الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أساسات الحياة وهي: العرض والمال والدم والعقل والدين .. فإذا تم العبث بهذه الأشياء وانعدمت حمايتها تحول العالم إلى بقعة شرسة يعتبر ما يحدث في الغابة الحيوانية أرقى بكثير مما يحدث فيها .. فما يجري في الغاب هو صراع من أجل البقاء لا أكثر .. أما على الأرض فسيتحول الصراع إلى هدف لإفناء الآخر وسحقه .. فإذا غابت الحدود يومًا عن الأرض فستغيب أشياء كثيرة أولها التسامح وآخرها الإنسان .. وما وصل الإِسلام إلى اليمن إلا من أجل الإنسان .. هكذا جرت الأحداث في اليمن .. أما في المدينة فقد كانت الوفود تسيل إليها ومنها في الوقت الذي قرر النبي صلى الله عليه وسلم إرسال أكبر بعث لا للغزو بل إلى مكة لأداء الحج .. وقد اختار لإمارة هذا البعث صاحبه أبا بكر الصديق وقد سميت هذه الحجة:
حجة أبي بكر رضي الله عنه
وقبل أن ينطلق رضي الله عنه أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان بيانات نبوية خلال مواسم الحج القادمة تحمل توحيدًا نقيًا يقطع آخر الطرق بين الشرك والأجيال الجديدة المفعمة بالفطرة ..
القرار الأول: منع أي مشرك يعلن شركه من الحج بعد هذا العام.
الثاني: منع التعري داخل البيت الحرام وأثناء الطواف وهي من عادات الشرك البالية المتخلفة.
يقول أبو هريرة: "بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان"(1)
(1) صحيح مسلم 2 - 982.
وهذا يعني أن أبا بكر حج بالعرب كافة مسلمهم ومشركهم .. أما في المدينة فقد نزلت سورة براءة على النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد أمر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بإعلانها بنفسه على الحجاج أو يكلف رجلًا من أهل بيته بذلك .. فأمر عليًا رضي الله عنه أن يحملها إلى مكة وأن يعلنها بنفسه على أولئك الحجاج .. مما خلق تساؤلًا لدى أبي بكر الصديق بصفته أميرًا على الحجاج وأميرًا على علي رضي الله عنه .. ولم يكن يعلم وقتها أن عليًا كان مكلفًا فقط بإعلان براءة مع بقائه تحت إمرة أبي بكر رضي الله عنهما: يقول أبو هريرة: "فأذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان"(1)
أحد الصحابة يقص ما حدث بتفصيل أكثر فيقول:
"بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليًا فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء .. فخرج أبو بكر فزعًا فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإذا هو علي فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر عليًا أن ينادي بهؤلاء الكلمات .. فانطلقا فحجا فقام علي أيام التشريق فنادى: ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان .. ولا يدخل الجنة إلا مؤمن .. وكان علي ينادي فإذا عيى قام أبو بكر فنادى بها"(2) ولما سئل علي رضي الله عنه "بأي شيء
(1) صحيح البخاري 4 - 1709.
(2)
حديث صحيح رواه البيهقي 9 - 224 والترمذيُّ 5 - 275 واللفظ له حدثنا محمَّد بن إسماعيل حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان بن حسين عن الحكم ابن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس وهذا سند قوي وله شاهد عند النسائي في الكبرى2 - 416 سنن الدارمي 2 - 92 وغيرهما من طريق موسى بن طارق عن ابن جريج قال =
بعثت قال بأربع، أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم ومشرك بعد عامهم هذا في الحج ومن كان له عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر" (1)
وبذلك تم تحرير مكة من كل علاقة بالشرك والمشركين وقطعت كل صلة لها بالخرافة والوثنية ..
أتم الجميع مناسك حجهم وعادوا إلى ديارهم وتوجه أبو بكر رضي الله عنه إلى المدينة .. وعند وصوله سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك الأمر "فلما رجع أبو بكر قال: هل نزل في شيء؟ قال: لا ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي"(2) ولم يكن في الأمر سوى تكريم لعلي بالإضافة إلى تكريم أبي بكر وخصه بقيادة المسلمين كافة إلى الحج .. ولو كان في الأمر مساس بأبي بكر وإمارة أبي بكر لعزله النبي صلى الله عليه وسلم من الأمارة وسلمها لأحد الصحابة لكن الأمر غير ذلك فقد بقي علي وغيره رضي الله عنهم تحت إمرة أبي بكر رضي الله عنه طوال مدة الحج ..
= حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر وهذا سند صحيح لولا عنعنة أبي الزبير عن جابر وهو على شرط مسلم.
(1)
سنده صحيح رواه الترمذيُّ 3 - 222 والحميديُّ 1 - 26 سنن سعيد بن منصور 5 - 233 واللفظ له من طريق سفيان عن أبي إسحاق الهمداني عن زيد بن يثيع قال سألنا عليًا .. انظر ما بعده.
(2)
تفسير الطبري10 - 64 والنسائيُّ في السنن الكبرى 5 - 128 وأحمدُ 1 - 3 من طريق يونس بن أبي إسحاق وإسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع قال وهو سند صحيح قال في الدارقطني في العلل 1 - 274 بعد أن ذكر طرق الحديث: وقال ابن عيينة عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع قال سألنا علي بن أبي طالب بأي شيء بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بأربع وقول بن عيينة أشبه بالصواب والله أعلم وكذلك قال أبو بكر بن عياش وأبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن أبي إسحاق.