الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانِها خيرًا"
(1)
.
*
مناقشة رشيد رضا في رده لحديث أبي ذر في سجود الشّمس:
أورد رشيد رضا حديث أبي ذر السابق، وعلَّق عليه بأن متنه من أعظم المتون إشكالًا، وقال في سنده:"هذا الحديث رواه الشيخان من طرق عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبي ذر، وهو - على توثيق الجماعة له مدلِّس -؛ قال الإِمام أحمد: "لم يلق أبا ذر". كما قال الدارقطني: "لم يسمع من حفصة، ولا من عائشة، ولا أدرك زمانهما". وكما قال ابن المديني:"لم يسمع من علي، ولا ابن عبّاس". ذكر ذلك في "تهذيب التهذيب".
وقد رُوِي غير هذا عن هؤلاء بالعنعنة، فيحتمل أن يكون مَنْ حدَّثه عنهم غير ثقة.
فإذا كان في بعض روايات الصحيحين والسنن مثل هذه العلل، وراء احتمال دخول الإِسرائيليات، وخطأ النقل بالمعنى، فما القول فيما تركه الشيخان وما تركه أصحاب السنن؟! "
(2)
.
(1)
"صحيح مسلم"، كتاب الفتن، باب بيان الزمن الّذي لا يقبل فيه الإِيمان، (2/ 195 - 196 - مع شرح النووي)، ورواه البخاريّ مختصرًا في "صحيحه"، كتاب التفسير، باب:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، (8/ 541 - مع الفتح)، وكتاب التّوحيد، باب "وكان عرشه على الماء، وهورب العرش العظيم"، (13/ 404 - مع الفتح).
(2)
"تفسير المنار"(8/ 211 - 212)، تأليف محمّد رشيد رضا، الطبعة الثّانية بالأوفست، طبع دار المعرفة، بيروت، لبنان.
هذا ما قاله الشّيخ محمّد رشيد رضا رحمه الله!!
وكلامه هذا كلامٌ خطير جدًّا، وطعنٌ في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشكيك في صحَّتها، لا سيما ما كان في "الصحيحين" اللذين أجمعت الأمة على تلقِّيهما بالقبول.
ويا ليت انه أنعم النظر في سند هذا الحديث، وسلم متنه من الإِشكال الّذي ادَّعاه، وتبع ما قاله هنا سلفه من العلماء الأعلام الذين آمنوا بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلَّفوا ما لا علم لهم به، بل أجروا كلامه صلى الله عليه وسلم على المعنى الصّحيح المتبادر من الحديث.
قال أبو سليمان الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم: "مستقرُّها تحت العرش": "لا ننكر أن يكون لها استقرار تحت العرش؛ من حيث لا ندركه، ولا نشاهده، وإنّما أُخبرنا عن غيب، فلا نكذب به، ولا نكيِّفه؛ لانَ علمنا لا يحيط به".
ثمّ قال عن سجودها تحت العرش: "وفي هذا إخبار عن سجود الشّمس تحت العرش، فلا يُنْكَر أن يكون ذلك عند محاذاتها العرش في مسيرها، والتصرف لما سُخِّرت له، وأمّا قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 85]؛ فهو نهاية مدرك البصر إياها حالة الغروب، ومصيرها تحت العرش للسجود إنّما هو بعد الغروب"
(1)
.
وقال النووي: "وأمّا سجود الشّمس؛ فهو بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها"
(2)
.
(1)
"شرح السنة" للبغوي (15/ 95 - 96)، تحقيق شعيب الأرناؤوط.
(2)
"شرح النووي لصحيح مسلم"(2/ 197).
وقال ابن كثير: "يسجد لعظمته كلّ شيءٍ طوعًا وكرهًا، وسجود كلّ شيءٍ ممّا يختصُّ به"
(1)
.
وقال ابن حجر: "وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كلّ يوم وليلة عند سجودها، ومقابل الاستقرار المسير الدائم، المعبَّر عنه بالجري، والله أعلم"
(2)
.
وعلى كلّ حال؛ فالكلام هنا ليس على استقرار الشّمس، ولا على سجودها، وإنّما أردتُ أن أبيَنَ أن حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه ليس في متنه إشكال كما زعم رشيد رضا رحمه الله، وأن العلماء قد تلقَوْه بالقبول، وبيَّنوا معناه.
وأمّا قدحه في سند هذا الحديث؛ فوهمٌ منه؛ فإن الحديث متَّصل الإِسناد برواية الثقات، وما ذكره من تدليس إبراهيم بن يزيد التيمي وانه لم يلق أبا ذر ولا حفصة وعائشة وانه لم يدرك زمانهما، فيجاب عنه:
1 -
أن الحديث ليس في سنده رواية إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبي ذر، وإنّما سنده -كما في البخاريّ ومسلم- من رواية إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عن أبي ذر.
وأبو إبراهيم هو: يزيد بن شريك التيمي، روى عن عمر وعلي وأبي ذر وابن مسعود وغيرهم من الصّحابة رضي الله عنهم، وروى عنه ابنه إبراهيم وإبراهيم النخعي وغيرهما، وثَّقه ابن معين وابن حبّان وابن سعد
(1)
"تفسير ابن كثير"(5/ 398).
(2)
"فتح الباري"(8/ 542).