الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منزلة الجاهلية"
(1)
.
هـ - ظهور الخوارج:
ومن الفتن الّتي وقعت ظهور الخوارج على عليٍّ رضي الله عنه، وكان بداية ظهورهم بعد انتهاء معركة (صفين)، واتفاق أهل العراق والشام على التحكيم بين الطائفتين، وفي أثناء رجوع عليٍّ رضي الله عنه إلى الكوفة فارقه الخوارج - وقد كانوا في جيشه -، ونزلوا مكانًا يُقال له (حَروراء)
(2)
، ويبلغ عددهم ثمانية آلاف، وقيل: ستة عشر ألفًا، فأرسل عليٌّ إليهم ابن عبّاس رضي الله عنه، فناظرهم، ورجع معه بعضهم، ودخلوا في طاعة عليٍّ.
وأشاع الخوارج أن عليًّا تاب من الحكومة، ولذلك رجع بعضهم إلى طاعته، فخطبهم عليٌّ رضي الله عنه في مسجد الكوفة، فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إِلَّا لله. وقالوا: أشركتَ وحكَّمتَ الرجال ولم تحكِّم كتاب الله.
فقال لهم عليٌّ: لكم علينا ثلاث: أن لا نمنَعَكُم من المساجد، ولا من رزقكم في الفيء، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تُحْدِثوا فسادًا.
ثمّ إنهم تجمَّعوا وقتلوا مَنْ اجتاز بهم من المسلمين ومرَّ بهم عبد الله
(1)
"منهاج السنة" لابن تيمية (2/ 224).
(2)
(حروراء): قرية على ميلين من الكوفة، وإليها نُسبت الخوارج، فيقال: حرورية.
انظر: "معجم البلدان"(2/ 245).
بن خبَّاب بن الأرت
(1)
ومعه زوجته، فقتلوه، وبقروا بطن زوجته عن ولدها، فلما علم بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسألهم مَنْ قتله؟ فقالوا: كلُّنا قتله. فتجهَّز علىٌّ للقتال، والتقى بهم في الموقعة المشهورة بـ (النهروان)
(2)
، فهزمهم شرَّ هزيمة، ولم ينجُ منهم إِلَّا القليل.
وقد أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخروج هذه الطائفة في هذه الأمة، فقد تواترت الأحاديث بذلك، ذكر منها الحافظ ابن كثير أكثر من ثلاثين حديثًا وردت في الصحاح والسنن والمسانيد
(3)
:
منها ما رواه أبو سعيد الخُدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق".
رواه مسلم
(4)
.
(1)
عبد الله بن خباب بن الأرت التميمي، صحابي جليل، ولد في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فسماه عبد الله، وكان هو وعبد الله بن الزبير أول مَنْ ولد في الإسلام، قتله الخوارج سنة (37 هـ).
انظر: "الإصابة في تمييز الصّحابة"(2/ 302)، و"البداية والنهاية"(7/ 288)، و"تجريد أسماء الصّحابة"(1/ 307).
(2)
(النهروان): هي ثلاثة نهروانات، وهي بلاد واسعة قريبة من بغداد بالعراق، وأصلها وادي جرار، بدايته من أذربيجان، ويسقي قرى كثيرة ثمّ يصب باقيه في دجلة أسفل المدائن، ويقال له بالفارسية: جوروان، فعرب الإسلام، فقيل: نهروان؛ بفتح النون.
انظر: "معجم البلدان"(5/ 324 - 325).
(3)
انظر: "البداية والنهاية"(7/ 290 - 307).
(4)
"صحيح مسلم"، كتاب الزَّكاة، باب إعطاء المؤلَّفة ومَن يخاف على إيمانه، (7/ 168 - مع شرح النووي).
وعنه رضي الله عنه أنّه لما سُئل عن الحرورية؟ قال: لا أدري ما الحرورية؟ سمعتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قومٌ تحقِرون صلاتَكم مع صلاتِهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم، يمرُقون من الدين مروق السهم من الرمِيَّةِ"
(1)
.
رواه البخاريّ.
وقد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج، وبيَّن أن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم، ولهذا دليلٌ على فساد هذه الطائفة، وبعدها عن الإسلام، وضررها العظيم على الأمة؛ بما تُثيره من فتن وقلاقل.
ففي "الصحيحين" عن عليٍّ رضي الله عنه؛ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرجُ قومٌ في آخر الزَّمان، أحداثُ الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرَّيَّة، لا يجاوز إيمانُهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّةِ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمَن قتلهم يوم القيامة"
(2)
.
قال الإمام البخاريّ: "كان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين"
(3)
.
(1)
"صحيح البخاريّ"، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، (12/ 283 - مع الفتح).
(2)
"صحيح البخاريّ"(12/ 283 - مع الفتح)، و"صحيح مسلم"، كتاب الزَّكاة، باب التحريض على قتل الخوارج، (7/ 169 - مع شرح النووي).
(3)
"صحيح البخاريّ"، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج، (12/ 282 - مع الفتح). وقال ابن حجرت "سنده صحيح". "فتح الباري"(12/ 286).