المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقديم بقلم الأستاذ الجليل الدكتور علي أحمد الندوي - الفوائد الجسام على قواعد ابن عبد السلام

[سراج الدين البلقيني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم بقلم الأستاذ الجليل الدكتور علي أحمد الندوي

- ‌المبحث الأول التعريف بكتاب (الفوائد الجسام)

- ‌أولًا: تسمية الكتاب:

- ‌ثانيًا: توثيق نسبة الكتاب للبلقيني:

- ‌ثالثًا: توثيق مضمون الكتاب للبلقيني:

- ‌رابعًا: طبيعة الكتاب:

- ‌خامسًا: أسلوب الكتاب:

- ‌سادسًا: منهح الكتاب:

- ‌سابعًا: مزايا الكتاب:

- ‌ثامنًا: مصادر البلقيني في الكتاب، وطريقته في العزو:

- ‌المبحث الثاني التعريف بابن عبد السلام، والبلقيني، والناسخ يحيى الكرماني

- ‌أولًا: التعريف بابن عبد السلام

- ‌1 - موجز عن سيرته:

- ‌2 - براعته في التصنيف والتأليف:

- ‌3 - مكانة كتاب (قواعد الأحكام) للعز بن عبد السلام:

- ‌4 - نموذج من علومه ومعارفه:

- ‌5 - جوانب مشرقة من سيرته ومناقبه:

- ‌ثانيًا: التعريف بالبلقيني

- ‌1 - اسمه، ولادته، دراسته وتفوقه العلمي:

- ‌2 - مكانته العلمية، وثناء الأعلام عليه:

- ‌3 - أعلام من تلامذته:

- ‌4 - من سيرته في الحياة:

- ‌5 - مؤلفاته:

- ‌6 - وفاته:

- ‌ثالثًا: التعريف بناسخ المخطوط:

- ‌أ - ترجمة الناسخ

- ‌ب- مشاركات الناسخ العلمية في هذا الكتاب:

- ‌المبحث الثالث وصف المخطوط

- ‌أ- قيمة النسخة المخطوطة المعتمدة في إخراج الكتاب:

- ‌ب- وصف المخطوط شكلًا:

- ‌ج - وصف المخطوط مضمونًا:

- ‌[المبحث الرابع عملي في خدمة الكتاب]

- ‌أولًا: ما يتعلق بخدمة النص في صلب المتن:

- ‌ثانيًا: ما يتعلق بخدمة النص في الهوامش:

- ‌نماذج من النسخة الوحيدة التي حُقِّق عليها الكتاب

- ‌الاصطلاحات المعتمدة في النص المحقق

- ‌[مقدمة البلقيني]

- ‌[مقدمة الشيخ ابن عبد السلام لكتابه (قواعد الأحكام) وتعليق البلقيني عليها]

- ‌[فصل في بناء جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما على الظنون]

- ‌[فصل فيما تُعرف به المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل في تقسيم أكساب العباد]

- ‌[فصل في بيان حقيقة المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل في بيان ما رُتِّب على الطاعات والمخالفات]

- ‌[فصل فيما عُرفت حِكَمُه من المشروعات وما لم تُعرف حكمته]

- ‌[فصل في تفاوت الأعمال بتفاوت المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل فيما تميَّز به الصغائر من الكبائر]

- ‌[فصل في إتيان المفاسد ظنًّا أنها من المصالح]

- ‌[فصل في بيان تفاوت رتب المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل فيما يتفاوت أجزه بتفاوت تحمل مشقته]

- ‌[فصل في تساوي العقوبات العاجلة مع تفاوت المفاسد]

- ‌[فصل في تفاوت أجور الأعمال مع تساويها، باختلاف الأماكن والأزمان]

- ‌[فصل في انقسام جلب المصالح ودرء المفاسد إلى فروض كفايات وفروض أعيان]

- ‌[فصل في بيان رُتب المفاسد]

- ‌[فصل في اجتماع المصالح المجرّدة عن المفاسد]

- ‌[فصل في بيان تنفيذ تصرف البغاة وأئمة الجور لِما وافق الحقَّ، للضرورة العامة]

- ‌[فصل في تقيّد العزل بالأصلح للمسلمين فالأصلح]

- ‌[فصل في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة]

- ‌[قاعدة في تعذر العدالة في الولاية العامة والخاصة]

- ‌[فصل في تقديم المفضول، على الفاضل بالزمان، عند اتساع وقت الفاضل]

- ‌[فصل في تساوي المصالح مع تعذر جمعها]

- ‌[فصل في الإقراع عند تساوي الحقوق]

- ‌[فصل فيما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده أو بإفساد بعضه]

- ‌[فصل في اجتماع المفاسد المجردة عن المصالح]

- ‌[فصل في اجتماع المصالح مع المفاسد]

- ‌[فصل في الوسائل إلى المصالح]

- ‌[فصل في الوسائل إلى المفاسد]

- ‌[فصل في اختلاف الآثام باختلاف المفاسد]

- ‌[فصل فيما يتعلق به الثواب والعقاب من الأفعال]

- ‌[فصل فيما يثاب عليه العالم والحاكم وما لا يثابان عليه]

- ‌[فصل في تفضيل الحكام على المفتين]

- ‌[فصل فيما يُثاب عليه الشهود وما لا يثابون عليه]

- ‌[فصل في بيان الإخلاص والرياء والتسميع]

- ‌[فصل في بيان الإعانة علي الأديان]

- ‌[فصل في تفاوت فضائل الإسرار والإعلان بالطاعات]

- ‌[قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة]

- ‌[فصل في انقسام الحقوق إلى المتفاوت والمتساوي]

- ‌[فصل فيما يثاب عليه من الطاعات]

- ‌[قاعدة في الجوابر والزواجر]

- ‌[فصل فيما تُشترط فيه المماثلة من الزواجر وما لا تُشترط]

- ‌[فصل في بيان متعلقات حقوق الله تعالى]

- ‌[فصل في وقت النية المشروطة في العبادات]

- ‌[فصل في قطع النية في أثناء العبادة]

- ‌[فصل تردّد النية مع ترجّح أحد الطرفين]

- ‌[فصل في تفريق النيات على الطاعات]

- ‌[فصل ما يتعلق به الأحكام من الجوارح]

- ‌[فصل فيما يتعلق به الأحكام من الحَواسِّ]

- ‌[فصل فيما يتعلق بالأزمان من الطاعات]

- ‌[فصل في تنويع العبادات البدنية]

- ‌[فصل فيما يفوت من المصالح]

- ‌[فصل في مناسبة العلل لأحكامها]

- ‌[فصل فيما يُتدارك إذا فات بعذر]

- ‌[فصل في بيان تخفيفات الشرع]

- ‌[فصل في المشاقّ الموجبة للتخفيفات الشرعية]

- ‌[فصل في الاحتياط لجلب المصالح]

- ‌[فصل فيما يقتضيه النهي من الفساد]

- ‌[فصل في بناء جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون]

- ‌[فصل فيما يجب على الغريم إذا دُعِي إلي الحاكم]

- ‌[فصل فيما يَقدح في الظنون من التّهم وما لا يقدح فيها]

- ‌[فصل في تعارض أصلين]

- ‌[فصل في تعارض ظاهرين]

- ‌[فصل في حكم كذب الظنون]

- ‌[فصل في بيان مصالح المعاملات والتصرفات]

- ‌[فصل في بيان أقسام العبادات والمعاملات]

- ‌[قاعدة في بيان حقائق التصرفات]

- ‌[الباب الأول في نقل الحق من مستحقّ إلى مستحق]

- ‌[الباب الثاني في إسقاط الحقوق من غير نقل]

- ‌[الباب الثالث في القبض]

- ‌[الباب الرابع في الإقباض]

- ‌[الباب الخامس في التزام الحقوق بغير قبول]

- ‌[فصل في تصرف الولاة]

- ‌[فصل فيما يسري من التصرفات]

- ‌[قاعدة في ألفاظ التصرف]

- ‌[قاعدة لبيان الوقت الذي تثبت فيه أحكام الأسباب]

- ‌[قاعدة في بيان الشبهات المأمور باجتنابها]

- ‌[فصل في التقدير على خلاف التحقيق]

- ‌[قاعدة فيما يقبل من التأويل وما لا يقبل]

- ‌[فصل فيما أثبت على خلاف الظاهر]

- ‌[فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح المقال]

- ‌[فصل في حمل الأحكام على ظنون مستفادة من العادات]

- ‌[فصل في الحمل على الغالب والأغلب في العادات]

- ‌[قاعدة كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل]

- ‌[قاعدة فيما يوجب الضمان والقصاص]

- ‌[قاعدة فيمن تجب طاعته، ومن تجوز، ومن لا تجوز]

- ‌[قاعدة في الشبهات الدارئة للحدود]

- ‌[قاعدة في المستثنيات من القواعد الشرعية]

- ‌[خاتمه الكتاب]

- ‌ملحق 1: كتابة للبلقيني بخط يده، في آخر المخطوط

- ‌ملحق 2: قصيدة للبلقيني تتعلق بهذا الكتاب

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌تقديم بقلم الأستاذ الجليل الدكتور علي أحمد الندوي

‌تقديم بقلم الأستاذ الجليل الدكتور علي أحمد الندوي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله النبي الكريم، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد، فهذا الكتاب المسمى بـ (الفوائد الجسام على قواعد الأحكام) قد أملاه الإمام سراج الدين البلقيني على تلاميذه، وهو عبارة عن تعليقات سنحت بخاطره أثناء تدريسه، وقَصَد منها إتمامَ فائدة، أو توضيحَ مقصود، أو تنقيحَ رأي، أو إضافة قيد، في مناسبات مختلفة من الكتاب الجليل الذي ألّفه سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام. وبهذا يمثل هذا الكتاب نموذجًا فريدًا لاجتهادات إمامين في فهم بعض القضايا المتصلة بالتأصيل الفقهي.

ومن المعهود المألوف في مجال العلم: وجودُ شروح أو تعليقات على متونٍ وكتبٍ، وذلك لكشف غامضٍ أو استدراك أمرٍ في الغالب، ولكن قلّما يتوافر عنصر القيمة المعنوية كما صادف ذلك في هذا الكتاب بمشاركة إمامين في مرتبة متقاربة؛ فكل منهما له علوُّ كعب، وشخصية متميزة، ومكانة اجتماعية في عصره.

وإذا كان الإمام العز اشتهر بلقب (سلطان العلماء)، فالبلقيني عُرف بلقب (شيخ الإسلام) في عصره. ومن الجدير بأن أسجل كلمة ابن خلدون في شأنه، إذ يقول في معرض حديثه عن تاريخ الفقه:

ص: 13

(ثم انقرض فقه أهل السنة والجماعة من مصر بظهور دولة الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت

، إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة

، فذهب منها فقه أهل البيت، وعاد فقه الجماعة إلى الظهور بينهم، ورجع إليهم فقهُ الشافعي

فعاد إلى أحسن ما كان، ونَفَقَتْ سوقه

، إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد، وهو سراج الدين البلقيني؛ فهو اليوم كبير الشافعية بمصر، لا، بل كبيرُ العلماء من أهل العصر) (1).

وبهذا يكتسب هذا الكتاب أهمية بالغة؛ إذ هذه المزية المشار إليها في حد ذاتها، كَسَتْه حُلّةَ عزٍّ، وتَوَّجَتْه وسامَ شرفٍ، بغضّ النظر عن فحوى التعليقات وأهميتها العلمية.

وقبل أن أنوِّه بما يتصل بـ (قواعد الأحكام) للإمام العز، وفوائد الإمام البلقيني، أود الإشارة إلى أن صلتي بهذا الكتاب (الفوائد الجسام للبلقيني) تعود إلى أبعد من ربع قرن، وذلك حين زيارتي المكتبة السليمانية بإصطنبول، فوقفتُ هناك على هذا الكتاب (الفوائد الجسام)، وتصفحتُه حينئذ تصفحًا عابرًا، وبقي في نفسي لهفٌ لمزيد من الغوص فيه، ثم مع تمادي الزمن أصبح التفكير فيه نسيًا منسيًا.

ولكن قَدَّر اللهُ عز وجل أن ألتقي بالأخ الكريم الشيخ منصور العتيقي بالكويت، وذلك قبل سنوات، بمناسبة حضوري دورة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، فإذا هو يزوّدني بنسخة مصورة من الكتاب مع رجاء وحفز إلى تحقيقه، وكان بي حَفِيًّا؛ ثم بفضل الله تعالى تحقق أخيرًا ما كنا نطمح ونصبو إليه على يد أخينا الدكتور الشيخ يحيى بلال، فهذا الكتاب المطبوع المحقق ثمرةُ جهده.

(1) مقدمة ابن خلدون، اعتناء ودراسة: أحمد الزعبي، ص 487، دار الأرقم، بيروت.

ص: 14

وفي هذا العصر الذي شهد نهضةَ تأليف وتحقيق في الحقل المعرفي المتصل بالتقعيد الفقهي، يخرج هذا الكتاب إلى النور، فيثرى به رصيد العلم في هذا التخصص البارز.

وعسى أن لا يكون من نافلة القول أن أُشيد بأصل الكتاب (قواعد الأحكام) بلفت الأنظار إلى أنه على الرغم من وفرة المؤلفات في موضوع القواعد، لا يكاد يوجد كتاب آخر يضارعه في كثير من مضامينه، وهو ينخرط في سِلك الكتب الأصيلة المبتكرة المتميزة برصانتها العلمية، وقد صاغه الفقيه المفكر العالم الرباني الإمام عز الدين بن عبد السلام، وناهيك به علمًا وفضلًا.

هذا وأما التعليق عليه من قِبل الإمام البلقيني فهو لا يغضّ من مقام الأصل، بل يرفعه قدرًا بما فيه من توجيهات وتنبيهات. على أنه ليس بحتم أن يُسلَّم له كلُّ ما اقتَرَحه وأَورَدَه. وفي الواقع بذل المحقق الفاضل الدكتور يحيى بلال جهدًا كبيرًا في إبراز نماذج منتقاة من التعليقات، تُنوِّر بصيرة القارئ في معرفة طبيعة الكتاب.

وربما عَكَّر صفوَ الكتاب ما اعتراه من غموض وتعقيد في مواضع منه؛ إذ الإملاءُ قد يفوته الصقل والتهذيب، وقد يكون الالتباس واقعًا من الناسخ، أو راجعًا لسبب آخر.

وأسأل الله تعالى أن يتقبل هذا العمل، ويُثقل به موازين المؤلف والمحقق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه

علي أحمد الندوي

يوم الجمعة 14/ 8 / 1432 هـ

ص: 15

مقدمة التحقيق

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله الكريم سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وصحبه والتابعين.

وبعد، فإن (علم القواعد الفقهية) منذ أن برز في الحقبة الأخيرة على الساحة العلمية، إذ به يأخذ بمجامع القلوب، لِما فيه من صقل ملكة الفقه، وتدريبِ مداركه، وتفتيقِ آفاقه في الربط بين الصيغ القواعدية التي وصل إليها الفقهاء وبين الفروع الفقهية المخرّجة عليها، المنبثة في بطون ما لا يُحصى من الكتب.

ومن هنا هفَتْ أنظار الدارسين إلى هذا العلم، وخصوصًا ممن كانوا في مراحل الدراسات العليا الجامعية (الماجستير والدكتوراه)، فنشطوا في العناية به من جوانب متعددة.

ومن بين تلك الجوانب: الإقبال على تحقيق الكتب المؤلفة فيه التي كانت ما تزال قابعة في خزائن المخطوطات، فأدى ذلك إلى ازدهار حركة النشر لتلك الكتب حتى صار الواحد يرى الآن أمام عينيه ثروة طيبة من تلك الذخائر النفيسة المؤلفة في هذا العلم، قد خرجتْ مطبوعةً -في جملتها- بأحسن حُلّةٍ وإتقانٍ وعنايةٍ.

ولكن بقيتْ من بين تلك الكتب، روائعُ ونوادرُ، كانت ما تزال تنتظر من يزيح عنها الأستار ويَعتني بإخراجها لروّاد العلم وأهله، ومنها هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ:(الفوائد الجسام على قواعد ابن عبد السلام)

ص: 16

للبلقيني، فإنه يُعدّ أحد تلك الروائع التي لها صلة بعلم (القواعد الفقهية)، وكان ما يزال بعيدًا عن الأنظار طوال هذا الوقت، فقُدِّر له أن يخرج إلى عالم المطبوعات في هذا الحين بتوفيق الله تعالى وفضله.

إن مما يكشف عن قيمة كتاب (الفوائد الجسام) أنه تعليق على أحد أساطين الكتب القواعدية، وهو (قواعد الأحكام) لعبقري زمانه النابغة الفذ سلطان العلماء الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، وجزاه عن العلم وأهله خير الجزاء.

إن كتاب (قواعد الأحكام)، من الكتب الذهبية -في علم القواعد الفقهية- الممتعة المشبعة التي تأخذ بالألباب، والتي لم يُنسج على منوالها كتابٌ غيرُه في هذا العلم فـ (قد شاع اسمه كأنه عَلَمٌ في رأسه نارٌ، وجاء هذا الكتاب على وفق مطلوبه، كاملًا في أسلوبه، شاملًا للفضل بعيدِه وقريبِه) كما يقوله التاج السبكي عنه (1).

وهو وإن اشتهر بأنه من كتب القواعد الفقهية، إلا أنه يعتبر أيضًا من كتب (قواعد المقاصد)، ويمكن أن يقال بتدقيق أكثر: إنه من كتب (تأصيل قواعد المقاصد)(2).

ثم إنه ليس خاصًّا محصورًا في دائرة (القواعد الفقهية) أو (القواعد المقاصدية) كما قد يُظن به من خلال عنوانه، وإنما يشمل أنواعًا من التقعيد والتأصيل المتعلق بالأحكام الشرعية، فمثلًا يشتمل على:

- قواعد شرعية عامة كبرى، مثل:(قاعدة النية)، و (قاعدة المصالح والمفاسد)، و (قاعدة حقائق التصرفات)، و (قاعدة ألفاظ التصرفات)، و (قاعدة الحقوق) ونحو ذلك من القواعد الكبرى العامة.

(1) الأشباه والنظائر 1: 706.

(2)

ينظر مقدمة الأستاذ عمر القِيّام لكتاب (الفروق) للقرافي ص 15 و 17.

ص: 17

- ومباحث لقواعد أصولية.

-كما نجد فيه ضبطًا لبعض التقاسيم الشرعية.

- وكذلك ضبطًا لبعض ما يتعلق بالترغيب والترهيب والرقائق، وغير ذلك من الجوانب القواعدية. . .

وهكذا، فإن الكتاب يدور في مجمله في فلك (التقعيد والتأصيل) لكن من نواح وجوانب مختلفة، وربما لا تظهر بادئ ذي بدء هذه الجوانب التقعيدية المختلفة في الكتاب من خلال نظرةٍ عابرةٍ فيه؛ لأن مؤلفه الشيخ ابن عبد السلام لم يمشِ فيه على نمط تقليدي معيّن في ترتيب وتبويب وعرض مباحث القواعد التي تناولها، وإنما أَرسَل رحمه الله سجيته حسبما فتح الله عليه من العلوم والمعارف المتعلقة بموضوع التقعيد.

وبالجملة فهو كتابٌ موهوبٌ في التقعيد والتأصيل في جوانب مختلفة من العلوم الشرعية، خاصة فيما يتعلق بالمقصد الأسمى للشريعة، وهو إصلاحُ الأنام أو مراعاة مصالحهم (1).

هذا ومما يكفي كتابَ (قواعد الأحكام) فخرًا وذكرًا، أنه كان يُعدّ -في نفس عصر مؤلفه- أحدَ الكتب التي اعتُبرت مرجعًا رئيسيًّا في بابها، لِما وصلت إليه من الذروة والسمو العلمي في موضوعاتها مع الندرة والابتكار (2).

هذا الكتاب الرفيع الراقي، لم يكن من السهل أن يُدرك أحدٌ أنه يحتاج -في مواضع منه- إلى تعليق وتعقيب عليه إلا أن يتفطن لذلك شخص ضليع راسخ في العلم، بحيث ينفذ بثاقب نظره إلى المواضع التي تحتاج فيه إلى تحرير وتعليق، فيتمكن من إبداء ما حولها من النظر السديد بكل جدارةٍ ودقةٍ

(1) ما سبق من المضمون مستفاد من الدكتور علي الندوي جزاه الله خيرًا.

(2)

ينظر كتاب (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) للشيخ أبي الحسن الندوي 201: 444.

ص: 18

نظرٍ وإنصافٍ، مع الاحتفاظ بالتقدير والإجلال التام لصاحب الكتاب الأصل.

فكان هذا العمل من نصيب شيخ الإسلام البلقيني المعروف بجلالة قدره الذي يعدّ (مفخرة القرن التاسع في الجمع بين علوم التفسير والحديث والأصول والفقه)(1)، بل إنه لُقّب بكونه من المجدّدين على رأس القرن التاسع (2)، فرأى هذا الشيخ أثناء قراءة كتاب (قواعد الأحكام) عليه، أن فيه مواضع تحتاج إلى نظر، فكان يُملي أثناء تلك القراءة ما يتبدى له من الفوائد والتعقيبات والنكات حول تلك المواضع، وكان أحدُ تلامذته في هذا الدرس -وهو تقي الدين يحيى بن محمد بن يوسف الكرماني (وهو ابن الكرماني المشهور شارح صحيح البخاري) - يقيّد ما يتلقاه شفهيًّا من شيخه البلقيني من هذه التعليقات، وهي التي جُمعت في هذا الكتاب المسمى بـ (الفوائد الجسام على قواعد ابن عبد السلام).

والخلاصة أن هذا الكتاب (الفوائد الجسام) يكمُن جوهرُه وندرته العلمية، في أنه مساجلة علمية بين إمامين جليلين اجتمع أهل الشان على أنهما قد بلغا من المجد العلمي غايته ورفعته في عصرهما، وهما: سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني رحمهما الله تعالى.

وهي مساجلة علمية تتعلق بكتاب (قواعد الأحكام) الذي يُعدّ في حد ذاته أيضًا من الأصالة والجودة والابتكار العلمي فيما احتواه، بحيث ربما لا يضاهيه كتابٌ آخر في نفس موضوعه.

وبهذا يمكن أن يقال: إن كتاب (الفوائد الجسام) يتبطن في داخله ثلاثة جوانب من الرفعة في آن واحد، وهي:

(1) دراسات الكاشف للذهبي، للشيخ محمد عوامة ص 265.

(2)

كذا في شذرات الذهب في ترجمته 7: 50.

ص: 19

1 -

أنه تعليقٌ من عالمٍ جليلٍ مثل شيخ الإسلام البلقيني.

2 -

وهو تعليقٌ على كلامِ عالمٍ عبقريٍّ مثل سلطان العلماء العز بن عبد السلام.

3 -

وهو تعليقٌ حول كتابٍ فَذٍّ في بابه، ألا وهو كتاب (قواعد الأحكام) للشيخ ابن عبد السلام.

وفيما يلي دراسة مفصلة عن هذا الكتاب، مع التعريف بمنهج خدمته وتحقيقه، وذلك في أربعة مباحث، على النحو التالي:

المبحث الأول: التعريف بكتاب (الفوائد الجسام).

المبحث الثاني: التعريف بابن عبد السلام، والبلقيني، والناسخ يحيى الكرماني.

المبحث الثالث: وصف المخطوط.

المبحث الرابع: عملي في خدمة الكتاب.

وأسأل الله تعالى أن يتقبل هذا العمل، وأن يرزقنا به العلمَ النافع، والعملَ الصالح، وأن يجزيَ خيرَ الجزاء كلَّ من كان سببًا، أو مَدَّ يد العون والمساعدة بوقته وجهده في إخراج هذا الكتاب النادر.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وأهل بيته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

انتهيتُ من النظر فيه

ليلة عرفة المباركة من عام 1432 هـ

الموافق لنوفمبر من عام 2011 م

كتبه

محمد يحيى بلال منيار

مكة المكرمة

ص: 20

القسم الدراسي

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: التعريف بكتاب (الفوائد الجسام).

المبحث الثاني: التعريف بابن عبد السلام، والبلقيني، والناسخ يحيى الكرماني.

المبحث الثالث: وصف المخطوط.

المبحث الرابع: عملي في خدمة الكتاب.

* * *

ص: 21