الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم استدعى حاطبًا لمساءلته عن هذا الخطأ الشنيع الذي لا يفعله إلا أعداء هذا النبي وأعداء هذا الدين.
مساءلة حاطب
حاطب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم دون قيود دون ضرب أو إهانة أو سجن على ذمة التحقيق .. لكن عمر بن الخطاب كان متأهبًا بالسيف لفصل رأس حاطب عن جسده فهو في نظر عمر منافق مرتد .. لكن للنبي صلى الله عليه وسلم قولًا آخر وحلمًا آخر .. خاطب صاحبه بكلمات قليلة "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل عليّ .. إني كنت امرأ ملصقًا في قريش .. كنت حليفًا ولم أكن من أنفسها .. وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم .. فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي .. ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإِسلام .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقكم .. فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق .. فقال: إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرًا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فأنزل الله السورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} "(1) ما قام به حاطب رضي الله عنه خطأ شنيع لكنه لم يكن مقرونًا بنية فاسدة تحمله معها إلى حيث مراتع الردة وسيف عمر .. كان الدافع خوفًا على الأهل .. كان تصرفًا تمليه حالة ضعف بشرية يمر بها
(1) حديث صحيح رواه البخاري 4 - 1557.
الجميع ويتجاوزها القليل .. ومع ذلك لم تفلح تلك النية السليمة في تمرير ذلك الخطأ .. لكن في هذه القصة ردع لأي حكم بالردة والسيف قبل المساءلة والتثبت واكتشاف الدوافع الحقيقية ..
تلك الدوافع التي اكتشف حاطب أنه كان ضعيفًا جدًا أمامها واكتشف أيضًا كم هو مخطئ وكم هي ثقيلة تلك المسؤولية التي يحملها تجاه أمته وأسرار دولته ..
ندم حاطب ندمًا شديدًا فوجد النبي صلى الله عليه وسلم واحة تقول "الندم توبة"(1) ووجد الإِسلام يحتفظ له برصيد أودعه أيام بدر .. وما زال يتنامى ولا يزال إلى يوم البعث .. أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد اطمأن إلى عدم وجود أي قناة تتسرب منها أخباره إلى أهل مكة .. ودخل شهر رمضان بروحانيته وسكينته وجماله ليضفي كل تلك الأشياء على أفراد جيشه .. ليغسلوا حماسهم بها حتى لا يتحول الحماس إلى ثأر أو تهور وللقوم ثارات لا يجتثها سوى تجذر الإِسلام في أعماقهم .. ولا يطفئ جحيمها سوى مطر الاحتساب .. ولما جاء اليوم العاشر من رمضان وكمل احتشاد الجموع نادى صلى الله عليه وسلم رجلًا من أصحابه اسمه كلثوم بن عتبة بن خلف الغفاري ويلقب بأبي رهم .. ولما جاء عينه صلى الله عليه وسلم أميرًا على المدينة حتى يعود:
(1) حديث صحيح رواه ابن حبان 2 - 379 وغيره من طريق مالك بن مغول عن منصور عن خيثمة عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم والحاكم 4 - 272 وغيره عن عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن أنس مرفوعًا وأحمدُ 1 - 376 وغيره عن عبد الكريم قال أخبرني زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن معقل بن مقرن عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأسانيد صحيحة.