الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويؤِّيد ذلك ما رواه الإِمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يذهب اللّيل والنهار حتّى يملك رجلٌ من الموالي؛ يقال له: جهجاه"
(1)
.
54 - قتال اليهود:
ومنها قتال المسلمين لليهود في آخر الزّمان، وذلك أن اليهود يكونون من جند الدَّجَّال، فيقاتلهم المسلمون الذين هم جند عيسى عليه السلام، حتّى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهوديّ ورائي، تعال فاقتله.
وقد قاتَل المسلمون اليهودَ من زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وانتصروا عليهم، وأجلوهُم من جزيرة العرب؛ أمتثالًا لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"الأخْرِجَنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتّى لا أدع إِلَّا مسلمًا"
(2)
.
ولكن لهذا القتال ليس هو القتال الّذي هو من أشرأط السّاعة، وجاءت به الأحاديث الصحيحة؛ فإن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر أن المسلمين سيقاتلونهم إذا خرج الدَّجَّال، ونزل عيسى عليه السلام.
روى الإِمام أحمد عن سَمُرة بن جُنْدَب رضي الله عنه حديثًا طويلًا في خطبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشّمس
…
(وفيه أنّه ذكر الدَّجَّال، قال):
(1)
"مسند أحمد"(16/ 156)(ح 8346)، شرح وتعليق أحمد شاكر، وقال:"إسناده صحيح، والحديث في صحيح مسلم"(18/ 36) بدون لفظة: "من الموالي".
(2)
"صحيح مسلم"، كتاب الجهاد والسير، باب إجلاء اليهود من الحجاز، (12/ 92 - مع شرح النووي).
"وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالًا شديدًا، ثمّ يهلكه الله تبارك وتعالى وجنوده حتّى أن جذم الحائط - أو قال: أصل الحائط، وقال حسن الأشيب
(1)
: وأصل الشجرة - لينادي - أو قال: يقول - يا مؤمن! - أو قال: يا مسلم- لهذا يهوديٌّ - أو قال: هذا كافرٌ - تعال فاقتله".
قال: "ولن يكون ذلك كذلك حتّى تروا أمورًا يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتسألون بينكم: هل كان نبيُّكم ذكر لكم منها ذكرًا؟ "
(2)
.
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "لا تقوم السّاعة حتّى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتّى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهوديٌّ خلفي، فتعال، فاقتله؛ إِلَّا الغرقد
(3)
؛ فإنّه من شجر اليهود"
(4)
.
وهذا لفظ مسلم.
(1)
هو أبو علي الحسن بن موسى الأشيب البغدادي الثقة، قاضي طبرستان والموصل وحمص، روى عنه الإِمام أحمد، وتوفي سنة ثمان أو تسع أو عشر ومئتين رحمه الله. انظر:"تهذيب التهذيب"(2/ 323).
(2)
"مسند الإِمام أحمد"(5/ 16 - بهامشه منتخب كنزل العمال).
قال ابن حجر: "إسناده حسن". "فتح الباري"(6/ 610).
(3)
(الغرقد)؛ قال النووي: "نوع من شجر الشوك، معروف ببلاد المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود". "شرح مسلم"(18/ 45).
(4)
"صحيح البخاريّ"، كتاب الجهاد، باب قتال اليهود، (6/ 103 - مع الفتح)، و "صحيح مسلم"، كتاب الفتن وأشراط السّاعة (18/ 44 - 45 - مع شرح النووي).
والذي يظهر من سياق الأحاديث أن كلام الحجر والشجر ونحوه حقيقة، وذلك لأنّ حدوث تكلُّم الجمادات ثابتٌ في غير أحاديث قتال اليهود، وقد سبق أن أفردتُ لهذا مبحثًا خاصًّا به؛ لأنّه من علامات السّاعة.
وإذا كانت الجمادات تتكلَّم في ذلك الوقت؛ فلا داعي لحمل كلام الشجر والحجر على المجاز؛ كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء
(1)
؛ فإنّه ليس هناك دليلِّ يوجِبُ حمل اللّفظ على خلاف حقيقته، ونطق الجماد قد ورد في آياتٍ من القرآن:
منها قوله تعالى: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].
وقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراءِ: 44].
وجاء في الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته عن الدجَّال، وحذَّرَناه، فذكر خروجه، ثمّ نزول عيسى عليه السلام لقتله، وفيه: "قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب، فيُفْتَحُ، ووراءه الدجَّال، معه سبعون ألف يهوديٍّ؛ كلهم ذو سيف محلًّى وساجٍ
(2)
، فإذا نظر إليه الدجَّال، ذاب كما يذوب الملح في الماء،
(1)
انظر: "هداية الباري إلى ترتيب صحيح البخاريّ"(1/ 317)، و"العقائد الإِسلامية" لسيد سابق، (ص 54)، واختار ابن حجر أن نطق الجمادات من شجر وحجر حقيقة.
انظر: "فتح الباري"(6/ 610).
(2)
(الساج). حر الطيلسات الضخم الغليظ، وقيل: الطيلسان المقور، وقيل: =
وينطلق هاربًا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربةً لن تسبِقَني بها، فيذكره عند باب اللدِّ الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيءٌ ممَّا خَلَق الله يتوارى به يهوديٌّ إِلَّا أنطق الله ذلك الشيء؛ لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابَّة؛ إِلَّا الغرقدة؛ فإنها من شجرهم لا تنطق"
(1)
.
فالحديث فيه التصريح بنطق الجمادات.
وأيضًا؛ فإن استثناء شجر الغرقد من الجمادات بكونها لا تخبر عن اليهود؛ لأنّها من شجرهم، يدلُّ على أنّه نطقٌ حقيقيٌّ، ولو كان المراد بنطق الجمادات المجاز؛ لما كان لهذا الاستثناء معنى.
ولو حملنا كلام الجمادات على المجاز؛ لم يكن ذلك بالأمر الخارق في قتال اليهود في آخر الزّمان، وكانت هزيمتهم أمام المسلمين كهزيمة غيرهم من الكفار الذين قاتلهم المسلمون وظهروا عليهم، ولم يردّ في قتالهم مثل ما ورد في قتال اليهود من الدلالة على المختبىء
(2)
بنطق الجمادات، فإذا لاحظنا أن الحديث في أمر مستغرب يكون آخر الزّمان هو من علامات السّاعة؛ دلَّ ذلك على أن النُّطق في قتال اليهود حقيقيٌّ، وليس
= الطيلسان الأخضر.
انظر: "لسان العرب"(2/ 302 - 303).
(1)
"سنن ابن ماجه"(2/ 1359 - 1363)(ح4077).
قال ابن حجر: "أخرجه ابن ماجه مطولًا، وأصله عند أبي داود، ونحوه في حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن، وأخرجه أبن منده في كتاب الإِيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح". "فتح الباري"(6/ 610).
(2)
انظر: "إتحاف الجماعة"(1/ 337 - 338)