الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قاعدة لبيان الوقت الذي تثبت فيه أحكام الأسباب]
467 -
قوله بعد ذلك في (القاعدة التي لبيان الوقت الذي تثبت فيه أحكام الأسباب): (فأما الأفعال فتقترن أحكامها بها)(1).
يقال عليه: ما ذكره من أن الأفعال تقترن أحكامها بها، فيه تجوّز. والأرجح أنها كالأقوال. والأصح أن أحكامها تقترن بآخر حرف من حروفها. وقيل: يقع عقبها من غير تخلل زمان، كما سيأتي. وتخيّلُ مثل ذلك في الأفعال غير بعيد، لأن لها بدءًا وواسطة ومنتهى، فيكون الأصح اقترانُ أحكامها بآخر جزء منها كالأقوال.
والخلاف راجع إلى أن العلة مع المعلول؟ أو تقع عقبها؟
468 -
قوله بعد ذلك: (المثال الثاني: قتلُ الكفار، فإنه يقترن به استحقاق الأسلاب)(2).
يقال عليه: لا يكفي في استحقاق الأسلاب، مجرّد القتل، بل لا بد مع ذلك من كون القاتل، له بينة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من قَتَل قتيلًا، له عليه بينة، فله سَلَبه)(3).
لا يقال: البينة كاشفةٌ أنه استَحق بالقتل. لأنها لو كانت كاشفة هنا لأَدَّى ذلك إلى تحريم الغنيمة التي هي من أجلّ الحلال إذا لم تكن بينةٌ!؟
(1) قواعد الأحكام 2: 171.
(2)
قواعد الأحكام 2: 171.
(3)
صحيح البخاري: الجهاد (أبواب الخمس) -باب من لم يُخمِّس الأسلاب 3: 1144 (2973) وصحيح مسلم: الجهاد- باب استحقاق القاتل سلب القتيل 3: 1370 من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
قال شيخنا أدام الله النفع بفوائده: وإلى هذا أشار ابن أصبغ (1) المالكية في كتابه (الإنجاد (2) في الجهاد).
469 -
قوله: إما تعلّق عليه طلاق أو عتاق، كالأكل والشرب، فإن أحكامه تترتب عليه مقرونةً به) (3).
(1) هو محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي القرطبي، أبو عبد الله، ويُعرف بابن المناصف. وُلد سنة 563 وتُوفّي سنة 620 رضي الله عنه. قال عنه تلميذه ابن الأبّار في كتابه (التكملة لكتاب الصلة) 2: 120 (وكان عالمًا متفننًا، نظّارًا، صاحب استنباط وتدقيق، واقفًا على الاتفاق والاختلاف معللًا مرجحًا، مع الحظ الوافر من علم اللغة والآداب، والتصرفِ الحسن في قَرْض الشعر. وله أراجيز في غير ما فنٍّ
…
، ولم يكن له علم بالحديث ولا عناية بالرواية. وأَلَّف كتاب (الإنجاد في الجهاد)، فظهر فيه علمُه وبان به تقدُّمُه؛
…
واستدرك على القاضي أبي محمد عبد الوهاب المالكي في (التلقين) -من تأليفه- (باب السلم) لإغفاله ذلك. وولي قضاء بَلَنْسية، وبها لقيتُه واستجزتُه بخطي فأجاز في جميع ما رواه وأَلَّفه
…
؛ وكان ذا سيرة عادلة وأُبّهة وشارة جميلة، جامدَ اليد، صلبًا في الحق
…
). انتهى كلام ابن الأبّار. وينظر الأعلام للزركلي 6: 322 ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 11: 107 وثبت أبي جعفر البَلَوي ص 250.
(2)
لفظ (الإنجاد) جاء في المخطوط غير منقوط بكامله، فلم يمكن قراءته على الوجه الصحيح حتى وقفتُ عليه هكذا في (التكملة لكتاب الصلة) لابن الأبّار 2: 120 وفي ثبت أبي جعفر البَلَوي ص 250. وجاء هذا اللفظ في معجم المؤلفين لرضا كحالة 11: 107 هكذا: (الاتحاد). لكن ما جاء عند ابن الأبار والبلوي (وهو لفظ "الإنجاد" أكثر انسجامًا وتوافقًا مع لفظ (الجهاد)، خصوصًا أن هناك كتبًا أخرى سميت أيضًا بهذا الاسم نفسه في موضوع الجهاد، مثل كتاب (غنية الإنجاد في مسائل الجهاد) لمحمد التهامي بن عبد القادر المكناسي المتوفى سنة 1336 كما جاء هكذا في كتاب (الفجر الساطع على الصحيح الجامع) للزرهوني (أطروحة دكتوراة- المغرب. تحقيق د. فؤاد ريشة).
(3)
قواعد الأحكام 2: 171.
يقال عليه: هذا ممنوع. والصواب: وقوعه عقبه. ويؤيده أنه إذا قال لغير المدخول بها: إذا طلقتُكِ فأنتِ طالق. ثم قال لها: أنتِ طالق. فإنه لا تقع عليها إلا الطلقة لوفاق الوجهين. أما من قال بالترتيب: فظاهر. وأما من قال بالمعية فمعناه: (إذا صرتِ مطلقةً)، وكما صارت مطلقةً، بانت. وفيه قولٌ حكاه الحنّاطي (1) أنه تقع طلقتان.
470 -
قوله: (وأما ما يتقدم أحكامه على أسبابه (2)، فله أمثلة. فذَكَر:(تلف المبيع قبل القبضر): يُفسخ بالتلف قبيل التلف (3).
وبـ (قتل الخطأ)(4): كونه موجبا للدية وهي موروثة عنه بغير تملّكها قبلُ.
(1) هو الحسين بن محمد بن عبد الله، أبو عبد الله الحِنّاطي -نسبة إلى بيع الحِنطة- الطبري. كان إمامًا جليلًا، له المصنفات والأوجه المنظورة. توفي رضي الله عنه بعد الأربع مئة بقليل. طبقات الشافعية للسبكي 4:367.
(2)
(يتقدم) هكذا في المخطوط بياء التذكير بنقطتين واضحتين تحت الياء. وفي المطبوع من قواعد الأحكام 2: 171: (تتقدم) بتاء التأنيث. وكلا الوجهين جائز عربية.
(3)
أي: يُفسخ البيع بالتلف قبيل التلف. وكلمة (قبيل التلف) هكذا نقلها البلقيني من أصل كلام الشيخ ابن عبد السلام في قواعد الأحكام 2: 171 حيث قال فيه: (إذا تلف المبيع قبل القبض، فإن البيع ينفسخ بالتلف قُبيل التلف
…
)، وهي صحيحة لا إشكال فيها ولا غَلَط، فإن مراد الشيخ ابن عبد السلام هنا: أن الحكم بانفساخ البيع بسبب تلف المبيع، لا يثبت بعد التلف كما قد يُظنّ، بل إنه يثبت قبل التلف، وسبب ذلك كما يقول الشيخ: "لأن الانفساخ انقلاب المِلْكَيْن إلى باذِلَيْهما، ولا يُتصور انقلاب الملكين بعد تلف المبيع، لأنه خرج عن أن يكون مملوكًا! فيتعين انقلابه إلى ملك البائع قبيل تلفه
…
".
(4)
يعني أن الشيخ ابن عبد السلام، مثَّل بـ (قتل الخطأ) ضمن أمثلة ما يتقدم أحكامه على أسبابه، ونص كلام الشيخ هكذات (قتلُ الخطأ، وله حكمان. أحدهما: ما يقترن به وهو وجوب الكفارة. والثاني: ما يتقدم عليه وهو وجوب الدية لتكون موروثة عنه على فرائض الله تعالى
…
). قواعد الأحكام 2: 172.
الثالث: إذا قال لغيره: أعتق عبدك عني. فأعتَقه، فإنه يملكه قبيل الإعتاق.
الرابع: إذا حكمنا بزوال ملك البائع في مدة الخيار، فأعتَق المشتري العبد المبيع، فإنه يملكه بالإعتاق ملكًا مقدّمًا على الإعتاق) (1).
يقال عليه: ما ذكره من الأمثلة، أحاله شيخنا، وأجاب عن (الأول): بأن التلف ليس سببًا للانفساخ، وإنما سبب الانفساخ كونه من ضمان البائع. ومعناه: الانفساخ عند تعذر تسليم المبيع لتلفه أو تعيُّبه (2). قال: ولو كان التلف سببًا للانفساخ، لا يُفسخ به بعد القبض.
وإذا كان سبب الانفساخ هو الضمان، لم يتقدم الحكم على سببه، لأن الضمان حصل بالعقد، وهو مقدم.
وأجاب عن الدية، بأن سبب الدية إنما هو الجرح المفضي إلى الزهوق، وهو مقدم عند من أوجبها للقتيل في آخر جزء من أجزاء حياته، وليس السبب نفسَ القتل.
وأما من نظر إلى أن ذلك كشبكة نَصبها فتَعقَّل (3) بها صيدٌ بعد موته، فلا تفريع عليه.
وأجاب عن الثالث، بأن أصح الأوجه أنه يملكه عقب لفظة (الإعتاق)،
(1) قواعد الأحكام 2: 171 - 172.
(2)
في المخطوط: (لتلفه لو تعيّبه)، وكأنه سهو قلم.
(3)
هكذا: (تَعَقَّل). قال المطرّزي في المُغرب في ترتيب المُعرب 2: 76 (نَصَب شبكةً فتَعَقَّل بها صيدٌ، أي: نَشِب وعَلِق. وهو مصنوع غير مسموع). وفي الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي للأزهري ص 371: (قال: ولو وَضَع حجرًا في أرضٍ فمرّ به رجلٌ فتعقَّل به، أي: عَثَر به فسَقَط إلى الأرض).
ثم يعتق عليه. وليس العتق سببًا للملك المتقدّم عليه، حتى يتم مراده (1)، وإنما سببُ الملك: إعتاق ذلك الغير، وهو مقدم على الملك.
فإنْ أَوَّلتَ (العتق) في قوله: (فإنه يملكه قبيل عتقه)، وقلتَ: صوابه: (فإنه يملكه عقيب إعتاقه بعد قول ذلك الغير: أعتقتُ)، لم يكن واحدًا من الأوجه، إلا إن كان المراد به: الوجه الصائر أنه يملكه بالاستدعاء. وعلى هذا فالسبب مقدم على الحكم.
وأجاب عن الرابع، بأن الإعتاق ليس سببًا للملك المتقدم عليه تقديرًا، حتى يكون من قاعدة (ما يتقدم (2) أسبابه من الأحكام)، وإنما الخيار سبب لتصرف كل من المتبايعين. وعن ضرورة التصرف: كونه من مملوك، فقُدّر الملك متقدمًا عليه.
قال شيخنا: وليس لنا حكم يتقدم على سببه إلا ما كان ذا سببين، فإنه يجوز تقديمه على أحدهما، أحدهما لا عليهما. انتهى.
471 -
قوله بعد ذلك: (وأما ما يستقلّ به المتكلم، فكالإبراء، وطلاق الثلاث، والطلاق قبل الدخول)(3).
يقال عليه: لم يظهر لتقييده (الطلاق الثلاث) ولا بكونه (قبل الدخول) معنى. والطلاق يستقل به الزوج مطلقًا، كيف كان.
472 -
قوله بعد ذلك: (والإبراء بالميم من: (أبرأتُك من درهم)(4).
(1) أي: حتى يتم مراد الشيخ ابن عبد السلام من التمثيل بهذا المثال فيما يتقدم حكمه على سببه.
(2)
كلمة (يتقدم) هنا أيضًا جاءت في المخطوط بياء التذكير بنقطتين واضحتين تحت الياء. وقد تقدم قريبًا ما يتعلق بها.
(3)
قواعد الأحكام 2: 173.
(4)
قواعد الأحكام 2: 173 وتوضيحه أن الشيخ ابن عبد السلام ذكر أن بعض الألفاظ =
يقال عليه: الصواب في الإبراء، اقتران حكمه بالكاف من (أبرأتُك) لا بالميم من (درهم)، لأن قوله:(من درهم) ليس شرطًا في الصحة، بل تكفي نيته مع (أبرأتُك).
473 -
قوله بعد ذلك: (ويدل على الاقتران، أن من سمع حرفًا من آخر حروف الكلمة، فإنه يحكم على مُطْلِقِها بموجبها عند آخر حرف من حروفها (1).
يقال عليه: الأحسن في الاستدلال أن يقال: اقتران (2) هذه الأحكام بآخر حرف، هو الحقيقة، لأن حقيقة كونه آمرًا أو ناهيًا: حال تلبسه بلفظ الأمر والنهي ونحو ذلك. ووقوعُ الحكم عقب هذه الألفاظ مجازٌ، لأن اسم الفاعل لمن قام به الفعل في الماضي: مجازٌ. وإذا دار الأمر بين اقتران الحكم بالحقيقة وبين اقترانه بالمجاز، كان اقترانه بالحقيقة أولى. ولعل ذلك هو مراد الشيخ. انتهى.
474 -
قوله بعد ذلك: (وأما ما تتعجل أحكامه وتتأخر بعض أحكامه عن آخر حروفه، فله أمثلة:
البيعُ، ويقترن الانعقاد والصحة بآخر حروفه) (3).
يقال عليه: صواب العبارة: (وأما ما تتعجل بعض أحكامه).
وما ذكره من أن الانعقاد والصحة في البيع مثلًا، يقترنان بآخر
= تقترن أحكامها بآخر حرفٍ من حروفها، فتقترن الحرية بالراء من قول الشخص:(أنت حر)، ويقترن الطلاق بالقاف من قوله:(أنتِ طالق)، ويقترن الإبراء بالميم من كلمة (درهم) في قول الرجل:(أبرأتُك من درهم).
(1)
قواعد الأحكام 2: 173.
(2)
في المخطوط: (إقرار)، وكأنه سهو قلم.
(3)
قواعد الأحكام 2: 174.
حروفه (1)، مسلّم في الانعقاد. وأما الصحة فالصواب اقترانها بكل اللفظ من قوله:(بعتُ) ونحو ذلك، حتى لو لم يكن أهلًا عند النطق بالتاء، أو كان أهلًا عند النطق بالتاء، فإنه لا يصح.
475 -
قوله بعد ذلك: (وفي اقتران الملك به أقوال، (أي بآخر حرف): أحدها: يقترن به. والثاني: يتراخى إلى لزومه. والثالث: موقوف) (2).
يقال عليه: صوابه: (وفي اقتران الملك وعدم اقترانه)، حتى تأتي الأقوال الثلاثة، وهي الأقوال في الملك له في زمن الخيار.
476 -
قوله بعد ذلك: (الرهن، ويقترن انعقاده بآخر حروفه على الأصح، ويتراخى لزومه إلى إقباضه)(3).
صوابه: ويبرأ من لزومه إلى قبضه، كالهبة.
477 -
قوله بعد ذلك في أقوال (الوصية): (وللشافعي قولان آخران: أحدهما: يحصل الملك بموت الموصِي، فيقع بين الإيجاب والقبول)(4).
يقال عليه: القول الصائر إلى أنه يملك بالموت، لا يفتقر الحال فيه إلى قبول، فلا معنى لقوله:(فيقع بين الإيجاب والقبول).
(1) كلمة (بآخر حروفه) جاءت في المخطوط واضحة مع تأكيد الناسخ عليها بوضعه (جاء مهملة صغيرة (تحت (حروفه). وهكذا جاءت أيضًا في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 174. وأشار الناسخ لاختلاف فيها في نسخة أخرى من الكتاب، فوضع في أصل المخطوط هنا علامة (2) على كلمة (حروفه) ثم كَتَب أمامها في الهامش كلمة: (جُزوٍ منه) ووضع عليها أيضًا نفس العلامة (2). ومراده أن كلمة (بآخر حروفه) تحتمل أن تُقرأ أيضًا: (بآخر جزء منه) لأنها جاءت في نسخة أخرى من الكتاب هكذا.
(2)
قواعد الأحكام 2: 174.
(3)
قواعد الأحكام 2: 174.
(4)
قواعد الأحكام 2: 175.
478 -
قوله: (ملك الصيد بالحيازة)(1).
تمامه: (وللملك أسباب أُخر) ونحو ذلك في الأمثلة بعده. وكثير من الأمثلة ينازَع فيه.
479 -
قوله: (أهلية الإمامة والقضاء موجبة لتولية الإمامة والقضاء)(2).
يقال فيه: موجبة لقبول الشهادة، وولاية النكاح، وأمور كثيرة غير ذلك أيضًا.
480 -
قوله بعد ذلك: (وأما التفسيق، فإن وقع الجماع في المسجد، كان فسقا)(3).
يقال عليه: في كون الجماع في المسجد كبيرةً، نظرٌ، والظاهر أنه ليس بكبيرة (4).
481 -
قوله: (وإن وقع أي الجماع في وقت ملابسة الحاجة (5)، فليس
(1) قواعد الأحكام 2: 176.
(2)
قواعد الأحكام 2: 177.
(3)
قواعد الأحكام 2: 179 وهذا الحكم يتعلق بالمعتكف لأن الشيخ ابن عبد السلام ذكره ضمن أحكام الوطء في الاعتكاف.
(4)
لم يتضح وجه هذا التعليق من البلقيني -وكذا تكراره له في النص الآتي- حيث لم يَرِدْ في كلام الشيخ ابن عبد السلام ذكرٌ لكون هذا العمل كبيرة أو ليس بكبيرة، وإنما الذي تطرّق إليه الشيخ هو التفسيق به إن وقع في المسجد. ويبدو أن وجه قول البلقيني هذا: أنه فَهِم أن تفسيق الشيخ ابن عبد السلام لهذا العمل، يقتضي كونه كبيرةً، بناء على ما ذهب إليه بعض أهل العلم أن (الفسق) يراد به الذنوب الكبار كما قاله ابن كثير في تفسيره 4:211. ولكن إذا أُخذ (الفسق) بعموم معنى المعصية كما قاله القرطبي في تفسيره 1: 246 بل عزاه الفخر الرازي في تفسيره 5: 140 للمحققين، فيبقى كلام الشيخ ابن عبد السلام سليمًا لا غبار عليه. والله أعلم.
(5)
أي: خارج المسجد، كما جاء في نص الشيخ ابن عبد السلام في قواعد الأحكام 2:=
بمفسِّق، لأجل الاختلاف في إباحة ذلك. وإن وقع وراء ذلك ففيه وقفة) (1).
يقال: لا وقفة في أن الجماع ليس بكبيرة في حق المعتكف مطلقًا.
482 -
قوله: (وكذلك إلحاق النسب إذا وقع بالشبهة في العزبات الخليّات)(2).
يقال عليه: الإلحاق يحصل في الزوجات بالإمكان، ولا يشترط تحقق الوطي.
وتقييده (الإلحاق في وطي الشبهة) بـ (العزبات الخليات): لا يتقيد ذلك؛ بل ذوات الأزواج كذلك أيضًا، حيث يُعرَضْنَ على القائف.
483 -
قوله بعد ذلك: (الردّة تمنع صحة النكاح ابتداءً ودوامًا)(3).
يقال عليه: لم يذكر مما يقتصر للردّة ابتداء ودوامًا إلا النكاح، ولذلك
= 179: (فإن وقع الجماع في المسجد، كان فسقًا. وإن وقع خارج المسجد، فإن وقع في وقت ملابسة الحاجة فليس بمفسِّق
…
). وكأن المراد بوقوعه وقت ملابسة الحاجة خارج المسجد: ما لو خرج المعتكف لقضاء حاجته مثلًا، وفي أثناء ذلك وقع منه هذا الفعل. ويدل لهذا ما أخرجه الطبري 2: 181 في تفسير قوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط، جامع امرأتَه، ثم اغتسل، ثم رجع إلى اعتكافه، فنُهوا عن ذلك.
(1)
قواعد الأحكام 2: 179.
(2)
قواعد الأحكام 2: 179 - 180 وهذه العبارة تتعلق بما ذكره الشيخ ابن عبد السلام من أحكام الوطْء في قوله: (وأما الوطء فله أحكام كثيرة
…
ومنها تقريرُه المهر المسمى في النكاح الصحيح، وإيجابه لمهر المثل في النكاح الفاسد وفي الوطء بالشبهة
…
) إلى أن قال: (وكذلك إيجابه لإلحاق الأولاد في ظاهر الحكم في الحرائر
…
، وكذلك إلحاقُه النسبَ إذا وقع بالشبهة في العزبات الخليات).
والمراد بـ (العزبات الخليات) أي النساء غير ذوات الأزواج، لِما يأتي في كلام البلقيني من مقابلة هؤلاء النساء بـ (ذوات الأزواج).
(3)
قواعد الأحكام 2: 181.
صور كثيرة لا تخفى. ولعله إنما اقتَصَر على النكاح لِما فيه من التفاصيل المذكورة، وهي كونها قبل الدخول أو بعده، دامت حتى انقضت العدة أو انقضت (1)، ونحو ذلك.
484 -
قوله: (المثال الثاني: العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع الدوام)(2).
يقال عليه: محله ما لم يكن (3) آيلةً إلى عدّته، فإن كانت آيلة إلى عدّته لم تمنع ابتداء النكاح على الأصح. وصورته: حَبَلت بشبهة قبل الطلاق أو بعده، فله أن يعقد عليها زمن الحمل على الأصح.
485 -
قوله: (وأما التعبير بـ (لفظ الشرط) عن (الأسباب) فله أمثلة: أحدها: قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (4)[البقرة: 194]).
يقال عليه: في تسمية هذه: (أسباب): تجوّز، لأن الأسباب اللغوية لا تتخلّف (5) عن مسبباتها، والاعتداء الثاني قد يتخلف عن الأوّل (6)، إذ [التقديرُ] (7):(فمن اعتَدَى عليكم فأردتم مقابلته، فاعتَدُوا عليه بمثل ما اعتَدَى عليكم).
(1) أي: دامت الرّدة حتى انقضت العدّة، أو انقضت الرّدة وانتهت قبل انتهاء العدة.
(2)
قواعد الأحكام 2: 181.
(3)
كذا في المخطوط (يكن) بتذكير الفعل.
(4)
قواعد الأحكام 2: 182 وتكملة كلام الشيخ ابن عبد السلام بعده: (ومعلوم أن الاعتداء الأول سببٌ للاعتداء الثاني). انتهى. وبهذا يتضح وجه كون (الشرط) في الآية، أريد به:(السبب).
(5)
في المخطوط: (لا تختلف) والظاهر أن الصواب هو المثبت أعلاه، ويؤكده ما سيأتي في النص رقم 486 من قول البلقيني: (لأن الصوم قد يتخلف
…
).
(6)
في المخطوط: (عن الأموال)؟ وكأن قلم الناسخ أخطأ في كتابة كلمة (الأول)، فكتبها:(الأموال) وإلا فإن كلمة (الأول) هي المتعينة هنا حسب ما يظهر من مقتضى السياق.
(7)
في المخطوط: (إذ الغير)؟
والاعتداء الثاني مجازٌ، حَسَّنه المقابلةُ، على حدّ: {
…
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116].
486 -
قوله بعد ذلك: (وأما التعبير بـ (لفظ الشرط) عن (أسباب الأسباب المحذوفة)(1)، فله أمثلة: أحدها: قوله: (فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ، فأفطَر، فعليه صوم عدّةٍ من أيامٍ أُخَر)(2).
يقال عليه: في هذا المثال أيضًا تجوّز على ما قدَّره، لأن الصوم قد يتخلّف، بأن لا يعيش بعد رمضان، أو يعيش ولا يتمكن.
قال شيخنا: والأولى أن يكون المحذوف في الآية؛ (فأفطَر وعاش بعد الشهر وتمكّن، فعليه صوم عدةٍ من أيامٍ أُخر).
* * *
(1) في أصل المخطوط وقع الكلام هكذا: (وأما التعبير بلفظ الشرط عن الأسباب المحذوفة) بدون كلمة (أسباب) المنكّرة. ولكن الناسخ وضع بعد كلمة (الشرط) وقبل كلمة (الأسباب) المعرّفة، علامةَ لَحَق إلى جهة الهامش، ثم كتب في الهامش كلمة (أسباب) المنكّرة، ووضع عليها حرف (خ)، إشارة إلى أن هذه الكلمة المنكّرة ثابتة في هذا المكان في نسخة أخرى، فتصير العبارة على الصواب بتمامها هكذا:(وأما التعبير بـ (لفظ الشرط) عن "أسباب الأسباب المحذوفة". وهكذا جاءت أيضًا في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 183.
(2)
هكذا جاء نص هذا المثال في المخطوط، وفيه نقصٌ في سوق الآية نفسها التي ينبني عليها التقدير المذكور أعلاه. وأصل الكلام كما جاء في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 183 هكذا: (وأما التعبير بـ (لفظ الشرط) عن (أسباب الأسباب المحذوفة)، فله أمثلة: أحدها: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. تقديرُه: (فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ، فأفطَر، فعليه صوم عدّةٍ من أيامٍ أُخَر). انتهى.
ثم إن مما يوضح وجه التمثيل بهذه الآية لبيان أن (الشرط) أريد به هنا (سبب السبب) هو قول الشيخ ابن عبد السلام عقب سوق المثال: (فالمرض والسفر سببان لجواز الإفطار، والإفطار سببٌ لصوم عدةٍ من أيامٍ آخَر).