الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابن حجر، وروى عنه الجماعة، وقال أبو موسى المديني:"يقال: إنّه أدرك الجاهلية"
(1)
.
2 -
إن إبراهيم بن يزيد قد صرَّح بالسَّماع من أبيه يزيد؛ كما في رواية مسلم؛ فإنّه قال: "
…
حدّثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي سمعه فيما أعلم عن أبيه عن أبي ذر"
(2)
.
والثقة إذا صرَّح بالسماع؛ قُبِلت روايته؛ كما هو مقرَّر في علم مصطلح الحديث
(3)
.
*
عدم قبول الإِيمان والتوبة بعد طلوع الشّمس من مغربها:
إذا طلعت الشّمس من مغربها؛ فإنّه لا يقبل الإِيمان ممَّن لم يكن قبل ذلك مؤمنًا؛ كما لا تقبل توبة العاصي، وذلك لان طلوع الشّمس من مغربها آية عظيمة، يراها كلّ مَنْ كان في ذلك الزّمان، فتنكشف لهم الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإِقرار والتصديق بالله وآياته، وحكمهم في ذلك حكم من عاين بأس الله تعالى؛ كما قال عز وجل:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِين. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84 - 85].
(1)
انظر: "تهذيب التهذيب"(11/ 337).
(2)
"صحيح مسلم"، كتاب الفتن، باب بيان الزمن الّذي لا يقبل فيه الإيمان" (2/ 195 - مع شرح النووي).
(3)
انظر: "تيسير مصطلح الحديث"(ص 83).
قال القرطبي: "قال العلماء: و إنّما لا ينفع نفسًا إيمانُها عند طلوع الشّمس من مغربها لانه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كلّ شهوة من شهوات النفس، وتفتر كلّ قوة من قوى البدن، فيصير النَّاس كلهم - لإِيقانهم بدُنوِّ القيامة- في حالِ مَنْ حضره الموت؛ في انقطاع الدواعي إلى أنوع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمَن تاب في مثل هذه الحال؛ لم تقبل توبته؛ كما لا تقبل توبة مَنْ حضره الموت"
(1)
.
وقال ابن كثير: "إذا أنشأ الكافر إيمانًا يومئذ لا يقبل منه، فأمّا مَنْ كان مؤمنًا قبل ذلك؛ فإن كان مصلحًا في عمله؛ فهو بخير عظيم، وإن كان مخلطًا فأحدث توبة؛ حينئذ لم تقبل منه توبة"
(2)
.
وهذا هو الّذي جاء به القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة؛ فإن الله تعالى قال: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطع الهجرة ما تُقُبِّلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتّى تطلع الشّمس من المغرب، فإذا طلعت؛ طُبِعَ على كلّ قلب بما فيه، وكفي النَّاس العمل"
(3)
.
(1)
"التذكرة"(ص 706)، و"تفسير القرطبي"(7/ 146).
(2)
"تفسير ابن كثير"(3/ 371).
(3)
"مسند الإِمام أحمد"(3/ 133 - 134)(ح 1671)، تحقيق أحمد شاكر، وقال:"إسناده صحيح".
وقال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد- قوي". "النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 170).
وقال الهيثمي: "رجال أحمد ثقات". "مجمع الزؤائد"(5/ 251).
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله عز وجل جعل بالمغرب بابًا عرضه مسيرة سبعين عامًا للتوبة، لا يغلق حتّى تطلع الشّمس من قبله، وذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
…
} الآية
(1)
.
ويرى بعض العلماء
(2)
أن الذين لا يُقبل إيمانُهم هم الكِفار الذين عاينوا طلوع الشّمس من مغربها، أمّا إذا امتدَّ الزّمان، ونسي النَّاس ذلك؛ فإنّه يُقْبل إيمان الكفار وتوبة العصاة.
قال القرطبي: "قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"
(3)
؛ أي: تبلغ روحه رأس حلقه، وذلك وقت المعاينة الّذي يرى فيه مقعده من الجنَّة ومقعده من النّار، فالمشاهد لطلوع الشّمس من مغربها مثله، وعلى
(1)
رواه التّرمذيّ في باب ما جاء في فضل التوبة والاستغفار، (9/ 517 - 518 - مع تحفة الأحوذي).
قال التّرمذيّ: "هذا حديث حسن صحيح".
وقال ابن كثير: "صححه النسائي". "تفسير ابن كثير"(3/ 369).
(2)
انظر: "التذكرة" للقرطبي، (ص 706)، و"تفسير الألوسي"(8/ 63).
(3)
"مسند الإِمام أحمد"(9/ 17 - 18)(ح 6160)، تحقيق أحمد شاكر، وقال:"إسناده صحيح".
ومعنى (يغرغر)؛ بغينين معجمتين، الأولى مفتوحة، والثّانية مكسورة، وبراء مكررة، ومعناه: لم تبلغ روحه حلقومه.
(الغرغرة): أن يجعل المشروب في. الفم، ويردِّده إلى أصل الحلق، ولا يبلع.
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(3/ 360)، و"شرح مسند أحمد"(9/ 18) لأحمد شاكر.
هذا ينبغي أن تكون توبة كلّ مَنْ شاهد ذلك أو كان كالشّاهد له مردودةً ما عاش؛ لأنّ علمه بالله تعالى وبنبيِّه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة، فإن امتدَّت أيّام الدنيا إلى أن يَنْسى النَّاس من هذا الأمر العظيم ما كان، ولا يتحدَّثون عنه إِلَّا قليلًا، فيصير الخبر عنه خاصًّا، وينقطع التواتر عنه، فمَن أسلم في ذلك الوقت أو تاب؛ قُبِل منه، والله أعلم"
(1)
.
وأيَّد ذلك بما رُوي: "إن الشّمس والقمر يُكْسَيان بعد ذلك الضوء والنور، ثمّ يطلعان على النَّاس ويغربان".
وبما روي عن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "يبقى النَّاس بعد طلوع الشّمس من مغربها عشرين ومئة سنة".
وروي عن عمران بن حصين أنّه قال: "إنّما لم تُقْبَل وقت الطلوع حتّى تكون صيحة، فيهلك فيها كثيرٌ من النَّاس، فمَن أسلم أو تاب في ذلك الوقت ثمّ هلك؛ لم تقبل توبتُه، ومَن تاب بعد ذلك؛ قُبِلَت توبته"
(2)
.
والجواب عن هذا كله: "أن النصوص دلَّت على أن التوبة لا تُقبل بعد طلوع الشّمس من مغربها، وأن الكافر لا يُقبل منه الإسلام، ولم تفرِّق النصوص بين مَنْ شاهد هذه الآية وبين من لم يشاهِدها".
والذي يؤيِّد هذا ما رواه الطّبريّ عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "إذا خرج أول الآيات؛ طُرِحَت الأقلام، وحُبِسَت الحفظة، وشهِدت الأجسام على الأعمال"
(3)
.
(1)
"تفسير القرطبي"(7/ 146 - 147)، "التذكرة"(ص 706).
(2)
"التذكرة"(ص 705 - 706).
(3)
"تفسير الطّبريّ"(8/ 103). =
والمراد بأول الآيات هنا هو طلوع الشمس من مغربها، أما ما كان قبل طلوعها من الآيات؛ فإن الأحاديث تدلُّ على قَبول التوبة والِإيمان في ذلك الوقت.
وروى ابن جرير الطبري أيضًا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "التوبة مبسوطةٌ ما لم تطلع الشمس من مغربها"
(1)
.
وروى الإِمام مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"
(2)
.
فجعل صلى الله عليه وسلم غاية قبول التوبة هو طلوع الشمس من مغربها.
وقد ذكر ابن حجر أحاديث وآثارًا كثيرة تدلُّ على استمرار قفل باب التوبة إلى يوم القيامة، ثم قال:"فهذه آثار يشدُّ بعضها بعضًا متَّفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب؛ أُغلق باب التوبة، ولم يفتح بعد ذلك، وأن ذلك لا يختصُّ بيوم الطلوع، بل يمتدُّ إلى يوم القيامة"
(3)
.
وأما ما استدلَّ به القرطبي؛ فالجواب عنه:
= قال ابن حجر: "سنده صحيح، وهو وإن كان موقوفًا فحكمه حكم الرفع". "فتح الباري"(11/ 355).
(1)
"تفسير الطبري"(8/ 101).
قال ابن حجر: "سنده جيد". "فتح الباري"(11/ 355).
(2)
"صحيح مسلم"، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، (17/ 76 - مع شرح النووي).
(3)
"فتح الباري"(11/ 354 - 355).
أن حديث عبد الله بن عمرو قال فيه الحافظ ابن حجر: "رَفْع هذا لا يثبت".
وحديث عمران بن حصين: "لا أصل له"
(1)
.
وأما حديث: "إن الشمس والقمر يُكْسَيان الضوء والنور
…
" إلخ؛ فلم يذكر له القرطبي سندًا، وعلى فرض ثبوته؛ فإن عودتهما إلى ما كانا عليه ليس فيه دليلٌ على أن باب التوبة قد فُتح مرة أخرى.
وذكر الحافظ أنه وقف على نصِّ فاصل في هذا النزاع، وهو حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكر فيه طلوع الشمس من المغرب، وفيه: "فمن يومئذ إلى يوم القيامة {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}
…
الآية"
(2)
.
* * * * *
(1)
"فتح الباري"(11/ 354).
(2)
"فتح الباري"(13/ 88)، وذكر الحافظ أنه رواه الطبراني والحاكم، وبحثت عنه في "المستدرك" للحاكم في مظانه، فلم أعثر عليه.