الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
بماذا يحكم عيسى عليه السلام
-؟
يحكم عيسى عليه السلام بالشريعة المحمَّدِيَّة، ويكون من أتباع محمَّد صلى الله عليه وسلم، فإنّه لا ينزل بشرع جديد؛ لأنَّ دينَ الإسلام خاتمُ الأديان، وباقٍ إلى قيام السّاعة، لا ينسخ، فيكون عيسى عليه السلام حاكمًا من حكام هذه الأمة، ومجدَّدًا لأمر الإسلام، إذ لا نبى بعد محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
روى الإِمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامُكُم منكم؟! ".
فقلتُ (القائل الوليد بن مسلم)
(1)
لابن أبي ذئب
(2)
: إن الأوزاعي حدّثنا عن الزّهريُّ عن نافع عن أبي هريرة: "وإمامكم منكم". قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمَّكم منكم؟ قلت: تخبرني؟ قال: فأمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيِّكم صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتِلون على الحق، ظاهرين إلى يوم
(1)
هو الوليد بن مسلم القرشي، مولى بني أمية، عالم الشّام، توفي سنة (195 هـ) رحمه الله.
انظر: "تهذيب التهذيب"(11/ 151 - 152).
(2)
هو محمَّد بن عبد الرّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، الإِمام، الثقة، توفي سنة (159 هـ)، رحمه الله.
انظر: "تهذيب التهذيب"(9/ 303 - 307).
(3)
"صحيح مسلم"، كتاب الإِيمان، باب بيان نزول عيسى بن مريم حاكمًا، (2/ 193 - مع شرح النووي).
القيامة". قال: "فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة"
(1)
.
قال القرطبي: "ذهب قومٌ إلى أنَّه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف؛ لئلا يكون رسولًا إلى أهل ذلك الزّمان؛ يأمرهم عن الله تعالى، وهذا (يعني: كونه رسولًا بعد محمّد) أمرٌ مردودٌ بقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نبىَّ بعدي"
(2)
، وقوله:"وأنا العاقب"
(3)
؛ يريد آخر الأنبياء وخاتمهم.
وإذا كان ذلك؛ فلا يجوز أن يُتوهَّم أن عيسى ينزل نبيًّا بشريعة متجدِّدة غير شريعة محمَّد نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، بل إذا نزل؛ فإنّه يكون يومئذٍ من أتباع محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم، حيث قال لعمر:"لو كان موسى حيًّا؛ ما وسعه إِلَّا اتباعي"
(4)
، فينزل وقد عُلِّم بأمر الله تعالى له في السَّماء قبل أن ينزل ما
(1)
"صحيح مسلم"، (2/ 193 - 194 - مع شرح النووي).
(2)
"صحيح مسلم"، كتاب الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم، (15/ 104 - مع شرح النووي).
(3)
"صحيح البخاريّ"، كتاب التفسير، باب {يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، (8/ 640 - 41 - مع الفتح).
(4)
"مسند الإِمام أحمد"(3/ 387 - بهامشه منتخب الكنز).
قال ابن حجر: "رجاله موثقون؛ إِلَّا أن في مجالد (أحد رواة الحديث) ضعفًا". "فتح الباري"(13/ 334).
وقد رواه عبد الرزّاق في "المصنِّف"(10/ 313 - 314)، تحقيق حبيب الرّحمن الأعظمي.
ومجالد هو مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي، روى له مسلم مقرونًا بغيره، =
يحتاج إليه من علم لهذه الشّريعة للحكم به بين النَّاس، والعمل به في نفسه، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه، ويحكِّمونه على أنفسهم
…
ولأن تعطيل الحكم غير جائز، وأيضًا؛ فإن بقاء الدنيا إنّما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض: الله، الله"
(1)
.
والذي يدلُّ على بقاء التكليف بعد نزول عيسى عليه السلام صلاته مع المسلمين، وحجُّه، وجهاده للكفار.
فأمّا صلاته؛ فقد سبق في الأحاديث ذكر ذلك.
وكذلك قتاله للكفار وأتباع الدَّجَّال.
وأمّا حجه؛ ففي "صحيح مسلم" عن حنظلة الأسلمي؛ قال: سمعتُ أبا هريرة رضي الله عنه يحدِّث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: "والذي نفسي بيده، ليُهِلَّنَّ ابنُ مريم بفجِّ الرَّوحاء
(2)
حاجًّا أو معتمرًا، أو ليثنِّيَنَّهما"
(3)
؛ أي: يجمع بين الحجِّ والعمرة.
وأمّا وضع عيسى للجزية عن الكفار- مع أنّها مشروعة في الإسلام
= قال فيه ابن حجر: "صدوق".
انظر: "تهذيب التهذيب"(10/ 39 - 41).
(1)
"التذكرة "(ص 677 - 678).
(2)
(فج الروحاء): موضع بين مكّة والمدينة، سلكه النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكّة عام الفتح وفي الحجِّ.
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(3/ 412)، و"معجم البلدان، (4/ 236).
(3)
"صحيح مسلم بشرح النووي"، كتاب الحجِّ، باب جواز التمتع في الحجِّ والقرآن، (8/ 234 - مع شرح النووي).