المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصحابة الثلاثة الذين غابوا عن تبوك - السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة - جـ ٤

[محمد الصوياني]

فهرس الكتاب

- ‌زعيم اليمامة يحاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌غزو نجد

- ‌قريش تأكل الدم بسبب حصار اليمامة الاقتصادي

- ‌أبو سفيان في المدينة

- ‌ليلة المؤامرة على خزاعة عند نبع الوتير

- ‌الشعر يستغيث النصر لخزاعة

- ‌فتح مكة

- ‌حاطب ينذر قريشًا معركة فاصلة

- ‌مساءلة حاطب

- ‌أبو رهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أبو سفيان يهرب من مكة المختنقة

- ‌الطفولة أيضًا في طريق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ماذا عن العباس بن عبد المطلب

- ‌عمر يريد قتل أبي سفيان بن حرب

- ‌إسلام أبي سفيان

- ‌النبي يمر أمام أبي سفيان

- ‌أين والد الصديق

- ‌هذا الأمان لا يشمل أربعة من مشركي قريش

- ‌ما مصير هؤلاء الأربعة الذين أهدر دمهم

- ‌الشعر يحدد مكان دخول النبي لفتح مكة

- ‌ثأر خزاعة من بني بكر

- ‌تحطيم الأصنام

- ‌من هذه العائلة وما هي قصة السدانة

- ‌لماذا رفض النبي دخول الكعبة

- ‌بيان النصر الأول

- ‌حب الأنصار ثم باقي البشر

- ‌أحداث في بيت أم هانئ

- ‌البيان رقم 2 للدولة الإِسلامية في مكة

- ‌قرر النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في مكة

- ‌اكتبوا لأبي شاة

- ‌هوازن متواترة

- ‌الجريمة والواسطة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل امرأة

- ‌غزوة حنين بين مكة والطائف

- ‌بعض الصحابة يريد تقليد المشركين

- ‌غطفان وغيرهم ينضمون إلى هوازن

- ‌ماذا أحضر المشركون معهم

- ‌وادي حنين وأرضها

- ‌القبض على جاسوس هوازن

- ‌كيف سارت المعركة على أرض حنين

- ‌الغنائم والرماة يهزمون المسلمين

- ‌ثم هرب بعدهم الأعراب

- ‌إسقاط راية المشركين

- ‌نزلت المعجزة

- ‌ شاهت الوجوه

- ‌حبس الغنائم في الجعرانة

- ‌إقامة الحد على شارب الخمر

- ‌حصار الطائف

- ‌غزوة أوطاس - وقتل دريد بن الصمة

- ‌التمرد والفرار من أسوار الطائف

- ‌آخر محاولة لفتح الطائف

- ‌العودة إلى الجعرانة

- ‌النبي يريد رد الغنائم على هوازن

- ‌توزيع الغنائم

- ‌قصة الأنصاري وخيوط الشعر

- ‌الاحتجاج على توزيع الغنائم

- ‌مولد أول الطوائف المتطرفة

- ‌هوازن كلها تدخل في الإسلام

- ‌وفاء نذر نذره عمر في الجاهلية

- ‌هل ستحصل هوازن على ما طلبته

- ‌مجموعة من الشباب يسخرون من الأذان

- ‌أداء العمرة

- ‌إعادة أدراع صفوان بن أمية

- ‌صفوان بن أمية في المدينة

- ‌مارية تلد ابنًا للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة بني جذيمة .. ومأساة عاشق وحبيبته

- ‌قصة عاشق حبيش

- ‌تجهيز جيش تبوك في ساعة العسرة

- ‌في مثل هذه الظروف يشرق عثمان بن عفان

- ‌عمر يحاول منافسة أبي بكر

- ‌بعض المنافقين يعتذر عن المشاركة في غزوة تبوك

- ‌عند الوداع بكى الرجال

- ‌علي يتخلف عن تبوك

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حالة غضب

- ‌ثلاثة رجال من الأغنياء يتخلفون

- ‌أبو خيثمة يلحق بالنبي

- ‌المنافقون لا تنفع معهم حتى المعجزات

- ‌الصيام في السفر الشاق

- ‌الوصول إلى ديار ثمود

- ‌خطبة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌نحو وادي القرى

- ‌مجاعة على أرض تبوك

- ‌إرسال رسالة إلى قيصر الروم

- ‌دومة الجندل

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بخمس

- ‌درس آخر في الصلاة

- ‌درس في الأحكام الجنائية

- ‌أمرًا مرعبًا سيحدث على أرض تبوك

- ‌المنافقون يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته

- ‌صراخ الجاهلية داخل معسكر المؤمنين

- ‌حصار المهاجرين اقتصاديًا

- ‌محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الصبيان الذين تسابقوا نحو ثنية الوداع

- ‌صوت الدف في بيت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌صورًا مجسمة في بيت عائشة

- ‌الصحابة الثلاثة الذين غابوا عن تبوك

- ‌خالد بن الوليد يعود مصحوبًا بأكيدر

- ‌أين زينب .. أين أم كلثوم

- ‌فاطمة تريد أن تثبت ذلك لزوجها

- ‌ملفاق النفاق وأهله

- ‌عام الوفد

- ‌وفد الطائف (ثقيف)

- ‌وبعد إسلام ثقيف ووحشي

- ‌تحريم اتخاذ مؤذن يطلب أجرًا على أذانه

- ‌وفد جميل من المشرق

- ‌وفد البحرين

- ‌قدوم وفد تميم ووفد من اليمن

- ‌كل الصحابة كانوا يحدقون بوافد اليمن

- ‌الأشعريون في طريقهم إلى المدينة

- ‌النبي يثني على أهل اليمن

- ‌هدم كعبة اليمانية

- ‌قصة الرجلين اللذين طلبا إمارة اليمن

- ‌حجة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌وفد مزينة

- ‌وفد بني أسد

- ‌وفد بني محارب

- ‌أفضل وافد: ضمام بن ثعلبة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يرسل خالدًا إلى اليمن

- ‌جذور الخوارج

- ‌ابن صياد وهل هو المسيح الدجال

- ‌قصة الدجال الحقيقي والجساسة

- ‌وفد اليمامة

- ‌كذاب اليمن الأسود العنسي

- ‌أبو رجاء العطاردى يعترف

- ‌قدوم عدي بن حاتم

- ‌وفد نصارى نجران

- ‌عبد الله بن سلول مريض

- ‌ابن سلول يطلب ثوب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌قائمة بأسماء المنافقين

- ‌موت إبراهيم عليه السلام

- ‌الشمس قد كسفت يوم موت إبراهيم

- ‌صفة صلاة الكسوف

- ‌رمضان العام العاشر مختلفًا

- ‌قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌البداية كانت ترغيبًا

- ‌ثم دعوة للحج

- ‌مواقيت الحج المكانية

- ‌ملابس لا تجوز في الإحرام

- ‌محظورات الإحرام

- ‌أسماء المواقيت المكانية

- ‌توقف في واد يقال له وادي العقيق

- ‌ما معنى عمرة في حجة

- ‌متى غادروا المدينة والوصول إلى الميقات

- ‌الروحاء حيث الذكريات والوعود والتشريع

- ‌الاشتراط

- ‌حكم الهدي إذا جرح أو أصيب

- ‌تاريخ الوصول إلى مكة

- ‌التمتع

- ‌ماذا عن النساء في دورتهن

- ‌الاغتسال قبل دخول مكة

- ‌من أي مكان دخل مكة وفي أي وقت

- ‌ما هو أول شيء فعله

- ‌الطواف

- ‌هل هناك أدعية مخصوصة أثناء الطواف

- ‌بعد الطواف

- ‌السعي بين الصفا والمروة

- ‌السكن في الحجون

- ‌علي بن أبي طالب وأبا موسى يصلان من اليمن

- ‌جاء اليوم الثامن من ذي الحجة

- ‌وجاء اليوم التاسع (يوم عرفة)

- ‌التكبير والتلبية يوم عرفة

- ‌الخطبة يوم عرفة

- ‌صلاة الظهر والعصر في عرفة

- ‌الوقوف عن جبل عرفة

- ‌أي الأماكن من عرفة يجوز الوقوف بها

- ‌فضل يوم عرفة

- ‌أهمية الوقوف بعرفة بالنسبة للحجاج

- ‌مغادرة عرفة نحو مزدلفة

- ‌أهمية الوقوف بمزدلفة

- ‌التوجه نعو المشعر الحرام

- ‌إلى منى لرمي جمرة العقبة

- ‌مر بطريقه بوادى محسر

- ‌ حجم الحصى

- ‌توقف عن التلبية عند الرمي

- ‌عظمة هذا النبي يوم الرمي

- ‌نحو المذبح

- ‌سنته في نحر الإبل

- ‌سنته في ذبح الغنم

- ‌السماحة في مكان الذبح

- ‌التيسير في أمر لحوم الهدي

- ‌ماذا عن الذي لا يستطيع النحر

- ‌الحلق بعد النحر

- ‌خطب الناس يوم النحر

- ‌لا حرج

- ‌طواف الإفاضة

- ‌التوجه نحو بئر زمزم للشرب منه

- ‌العودة بعد الإفاضة إلى منى

- ‌سنته عليه السلام وطريقته في الرمي:

- ‌الاكتفاء بالرمي يومين فقط

- ‌هل المبيت في مني واجب على كل الحجيج

- ‌للرعاة أن يرموا بالليل

- ‌طواف الوداع واجب

- ‌ماذا عن المرأة الحائض وطواف الوداع

- ‌عائشة تريد أداء العمرة

- ‌شكوى زوجته صفية من جملها

- ‌حفصة تسب صفية

- ‌آثار سورة النصر

- ‌نعي مبكر

- ‌آخر خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌آلام سم اليهودية

- ‌وجاء يوم الخميس

- ‌عودة أسامة بن زيد

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يخرج للصلاة

- ‌جاء يوم الأحد

- ‌ودخل فجر يوم الإثنين

- ‌الموت

- ‌خرج أبو بكر في وقت أبي بكر

- ‌خطبة عمر

- ‌سقيفة بني ساعدة

- ‌وجاء يوم الثلاثاء

- ‌تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه

- ‌آخر المعجزات عند غسله

- ‌مزج الماء بالكافور

- ‌تطييبه عليه السلام

- ‌تكفينه صلى الله عليه وسلم

- ‌الصلاة عليه

- ‌دفنه ليلًا

الفصل: ‌الصحابة الثلاثة الذين غابوا عن تبوك

‌الصحابة الثلاثة الذين غابوا عن تبوك

والذين ضاقت بهم الدنيا واسودت بوجوههم وضاقوا بأنفسهم .. ها هو: أحدهم الشاعر المؤمن كعب بن مالك الذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة والذي انشغل وتردد حتى فاتته الغزوة وهو في المدينة الآن يصف شعوره طوال تلك الأيام التي أمضاها بين جدران يشعر بأنها تحاول خنقه .. وهواء يشعر بأنه لا يريد الدخول إلى رئتيه .. وأرض تضيق به .. وأعذار لا قيمة لها ولا رصيد ..

كعب بن مالك يروي قصته الطويلة الدامية في تلك الأيام السوداء فيقول: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئًا، فأقول في نفسي أنا قادرٌ عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا .. فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك .. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق أو رجلًا ممّن عذر الله من الضعفاء .. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله .. حبسه برداه ونظره في عطفيه .. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت .. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك فلما بلغني أنه توجه قافلًا

ص: 164

حضرني همي .. وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدًا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي .. فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا زاح عني الباطل .. وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب .. فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس .. فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلًا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله .. فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت: بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلًا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي .. ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله .. لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون .. قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فوالله مازالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي

ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟

قالوا: نعم .. رجلان .. قالا مثل ما قلت .. فقيل لهما مثل ما قيل لك.

ص: 165

فقلت: من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي

فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي .. ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه .. فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف .. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان .. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة .. فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي .. وإذا التفت نحوه أعرض عني .. حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت .. فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناه. وتوليت حتى تسورت الجدار فبينما أنا أمشى بسوق المدينة إذا نبطى من أنباط أهل الشام ممّن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابًا من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك .. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال: لا

ص: 166

بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صابي مثل ذلك فقلت لامرأتي: الحقى بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.

قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا .. ولكن لا يقربك .. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان أمره ما كان إلى يومه هذا .. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال ابن أمية أن تخدمه .. فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب. فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا .. فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا .. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت .. سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر .. قال: فخررت ساجدًا وعرفت أن قد جاء فرج .. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا .. وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسًا (1) وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس .. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه .. والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما .. وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنونني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك .. قال كعب: حتى دخلت

(1) جاء على فرسه مبشرًا.

ص: 167

المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة .. فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك .. قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه .. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله .. إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك .. قلت: فإني أمسك سهمى الذي بخيبر .. فقلت: يا رسول الله .. إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما لقيت .. فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني .. ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبًا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا .. فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ

ص: 168

لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (1).

هذه هي قصة كعب ومعاناته التي لا تطاق والتي استمرت لأكثر من شهرين .. لكنها تصفية المؤمنين وتربيتهم وامتحانهم .. ولو كانوا من المنافقين لتم تجاهلهم كأن لم يكونوا ولم يكن تخلفهم .. ولو مر مشرك بتلك الظروف التي مرت بكعب ورفاقه لكان الانتحار أفضل خيار في نظره .. لكنه الإيمان الذي يؤهل المسلم للتفوق على كل ما يمر به من أزمات .. الإيمان الذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه وعن قدرته على تجاوز الأزمات مهما بلغت شدتها وعن الفرق بينه وبين المنافق: "مثل المؤمن كالزرع ومثل الكافر كشجر الأرز"(2)"الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد"(3)

وإذا كانت أحزان كعب قد انتهت فماذا عن أحزان زيد بن أرقم سنتوجه إليه فهو الآن في بيته محزون لا يخرج منه .. خجلًا من صدقه الذي حولته أيمان المنافقين ووقاحتهم إلى كذب .. ها هو غارق في الحزن يقول: "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا: فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم -وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط فجلست في البيت فقال لي عمي ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك فأنزل الله تعالى إذا جاءك المنافقون: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ

(1) صحيح البخاري 4 - 1603 وقد أكملت الآية بين المعقوفين وليست في البخاري.

(2)

صحيح مسلم 4 - 2163.

(3)

صحيح مسلم 4 - 2163.

ص: 169

إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ .. فقال إن الله قد صدقك يا زيد" (1) ولم يعد لكذب النفاق من أرض تقله أو سماء تظله .. طاشت ضربة عبد الله بن أبي بن سلول الأخيرة .. لكن هذه المرة ليست في الهواء بل في صدره .. وبدأ حقده الأسود يفتك به كالسرطان .. فقد عرته الآيات الأخيرات التي نزلت تصدق زيد بن أرقم وتكذب أيمانه وأيمان من معه من المنافقين .. فضحته تلك الآيات ولم تبق له عيب مستور بعد اليوم .. تحول إلى خرائب من الإحباط .. ومما زاد في إحباطه مشاهد المجموع والوفود التي بدأت تتدافع نحو المدينة لتعلن دخولها

(1) صحيح البخاري 4 - 1859 وقد أكملت الآيات وهي ليست ضمن النص.

ص: 170