الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبره بين النَّاس، وشاع أنّه الدَّجّال؛ كما سيأتي في ذكر امتحان النّبيّ صلى الله عليه وسلم
امتحان النّبيّ صلى الله عليه وسلم له:
لما شاع بين النَّاس أمر ابن صيَّاد، وأنّه هو الدَّجَّال؛ أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يطَّلعَ على أمره، ويتبيَّنَ حالَه، فكان يذهب إليه مختفيًا حتّى لا يشعر به ابن صياد؛ رجاء أن يسمع منه شيئًا، وكان يوجِّه إليه بعض الأسئلة الّتي تكشف عن حقيقته.
ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر انطلق مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في رهط قِبَل ابن صياد، حتّى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أُطُم
(1)
بن مَغالة
(2)
، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتّى ضرب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيده، ثمَّ قال لابن صيَّاد:"أتشهد أني رسول الله؟ ". فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صيَّاد للنبي- صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال:"آمنت بالله وبرسله". فقال له: "ما ترى؟ ". قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "خلط عليك الأمر". ثمَّ قال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي خبأت لك خبيئًا؟ ". فقال ابن صياد: هو الدُّخ
(3)
. فقال: "اخسأ فلن تعدو قدرك". فقال عمر رضي الله
(1)
(أطم)؛ بضمتين: بناء مرتفع كالحصن، وجمعه آطام.
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 54)، و"فتح الباري"(3/ 220).
(2)
(مغالة): بفتح الميم والمعجمة الخفيفة: بطن من الأنصار.
"فتح الباري"(3/ 220).
(3)
يريد الدخان لكنه قطمها على طريقة الكهان، كما سيأتي بيان ذلك.
عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن يكنه؛ فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه؛ فلا خير لك في قتله"
(1)
.
وفي رواية أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: "ما ترى؟ ". قال: أرى عرشًا على الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ ". قال: أرى صادقين وكاذبًا، أو كاذبين وصادقًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لُبِّسَ عليه، دعوه"
(2)
.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب إلى النخل الّتي فيها ابن صياد، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ -يعني: في قطيفة له فيها رمزة أو زمرة
(3)
-، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتَّقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف -وهو اسم ابن صياد-! هذا محمَّد صلى الله عليه وسلم. فثار ابن صياد، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"لو تركته بيَّن"
(4)
.
وقال أبو ذرِّ رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى أمه؛ قال:
(1)
"صحيح البخاريّ"، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام؟ (3/ 318 - مع الفتح).
(2)
"صحيح مسلم"، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر ابن صياد، (18/ 49 - 50 - مع شرح النووي).
(3)
(رمزة أو زمرة) على الشك في تقديم الراء على الزاي أو تأخيرها. ومعنى (رمزة): فعلة من الرمز، وهو الإشارة. وأمّا (زمرة): من الزمر، والمراد حكاية صوته.
انظر: "فتح الباري"(3/ 220 - 221).
(4)
"صحيح البخاريّ"، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه؟، (3/ 318 - مع الفتح).
"سلها كم حملت به؟ ". فأتيتها، فسألتها، فقالت: حملتُ به اثني عشر شهرًا. قال: ثمَّ أرسلني إليها، فقال:"سلها عن صيحته حين وقع؟ ". قال: فرجعتُ إليها، فسألتُها، فقالت: صاح صيحة الصبي ابن شهر. ثمَّ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي قد خبأت لك خبئًا". قال: خبأت لي خطم شاة عفراء
(1)
والدُّخان. قال: فأراد أن يقول الدُّخان، فلم يستطع، فقال: الدُّخ، الدُّخ
(2)
.
فامتحان النّبيّ صلى الله عليه وسلم له بـ (الدخان)؛ ليتعرف على حقيقة أمره.
والمراد بالدُّخان هنا قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، فقد وقع في رواية ابن عمر عند الإِمام أحمد:"إنِّي قد خبأت لك خبيئًا، وخبأ له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} "
(3)
.
قال ابن كثير: "إن ابن صياد كاشف على طريقة الكهَّان، بلسان الجان، وهم يقرطون -أي: يقطعون- العبارة، ولهذا قال: هو الدُّخ؛
(1)
(خطم شاة): أصل الخطم في السِّباع مقاديم أنوفها وأفواهها. انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 50).
و (العفراء): هي الّتي لونها غير ناصع كلون عفر الأرض؛ أي: وجهها. انظر: النهاية في غريب الحديث" (3/ 261).
(2)
"مسند أحمد"(5/ 148 - بهامشه منتخب الكنز).
قال ابن حجر في سنده: "صحيح""فتح الباري"(13/ 325).
قال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار والطبراني في "الأوسط"، ورجال أحمد رجال الصّحيح، غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة". "مجمع الزوائد"(8/ 2 - 3).
(3)
"مسند أحمد"(9/ 139)(ح 6360)، تحقيق أحمد شاكر، وقال:"إسناده صحيح".