الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معى إلى المدينة .. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي فعرفت أنه يدعو لي"(1)
ومضى يوم الجمعة كاملًا والنبي عليه السلام على فراشه لم يخرج .. وجاء يوم السبت فصلى أبو بكر الفجر والظهر فكانت المفاجأة عندما رأى المصلون
النبي صلى الله عليه وسلم يخرج للصلاة
وذلك بعد أن أذن بلال رضي الله عنه وأقام الصلاة فتقدم أبو بكر للصلاة وكبر وأمهم وأثناء الصلاة خرج علي بن أبي طالب والعباس رضي الله عنهما يحملانه عليه السلام من غرفة عائشة التي تقول: "إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلى بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر .. فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر قال: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر .. فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم"(2) فتحول المسجد إلى ساحة من البهجة والسعادة التي لم تدم فقد أدخل عليه الصلاة والسلام إلى بيت عائشة من جديد يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالفًا بين طرفيه فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامة بن زيد
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق السيرة النبوية 6 - 67 حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمَّد بن أسامة عن أبيه أسامة بن زيد وسعيد ومحمَّد بن أسامة تابعيان ثقتان من رجال: التقريب 1 - 301 و2 - 143.
(2)
صحيح البخاري 1 - 243.
فجاء فأسند ظهره إلى نحره" (1) حيث تفاقم عليه المرض .. وكانت فاطمة عليها السلام وأمهات المؤمنين لا يتوقفن عن زيارته بينما كان الألم لا يتوقف عنه .. وبعد أن خرج أسامة والعباس وعلي رضي الله عنهم رأى العباس بفراسته تقاسيم الموت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم .. ولما خرجا من عنده "قال الناس: يا أبا الحسن .. كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا .. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا .. إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت .. اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر .. إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا .. فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده .. وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم" (2) كان العباس يريد معرفة من يخلف النبي- صلى الله عليه وسلم لكن عليًا كان أبعد نظرًا لأن الخلافة ليست منحة منه عليه الصلاة والسلام: وقد تحدث عليه الصلاة والسلام بكلام خطير ودقيق وهام عن الخلافة وعن الصفات التي لا بد أن تتوفر في الخلفاء .. وما يحل للخليفة وما لا يحل وعن أنه لا يعطي الإمارة من سألها وأشياء كثيرة .. بينما لم يتحدث عن شخص بعينه يجب أن يتولى من بعده مما يعني أنه سيترك للمؤمنين أمر انتخاب الأصلح لهم ولها .. والصحابة بشر لهم وجهات نظر مختلفة وآراء مختلفة ومواهب مختلفة ومزايا مختلفة ولا يمكن أن يجمعوا على شخص بعينه .. لكن هناك
(1) سنده صحيح رواه البيهقي في الدلائل 7 - 192 من طريق سعيد بن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب حدثنا حميد الطويل عن ثابت عن أنس وهذا السند على شرط البخاري وقد رواه كثيرًا انظر مثلًا صحيح البخاري (1 - 157 و1 - 209).
(2)
صحيح البخاري 4 - 1615.
ميزات إذا جمعت برز صاحبها كما برز أبو بكر الذي عينه عليه السلام للصلاة دون أن يسعى للإمامة أو يقدم طلبًا لها .. النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي اختاره وعينه رغم رفضه لها في البداية .. وبعيدًا عن ذلك وبينما كان عليه السلام تبرحه الآلام وتزداد به الأوجاع وتنشغل بجسده كان مشغولًا بأمته خائفًا عليها أن تضل كما ضلت اليهود والنصارى .. تقول عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما "لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه .. قال -وهو كذلك-: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا"(1) فبعد وفاة أي نبي تزداد العاطفة وتجيش المشاعر فتطيش بدعًا وخرافات ومزارات وزخارف .. حتى يتحول من مجرد قبر إلى وثن يطاف به ويتمسح ويستقبل وتشد الرحال إليه ويذبح عنده وتحيط به السرج والشموع والمصابيح ويطلى بالذهب ويرصع بالجواهر .. وفي النهاية ينصرف الناس عن الخالق ليتعلقوا بمخلوق لا يملك من أمره شيئًا إلا ما وهبه الخالق سبحانه وحباه به .. عندها ينهدم ما بناه النبي صلى الله عليه وسلم خلال أكثر من عشرين عامًا ويعود الشرك من جديد لكن بدلًا من عبادة الصنم الذي على شكل صورة يصبح وثنًا على شكل قبر .. كان عليه السلام يخشى ذلك ويحذر منه رغم ما هو فيه من المعاناة والحمى التي يزداد اشتعالها داخل جسده الشريف مما أعجزه عن الخروج للمسجد .. حيث صلى أبو بكر في الناس العصر والمغرب والعشاء والفجر والناس يترددون على المسجد وفي الطرقات وفي الأسواق فلا يرون فيها حبيبهم ونبيهم فيها فيزداد شوقهم وحزنهم حتى:
(1) صحيح البخاري 1 - 168.