الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلك اللحظات: "إنه بينما يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفلة من حنين فعلقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلًا ولا كذوبًا ولا جبانًا"(1) ثم حذرهم عليه السلام من الغلول وهو الاختلاس من الغنائم دون إذن منه فكانت هذه القصة الأنصارية:
قصة الأنصاري وخيوط الشعر
وذلك بعد أن: "اتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجؤوه [إلى سمرة] .. فاختطفت الشجرة عنه رداءه فقال: ردوا علي ردائي أيها الناس فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعمًا لقسمتها عليكم ثم ما لقيتموني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذابًا .. ثم قام إلى جنب بعير فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصبعيه ثم رفعها فقال: أيها الناس إنه والله ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم .. فأدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارًا ونارًا وشنارًا يوم القيامة.
فجاءه رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال: يا رسول الله .. أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر .. قال: أما نصيبي منها فلك فقال: إنه إذا بلغت هذه فلا حاجة لي بها ثم طرحها من يده" (2) .. فلا حاجة
(1) صحيح البخاري 3 - 1038.
(2)
سنده حسن رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبري 2 - 175 والبيهقي في الكبرى 6 - 336 وغيرهما قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال وهو سندٌ حسنٌ مشهور والزيادة لأحمد 2 - 184.
له في إفساد جهده وجهاده من أجل كنوز الدنيا فكيف يفسده من أجل كومن من شعر تافه رخيص .. هذا هو الجيش الإِسلامي المنطلق من الكتاب والسنة لا من ثكنات التشريعات العسكرية البشرية التي عجزت عن ضبط جنودها عن النهب والسلب والاغتصاب وقائمة شنيعة من جرائم الحرب بل عجزت عن ضبطهم حتى ضد أنفسهم .. أما محمَّد عليه السلام فبكلمة واحدة تم كل شيء لأنه لا يخاطب جنوده من الخارج بل يشيدهم من الداخل .. هو صوت دائم في أعماقهم يجذر خوف الله قبل كل شيء فيهم .. وها هو صوته الذي لا يخبو ينادي من أجل ذلك رجالًا ليس لهم تاريخ ولا رصيد حتى الآن في الإِسلام .. بل إن بعضهم سخر كل ما يملك من أجل القضاء على هذا الدين .. ومع ذلك وفي أصفى لحظات الانتقام يطل محمَّد صلى الله عليه وسلم رحمة وعطاء أخجلهم طوال حياتهم وعرفهم بربهم تعريفًا جديدًا لا تحجبه الأحقاد .. استدعى صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وعيينة بن حصن والأقرع ابن حابس فحولهم إلى أثرياء في لحظات كان الجميع يترقب أن يكون الثراء من نصيب أبي بكر أو عمر أو علي أو سعد بن عبادة أو أسيد بن حضير أو غيرهم من عمالقة الأنصار والمهاجرين ..
استدعى صلى الله عليه وسلم أولئك الرجال فـ "أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصين مائة من الإبل فقال ناس من الأنصار: يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمنا ناسًا تقطر سيوفهم من دمائنا أو تقطر سيوفنا من دمائهم فبلغه ذلك"(1)
كان هذا الكلام صادرًا من بعض فتيان الأنصار المتحمسين والذين
(1) سنده صحيح رواه الإمام أحمد 3 - 201 ثنا يزيد بن هارون أنا حميد عن أنس وهذا سند ثلاثي صحيح. يزيد ثقة مر معنا وشيخه تابعي ثقة سمع من أنس.