الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدخل البهجة على النفوس .. أهذه مكة التي كانت قبل أيام بطيئة مملة كئيبة ملوثة الأجواء بالأصنام والطبقية والعنصرية والربا والأحقاد .. لو لم يكن هذا الرجل نبيًا لما تغيرت مكة هذه الطريقة المعجزة ولو بعد آلاف السنوات .. لكن هذه الأجواء الساحرة تظل بشرية بحتة لكنها موجهة بالوحى النقي والعادل .. وما دامت بشرية فلا بد من الزلل والخطأ .. وقد حدث ذلك عندما أقدمت امرأة مخزومية على السرقة فكانت سرقتها رحمة للمسلمين ودرسًا جديدًا للطلقاء.
الجريمة والواسطة
حددت المرأة السارقة واعترفت بجريمتها كانت من قريش "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها"(1)"فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم"(2) بعد أن عرفت أن عقوبة السرقة هي قطع اليد .. وانتشر خبر السرقة في مكة واهتز الطلقاء لقطع يد امرأة من أعرق قبائل العرب .. لكن تلك النعرة تفتت أمام العدالة كالجذع المتآكل .. فتوجه أشرف الطلقاء وأرفعهم نسبًا متنازلين إلى شاب يتيم أسود اللون يدعى أسامة بن زيد لكي يتوسط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لإسقاط حد السرقة عن تلك المرأة نظرًا لمكانتها الاجتماعية ولأن في تطبيق الحد عليها مساسًا بتلك المكانة في نظرهم .. تقول "عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: إن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها
(1) صحيح مسلم 3 - 1316.
(2)
صحيح مسلم 3 - 1316.
أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله .. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد .. فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .. وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها .. ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" (1) .. وتعلم الطلقاء درسًا جديدًا اسمه المساواة في العقوبة بعد أن استوعبوا المساواة في التعامل والمكافأة .. وأيقنوا أنهم أمام وحي لا يزحزحه شيء فليس بعد فاطمة من قرابة .. فالقضية لا تتعلق بشخصين أو ثلاثة يمكنهم التفاهم حول ما أخذه أحدهما من الآخر .. بل يتعلق بأمن الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم وبالتالي فهو يتناول بشكل خطير أمن الدولة برمتها فالدولة التي لا تجيد التعامل مع الجريمة لا تستحق أن تسمى دولة .. والحياة فيها لا تعرف معنى للرفاه والاستقرار .. لكن تنفيذ العقوبة في الإِسلام لا يعني سوى تنفيذ العقوبة ثم يعود المذنب بعدها بريئًا ليواصل مع غيره مسيرته في الإبداع والإنجاز في موكب هذه الدولة العادلة المنطلقة للآفاق .. هذه المرأة لم تمسح من ذاكرة الأمة ولم تصادر حقوقها في المواطنة فهي امرأة أخطأت ونالت عقابها وانتهى الأمر .. لقد تابت فـ: "قالت عائشة فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " (2) .. وقد كان بإمكان أهلها ومن يهمه أمرها طلب الشفاعة من صاحب المال المسروق قبل أن يصل الأمر إلى إمام المسلمين وقائدهم وقاضيهم صلى الله عليه وسلم .. لكن عند وصول
(1) صحيح مسلم 3 - 1315.
(2)
صحيح مسلم 3 - 1315