الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ: المَجوسُ أهلُ كِتابٍ والجِزيَةُ تُؤخَذُ مِنهُم
18688 -
أخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، أنبأنا الرَّبيعُ بن سُلَيمانَ، أنبأنا الشّافِعِيُّ، أنبأنا سفيانُ بن عُيَينَةَ، عن أبي سَعدٍ سعيدِ بنِ المَرزُبان، عن نَصرِ بنِ عاصِمٍ قال: قال فروَةُ بن نَوفَلٍ الأشجَعِيُّ: عَلامَ تُؤخَذُ الجِزيَةُ مِنَ المَجوسِ ولَيسوا بأَهلِ كِتابٍ؟! فقامَ إلَيه المُستَورِدُ فأَخَذَ يُلَبِّبُه
(1)
فقالَ: يا عَدوَّ اللهِ تَطعُنُ على أبي بكرٍ وعُمَرَ رضي الله عنهما وعَلَى أميرِ المُؤمِنينَ - يَعنِي عَليًّا - وقَد أخَذوا مِنهُمُ الجِزيَةَ؟! فذَهَبَ به إلَى القَصرِ فخَرَجَ عليٌّ عَلَيهِما فقالَ: أَلْبِدَا
(2)
. فجَلَسا في ظِلِّ القَصر، فقالَ عليٌّ: أنا أعلمُ النّاسِ بالمَجوس، كان لَهُم عِلمٌ يَعْلَمونَه وكِتاب يَدرُسونَه، وإِنَّ مَلِكَهُم سَكِرَ فوَقَعَ على ابنَتِه أو أُختِه، فاطَّلَعَ عَلَيه بَعضُ أهلِ مَملَكَتِه، فلَمّا صَحا جاءوا يُقيمونَ عَلَيه الحَدَّ فامتَنَعَ مِنهُم فدَعا أهلَ مَملَكَتِه، فلَمّا أتَوه قال: تَعلَمونَ دينًا خَيرًا مِن دينِ آدَمَ وقَد كان يُنكِحُ بَنيه مِن بَناتِه؟ وأَنا على دينِ آدَمَ، ما يَرغَبُ بكُم عن دينِه؟ قال: فبايَعوه وقاتَلوا الَّذينَ خالَفوهُم حَتَّى قَتَلوهُم فأَصبَحوا وقَد أُسرِيَ على كِتابِهِم فرُفِعَ مِن بَينِ أظهُرِهِم، وذَهَبَ العِلمُ الَّذِي في صُدورِهِم، فهُم أهلُ كِتابٍ، وقَد أخَذَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعُمَرُ - رضي الله عنمهما - مِنهُمُ الجِزيَةَ
(3)
.
(1)
يلبِّبه: أي: يجعل في عنقه ثوبًا أو غيره ويجره إليه. ينظر النهاية 4/ 223.
(2)
ألبدا: أقيما. التاج 9/ 125 (ل ب د).
(3)
المصنف في المعرفة (5515)، والشافعي 4/ 173، ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال (140).
وأخرجه عبد الرزاق (10029، 19262) عن سفيان بن عيينة به بنحوه.
وأخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ قال: سَمِعتُ أبا عمرٍو محمدَ بنَ أحمدَ العاصِمِيَّ يقول: سَمِعتُ أبا بكرٍ محمدَ بنَ إسحاقَ بنِ خُزَيمَةَ يقولُ: وهِمَ ابنُ عُيَينَةَ في هذا الإِسنادِ رَواه عن أبي سَعدٍ البَقّالِ فقالَ: عن نَصرِ بنِ عاصِمٍ. ونَصرُ بن عاصِمٍ هو اللَّيثِيُّ، وإنَّما هو عيسَى بن عاصِمٍ الأسَدِيُّ كوفِيٌّ. قال ابنُ خُزَيمَةَ: والغَلَطُ فيه مِنِ ابنِ عُيَينَةَ لا مِنَ الشّافِعِيِّ، فقَد رَواه عن ابنِ عُيَينَةَ غَيرُ الشّافِعِيِّ فقالَ: عن نَصرِ بنِ عاصِمٍ.
18689 -
أخبرَنا أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بن يوسُفَ الأصبَهانِيُّ إملاءً، أنبأنا أبو سعيدِ بن الأعرابِي، حدثنا الحَسَنُ بن محمدٍ الزَّعفَرانِيُّ، حدثنا سفيانُ بنُ عُيَينَةَ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، سَمِعَ بَجالَةَ
(1)
بنَ عَبَدَةَ يقولُ: كُنتُ كاتِبًا لجَزِيْ
(2)
بنِ مُعاويَةَ عَمِّ الأحنَفِ بنِ قَيسٍ فأَتاه كِتابُ عُمَرَ: اقتُلوا كُلَّ ساحِرٍ وفَرِّقوا بَينَ كُلِّ ذِي مَحرَمٍ مِنَ المَجوسِ. ولَم يَكُنْ عُمَرُ أخَذَ الجِزيَةَ مِنَ المَجوسِ حَتَّى شَهِدَ عبدُ الرَّحمَنِ بن عَوفٍ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخَذَها مِن مَجوسِ هَجَرَ
(3)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن عليِّ بنِ عبد اللَّهِ عن سُفيانَ
(4)
.
18690 -
أخبرَنا أبو سعيدِ بن أبي عمرٍو، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن
(1)
في م: "بحالة". وينظر توضيح المشتبه 6/ 104.
(2)
كذا ضبطه في الأصل، وفي بقية النسخ:"لجزء". وينظر الخلاف في ضبطه في المؤتلف والمختلف 1/ 123، والإكمال 2/ 81، ومشارق الأنوار 1/ 672، والمشتبه 1/ 153.
(3)
المصنف في الصغرى (3742). وتقدم في (16576، 17206).
(4)
البخاري (3156، 3157).
يَعقوبَ، أنبأنا الرَّبيعُ بن سُلَيمانَ، أنبأنا الشّافِعِيُّ، أنبأنا سفيانُ بن عُيَينَةَ. فذَكَرَه بإِسنادِه مُختَصَرًا في الجِزيَةِ. قال الشّافِعِيُّ رحمه الله: حَديثُ بَجالَةَ مُتَّصِلٌ ثابِتٌ؛ لأنَّه
(1)
أدرَكَ عُمَرَ وكانَ رَجُلًا في زَمانِه كاتِبًا لِعُمّالِه، وحَديثُ نَصرِ بنِ عاصِمٍ عن عليٍّ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَّصِلٌ، وبِه نأخُذُ، وقَد رُوِيَ مِن حَديثِ الحِجازِ حَديثانِ مُنقَطِعانِ بأَخذِ الجِزيَةِ مِنَ المَجوسِ
(2)
.
18691 -
أخبرَنا أبو زَكَريّا بنُ أبي إسحاقَ وأبو بكرِ بن الحَسَنِ قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، أخبرَنا محمدُ بن عبد اللهِ بنِ عبد الحَكَم، أنبأنا ابنُ وهبٍ، أخبرَنِي مالكُ بن أنَسٍ (ح) وأخبرَنا أبو زَكَريّا بنُ أبي إسحاقَ، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، أنبأنا الرَّبيعُ بن سُلَيمانَ، أنبأنا الشّافِعِيُّ، أنبأنا مالكٌ، عن جَعفَرِ بنِ محمدٍ، عن أبيه، أن عُمَرَ بنَ الخطابِ ذَكَرَ المَجوسَ فقالَ: ما أدرِي كَيفَ أصنَعُ في أمرِهِم؟ فقالَ له عبدُ الرَّحمَنِ بن عَوفٍ: أشهَدُ لَسَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "سُنّوا بهِم سُنَّةَ أهلِ الكِتابِ"
(3)
.
18692 -
أخبرَنا أبو زَكَريّا بنُ أبي إسحاقَ وأبو بكرِ بن الحَسَنِ
(1)
في م: "وأنه".
(2)
المصنف في المعرفة (5511)، والشافعي 4/ 174. ويظر ما تقدم عقب (17156).
(3)
المصنف في الصغرى (3743)، والمعرفة (5512)، والشافعي 4/ 174، ومالك 1/ 278. وأخرجه عبد الرزاق (10025، 19253)، وابن أبي شيبة (10861، 33191) من طريق جعفر بن محمد به.
القاضِي قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، أنبأنا محمدُ بن عبد اللَّهِ بنِ عبد الحَكَم، أنبأنا ابنُ وهبٍ، أخبرَنِي مالكٌ (ح) وأخبرَنا أبو سعيدِ بن أبي عمرٍو، حدثنا أبو العباس، أنبأنا الرَّبيعُ، أنبأنا الشّافِعِيُّ، أنبأنا مالكٌ، عن ابنِ شِهابٍ أنَّه بَلَغَه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخَذَ الجِزيَةَ مِن مَجوسِ البحرَين، وأَنَّ عثمانَ بنَ عَفّانَ أخَذَها مِنَ البَربَرِ. زادَ ابنُ وهبٍ في رِوايَتِه: وأَنَّ عُمَرَ بنَ الخطابِ أخَذَها مِن مَجوسِ فارِسَ
(1)
.
قال الشيخُ: وابنُ شِهابٍ إنَّما أخَذَ حَديثَه هذا عن ابنِ المُسَيَّب، وابنُ المُسَيَّبِ حَسَنُ المُرسَل، كَيفَ وقَدِ انضَمَّ إلَيه ما تَقَدَّمَ؟
18693 -
أخبرَنا أبو بكرٍ أحمدُ بن الحَسَنِ وأبو زَكَريّا بنُ أبي إسحاقَ قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، أنبأنا محمدُ بن عبد اللهِ بنِ عبد الحَكَم، أنبأنا ابنُ وهب، أخبرَنِي يونُسُ بن يَزيدَ، عن ابنِ شِهابٍ قال: حَدَّثَنِي سعيدُ بن المُسَيَّبِ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخَذَ الجِزيَةَ مِن مَجوسِ هَجَرَ، وأَنَّ عُمَرَ بنَ الخطابِ أخَذَها مِن مَجوسِ السَّواد، وأَنَّ عثمانَ أخَذَها مِن مَجوسِ بَربَرَ
(2)
.
18694 -
أخبرَنا أبو عليٍّ الرُّوذْبارِيُّ، أنبأنا محمدُ بن بكرٍ، حدثنا
(1)
المصنف في المعرفة (5513)، والشافعي 4/ 174، ومالك 1/ 278، ومن طريقه ابن أبي شيبة (33188). وأخرجه أبو عبيد في الأموال (85)، وابن زنجويه في الأموال (642) من طريق الزهري به.
(2)
المصنف في الصغرى (3744). وأخرجه الطحاوي في شرح المشكل (2031) من طريق ابن وهب به.
أبو داودَ، حدثنا محمدُ بن مِسكينٍ اليَمامِيُّ، حدثنا يَحيَى بن حَسّانَ، حدثنا هُشَيمٌ، أنبأنا داودُ بن أبي هِندٍ، عن قُشَيرِ بنِ عمرٍو، عن بَجالَةَ بنِ عَبَدَةَ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأسبَذيّينَ
(1)
مِن أهلِ البحرَين، وهُم مَجوسُ أهلِ هَجَرَ إلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فمَكَثَ عِندَه ثُمَّ خَرَجَ فسألتُه: ما قَضَى اللَّهُ ورسولُه فيكُم؟ قال: شَرًّا. قُلتُ: مَه؟ قال: الإسلامَ أوِ القَتلَ. قال: وقالَ عبدُ الرَّحمَنِ بن عَوفٍ: قَبِلَ مِنهُمُ الجِزيَةَ. قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: وأَخَذَ النّاسُ بقَولِ عبد الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ وتَرَكوا ما سَمِعتُ أنا مِنَ الأسبَذِيِّ
(2)
.
قال الشيخُ رحمه الله: نِعمَ ما صنَعوا؛ تَرَكوا رِوايَةَ الأسبَذِيِّ المَجوسِيِّ وأَخَذوا برِوايَةِ عبد الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ، على أنَّه قَد يَحكُمُ بَينَهُم بما قال الأسبَذِيُّ، ثُمَّ يأتيه الوَحيُ بقَبولِ الجِزيَةِ مِنهُم فيَقبَلُها كما قال عبدُ الرَّحمَنِ بن عَوفٍ، واللهُ أعلَمُ.
18695 -
وقَد أخبرَنا أبو الحُسَينِ محمدُ بن الحَسَنِ بنِ الفَضلِ القَطّانُ ببَغدادَ، أنبأنا أبو بكرٍ محمدُ بن عبد اللهِ بنِ أحمدَ بنِ عَتّابٍ العَبدِيُّ، حدثنا القاسِمُ بن عبد اللَّهِ بنِ المُغيرَة، حدثنا ابنُ أبي أوَيسٍ، حدثنا
(1)
في الأصل: "الأسبذين"، وكتب فوقها:"كذا". والأسبذيون: نسبة إلى أسبذ، وهي قرية بالبحرين. ينظر معجم البلدان 1/ 171.
(2)
أبو داود (3044). وأخرجه ابن الأعرابي في معجمه (1076). وابن عبد البر في التمهيد 1/ 572 من طريق هشيم به. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (659).
إسماعيلُ بن إبراهيمَ بنِ عُقبَةَ، عن عَمِّه موسَى بنِ عُقبَةَ قال: قال ابنُ شِهابٍ: حَدَّثَنِي عُروَةُ بن الزُّبَيرِ أن المِسوَرَ بنَ مَخرَمَةَ أخبَرَه أن عمرَو بنَ عَوفٍ - وهو حَليف لبَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ، كان شَهِدَ بَدرًا مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخبَرَه، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ إلَى البحرَينِ يأتِي بجِزيَتِها، وكانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هو صالَحَ أهلَ البحرَينِ وأَمَّرَ عَلَيهِمُ العَلاءَ بنَ الحَضرَمِيِّ، فقَدِمَ أبو عُبَيدَةَ بمالٍ مِنَ البحرَين، فسَمِعَتِ الأنصارُ بقُدومِه فوافَت صَلاةَ الصُّبحِ مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلَمّا انصَرَفَ تَعَرَّضوا له، فتَبَسَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ رآهُم وقالَ:"أظُنُّكُم سَمِعتُم بقُدومِ أبي عُبَيدَةَ وأنَّه جاءَ بشَئ". فَقالوا: أجَلْ يا رسولَ اللَّهِ. فقالَ: "أبشِروا وأَمِّلوا ما يَسُرُّكُم، فواللَّهِ ما الفَقرَ أخشَى عَلَيكُم، ولَكِن أخشَى عَلَيكُم أن تُبسَطَ الدُّنيا عَلَيكُم كما بُسِطَت على مَن كان قَبلَكُم فتَنافسوها وتُلهيَكُم كما ألهَتْهُم"
(1)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن إسماعيلَ بنِ عبد اللَّهِ بنِ أبي أوَيسٍ
(2)
.
18696 -
وأخبرَنا أبو عبدِ اللَّهِ الحافظُ، أنبأنا أحمدُ بن جَعفَرٍ، حدثنا عبدُ اللَّهِ بن أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، حَدَّثَنا أبي، حدثنا يَعقوبُ بن إبراهيمَ بنِ سَعدٍ، حدثنا أبي، عن صالِحٍ، عن ابنِ شِهابٍ. فذَكَرَه بنَحوِه
(3)
. رَواه مسلمٌ في
(1)
أخرجه أحمد (18915)، ومسلم (2961/ 6)، والترمذي (2462)، والنسائي في الكبرى (8766) من طريق الزهري به.
(2)
البخاري (6425).
(3)
أحمد (17234). وأخرجه النسائي في الكبرى (8767) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد به.
"الصحيح" عن الحَسَنِ الحُلوانِيِّ عن يَعقوبَ بنِ إبراهيمَ
(1)
.
18697 -
وأخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ وأبو سعيدِ بن أبي عمرٍو قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، حدثنا هِلالُ بن العَلاءِ الرَّقِّيُّ، حدثنا عبدُ اللَّهِ بن جَعفَرٍ، حدثنا المُعتَمِرُ بن سُلَيمانَ، حدثنا سعيدُ بن عُبَيدِ الله، حدثنا بكرُ بن عبد اللَّهِ المُزَنِيُّ وزيادُ بن جُبَيرٍ، عن جُبَيرِ بنِ حَيَّةَ قال: بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ مِن أفناءِ الأمصارِ يُقاتِلونَ المُشرِكينَ. فذَكَرَ الحديثَ في إسلامِ الهُرْمُزانِ، قال: فقالَ: إنِّي مُستَشيرُكَ في مَغازِيَّ هذه فأَشِرْ عليَّ في مَغازِي المُسلِمينَ. قال: نَعَم يا أميرَ المُؤمِنينَ، الأرضُ مَثَلُها ومَثَلُ مَن فيها مِنَ النّاسِ مِن عَدوِّ المُسلِمينَ مَثَلُ طائرٍ له رأسٌ ولَه جَناحانِ ولَه رِجلانِ، فإِن كُسِرَ أحَدُ الجَناحَينِ نَهَضَتِ الرِّجلانِ بجَناحٍ والرّأسُ، وإِن كُسِرَ الجَناحُ الآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجلانِ والرّأسُ، وإِن شُدِخَ الرّأسُ ذَهَبَتِ الرِّجلانِ والجَناحانِ والرأسُ؛ فالرّأسُ كِسرَى، والجَناحُ قَيصَرُ، والجَناحُ الآخَرُ فارِسُ، فمُرِ المُسلِمينَ أن يَنفِروا إلَى كِسرَى. فقالَ بكر وزياد جَميعًا عن جُبَيرِ بنِ حَيَّةَ قال: فنَدَبَنا عُمَرُ واستَعمَلَ عَلَينا رَجُلًا مِن مُزَينَةَ يُقالُ له: النُّعمانُ بن مُقَرِّنٍ، وحَشَرَ المُسلِمينَ مَعَه. قال: وخَرَجنا فيمَن خَرَجَ مِنَ النّاس، حَتَّى إذا دَنَونا مِنَ القَومِ وأَداةُ الناسِ وسِلاحُهُمُ الحَجَفُ
(2)
والرِّماحُ المُكَسَّرَةُ والنَّبلُ.
(1)
مسلم (2961/ عقب 6).
(2)
في النسخ عدا الأصل: "الجحف". والحجف: التروس إذا كانت من جلود وليس فيها خشب. ينظر التاج 23/ 118 (ح ج ف).
قال: فانطَلَقنا نَسيرُ وما لَنا كَثيرُ خُيولٍ - أو: ما لَنا خُيولٌ - حَتَّى إذا كُنّا بأَرضِ العَدوِّ وبَينَنا وبَينَ القَومِ نَهَرٌ خَرَجَ عَلَينا عامِلٌ لِكِسرَى
(1)
في أربَعينَ ألفًا، حَتَّى وقَفوا على النَّهَرِ ووَقَفنا مِن حيالِه الآخَرِ قال: يا أيُّها النّاسُ أخرِجوا إلَينا رَجُلًا يُكَلِّمُنا. فأُخرِجَ إلَيه المُغيرَةُ بن شُعبَةَ وكانَ رَجُلًا قَدِ اتَّجَرَ وعَلِمَ الألسِنَةَ. قال: فقامَ تَرجُمانُ القَومِ فتَكَلَّمَ دونَ مَلِكِهِم. قال: فقالَ لِلنّاسِ: ليُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنكُم. فقالَ المُغيرَةُ: سَل عَمّا شِئتَ. فقالَ: ما أنتُم؟ فقالَ: نَحنُ ناسٌ مِنَ العَرَبِ كُنّا في شَقاءٍ شَديدٍ، وبَلاءٍ طَويلٍ، نَمَصُّ الجِلدَ والنَّوَى مِنَ الجوع، ونَلبَسُ الوَبَرَ والشَّعَرَ، ونَعبُدُ الشَّجَرَ والحَجَرَ، فبَينا نَحنُ كَذَلِكَ إذ بَعَثَ رَبُّ السَّماواتِ ورَبُّ الأرضِ إلَينا نَبيًّا مِن أنفُسِنا نَعرِفُ أباه وأُمَّه، فأَمَرَنا نَبيُّنا رسولُ رَبِّنا صلى الله عليه وسلم أن نُقاتِلَكُم حَتَّى تَعبُدوا اللَّهَ وحدَه أو تُؤَدّوا الجِزيَةَ، وأخبرَنا نَبيُّنا عن رِسالَةِ رَبِّنا أنَّه مَن قُتِلَ مِنّا صارَ إلَى جَنَّةٍ ونَعيمٍ لَم يُرَ مِثلُه قَطُّ، ومَن بَقِيَ مِنّا مَلَكَ رِقابَكُم. قال: فقالَ الرَّجُلُ: بَينَنا وبَينَكُم بَعدَ غَدٍ حَتَّى نأمُرَ بالجِسرِ يُجسَرُ. قال: فافتَرَقوا وجَسَروا الجِسرَ، ثُمَّ إنَّ أعداءَ اللَّهِ قَطَعوا إلَينا في مِائَةِ ألفٍ؛ سِتّونَ ألفًا يَجُرّونَ الحَديدَ، وأَربَعونَ ألفًا رُماةُ الحَدَق، فأَطافوا بنا عَشْرَ مَرّاتٍ. قال: وكُنّا اثنَيْ عَشَرَ ألفًا فقالوا: هاتوا لَنا رَجُلًا يُكَلِّمُنا. فأَخرَجنا المُغيرَةَ فأَعادَ عَلَيهِم كَلامَه الأوَّلَ، فقالَ المَلِكُ: أتَدرونَ ما مَثَلُنا ومَثَلُكُم؟ قال المُغيرَةُ: ما مَثَلُنا ومَثَلُكُم؟ قال: مَثَلُ رَجُلٍ له بُستانٌ ذو رَياحِينَ وكانَ له ثَعلَبٌ قَد آذاه، فقالَ له رَبُّ البُستانِ: يا أيُّها الثَّعلَبُ لَولا أن
(1)
في س، م:"كسرى".
يُنتِنَ حائطِي مِن جيفَتِكَ لَهَيّأتُ ما قَد قَتَلَكَ، وإِنّا لَولا أن تُنتِنَ بَلادُنا مِن جيَفِكُم
(1)
لَكُنّا قَد قَتَلناكُم بالأمسِ. قال له المُغيرَةُ: هَل تَدرِي ما قال الثَّعلَبُ لِرَبِّ البُستانِ؟ قال: ما قال له؟ قال: قال له: يا رَبَّ البُستان، أن أموتَ في حائطِكَ ذا بَينَ الرَّياحينِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أخرُجَ إلَى أرضٍ قَفرٍ لَيسَ بها شَئٌ. وإِنَّه واللَّهِ لَو لَم يَكُنْ دينٌ وقَد كُنّا مِن شَقاءِ العَيشِ فيما ذَكَرتُ لَكَ ما عُدنا في ذَلِكَ الشَّقاءِ أبَدًا حَتَّى نُشارِكَكُم فيما أنتُم فيه أو نَموتَ، فكَيفَ بنا ومَن قُتِلَ مِنّا صارَ إلَى رَحمَةِ الله وجَنَّتِه، ومَن بَقِيَ مِنّا مَلَكَ رِقابَكُم؟! قال جُبَيرٌ: فأَقَمْنا عَلَيهِم يَومًا لا نُقاتِلُهُم ولا يُقاتِلُنا القَومُ. قال: فقامَ المُغيرَةُ إلَى النُّعمانِ بنِ مُقَرِّنٍ فقالَ: يا أيُّها الأميرُ إنَّ النَّهارَ قَد صَنَعَ ما تَرَى، واللَّهِ لَو وُلّيتُ مِن أمرِ الناسِ مِثلَ الَّذِي وُلّيتَ مِنهُم لألحَقتُ النّاسَ بَعضَهُم ببَعضٍ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بَينَ عِبادَه بما أحَبَّ. فقالَ النُّعمانُ: رُبَّما أشهَدَكَ اللَّهُ مِثلَها ثُمَّ لَم يُنَذَمْكَ ولَم يُخزِكَ، ولَكِنِّي شَهِدتُ مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَثيرًا، كان إذا لَم يُقاتِلْ في أوَّلِ النَّهارِ انتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأرواحُ وتَحضُرَ الصَّلَواتُ
(2)
، ألا أيُّها النّاسُ إنِّي لَستُ لِكُلِّكُم أُسمِعُ، فانظُروا إلَى رايَتِي هذه فإِذا حَرَّكتُها فاستَعِدّوا، مَن أرادَ أن يَطعُنَ برُمحِه فليُيَسِّرْ رُمحَه
(3)
، ومَن أرادَ أن يَضرِبَ بعَصاه فليُيَسِّرْ عَصاه، ومَن أراد أن يَطعُنَ بخِنجَرِه فليُيَسِّرْه، ومَن أرادَ أن يَضرِبَ بسَيفِه فليُيَسِّرْ سَيفَه، ألا يا أيُّها النّاسُ إنِّي مُحَرِّكُها الثّانيَةَ فاستَعِدّوا،
(1)
في م: "جيفتكم".
(2)
في س، م:"الصلاة".
(3)
زيادة من حاشية الأصل، وفي م:"فلييسره". مكان: "فلييسر رمحه".
ثُمَّ إنِّي مُحَرِّكُها الثّالِثَةَ فشُدّوا على بَرَكَةِ الله، فإِن قُتِلتُ فالأميرُ أخِي، فإِن قُتِلَ أخِي فالأميرُ حُذَيفَةُ، فإِن قُتِلَ حُذَيفَةُ فالأميرُ المُغيرَةُ بن شُعبَةَ. قال: وحَدَّثَنِي زيادٌ أن أباه قال: قَتَلَهُمُ اللَّهُ، فنَظَرنا
(1)
إلَى بَغلٍ موقَرٍ عَسَلًا وسَمنًا، قَد كُدِسَتِ القَتلَى عَلَيه فما أُشَبِّهُه إلَّا كَومًا مِن كَومِ السَّمَكِ يُلقَى
(2)
بَعضُه على بَعضٍ، فعَرَفتُ أنَّه إنَّما يَكونُ القَتلُ
(3)
في الأرضِ ولَكِن هذا شَئٌ صَنَعَه اللَّهُ، وطهَرَ المُسلِمونَ وقُتِلَ النُّعمانُ وأَخوه وصارَ الأمرُ إلَى حُذَيفَةَ. فهَذا حَديثُ زيادٍ وبَكرٍ. قال: وحَدَّثَنا أبو رَجاءٍ الحَنَفِيُّ قال: كتَبَ حُذَيفَةُ إلَى عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّه أُصيبَ مِنَ المُهاجِرينَ فُلانٌ وفُلانٌ وفيمَن
(4)
لا يُعرَفُ أكثَرُ. فلَمّا قرأَ الكِتابَ رَفَعَ صَوتَه ثُمَّ بَكَى وبَكَى فقالَ: بَلِ اللَّهُ يَعرِفُهُم. ثَلاثًا
(5)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" مُختَصرًا عن الفَضلِ بنِ يَعقوبَ عن عبد اللَّهِ بنِ جَعفَرِ الرَّقِّيِّ
(6)
.
وفيه دِلالَةٌ على أخذِ الجِزيَةِ مِنَ المَجوسِ واللهُ أعلمُ، فقَد كان كِسرَى وأَصحابُه مَجوسًا.
18698 -
أخبرَنا أبو عليٍّ الرُّوذْبارِيُّ، أنبأنا محمدُ بن بكرٍ، حدثنا
(1)
في م: "فنظروا".
(2)
في م: "ملقى".
(3)
في حاشية الأصل: "القتلى".
(4)
في حاشية الأصل: "وممن".
(5)
تقدم في (18233) مختصرًا، وسيأتي قبل (18855).
(6)
البخاري (3159).