الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الدنيا، وسأبين في البحث الآتي أن
هذا الحشر في الدُّنيا
؛ كما تدل عليه النصوص الصحيحة.
* هذا الحشر في الدُّنيا:
هذا الحشر المذكور في الأحاديث يكون في الدُّنيا، وليس المراد به حشر النَّاس بعد البعث من القبور، وقد ذكر القرطبي أن الحشر معناه الجمع، وهو على أربعة أوجه: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة:
أمّا حشرا الدُّنيا:
فالأول: إجلاء بني النضير إلى الشّام.
والثّاني: حشر النَّاس قبل القيامة إلى الشّام، وهي النّار المذكورة هنا في الأحاديث"
(1)
.
وكون هذا الحشر في الدُّنيا هو الّذي أجمع عليه جمهور العلماء؛ كما ذكر ذلك القرطبي، وابن كثير، وابن حجر، وهو الّذي تدلُّ عليه النصوص كما تقدَّم بسطها.
وذهب بعض العلماء، كالغزالي
(2)
، والحليمي
(3)
إلى أن هذا الحشر
(1)
انظر: "تفسير القرطبي"(18/ 2 - 3)، و"التذكرة"(ص 198 - 199).
(2)
انظر: "فتح الباري"(11/ 379)، و"التذكرة"(ص 199).
(3)
هو الحافظ أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمّد بن حليم الجرجاني، فقيه شافعي، تولى القضاء في بخارى، وكان كثير الترحال في بلاد خراسان، ومن مصنفاته:"المنهاج في شعب الإيمان"، وقد نقل عنه الحافظ البيهقي كثيرًا في كتابه "شعب الإِيمان"، كانت وفاة الحليمي سنة (403 هـ)، وله من العمر خمس وستون سنة، رحمه الله. =
ليس في الدُّنيا
(1)
، وإنّما هو في الآخرة.
وذكر ابن حجر أن بعض شُرَّاح المصابيح حمله على الحشر من القبور، واحتجوا على ذلك بعدة أمور:
1 -
أن الحشر إذا أُطلق في عرف الشّرع؛ إنّما يُراد به الحشر من القبور؛ ما لم يخصه دليلٌ.
2 -
أن هذا التقسيم في الخبر لا يستقيم في الحشر إلى الشّام؛ لان المهاجر لا بد أن يكون راغبًا أو راهبًا أو جامعًا بين الصفتين.
3 -
أن حشر البقية على ما ذكر، وإلجاء النّار لهم إلى تلك الجهة، وملازمتها حتّى لا تفارقهم: قولٌ لم يردّ به التوقيف، وليس لنا أن نحكم بتسليط النّار في الدُّنيا على أهل الشِّقوة من غير توقيف.
4 -
أن الحديث يفسر بعضه بعضًا، وقد وقع في الحسان من حديث أبي هريرة وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن علي بن زيد عن أوس بن أبي أوس عن أبي هريرة بلفظ:"ثلاثًا على الدَّواب، وثلاثًا ينسلون على أقدامهم، وثلاثًا على وجوههم"، وهذا التقسيم الّذي في هذا الخبر موافق لما جاء في سورة الواقعة في قوله تعالى:{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}
(2)
[الواقعة: 7].
= انظر كتابه "المنهاج في شعب الإِيمان"(1/ 13 - 19) لحلمي محمّد فودة، وانظر:"تذكرة الحفاظ"(3/ 1030)، و"شذرات الذهب"(3/ 167 - 168).
(1)
انظر: "المنهاج في شعب الإِيمان"(1/ 442).
(2)
انظر: "فتح الباري"(11/ 380).
والإِجابة عمَّا احتجوا به يتلخَّص فيما يأتي:
1 -
أن الدَّليل قد جاء بأن هذا الحشر في الدُّنيا؛ كما سبق ذكر الأحاديث في ذلك.
2 -
أن التقسيم المذكور في آيات سورة الواقعة لا يستلزم أن يكون هو التقسيم المذكور في الحديث؛ فإن الّذي في الحديث ورد على القصد من الخلاص من الفتنة فمن اغتنم الفرصة سار على فسحة من الظهر ويسرة من الزّاد راغبًا فيما يستقبله راهبًا فيما يستدبره، وهم الصنف الأوّل في الحديث، ومَن توانى حتّى قلَّ الظهر اشتركوا فيه وهم الصنف الثّاني، والصنف الثّالث هم الذين تحشرهم النّار وتسحبهم الملائكة.
3 -
انَه تبيَّن من شواهد الأحاديث انه ليس المراد بالنار نار الآخرة، وإنّما هي نارٌ تخرج في الدُّنيا، أنذر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخروجها، وذكر كيفية ما تفعل في الأحاديث المذكورة.
4 -
أن الحديث الّذي احتجُّوا به من رواية علي بن زيد - وهو مختلف في توثيقه - لا يخالف الأحاديث الّتي بيَّنت أن هذا الحشر في الدُّنيا، وقد وقع في حديث علي بن زيد المذكور عند الإِمام أحمد
(1)
انهم "يتَّقون بوجوههم كلّ حدب وشوك وأرض الموقف يوم القيامة أرض مستوية لا عوج
(1)
"مسند الإِمام أحمد"(16/ 365)(ح 8632)، تحقيق أحمد شاكر، أكمله د. الحسيني عبد المجيد هاشم، وذكر أن إسناده حسن، ولكن الحافظ ابن حجر ضعَّف راويه علي بن زيد بن جدعان.
انظر: "فتح الباري"(11/ 381).
فيها ولا أكمة ولا حدب ولا شوك"
(1)
.
قال النوويّ: "قال العلماء: وهذا الحشر في آخر الدُّنيا قبيل القيامة، وقبيل النفخ في الصور؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: تحشر بقيتهم النّار؛ تبيت معهم وتقيل وتصبح وتمسي"
(2)
.
وقال الحافظ ابن كثير - بعد ذكره للأحاديث الواردة في خروج النّار مبينًا أن هذا الحشر في الدنيا -: "فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر، وهي الأرض الشّام
…
وهذا كله ممّا يدلُّ على أن هذا في آخر الزّمان حيث الأكل والشرب والركوب على الظهر المشترى وغيره، وحيث تهلك المتخلفين منهم النّار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موتٌ، ولا ظهرٌ يُشترى، ولا أكل، ولا شرب، ولا لبس في العرصات"
(3)
.
وأمّا حشر الآخرة؛ فإنّه قد جاء في الأحاديث أن النَّاس مؤمنهم وكافرهم يحشرون حفاة عراة غرلًا
(4)
بهمًا
(5)
، ففي الصّحيح عن ابن
(1)
انظر: "فتح الباري"(11/ 380 - 381).
(2)
"شرح النووي لمسلم"(17/ 194 - 195).
(3)
"النهاية/ الفتن والملاحم"(1/ 320 - 321)، تحقيق د. طه زيني، والعَرَصات هي الساحات الواسعة.
(4)
(غُرلًا): جمع أغرل، وهو الأقلف، وهو من بقيت غرلته، وهي الجلدة الّتي يقطعها الخاتن من الذكر.
انظر: "النهاية في غربب الحديث"(3/ 362)، و"فتح الباري"(11/ 384).
(5)
(بهمًا): جمع بهيم، وهو في الأصل الّذي لا يخالطه لون سواه، والمعنى: =
عبّاس؛ قال: قام فينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنكم محشورون حفاة عراة غُرلًا؛ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]، وإن أول الخلق يُكْسى يوم القيامة إبراهيم الخليل"
(1)
.
قال ابن حجر: "ومن أين للذين يُبْعَثون بعد الموت عراة حفاة حدائق حتّى يدفعوها في الشوارف"
(2)
.
فدل هذا على أن هذا الحشر يكون في الدُّنيا قبل يوم القيامة، ومَن ذهب إلى خلاف ذلك فقد جانب الحق، والله تعالى أعلم.
* * * * *
= ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض الّتي تكون في الدنيا.
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 167).
(1)
"صحيح البخاريّ"، كتاب الرقاق، باب الحشر، (11/ 377 - مع الفتح).
(2)
"فتح الباري"(11/ 382).