الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء يوم الخميس
يقول ابن عباس "يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع [فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا] فقالوا هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه وأوصى عند موته بثلاث:
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب
وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة" (1)
كان ذلك الكتاب يحمل نوعًا من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم ينزل به وحي وإلا لو كان وحيًا لوجب عليه تبليغه كبقية رسالته لأن الله يقول له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} (2).
إذًا فعدم تبليغ جزء من الوحي يعتبر عند الله عدم تبليغ للرسالة .. وهو أمر لا يمكن التخلي عنه مهما كان السبب أما هذا الكتاب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينوي كتابته فقد تراجع عنه لأنه محض اجتهاد حرصًا منه
(1) صحيح البخاري 3 - 1111 والزيادة عند مسلم 3 - 1259.
(2)
المائدة: 67.
على اجتماع أمته .. فاكتفى صلى الله عليه وسلم بتلك الوصايا الثلاث .. ولم تكن هي الوصايا الوحيدة فقد كان يوصي كل من يدخل عليه بوصية كهذه الوصية التي تقرب الإنسان إلى ربه وتقربه إلى الإنسان أيضًا والتي تفيض راحة ورحمة لمن يمتثل لها .. تقول أم المؤمنين هند أم سلمة رضي الله عنها: "كان عامة وصية نبي الله صلى الله عليه وسلم عند موته الصلاة .. الصلاة .. وما ملكت أيمانكم حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه"(1) من حرصه على الأخذ بهما .. كان النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الخميس هذا يصلي بالناس وهو جالس ولما حانت صلاة المغرب حمل عليه السلام ليصلى بالمؤمنين فصلى بهم وقرأ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ
…
} كان الرجال والنساء ينصتون إلى ذلك الصوت الخاشع الذي أنهكه المرض .. تقول إحدى النساء اللواتي كن خلف تلك التلاوة وخلف ذلك الإمام وهي أم الفضل زوجة العباس رضي الله عنهما "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفًا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله"(2) فقد صلى ثم أخذ إلى بيت عائشة حيث كان يتنفل جالسًا .. ولما حانت صلاة العشاء .. وحاول عليه السلام جاهدًا النهوض فلم يستطع .. حاول مرة ومرتين لكن
(1) سنده صحيح رواه أحمد 6 - 315 وغيره من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال حدث سفينة مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه
…
وسفينة صحابي والبقية أئمة ثقات معروفون وسعيد من أثبت الناس في قتادة وللحديث شاهد عن علي وآخر مضطرب عن أنس.
(2)
صحيح البخاري 4 - 1611.
جسده لم يساعده فقد أقعده الألم وأمسى يعاني من الإغماء تلو الإغماء .. بينما كان الشوق يفتك بالصحابة ينتظرون خروجه بلهفة وحزن عظيمين .. لكنه لم يخرج ولم يستطع النهوض من مكانه .. كانت عائشة رضي الله عنها تعاني معه وتحكي معاناته عليه الصلاة والسلام فتقول: "ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا .. هم ينتظرونك. قال: ضعوا لي ماء في المخضب .. ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه .. ثم أفاق فقال صلى الله عليه وسلم: أصلى الناس؟ قلنا: لا .. هم ينتظرونك يا رسول الله .. قال: ضعوا لي ماء في المخضب .. فقعد فاغتسل .. ثم ذهب لينوء فأغمي عليه .. ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا .. هم ينتظرونك يا رسول الله .. فقال: ضعوا لي ماء في المخضب .. فقعد فاغتسل .. ثم ذهب لينوء .. فأغمي عليه .. ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا .. هم ينتظرونك يا رسول الله .. والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي عليه الصلاة والسلام لصلاة العشاء الآخرة.
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس" (1) وعندما سمعت عائشة اسم أبيها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجعله أحق الصحابة بالصلاة وإمامة المؤمنين خشيت على أبيها من التشاؤم الذي لا مبرر له إلا في حزن عائشة المشفقة على أبيها الحزينة على زوجها فقالت للنبي عليه السلام: "إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء [إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطيع أن يصلي بالناس] فقال: مروه فيصلي فعاودته قال: مروه فيصلي إنكن صواحب يوسف [فقلت لحفصة قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فَمُرْ عمر فليصل للناس ..
(1) صحيح البخاري ج: 1ص: 243.