الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأطوله .. ثم بكى فأكثر البكاء ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أكيدر صاحب دومة بقباء فأرسل إليه جبة ديباج منسوجة فيها الذهب فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام على المنبر وقعد فلم يتكلم ونزل فجعل الناس يلمسونها بأيديهم فقال أتعجبون من هذه لمناديل سعد في الجنة أحسن مما ترون" (1) "ثم أوشك أن نزعه فأرسل به إلى عمر فقيل له: قد أوشكت ما نزعته يا رسول الله قال نهاني عنه جبريل عليه السلام فجاء عمر يبكي فقال يا رسول الله كرهت أمرًا وأعطيتنيه قال: إني لم أعطكه لتلبسه إنما أعطيتكه تبيعه .. فباعه عمر بألفي درهم" (2)
ثم إن أكيدر بعث هدية ثانية فيما بعد فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم عليًا ثم أمره بأمر قال عنه علي رضي الله عنه: "إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليًا .. فقال: شققه خمرًا بين الفواطم"(3) والفواطم: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بن أسد وهي أم علي وفاطمة بنت عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهم جيعا .. لكن مهلًا لماذا قال المصطفى شققه بين الفواطم ..
أين زينب .. أين أم كلثوم
لماذا لم يذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لم ينلهما شيء من هذا الحرير الثمين والجميل؟ سألنا وسألنا وتوجهنا نحو بابيهما وانتظرنا طويلًا على تلك
(1) سنده قوي وقد مر معنا تحت عنوان: دومة الجندل وانظر السنن الكبرى 5 - 472.
(2)
سنده قوي وقد مر معنا تحت عنوان: دومة الجندل وانظر السنن الكبرى 5 - 472 حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي قال حدثنا حجاج بن محمَّد عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر وشيخه ثقة حافظ: التقريب 2 - 381 وشيخه حجاج ثقة ثبت: التقريب 1 - 154.
(3)
صحيح مسلم 3 - 1645.
الأبواب فلم تعد زينب ولم ترجع أم كلثوم .. وأمامة الصغيرة تبحث مثلنا فلا تجد أمها ولا خالتها في طرقات المدينة ولا عند الجيران .. لقد رحلت الأم زينب رضي الله عنها والخالة أم كلثوم ولم يبق إلا فاطمة الزهراء.
لم نجد من يحدثنا عنهما سوى إحدى نساء الأنصار العظيمات وتدعى أم عطية .. أم عطية المجاهدة التي تقول: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى"(1) حدثتنا أم عطية عن زينب .. فقط عن غسلها لأنها شاركت فيه .. تقول رضي الله عنها: "لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وترًا"(2)"اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر .. واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور فإذا فرغتن فآذنني"(3) وقال لهن: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها"(4) فنفذت أم عطية ومن معها ما قاله صلى الله عليه وسلم وقالت: "فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث قرنيها وناصيتها"(5)"ومشطناها ثلاثة قرون"(6)"فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه"(7) أي أعطاهن إزاره الذي يشد على الخصر وأمرهن أن يجعلوه يلاصق جسدها الطاهر مباشرة ثم حملوها على الأعناق أمام حزن ابنتها الصغيرة أمامة .. ثم واروها في مثواها الأخير رضي الله عنها .. وبعد فترة أو قبل ذلك فجع النبي صلى الله عليه وسلم
(1) صحيح مسلم 3 - 1447.
(2)
صحيح مسلم 2 - 648.
(3)
صحيح مسلم 2 - 646.
(4)
صحيح مسلم 2 - 648.
(5)
صحيح مسلم 2 - 648.
(6)
صحيح مسلم 2 - 647.
(7)
صحيح مسلم 2 - 646.
مرة ثالثة بفقد ابنته الصغرى الطاهرة أم كلثوم رضي الله عنها .. سألنا أنسًا رضي الله عنه عن قصة موت أم كلثوم فأوحت روايته أنها ماتت دون مرض .. فقد كانت تقضي مع زوجها يومًا ودودًا ثم ماتت .. يقول أنس رضي الله عنه: "شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا .. قال: فأنزل في قبرها .. فنزل في قبرها فقبرها"(1) ..
"فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر"(2) .. كان الأحبة والأصحاب يرحلون أمام عينيه ويسقطون بين يديه وهو صابر محتسب تدمع عينه ويحزن قلبه ولا يقول إلا ما يرضي الرب سبحانه .. فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى.
أما أمامة فكانت تنافس الحسن والحسين في التسلل داخل مشاعره عليه السلام وداخل المسجد .. أما خارج المسجد فكانت أمامة دلالًا يتبختر عبر رياض النبي صلى الله عليه وسلم .. تقول عائشة رضي الله عنها:
"قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معرضًا عنه أو ببعض أصابعه ثم دعا أمامة ابنة أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال: تحلي بهذا يا بنية"(3) فتحلت به كما تحلت بعطف جدها ورعايته .. جدها الذي لم تصفُ له الحياة من الكدر والهموم والتعب .. ومع ذلك يتجدد نشاطه كل يوم في نشر رسالة ربه والتبشير بها ..
(1) صحيح البخاري 1 - 450.
(2)
سنده صحيح رواه أحمد 3 - 229 وغيره من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وهو سند صحيح متصل على شرط الشيخين.
(3)
صحيح البخاري 1 - 431.