الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم
يقول ابن عباس: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه بخرقة .. فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن خلة الإِسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر"(1)
كان أبو بكر محورًا من محاور تلك الخطبة .. كان أكثر الناس استيعابًا لمعناها وأشد الناس تأثرًا بها فقد سالت دموعه وسالت ولم تتوقف إلا بعد رجاء الحبيب محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي ناشده أن يتوقف عن البكاء .. وكيف لا يبكي أبو بكر وهو يرى نبيه وصاحبه وصديق طفولته وشبابه وشيخوخته يهم بالرحيل .. يقول أبو سعيد الخدري: "خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبن ما عنده فاختار ما عند الله .. فبكى أبو بكر رضي الله عنه [وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا] فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله .. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا .. قال: يا أبا بكر .. لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلًا من أمتي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإِسلام ومودته .. لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر"(2)
وقد جلس على المنبر لشدة المرض وكان "عليه ملحفة متعطفًا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى
(1) صحيح البخاري 1 - 178.
(2)
صحيح البخاري 1 - 177 والزيادة عند مسلم 4 - 1854.
عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم أمرًا يضر فيه أحدًا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" (1) كان صلى الله عليه وسلم يخطب رأفة ورحمة بأمته من أن تمزقها الخلافات بعد رحيله .. بعد هذا الحب الغامر والأخوة الحانية .. بعد هذه الفتوحات وعلو التوحيد وأهله ونظافة الجزيرة من الأصنام والأوثان والجاهلية .. كان يخطب امتنانًا لمن آزره وعاضده في مسيره الطويل المضني .. كان يخطب مؤكدًا أن العواطف نحوه ستتأجج وتجمح بعد رحيله ولا بد للعواطف من سياج وإلا كبحت بأهلها وساقتهم بعيدًا عن التوحيد والهدى .. يقول أحد الصحابة
"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا .. كما اتخذ إبراهيم خليلًا ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا .. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخدون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"(2)
ثم نهض صلى الله عليه وسلم نحو بيت عائشة الملاصق للمسجد ليمكث فيه ما تبقى من عمره .. وكان الصحابة رضي الله عنهم يقومون بعيادته والاطمئنان على حاله .. أحدهم عبد الله بن مسعود الذي يقول: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله .. إنك لتوعك وعكًا شديدًا قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم .. قلت: ذلك بأن لك أجرين قال: أجل ذلك كذلك .. ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا
(1) صحيح البخاري 3 - 1383.
(2)
صحيح مسلم 1 - 377.