الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الّذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلًا صغيرًا من أكثر من خمس مئة سنة، فلم تره بعد ذلك عينٌ، ولم يُحَسَّ فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كلّ يوم!! ويقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم: اخرج يا مولانا! أخرج يا مولانا! ثمَّ يرجِعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال:
مَا آنَ للسِّرْداب أَنْ يَلِدَ الَّذي
…
كَّلَّمْتمُوهُ بجَهْلِكمْ مَا آنَا؟
فَعَلى عُقولِكُمُ العَفاءُ فإِنَّكمْ
…
ثَلَّثْتُمُ العَنْقاءَ والغِيْلانَا
ولقد أصبح لهؤلاء عارًا علي بني آدم، وضحكة يسخر منهم كلّ عاقل"
(1)
.
*
حديث "لا مهدي إِلَّا عيسى بن مريم" والجواب عنه:
احتجَّ بعض المنكرين لأحاديث المهدي بالحديث الّذي رواه ابن ماجه والحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزداد الأمر إِلَّا شدَّة، ولا الدُّنيا إِلَّا إدبارًا، ولا النَّاس إِلَّا شحًّا، ولا تقومُ السّاعة إِلَّا على شرار النَّاس، ولا المهدي إِلَّا عيسى بن مريم"
(2)
.
(1)
"المنار المنيف"(ص 152 - 153).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2/ 1340 - 1341)، و"مستدرك الحاكم"(4/ 441 - 442)، قال الحاكم: "فذكرت ما انتهى إلى من علة لهذا الحديث تعجُبًا لا محتجًّا به في =
ويُجاب عليهم بأن لهذا الحديث ضعيف؛ لأنَّ مداره على محمَّد بن خالد الجندي:
قال الذهبي فيه: "قال الأزدي: منكر الحديث. وقال أبو عبد الله الحاكم: مجهول. قلت -القائل الذهبي-: حديثه "لا مهدي إِلَّا عيسى بن مريم"، وهو خبرٌ منكرٌ، أخرجه ابن ماجه"
(1)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمَّد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس ممّا يعتمد عليه، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشّافعيّ، والشّافعيُّ رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمَّد بن خالد الجندي، وهو ممَن لا يحتَجُّ به، وليس لهذا في مسند الشّافعيّ، وقد قيل: إن الشّافعيّ لم يسمعه من الجندي، وإن يونس لم يسمعه من الشّافعيّ"
(2)
.
وقال فيه الحافظ ابن حجر: "مجهول"
(3)
.
وقد خالف في ذلك الحافظ ابن كثير، فقال فيه: "إنّه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن، شيخ الشّافعيّ، وروى عنه
= "المستدرك على الشيخين" رضي الله عنهما؛ فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان
…
عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: لا تذهب الأيَّام والليالي حتّى يملك (فذكر الحديث إلى آخره، وقد سبق ذكره) " (ص 234).
(1)
"ميزان الاعتدال"(3/ 535).
(2)
"منهاج السنة النبوية"(4/ 211).
(3)
"تقريب التهذيب"(2/ 157).
غير واحد أيضًا، وليس هو بمجهول؛ كما زعمه الحاكم، بل قد رُوِي عن ابن مَعين أنَّه وثَّقه، ولكن من الرواة مَنْ حدَّث به عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن البصري مرسلًا، وذكرسولك شيخنا في "التهذيب"
(1)
عن بعضهم أنّه رأى الشّافعيّ في المنام، وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلى الصدفي ليس لهذا من حديثي. قلت: يونس بن عبد الأعلى الصدفي من الثقات، لا يُطْعَن فيه بمجرَّد منام، ولهذا الحديث فيما يظهر بادئ الرأي مخالف للأحاديث الّتي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى بن مريم، إمّا قبل نزوله -كما هو الأظهر، والله أعلم-، وإما بعده، وعند التأمل لا يتنافيان، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى بن مريم، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديًّا أيضًا، والله أعلم"
(2)
.
وقال أبو عبد الله القرطبي: "يحتمل أن قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا مهدي إِلَّا عيسى"؛ أي: لا مهدي كاملًا معصومًا إِلَّا عيسى، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض"
(3)
.
قلت: وعلى فرض احتمال ثبوته؛ فإنّه لا يقوم أمام الأحاديث الكثيرة الثابتة في شأن المهدي، وهي أصحُّ إسنادًا من هذا الحديث الّذي اختلفت أقوال العلماء في ثبوته من عدمه. والله أعلم.
(1)
"تهذيب الكمال في أسماء الرجال"(3/ 1193 - 1194) لأبي الحجاج المزي.
(2)
"النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 32) تحقيق د. طه زيني.
(3)
"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"(ص 617).