التُّهمةِ.
(بَلْ) يَتوارَثان (فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ)، سواءٌ كان في المرضِ أو الصِّحةِ؛ لأنَّ الرجعيَّةَ زوجةٌ.
(وَإِنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ المَخُوفِ مُتَّهَماً بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا)؛ بأنْ أبانَها ابتداءً، أو سأَلَتْه أقلَّ مِن ثلاثٍ فطَلَّقَها ثلاثاً، (أَوْ عَلَّقَ إِبَانَتَهَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى مَرَضِهِ، أَوْ) علَّق إبانَتَها (عَلَى فِعْلٍ لَهُ)؛ كدخولِهِ الدَّارَ (فَفَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ) المخوفِ، (وَنَحْوِهِ)؛ كما لو وَطِئَ عاقلٌ حماتَهُ بمرضِ موتِهِ المخوفِ؛ (لَمْ يَرِثْهَا) إن ماتت؛ لقطعِهِ نكاحَها، (وَتَرِثُهُ) هي (فِي العِدَّةِ وَبَعْدَهَا)؛ لقضاءِ عثمانَ رضي الله عنه (2)، (مَا لَمْ
(1) بداية سقط من الأصل إلى قوله: (على عددهم كالنسب ولو اشترى أخ وأخته).
(2)
رواه الشافعي (ص 294)، وعبد الرزاق (12192)، وابن أبي شيبة (19035) من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أنه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة فيبتَّها ثم يموت وهي في عدتها، فقال عبد الله بن الزبير:«طلَّق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية، فبتَّها ثم مات وهي في عدتها، فورَّثها عثمان رضي الله عنه» ، وصححه ابن حزم، وقال ابن عبد البر:(وأصح الروايات عنه: أنه ورثها بعد انقضاء العدة)، وقال الألباني:(سند صحيح على شرط البخارى). ينظر: المحلى 9/ 487، التمهيد 6/ 114، الإرواء 6/ 159.
تَتَزَوَّجْ أَوْ تَرْتَدَّ)، فيَسقُطُ ميراثُها ولو أسلَمْت بعدُ؛ لأنَّها فعَلَتْ باختيارِها ما يُنافي نكاحَ الأوَّلِ.
ويَثبُتُ الإرثُ له دونَها إن فعَلَت في مرضِ موتِها المخوفِ ما يَفسَخُ نكاحَها مادامت في العدةِ، إنِ اتُّهِمَت بقصدِ حِرمانِهِ.