الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مولد أول الطوائف المتطرفة
وهي طائفة الخوارج الذين غرتهم كثرة عبادتهم فتوجهوا نحو عيوب الناس وتناسوا عيوبهم فجرهم ذلك إلى قذف التهم يمينًا وشمالًا .. وتطاولوا فتسوروا القلوب واقتحموا النوايا ورسموها لا كما هي بل كما يريدون وكما تشكلت في مخيلتهم المريضة .. والنوايا حصون منيعة لم يجرؤ النبي صلى الله عليه وسلم على اقتحامها يومًا إلا بوحي يحمله جبريل .. أما هؤلاء الخوارج فتطوعوا لاقتحام واكتشاف ما عجز عنه النبي صلى الله عليه وسلم .. بل تجرأ أحدهم اليوم على تصحيح الوحي ذاته ونقد النبوة .. يقول أبو سعيد رضي الله عنه: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال:
يا رسول الله اعدل
فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه .. فقال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء .. ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء .. قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس.
قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1)
(1) صحيح البخاري 3 - 1321.
عن هؤلاء الخوارج الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مزيدًا من صفاتهم حتى لا ينخدع الناس بكثرة ركوعهم وسجودهم وصيامهم وقراءتهم للقرآن ولا بكثرة حلقهم لرؤوسهم .. يقول عليه الصلاة والسلام:
"يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإِسلام كما يمرق السهم من الرمية .. لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة"(1)"قيل ما سيماهم قال سيماهم التحليق"(2) أي حلق شعر الرأس .. لكن هذا الخارجي يعتبر شاذًا اليوم أمام الحضور الغامر والجميل لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أما غير الشاذ على ساحة الجعرانة فهو إحساس بعض شباب الأنصار ببعض الغضاضة من ذهاب الغنائم إلى رجال لم يعرفوا الإِسلام إلا منذ أيام عندما قام صلى الله عليه وسلم "فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئًا فقالت الأنصار إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا"(3) .. أحس صلى الله عليه وسلم بعتاب الأنصار وحبهم يتمددان في صدره فأحب أن يقدم لهم كنوزًا لا يستحقها سواهم .. ومجدًا لا يطاوله سواهم في الوقت الذي يفرح غيرهم بخشاش الأرض .. وذلك "لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم السبي بالجعرانة أعطى عطايا قريشًا وغيرها من العرب [أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة ابن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد
…
بين عيينة والأقرع
(1) صحيح البخاري 3 - 1321.
(2)
صحيح البخاري 6 - 2748.
(3)
صحيح مسلم 2 - 735.
فما كان بدر ولا حابس
…
يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما
…
ومن تخفض اليوم لا يرفع
قال فتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة] (1) ولم يكن في الأنصار منها شيء فكثرت القالة وفشت حتى قال قائلهم أما رسول الله فقد لقي قومه .. فأرسل إلى سعد بن عبادة فقال ما مقاله بلغني عن قومك أكثروا فيها؟
فقال له سعد: فقدكان ما بلغك.
قال: فأين أنت من ذلك؟
قال: ما أنا إلا رجل من قومي .. فاشتد غضبه وقال: اجمع قومك ولا يكن معهم غيرهم.
فجمعهم في حظيرة من حظائر النبي صلى الله عليه وسلم وقام على بابها وجعل لا يترك إلا من كان من قومه وقد ترك رجالًا من المهاجرين وزاد أناسًا .. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب [فقال: هل فيكم من غيركم قالوا: لا إلا ابن أخت لنا .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخت القوم منهم](2)
[فجمعهم في قبة من آدم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا .. وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم](3)
(1) حديث صحيح رواه مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه 2 - 737.
(2)
سنده صحيح رواه الإمام أحمد 3 - 201 ثنا يزيد بن هارون أنا حميد عن أنس وهو سند ثلاثي صحيح مر معنا قبل قليل.
(3)
صحيح مسلم 2 - 733.
فقال: يا معشر الأنصار .. ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله؟
فجعلوا يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله.
يا معشر الأنصار .. ألم أجدكم عالة فأغناكم الله؟
فجعلوا يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله.
يا معشر الأنصار: ألم أجدكم أعداء فألف الله بين قلوبكم؟
فيقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله.
فقال: ألا تجيبون؟
قالوا: الله ورسوله آمن وأفضل.
فلما سري عنه قال ولو شئتم لقلتم فصدقتم:
ألم نجدك طريدًا فآويناك ومكذبًا فصدقناك وعائلًا فآسيناك ومخذولًا فنصرناك؟
فجعلوا يبكون ويقولون الله ورسوله آمن وأفضل.
قال: أوجدتم من شيء من دنيا أعطيتها قومًا أتألفهم على الإِسلام وكلتكم إلى إسلامكم. لو سلك الناس واديًا أو شعبًا وسلكتم واديًا وشعبًا لسلكت واديكم أو شعبكم وأنتم شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار
[الأنصار كرشي وعيبتي](1) ثم رفع يديه حتى إني لأرى ما تحت منكبيه فقال:
(1) سنده صحيح وهو حديث الإِمام أحمد السابق.