الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبرنا الله سبحانه عن تلك المعنويات فقال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} لدرجة أن "خرج شبان أصحابه وإخفاؤهم حسرًا ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح"(1) هذه الكثرة قد ترفع المعنويات لكنها قد تسحب خلفها غرورًا يكبد الكثير من الضحايا والخسائر فالنصر من عند الله لكنه لا يتحقق إلا بمجهود بشري أمر الله بتنفيذه بدقة .. ولن ينصر الله جيشًا مسلمًا مفرطًا متهاونًا أو مخالفًا للأوامر أو غير مستعد .. لذلك لا بد من تلافي الأخطاء التي تكلف أثمانًا باهظة حتى لا يقع الجيش المسلم في فخ غزوة أحد مرة أخرى .. تعالوا نقرأ تفاصيل حنين ففيها الكثير من المفاجآت .. تعالوا إلى:
وادي حنين وأرضها
فهي الآن تحت سيطرة جيش المشركين ويبدو من شهود العيان أن المشركين قاموا بتنظيم ما معهم من قوات وغير قوات في منتهى التهور والدهاء معًا .. بل ربما قاموا باستنساخ خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد مع اختلاف التضاريس .. فبينما كانت أرض أحد تحتوي جبالًا استغلها النبي صلى الله عليه وسلم نجد أرض حنين تحتوي على أودية استغلها قادة هوازن وغطفان بشكل سليم .. أما تخطيط مشركي هوازن وغطفان ومن معهما لتسيير المعركة (2) فهو كالتالي:
قسمت هوازن وغطفان جيشها إلى قسمين:
أولًا- قسم أمامي ومكانه مقدمة بطن الوادي أو لنقل مدخل الوادي
(1) صحيح مسلم 3 - 1400.
(2)
هذا الاستنتاج بنيته على مجموع الأحاديث الصحيحة فقط لمجريات المعركة.
وهو خط المعركة الأول وقد قسمه المشركون إلى أربعة صفوف أو أربع مجموعات يقف بعضها خلف بعض وهي:
الصف الأول: الفرسان
الصف الثاني: المقاتلون من الرجال والشباب
الصف الثالت: الأقل قوة وهم النساء والشيوخ والأطفال
الصف الرابع: ومهمته معنوية وهو مكون من الأغنام
الصف الخامس: ومهمته معنوية أيضا وهو مكون من بقية الأنعام
وقد عبر أحد جنود الإسلام عن إعجابه بتلك الصفوف وهو أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينًا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت؛
قل فصفت الخيل
ثم صفت المقاتلة
ثم صفت النساء ومن وراء ذلك
ثم صفت الغنم
ثم صفت النعم" (1)
ثانيًا- قسم الرماة: وقد تترس هؤلاء بتجاويف الوادي وتعرجاته ويبدو أنهم في مكان مرتفع بحيث يسهل إصابة المسلمين من خلاله وعن ذلك يقول جابر رضي الله عنه:
(1) صحيح مسلم 2 - 736.
"لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في وادي من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارًا .. وفي عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا"(1)
أما جيش المسلمين فكان كالعادة منظمًا ومقسمًا يقول أنس: "وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد" وهذا يدل على أن هناك جناحًا أيمن وآخر أيسر وقلبًا يقوده النبي صلى الله عليه وسلم لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشعر ببعض الخوف ليس من الأعداء فما خرج إلا وقد أعد لهم واستعد .. لكن خوفه كان من هذا الجيش العظيم الذي يقوده الآن .. والنبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله يتذكر نعمة الله وأنه لا بد من شكره عليها في غمرة الانتصار .. ولا بد أن يتذكر الإنسان في أوج الانتصار أنه لا يزال إنسانًا مخلوقا ولا بد لهذا المخلوق أن يظهر ويبطن الامتنان لخالقه تحت أي ظرف من الظروف .. ها هو صلى الله عليه وسلم وبعد كل صلاة فجر يحرك شفتيه فيتساءل الصحابة عن تلك الأحرف التي لا يسمعونها ويشعرون بالشوق إليها .. فيقول الصحابي المهاجر الصابر المجاهد صهيب الرومي رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحرك شفتيه أيام حنين بشيء لم يكن يفعله قبل ذلك: قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن نبيًا كان فيمن كان قبلكم أعجبته أمته فقال لن يروم هؤلاء شيء فأوحى الله إلي أن خيرهم بين إحدى ثلاث: إما أن أسلط عليهم عدوًا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع
…
أو الموت .. فقالوا: أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به ولكن الموت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات في ثلاث سبعون ألفًا فقال صلى الله عليه وسلم
(1) سنده صحيح رواه إسحاق -السيرة النبوية 5 - 110 حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال .. وعاصم وعبد الرحمن ثقتان وقد مر معنا تخريج السند عند الحديث عن العزى.