الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في رواية البخاريّ عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أن هذا الرَّجل الّذي يقتله الدجَّال من خيار النَّاس، أو خير النَّاس؛ يخرج إلى الدجال من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول للدَّجَّال:"أشهد أنك الدَّجَّال الّذي حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه. فيقول الدَّجَّال: أرأيتُم إن قتلتُ هذا ثمّ أحييتُه؛ هل تشكُّون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله، ثمَّ يحييه، فيقول (أي: الرَّجل): والله ما كنتُ فيك أشدُّ بصيرة مني اليوم، فيريد الدَّجَّال أن يقتله، فلا يسلَّط عليه"
(1)
.
وسبق ذكر رواية ابن ماجه عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه
…
(وفيها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الدَّجَّال: "إن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيتَ إن بعثتُ لك أباك وأمَّكَ؛ أتشهد أني ربُّك؟ فيقول: نعم. فيتمَثَّلُ له شيطانان في سورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بن! اتبعه؛ فإنَّه ربُّك"
(2)
.
نسأل الله العافية، ونعوذ به من الفتن.
*
الرَّدِّ على منكري ظهور الدَّجَّال:
ما تقدَّم من الأحاديث يدلُّ على تواتر خروج الدَّجَّال في آخر الزّمان، وأنّه شخصٌ حقيقة، يعطيه الله ما شاء من الخوارق العظيمة.
وقد ذهب الشّيخ محمَّد عبده إلى أن الدَّجَّال رمز للخرافات والدَّجَل والقبائح
(3)
، وتبعه الشّيخ أبو عبية، فذهب إلى أن الدَّجَّال رمز لاستشراء
(1)
"صحيح البخاريّ"، كتاب الفتن، باب لا يدخل الدجال المدينة، (13/ 101 - مع الفتح).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر: "تفسير المنار"(3/ 317).
الباطل، وليس رجلًا من بني آدم، ولهذا التّأويل صرفٌ للأحاديث عن ظاهرها بدون قرينةٍ!!
وإليك ما قاله الشّيخ أبو عبيَّة في تعليقه على أحاديث الدَّجَّال؛ قال: "اختلاف ما رُوِي من الأحاديث في مكان ظهور الدَّجَّال، وزمان ظهوره، وهل هو ابن صيّاد أم غيره؟ يشير إلى أن المقصود بالدَّجَّال الرمز إلى الشر، واستعلائه، وصولة جبروته، واستشراء خطره، واستفحال ضرره في بعض الأزمنة، وتطاير أذاه في كثير من الأمكنة، بما يتيسَّر له من وسائل التمكُّن والانتشار والفتنة بعض الوقت، إلى أن تنطفىء جذوته، وتموت جمرته بسلطان الحق، وكلمة الله: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراءِ: 81] "
(1)
.
ويقول أيضًا: "أليس الأولى أن يُفْهَم من الدَّجَّال أنّه رمز الشر والبهتان والإِفك
…
" إلخ
(2)
.
ونرد على هذه الأقوال بأن الأحاديث صريحة في أن الدَّجَّال رجل بعينه، وليس هناك ما يدلُّ على أنَّه رمز للخرافات والدَّجَل والباطل، وليس في الروايات اختلاف ولا تعارض، وقد سبق الجمع بينها، فبيَّنت أن أول ما يخرج الدَّجّال من أصبهان من جهة خراسان -وكلها في جهة المشرق-، وبيَّنتُ ما قيل عن ابن صياد هل هو الدَّجَّال أم غيره؟ وذكرتُ أقوال العلماء في ذلك.
وإذا تبيَّنَ لهذا، وأن الروايات ليس فيها اضطراب؛ لا من حيث مكان
(1)
"النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 118 - 119)، تحقيق الشّيخ محمَّد فهيم أبو عبية.
(2)
"النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 152).
خروجه، ولا من حيث زمان ظهوره؛ لم يكن هناك ما يدعو إلى ما ذهبا إليه، لا سيما مع ما جاء من صفاته الّتي نبَّهَت عليها الأحاديث، والتي تدلُّ دون ارتكاب تجوُّز لا داعي له على أنّه شخصٌ حقيقة.
وأيضًا؛ فأبو عبية متناقضٌ في تعليقاته على الأحاديث الواردة في الدَّجّال في كتاب "الفتن والملاحم" لابن كثير؛ فإنَّه يعلَّق على قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّه مكتوبٌ بين عينيه (كافر)؛ يقرؤه مَنْ كره عمله، أو يقرؤه كلّ مؤمن". وقوله: "تعلَّموا أنّه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه حتّى يموت".
يقول أبو عبية: "وهذا يقرِّر كذب الدَّجّال في دعواه الرُّبوبية قبَّحَهُ الله، وأتمَّ عليه غضبه ولعنه"
(1)
.
فهو هنا يرى أن الدَّجَّال إنسان حقيقة، يَدَّعي الرُّبوبية، ويدعو عليه بالغضب واللعنة، وفي موضع آخر ينفي أن يكون هناك دجّال على الحقيقة، و إنّما هو رمزٌ للشَّرِّ والفتنة!!
ولا شك أن هذا تناقضٌ واضحٌ منه.
وأرجو أن لا ينطبق على هؤلاء المنكرين لظهور الدَّجّال قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّه سيكون من بعدكم قومٌ يكذِّبون بالرجم، وبالدَّجّال، وبالشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النّار بعد ما امتحشوا"
(2)
.
وسيأتي في الكلام على خوارق الدَّجَّال، والأمر بالتعوُّذ من فتنته،
(1)
"النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 89).
(2)
"مسند أحمد"(1/ 223)(ح 157)، تحقيق أحمد شاكر، وقال:"إسناده صحيح".