الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل .. لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا .. قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة .. قال: فنعم إذن" (1) إلى هذه اللحظات الحاسمة وأبو سفيان لا يزال يصر على أن الأمر زعامة وملك وقد أعمى العناد بصيرته كما هي حال الكثير من أمثال أبي سفيان ممّن يحملون أفكارًا منحرفة عن الإِسلام .. إذا رأوا انتصار الإِسلام ومده ينتشر كالطوفان ويجرف ما تبنوه من أفكار متهالكة برروا انتشاره وانتصاره بكل شيء إلا الاعتراف بأنه حق .. ولا يمكن أن يسلم أمثال هؤلاء إلا إذا رأوا حكم الإِسلام واقعًا مطبقًا وسيفًا يحطم تلك الكثافة الغليظة من العناد والتي لا يمكن معها أن يصبح الفرد إلا معيقًا لكل إبداع .. وفي الوقت الذي كان فيه أبو سفيان متحسرًا على مجد وثني ينهار أمام عينيه كان أول الناس إسلامًا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أسعد الناس بهذا النصر العظيم الذي شارك في كل لحظة من لحظاته وفي كل خطوة من خطواته .. وها هو اليوم يحوم على الخيل يرتبها وينظمها ويشرف على تحركاتها .. لكن شيئًا ما يكدر صفو هذا النصر ويحزن يوم أبي بكر ذلك هو والده الشيخ الطاعن في السن والعمى والشرك .. فأين هو الآن؟
أين والد الصديق
في الوقت الذي كلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالإشراف على الخيل كان والده يرقبه من بعيد رغم أنه أعمى وبصحبته أصغر أخوات أبي بكر
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبراني 8 - 9 حدثني محمَّد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس وهذا سند صحيح مر معنا تخريجه تحت عنوان فتح مكة وقد تابع ابن إسحاق جعفر بن برقان.
الصديق وذلك "لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لأصغر بناته: أظهريني على الجبل .. وكان يومئذ أعمى .. قالت: فأشرفت به عليه .. فقال: ما ترين؟ فقالت: سوادًا مجتمعًا .. فقال: تلك والله الخيل .. قالت: وأرى بين يدي ذلك السواد رجلًا يسعى مقبلًا ومدبرًا فقال: ذاك الوازع -يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها- وكان الوازع يومئذ أبو بكر ابن أبي قحافة .. فقالت: وأرى أن ذلك السواد قد انتشر .. فقال: قد والله دفعت الخيل فأسرعي فانحدرت به من الجبل وتلقته الخيل قبل أن يصل إلى بيته .. وكان في عنق الجارية طوقًا لها من ورق .. فمر عليها رجل فاقتطعه منها"(1) وذهب العقد ولكن هناك ما هو أهم من العقد بالنسبة للعباس ابن عبد المطلب .. هناك قريش وأهل مكة .. لكن يبدو أن أبا سفيان لا يزال مشدوهًا مأخوذ العقل بما يجري على ساحة كانت قبل ساعات ساحة يظللها نفوذه وتخضع لكلمته .. وها هو اليوم لا يملك نفوذًا ولا كلمة .. فأراد العباس أن يوقظه مما هو فيه فالخيل إلى مكة ومن عليها أكثر شوقًا ولهفة .. يقول العباس رضي الله عنه:
"قلت النجاء إلى قومك .. فخرج حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته:
يا معشر قريش .. هذا محمَّد قد جاءكم بما لا قبَلَ لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الدسم الأحمس فبئس من طليعة قوم.
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه ابن راهويه 1 - 132 والطبرني 24 - 88 وأحمدُ 6 - 349 حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت
…
وهذا السند صحيح مر معنا قبل قليل.
قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: ويلك وما تغني عنا دارك؟
قال: ومن أغلق بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن.
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد" (1) يطاردهم الموت في كل شبر طاردوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. ها هو الموت يحمله عشرة آلاف محارب تغص بهم مكة ..
وها هى طرقات مكة تخلو من أهلها الذين طالما نشروا الرعب والتعذيب والاضطهاد فيها .. ها هي طرقات مكة لا يسير فيها إلا مؤمن .. وها هي ساحاتها التي عذب فيها بلال وعمار وخباب تهتز ربيعًا بهم .. وها هو الشرك وأهله يفرون كالفئران إلى مساكنهم وإلى المسجد الحرام .. فقد عزلوا كالطاعون والأوبئة في تلك البيوت.
ها هو أحدهم يحمل متاعه ويتسلل هاربًا نحو آخر معاقل المشركين .. إنه وحشي قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبه لم يستطع أن ينعم بحريته التي حصل عليها والتي دفع ثمنها غاليًا جدًا .. ومع ذلك فهو يشعر بجبال مكة تتحول إلى حتف يكاد يطبق على صدره .. ويشعر بفداحة جرمه وكأن هؤلاء العشرة آلاف قد جاءوا للأخذ بثأر حمزة .. لذلك فر وحشى ليجد أبواب الطائف مفتوحة لاستقباله .. لنترك وحشي ونعود إلى الصحابة الذين يعودون إلى بيوتهم ومراتع طفولتهم وبيت ربهم دون قيد أو شرط أو طعنة أو ضربة سوط .. أين أبو جهل وأبو لهب وأمية وعقبة ليشهدوا
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبراني 8 - 9 حدثني محمَّد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس وهذا سند صحيح مر معنا تخريجه تحت عنوان فتح مكة وقد تابع ابن إسحاق جعفر بن برقان.