الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على يدي الحبشة، وظهور الريح الّتي تقبض أرواح المؤمنين.
ومما ينبغي أن يُعْلَمَ أَنَّ كثيرًا من أشراط الساعه قد ظهرت مباديها من عهد الصّحابة رضي الله عنهم، وهي في ازدياد، ثمّ صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض، والذي يعقبه قيام السّاعة هو استحكام ذلك، فيكون مثلًا قبض العلم لا يقابله إِلَّا الجهل الصّرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنّهم يكونون حينئذ مغمورين في أهل الجهل، وقس عليه غيره من أشراط السّاعة
(1)
.
وممَّا ينبغي التنبيه عليه أيضًا أن بعض النَّاس يفهم من كونِ الشيء من أشراط السّاعة أنّه محذورٌ وممنوعٌ، وهذه القاعدةُ غير مسلَّمة، فإنّه ليس كلُّ ما أخبر صلى الله عليه وسلم بكونه من علامات السّاعة يكون محرَّمًا أو مذمومًا، فإن تطاوُلَ الرعاء في البنيان، وفشوَّ المال، وكون خمسين امرأة لهنَّ قيَمٌ واحد ليس بحرام بلا شك، وإنّما هذه علامات، والعلّامة لا يشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشر، والمباح، والمحرَّم، والواجب، وغيره، والله أعلم
(2)
.
والآن حان الشروع في ذكر أشراط السّاعة الصغرى، وهي كما يلي:
1 - بعثة النّبيّ صلى الله عليه وسلم
-:
أخبر صلى الله عليه وسلم أن بعثتَهُ دليلٌ على قرب قيام السّاعة، وأنّه نبيُّ السّاعة:
(1)
انظر: "فتح الباري"(13/ 16).
وسيأتي بيان ذلك مفصلًا في الكلام على قبض العلم وظهور الجهل.
(2)
"شرح النووي لمسلم"(1/ 159).
ففي الحديث عن سهل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين"، ويشير بإصبعيه فيمدّهُما
(1)
.
وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين". قال: وضمَّ السبابة والوسطى
(2)
.
وعن قيس بن أبي حازم عن أبي جُبيرة مرفوعًا: "بُعِثْتُ في نسم
(3)
السّاعة"
(4)
فأول أشراط السّاعة بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو النبيُّ الأخير، فلا يليه نبىٌّ آخر، وإنّما تليه القيامة كما يلي السبابة والوسطى، وليسس بينهما إصبع
(1)
"صحيح البخاريّ"، كتاب الرقاق، باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"بعثت أنا والساعة كهاتين"، (11/ 347 - مع الفتح).
(2)
"صحيح مسلم"، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب قرب السّاعة، (18/ 89 - 90 - مع شرح النووي).
(3)
(نسم السّاعة): قال ابن الأثير: "هو من النسيم، أول هبوب الريح الضعيفة؛ أي: بُعِثْتُ في أول أشراط السّاعة، وضعف مجيئها. وقيل: هو جمع نسمة؛ أي: بعثت في ذوي أرواح خلقهم الله تعالى قبل اقتراب السّاعة؛ كأنّه قال: في آخر النشء في آدم". "النهاية في غريب الحديث"(5/ 49 - 50).
(4)
رواه الدولابي في "الكنى"(1/ 23)، وابن منده في "المعرفة"(2/ 234/ 2).
قال الألباني: "صحيح".
والحديث رواه الحاكم في "الكنى" - كما في "الفتح الكبير"-، ولم يعزه لغيره.
انظر: "صحيح الجامع الصغير"(3/ 8)(ح 2829)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة"(2/ 468)(ح 808).