الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح مكة
فهذا النوع من البشر يستنفذ منك كل طاقات الإقناع والسلام والعفو والحكمة والموعظة الحسنة .. بل هو ينظر إلى هذه الأنماط السلوكية في الدعوة على أنها ضرب من ضروب السذاجة والسطحية والغباء تستحق الانتهازية والاستغلال والمماطلة ما أمكن .. هذا النوع لا يخضع للحق رغم سطوعه كالشمس في عينيه .. لكنه يسرع إليه إذا رأى شعاع الشمس منعكسًا على شفرة سيف حاد ..
ولأهمية هذا الأمر لم يعلن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كيف سيكون الرد ولا متى .. حتى أهل بيته حتى أبو بكر لا يعلم هدف هذا الاستعداد ولا وجهته .. فقد دخل أبو بكر الصديق على ابنته "عائشة وهي تغربل حنطة لها .. فقال: ما هذا؟ أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز .. فقالت: نعم فتجهز، فقال: وإلى أين؟ قالت: ما سمى لنا شيئًا، غير أنه قد أمرنا بالجهاز"(1) ثم صدرت أوامر النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين والأنصار جميعًا بالتأهب فامتثلوا .. وبعث صلى الله عليه وسلم إلى قياداته من بني سليم ومزينة فتطوع من بني سليم حوالي السبعمائة أما مزينة فتجاوزوا هذا العدد ليصلوا إلى ألف مقاتل .. وتداعت القوات من كل مكان في الجزيرة .. حتى توافر لدى النبي صلى الله عليه وسلم قوة ضاربة قوامها عشرة آلاف مقاتل .. كل ذلك وهم لا يدرون إلى أين سيتوجه بهم النبي صلى الله عليه وسلم .. والمدهش في الأمر أن شهر رمضان قد دخل على الأمة فلم يتزحزح النبي صلى الله عليه وسلم عن قراره بغزو مكة وتخليصها .. يقول أحد الصحابة عن عدد القوات المتوفرة "مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الفتح حتى
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه البيهقي في الدلائل 5 - 12 حدثنا محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة وهذا السند صحيح فجعفر ثقة من رجال الشيخين وعروة إمام ثقة مر معنا كثيرًا.
نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين .. فسبعت سليم وألفت مزينة وفي كل القبائل عدد وإسلام .. وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار .. فلم يتخلف عنه منهم أحد .. وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو صانع" (1) وهو مؤشر على مدى السرية التي أحاط النبي صلى الله عليه وسلم هدف كل هذا الاستعداد الضخم الذي لم تشهد له الجزيرة العربية مثيلًا. ولا أستبعد أن يكون كبار الصحابة يرجحون أن مكة هي الهدف القادم .. لكنهم لا يستطيعون البوح بذلك لأن التلفظ به يعني مزيدًا من البلبلة والإشاعات والإرجاف وإعطاء العدو فرصة للتأهب .. وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد ذلك كله .. لكن أحد أفاضل الصحابة من المهاجرين ورجال بدر العظماء قام بعمل خطير جدًا لا يقوم به إلا منافق أو عدو لهذه الأمة .. لقد كان هذا الصحابي الجليل لماحًا فهم من هذه الجموع والترتيبات أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقصد قبيلة عادية من قبائل الجزيرة .. فقد انتصر على كل القبائل التي واجهها بسرايا محدودة العدد محدودة التجهيز .. لكن الأمر اليوم يحمل بين حروفه ضربة حاسمة ستغير وجه الجزيرة وأعماق من يسكنها .. فلا يمكن أن تكون إلا أعظم قبيلة على أرض الجزيرة ولا يمكن أن تكون إلا أقدس أرض على سطح الأرض .. وهذا ما جعل انتقام قريش من ذوي المسلمين الضعفاء متوقعًا .. وكان أهل حاطب في مكة معرضين لانتقام طواغيت قريش في حالة مداهمتهم .. وربما يستغلونهم كرهائن في حالة الانكسار وأشياء عديدة وثقيلة كالهموم تغرز حرابها في رأس
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الحاكم 3 - 46 حدثني الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: والزهري إمام مر معنا كثيرًا وعبيد الله تابعي ثقة فقيه ثبت من رجال الشيخين: التقريب 1 - 535.