الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأما أخذُهم الزكوات، فإن صرفوها في مصرفها أجزأت، لِما ذكرناه. وإن صرفوها في غير مصارفها لم يبرأ الأغنياء منها على المختار) إلى آخره (1).
يقال عليه: الأحسن في التعليل أن يقال: (أجزأت لأنها وقعت الموقع).
والمختار فيما إذا لم يصرفوها في مصارفها، تفصيل، وهو أنه إن قلنا بوجوب دفعها إلى الإمام الجائر، فإنه يَبرأ الغني قطعًا، لأنه فَعَل الواجب؛ وإلا فإن أُجبر على دفعها، فالتردد. والأرجح عدم الإجزاء. وإن لم يُجبَر على دفعها إلى الإمام الجائر، فدَفَعها إليه وصَرَفها في غير مصارفها، فلا يبرأ قطعًا.
* * *
[فصل في تقيّد العزل بالأصلح للمسلمين فالأصلح]
69 -
قوله في الفصل المعقود لتقيّد العزل بالأصلح للمسلمين فالأصلح: (إذا أراد الإمام عَزْل الحاكم، فإن رابَه منه شيء، عَزَله، لِما في إبقاء المُريب من المفسدة إذ لا نُصحَ (2) في تقرير المُريب على ولاية عامة ولا خاصة) (3).
يقال عليه: المختار في العزل بالريبة، تفصيل، وهو: أنه لا يخلو: إما أن يكون الإمام الذي يَعزل بالريبة، هو الذي باشر ولايتَه بعد استيفاء شروطها، فلا يجوز له عزله لمجرد الريبة، وإلا جاز.
(1) قواعد الأحكام 1: 111.
(2)
هذا الضبط من الناسخ في المخطوط.
(3)
قواعد الأحكام 1: 112.
لا يقال: عمر رضي الله عنه كان يعزل بمجرد الشكوى ونحو ذلك. لأنا نقول: إن ذلك كان معروفًا من مذهبه رضي الله عنه، وخولف فيه. وسيأتي (1) في قصة خالد رضي الله عنه ما يشهد له (2).
(1) أي: في كلام الشيخ ابن عبد السلام في (قواعد الأحكام).
(2)
أي: سيأتي في كلام الشيخ ابن عبد السلام، ما يشهد لكون عمر رضي الله عنه خولف في اجتهاده في العزل لمجرد الريبة. وهو ما وضّحه الشيخ في قوله: (ولما اتُّهم خالد بن الوليد بأنه قَتَل مالك بن نُويرة ليتزوج بامرأته
…
حَرَص عمر على أن يَعزله أبو بكر وقال: قَتَل رجلًا من المسلمين، ونَزَا على امرأته؛ فامتنع أبو بكر من عزله، لأنه كان أصلح في القيام بقتال أهل الردة من غيره. وهو أصوب مما رآه عمر؛ لأن تلك الريبة لم تكن قادحة في كونه أقومَ بالحرب من غيره
…
). قواعد الأحكام 1: 113.
وهذا الذي ذكره الشيخ ابن عبد السلام رحمه الله عن خالد رضي الله عنه، فيه اختصار شديد. وأصل القصة كما في السيرة الحلبية 3: 212: (فإن العرب لما ارتدّت بعد موته صلى الله عليه وسلم، عُيّن خالد لقتال أهل الردة، وكان من جملتهم مالك بن نُويرة، فأسره خالد هو وأصحابه، وكان الزمن شديد البرد، فنادى منادي خالد: أنْ أَدْفِئوا أسراكم. فظن القوم أنه أراد: ادفِنُوا أسراكم، أي: اقتلوهم. فقتلوهم، وقُتل مالك بن نُويرة. فلما سمع خالد ذلك، قال: إذا أراد الله أمرًا أمضاه. وتزوج خالد رضي الله تعالى عنه زوجة مالك بن نويرة
…
ويقال: إن خالدًا استدعَى مالك بن نُويرة وقال له: كيف ترتدّ عن الإسلام وتمنع الزكاة؟ ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة؟ فقال: كان صاحبكم يزعم ذلك! فقال له: هو صاحبنا وليس هو بصاحبك؟! يا ضرار، اضربْ عنقه
…
، فلما بلغ سيدَنا عمر ذلك قال للصديق رضي الله تعالى عنهما: اعزله فإن في سيفه رَهَقًا، كيف يَقتُل مالكًا ويأخذ زوجته؟! فقال الصديق رضي الله تعالى عنه: لا أغمد سيفًا سلّه [الله] على الكافرين والمنافقين، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نِعم عبد الله وأخو العشيرة خالدُ بن الوليد، سيفٌ من سيوف الله، سلّه الله على الكافرين والمنافقين. وقال الصديق رضي الله تعالى عنه في حق خالد: عجَزَت النساء أن يلدْن مثل خالد بن الوليد!). انتهى. وينظر الروض الأُنُف 4: 197 والبداية والنهاية 4: 314 و 6: 322.
وقصة خالد هذه، رضي الله عنه، كانت مثار إشكالات، وقد بحثها بعض أهل العلم المحققين =
70 -
قوله فيه أيضًا: (الحال الثانية: أن يَعزله بمن هو أفضل منه، فينفذ عزله تقديمًا للأصلح على الصالح، لِما فيه من تحصيل المصلحة الراجحة للمسلمين.
الحال الثالثة: أن يَعزله بمن يساويه. فقد أجاز بعضهم ذلك) إلى أن قال: (وقال آخرون: لا يجوز)(1).
يقال عليه: ما ذكره في الحالتين معًا من الجواز، مقيد بما إذا كان في العزل مصلحةٌ لتسكين فتنة ونحو ذلك، وإلا فلا يجوز. لكن لو وقع العزل، نَفَذ في الأصح.
= من المعاصرين، ومحَّصوا القضيةَ تمحيصًا علميًّا متينًا، بما يُنزِّه ساحة هذا الصحابي الشريف الشهم الجليل رضي الله عنه، ويُبرِّئه من أن تتطرق إليه شبهةُ كونه فَعَل ما فَعَل -في هذه القصة- لأغراض شخصية، معاذ الله تعالى. يراجع لذلك:
- خالد بن الوليد للأستاذ صادق عرجون ص 141 - 158 الفصل الثامن: أحدوثة مالك بن نويرة، ثم ص 304 ضمن الفصل الرابع عشر المتعلق بتحرير قصة عزل عمر رضي الله عنه لخالد، وتحقيق أسبابه، وأنه ليس لقصة مالك بن نويرة مدخلٌ في العزل.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه، شخصيته وعصره للدكتور علي محمد الصلّابي ص 314 - 315 تحت عنوان:(خالد ومقتل مالك بن نويرة) و (زواج خالد بأم تميم -وهي زوجة مالك بن نويرة-).
- دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه للأستاذ عبد السلام بن محسن آل عيسى 1: 532 - 536 تحت عنوان: (ما روي عن عمر رضي الله عنه من مواقف من بعض قادة أبي بكر رضي الله عنه).
وقد ذكر الأستاذ آل عيسى في كتابه 2: 732 - 733 أن هذا الخبر بكامله ضعيفٌ سندًا ومتنًا، وقال في الخاتمة (في نتائج البحث) 2: 1153 (لم يثبت ما ورد عن عمر رضي الله عنه من مخاصمته خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتله مالك بن نويرة في موقعة البطاح، وتزوُّجِه من امرأته، وما رُوي من إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بعزله عن قيادة جيوش المسلمين وإقادته من مالك بن نويرة).
(1)
قواعد الأحكام 1: 112 - 113.