الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال العلماء في ابن صيَّاد:
قال أبو عبد الله القُرطبيُّ: "الصّحيح أن ابن صيَّاد هو الدَّجَّال؛ بدلالة ما تقدَّم، وما يبعد أن يكون بالجزيرة في ذلك الوقت، ويكون بين أظهر الصّحابة في وقت آخر"
(1)
.
وقال النووي: "قال العلماء: وقصَّته مشكلة، وأمره مشتبه في أنّه هل هو المسيح الدَّجّال المشهور أم غيره، ولا شك في أنّه دجَّال من الدَّجاجلة.
قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يوحَ إليه بأنّه المسيح الدَّجَّال ولا غيره، وإنّما أُوحِيَ إليه بصفات الدَّجَّال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنّه الدَّجَّال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضىِ الله عنه:"إن يكن هو؛ فلن تستطيع قتله".
وأمّا احتجاجه هو بأنّه مسلم والدَّجَّال كافر، وبأنّه لا يولد للدَّجّال وقد ولد له هو، وأنّه لا يدخل مكّة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجِّه إلى مكّة؛ فلا دلالة له فيه؛ لأنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض.
= قلت: وممَّن رد هذا الحديث العظيم الشّيخ أبو عبية، فقد قال:"هذا الحديث عليه طابع الخيال، وسمة الوضع".
ونسأل أبا عبية: بأي دليل يردّ حديثًا صحيحًا تلقَّته الأمة بالقبول؟! اللَّهُمَّ إِلَّا الشذوذ والسعي وراء العقل القاصر، غفر الله لنا وله.
انظر: "النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 96)، بتعليق الشّيخ محمّد فهيم أبو عبية.
(1)
"التذكرة"(ص 702).
ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكاذبين قوله للنبي- صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟! ودعواه أنّه يأتيه صادق وكاذب، وأنّه يرى عرشًا فوق الماء، وأنّه لا يكره أن يكون هو الدَّجَّال، وأنّه يعرف موضعه، وقوله: إنِّي لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، وانتفاخه حتّى ملأ السكة.
وأمّا إظهاره الإسلام، وحجُّه، وجهاده، وإقلاعه عما كان عليه؛ فليس بصريح في أنّه غير الدَّجّال"
(1)
.
وكلام النووي هذا يُفْهَم منه أنَّه يرجِّح كون ابن صياد هو الدَّجّال.
وقال الشوكاني: "اختلف النَّاس في أمر ابن صياد اختلافًا شديدًا، وأشكل أمره، حتّى قيل فيه كلّ قول، وظاهر الحديث المذكور أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان متردِّدًا في كونه الدَّجّال أم لا؟
…
وقد أُحبيب عن التردُّد منه صلى الله عليه وسلم بجوابين:
الأوّل: أنّه تردَّد صلى الله عليه وسلم قبل أن يُعْلِمَهُ الله بأنّه هو الدَّجّال، فلما أعلمه؛ لم ينكر على عمر حَلِفَه.
الثّاني: أن العرب قد تُخْرِج الكلام مخرج الشك، وان لم يكن في الخبر شكٌّ.
ومما يدلُّ على أنَّه هو الدَّجَّال ما أخرجه عبد الرزَّاق
(2)
بإسناد صحيح عن ابن عمر؛ قال: "لقيت ابن صياد يومًا -ومعه رجلٌ من اليهود- فإذا عينُه قد طفت وهي خارجةٌ مثل عين الحمار، فلما رأيتُها؛ قلتُ: أنشدك الله يا
(1)
"شرح النوويّ لمسلم"(18/ 46 - 47).
(2)
"المصنِّف"(11/ 396)، تحقيق حبيب الرّحمن الأعظمي.
ابن صياد! متى طفت عينك؟ قال: لا أدري والرّحمن. قلت: كذبت وهي في رأسك. قال: فمسحها ونخر ثلاثًا"
(1)
.
وقد سبق ذكر نحو هذه القصة من رواية الإِمام مسلم
(2)
.
والذي يظهر لي من كلام الشوكاني أنّه مع القائلين بأن ابن صياد هو الدَّجَّال الأكبر.
وقال البيهقي
(3)
في سياق كلامه على حديث تميم: "فيه أن الدَّجَّال الأكبر الّذي يخرج في آخر الزّمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدَّجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم، وقد خرج أكثرهم.
وكأن الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدَّجَّال لم يسمعوا بقصة تميم، وإلا، فالجمع بينهما بعيد جدًّا، إذ كيف يلتئم أن يكون مَنْ كان في أثناء الحياة النبوية شبه محتلم، ويجتمع به النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويسأله؛ أن يكون في آخرها شيخًا كبيرًا مسجونًا في جزيرة من جزائر البحر، موثقًا بالحديد، يستفهم عن خبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم هل خرج أو لا؟!
فالأولى أن يُحْمَلَ على عدم الاطلاع.
(1)
"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"(7/ 230 - 231) للشوكاني، طبعة مصطفى الحلبي، مصر.
(2)
(ص 270 - 271).
(3)
هو الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الشّافعيّ، صاحب المصنفات؛ كـ "السنن الكبرى"، و"الصغرى"، و"دلائل النبوة"، و"المبسوط"، وغيرها، توفي في نيسابور سنة (458 هـ) رحمه الله.
انظر: "شذرات الذهب"(3/ 304 - 305)، و"الأعلام"(1/ 116).
أمّا عمر؛ فيُحتمل أن يكون ذلك منه قبل أن يسمع قصة تميم، ثمَّ لما سمعها؛ لم يعد إلى الحلف المذكور.
وأمّا جابر؛ فشهد حلفه عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فاستصحب ما كان اطَّلع عليه من عمر بحضرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم"
(1)
قلت: لكن جابر رضي الله عنه كان من رواة حديث تميم؛ كما جاء في رواية أبي داود، حيث ذكر قصة الجساسة والدَّجال بنحو قصة تميم، ثمَّ قال ابن أبي سلمة
(2)
: "إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظتُه؛ قال
(3)
: شهد جابر أنّه هو ابن صائد. قلت: فإنّه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنَّه قد أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنَّه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة"
(4)
.
فجابر رضي الله عنه مصرٌّ على أن ابن صياد هو الدَّجّال، وان قيل:
(1)
"فتح الباري"(13/ 326 - 327).
(2)
هو عمر بن أبي مسلمة بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريُّ قاضي المدينة، صدوق يخطئ، قتل بالشام سنة (132 هـ).
انظر: "تقريب التهذيب"(2/ 56).
(3)
القائل هو أبو سلمة بن عبد الرّحمن والد عمر.
انظر: "عون المعبود"(11/ 477).
(4)
"سنن أبي داود"، كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة، (11/ 476 - مع عون المعبود).
قال ابن حجر على هذا الحديث: "ابن أبي سلمة عمر فيه مقال، ولكنه حديث حسن، ويتعقب به على مَنْ زعم أن جابر لم يطلع على قصة تميم".
"فتح الباري"(13/ 327).
إنّه أسلم، ودخل المدينة، ومات.
وقد تقدَّم أنّه صحَّ عن جابر رضي الله عنه أنّه قال: "فقدنا ابن صياد يوم الحرة"
(1)
.
وقال ابن حجر: "أخرج أبو نُعيم الأصبهاني
(2)
في "تاريخ أصبهان"
(3)
ما يؤيِّد كون ابن صياد هو الدّجَّال، فساق من طريق شبيل بن عرزة عن حسان بن عبد الرّحمن عن أبيه؛ قال: لما افتتحنا أصبهان؛ كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ، فكنا نأتيها فنختار منها، فأتيتها يومًا، فإذا اليهود يزفنون ويضربون، فسألت صديقًا لي منهم؟ فقال: ملكنا الّذي نستفتح به على العرب يدخل، فبتُّ عنده على سطحٍ، فصلّيتُ الغداة، فلما طلعت الشّمس؛ إذا الرهج من قبل العسكر، فنظرتُ، فإذا رجلٌ عليه قبة من ريحان، واليهود يزفنون ويضربون، فنظرتُ، فإذا هو ابن صياد، فدخل المدينة فلم يعد حتّى السّاعة"
(4)
.
قال ابن حجر: "ولا يلتئم خبر جابر هذا (أي: فقدهم لابن صياد يوم
(1)
تقدّم تخريجه.
(2)
هو الحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني، صاحب المصنفات الكبار؛ كـ "حلية الأولياء" وغيرها، كان من الثقات، ولد ومات في أصبهان سنة (430 هـ) رحمه الله.
انظر: "شذرات الذهب"(3/ 245)، و"الأعلام"(1/ 157).
(3)
ذكر أخبار أصبهان" (ص 287 - 288) لأبي نُعيم، طبع في مدينة ليدن بمطبعة بريل، (1934 م).
(4)
"فتح الباري"(3/ 327 - 328)، قال ابن حجر:"عبد الرّحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات".
الحرة) مع خبر حسان بن عبد الرّحمن؛ لأنَّ فتح أصبهان كان في خلافة عمر؛ كما أخرجه أبو نعيم في "تاريخها"، وبين قتل عمر ووقعة الحرَّة نحو أربعين سنة.
ويمكن الحمل على أن القصة إنّما شاهدها والد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة، ويكون جواب (لما) في قوله:"لما افتتحنا أصبهان" محذوفًا تقديره: صرتُ أتعاهدها، وأتردَّد إليها، فجرت قصة ابن صياد، فلا يتَّحد زمان فتحها وزمان دخولها ابن صياد"
(1)
.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن "أمر ابن صياد قد أشكل على بعض الصّحابة، فظنُّوه الدَّجّال، وتوقَّف فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى تبيَّن له فيما بعد أنّه ليس هو الدَّجّال، وإنّما هو من جنس الكهَّان أصحاب الأحوال الشيطانية، ولذلك كان يذهب ليختبره"
(2)
.
وقال ابن كثير: "والمقصود أن ابن صياد ليس بالدَّجّال الّذي يخرج في آخر الزّمان قطعًا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، وهو فيصل في هذا المقام"
(3)
.
هذه هي طائفة من أقوال العلماء في ابن صيَّاد، وهي -كما ترى- متضاربة في شأن ابن صياد، ومع كلّ دليلُه.
(1)
"فتح الباري"(13/ 328).
(2)
انظر: "الفرقان بين أولياء الرّحمن وأولياء الشيطان"(ص 77)، الطبعة الثّانية، عام 1375 هـ في مطابع الرياض.
(3)
"النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 70)، تحقيق د. طه زيني.