الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذ هذين القرينين وهذين القرينين وهذين القرينين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد فانطلق بهن إلى أصحابك فقل: إن الله -أو قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء فاركبوهن.
قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي بهن فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء .. ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألته لكم ومنعه في أول مرة ثم إعطاءه إياي بعد ذلك .. لا تظنوا أني حدثتكم شيئًا لم يقله .. فقالوا لي: والله إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت .. فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعه إياهم ثم إعطاءهم بعد فحدثوهم بما حدثهم به أبو موسى سواء" (1) .. ثم انطلق الجميع خلفه عليه السلام محملين بالمعاناة وشظف العيش وقلة الزاد وكثير من الإيمان وقد "خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس" (2) .. ولم يبق في المدينة سوى علي وأهل الأعذار و:
ثلاثة رجال من الأغنياء يتخلفون
عن مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنهم ليسوا من المنافقين .. فأحدهم كان من أهل بيعة العقبة وهو الصحابي الشاعر كعب بن مالك رضي الله عنه الذي لم يتخلف عن غزوة أحد وما بعدها .. بل إنهم كانوا من أهل الاستعداد والإعداد لهذه الغزوة .. لكنه التسويف والثقة المفرطة بالنفس .. والوقت الذي لا يعرف الانتظار .. يقول كعب رضي الله عنه عن ظروف تخلفه: "لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت
(1) صحيح مسلم 3 - 1269 والزيادة له 1268.
(2)
صحيح البخاري ج: 3 ص: 1078.
تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ..
كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة .. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا وعدوًا كثيرًا .. فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ -يريد الديوان- فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم يزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال .. وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا .. فأقول في نفسي: أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا .. فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز .. فرجعت ولم أقض شيئًا .. ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئًا .. فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك .. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق أو رجلًا ممّن عذر الله من الضعفاعه" (1).
(1) صحيح البخاري 4 - 1603.