الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعي مبكر
للنبي صلى الله عليه وسلم في حوار جرى بين عمر رضي الله عنه وبين أشياخ بدر بحضور ابن عباس الذي يقول إن عمر قال: "ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا .. وقال بعضهم: لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئًا فقال لي: يا بن عباس أكذاك تقول؟ قلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم"(1).
إذًا فقد اقترب أجله عليه السلام ولذلك راجع معه جبريل القرآن مرتين هذا العام .. ومع شعور النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إلا أنه لم يكن ليغفل عن أمر دعوته حتى في آخر ساعاته لينشغل بنفسه .. لقد كان ينظر إلى ما بعد الموت فالموت مرحلة لا أكثر في حياة المسلم .. لقد استدعى صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأمره على جيش وأمره بالتوجه نحو الشام .. ولما أحس من بعض الرجال نوعًا من التبرم بإمارة أسامة الأسمر: "فقالوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وإنه أحب الناس إلي"(2)"إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله .. وأيم الله إن كان لخليقًا للإمرة .. وإن كان لمن أحب الناس إلي .. وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده"(3) كان وداعًا لأسامة وللدنيا واقتراب الوداع مرير فهل ستحتمله القلوب ..
(1) صحيح البخاري 4 - 1563.
(2)
صحيح البخاري 4 - 1620.
(3)
صحيح البخاري 6 - 2628.
هل سيقوى عليه قلب فاطمة وعائشة وبقية أمهات المؤمنين .. ذات يوم كانت عائشة تشتكى رأسها فقالت: "وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك .. فقالت عائشة: واثكلياه والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسًا ببعض أزواجك .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون"(1)"ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"(2) كانت كلمات كالوداع فقد مرض بعدها النبي صلى الله عليه وسلم مرضًا شديدًا أقعده وأثقل حركته حتى عن التنقل بين أبيات زوجاته وذلك بعد عودته من دفن بعض أصحابه رضي الله عنهم .. تقول عائشة رضي الله عنها: "رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم -من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسى وأنا أقول: وارأساه قال: بل أنا والله يا عائشة .. وارأساه ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك؟ فقلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به وهو في ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي .. فأذِنَّ له فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر (3) تخط قدماه الأرض عاصبًا رأسه حتى دخل بيتي"(4) كان مشهدًا
(1) صحيح البخاري 6 - 2638.
(2)
صحيح مسلم 4 - 1857.
(3)
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4)
سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبري 2 - 226 - 229 واللفظ له والبيهقيُّ في الدلائل 7 - 169: حدثني يعقوب بن عتبة عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري عن =
يدمي القلب لمن رآه .. نبي الله لا يستطيع السير لوحده وهو الذي كان يقود الجموع قبل أشهر إلى تبوك ومكة .. ها هي قدماه تخطان على الأرض خطوطًا وآثارًا كآثار المسافرين المغادرين بالقلوب والأرواح .. حيث نزل عليه الوحي في تلك الأيام يخبره أن الله يخيره بين لقائه أو البقاء حيًا .. "ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع فقال: أهريقوا علي من سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم .. قالت: فأقعدنا في مخضب لحفصة بنت عمر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول: حسبكم حسبكم"(1) لقد "قال بعد ما دخل بيته واشتد وجعه: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لَعَلِّي أعهد إلى الناس .. وأُجْلِسَ في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ثم خرج إلى الناس"(2)"فصلى بهم وخطبهم"(3) ليخبرهم بجوابه لوحي الله ويبدو أن هذه الخطبة التي ارتجلها يوم الأربعاء ستكون:
= عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .. ويعقوب ثقة من رجال التقريب 2 - 376 والزهري رأس طبقته وشيخه تابعي ثقة فقيه ثبت من رجال الشيخين انظر التقريب 1 - 535 ..
(1)
سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبري 2 - 226 - 229 واللفظ له والبيهقيُّ في الدلائل 7 - 169: حدثني يعقوب بن عتبة عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .. ويعقوب ثقة من رجال التقريب 2 - 376 والزهري رأس طبقته وشيخه تابعي ثقة فقيه ثبت من رجال الشيخين انظر التقريب 1 - 535 ..
(2)
صحيح البخاري 1 - 83.
(3)
صحيح البخاري 4 - 1614.