الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان كعب يضعر بغربة داخل مدينته لأنه لم ير فيها إلا الضعفاء والمنافقين .. وهو ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء .. هو من أولئك الذين يكابدون خلف النبي صلى الله عليه وسلم لمجابهة الروم الذين تأهبوا للقضاء على هذه الدولة الجديدة .. لكنه التسويف الذي يورث الندم ويكدس الوظائف ويصيب الإنسان بالإحباط .. لم يكن كعب وحيدًا في معاناته
…
هلال بن أمية ومرارة بن الربيع يمران بالتجربة المريرة نفسها .. ولما تحدث الناس عنهما أمام كعب قال: مثنيًا عليهما "ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما إسوة"(1)
ثلاثة من السابقين إلى الإسلام يبحثون عن مخرج مما هم فيه ولا سبيل .. فالنبي عليه السلام الآن في طريقه يشق السراب والعطش والقفار في قيظ محرق ولهيب مشتعل .. وإذا كان هؤلاء الثلاثة قد فقدوا الأمل باللحاق به عليه السلام فإن رجلًا رابعًا لم يتسلل اليأس إلى نفسه .. إنه الرجل الذي تصدق بالصاع وسخر منه المنافقون:
أبو خيثمة يلحق بالنبي
في قصة تفيض بحب الله ورسوله .. يتحدث عنها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيقول:
"حتى إذا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع أبو خيثمة ذات يوم إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها .. وقد بردت له فيها ماء وهيأت له طعامًا فلما دخل قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وماء بارد
(1) صحيح مسلم 4 - 2124.
وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم .. ما هذا بالنصف .. والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لي زادًا .. ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحل ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك .. وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال لعمير:
إن لي ذنبًا فلا عليك أن تخلف عني حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار" (1) أبو خيثمة نحو النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعاني وأصحابه من لهيب القيظ وشدة العطش إلى درجة لا يستطيع التعبير عنها إلا الذي عاناها وكابدها .. ومن بين هؤلاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث يقول: "خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلًا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع .. حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع .. حتى أن الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده .. فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله .. إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا فادع لنا .. فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم .. فرفع يده فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلمت .. ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر .. فلم نجدها جازت العسكر" (2)
(1) سنده قوي وهو جزء من حديث ابن إسحاق السابق: حدثنى محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أبا سعد بن أبي وقاص وقد مر تخريجه وله شاهد عند الطبراني 6 - 31.
(2)
سنده صحيح رواه ابن خزيمة 1 - 53 من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن العسرة فقال وهذا السند صحيح ولا يضره ما ذكره الدارقطنى في العلل 2 - 83 بقوله وخالفهم يعقوب بن محمد الزهري فرواه عن وهب ولم يذكر في الإسناد عتبة جعله بن أبي هلال عن نافع بن جبير والقول فيه قول من ذكر عتبة =