الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في تفاوت الأعمال بتفاوت المصالح والمفاسد]
10 -
قوله في الفصل المعقود لتفاوت الأعمال بتفاوت المصالح والمفاسد:
(طلبُ الشرع لتحصيل أعلى الطاعات كطلبه لتحصيل أدناها في الحد والحقيقة) إلى آخره (1).
إنما قَيَّد بالحد والحقيقة، لأنه قد يقع التفاوت بين طلبٍ وطلبٍ باعتبار التأكيد والحث، والوعد والوعيد.
* * *
[فصل فيما تميَّز به الصغائر من الكبائر]
11 -
قوله في الفصل المعقود لِما تُميَّز به الصغائر من الكبائر:
(وكذلك لو دلّ الكفارَ على عورة المسلمين مع علمه بأنهم يستأصلونهم بدلالته) إلى آخره (2).
في تقييد ذلك بـ (العلم): نظرٌ. ولو حُمل (العلم) على (الظن)، كان فيه نظرٌ أيضًا. والذي يظهر أن مجرد دلالة الكفار على عورة المسلمين كبيرةٌ ولو مع التردد على السواء في أنهم يستأصلونهم بدلالته، وَيسْبُون حُرَمَهم، إلى غير ذلك مما ذكر.
12 -
قوله فيه أيضًا: (وقد نص الشرع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر. فإن وقعا في مالٍ خطير، فهذا ظاهر؛ وإن وقعا في مالٍ حقير كزبيبة أو تمرة، فهذا مشكل، فيجوز أن يُجعل من الكبائر فطامًا عن
(1) قواعد الأحكام 1: 29.
(2)
قواعد الأحكام 1: 29.
هذه المفاسد، كما جُعل شربُ قطرة من الخمر من جملة الكبائر وإن لم تتحقق المفسدة، ويجوز أن يُضبط ذلك المال بنصاب السرقة). انتهى (1).
ينبغي أن يفرّق بين: (شهادةُ الزور كبيرةٌ وإن وقعت في مالٍ حقيرٍ)، (وأنّ أكل زبيبة أو تمرة من مالِ يتيمٍ، ليس كبيرةً).
والفرقُ: عِظمُ الجرأة على شهادة الزور.
13 -
قوله فيه أيضًا في تفاوت الكبائر: (وفي الوقوف على تساويها وتفاوتها عزةٌ (2)، والوقوف على التساوي أعز من الوقوف على التفاوت، ولا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب. ولا يلزم من النص على كون الذنب كبيرةً أن يكون مساويًا لغيره من الكبائر، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(إن من الكبائر أن يَشتم الرجلُ والدَيْه!)، الحديث (3). انتهى ملخصًا (4).
كان الأولى أن يستدلّ لهذا الغرض بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال
(1) قواعد الأحكام 1: 30.
(2)
أي: صعوبة لِما في ذلك من الدقائق واللطائف، ولهذا قال الشيخ بعده:(ولا يَهتدِي إليها إلا من وفّقه الله تعالى) كما في قواعد الأحكام 1: 30.
(3)
هذا لفظ مسند البزار 6: 445 (2483) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وهو في صحيح مسلم 1: 92 (90) بلفظ: (من الكبائر شَتْم الرجل والدَيْه).
(4)
قواعد الأحكام 1: 30. ووجه الاستدلال بهذا الحديث على أن الذنب قد يُنص على كونه كبيرةً ومع ذلك يكون أكبرَ من غيره من الكبائر الأخرى، هو ما وضّحه الشيخ ابن عبد السلام في التعليق على الحديث بقوله: (جَعَل صلى الله عليه وسلم التسبب إلى سبّهما من الكبائر، وهذا تنبيه على أن مباشرة سبّهما أكبرُ من التسبب إليه. وفي رواية البخاري:) إن من أكبر الكبائر أن يَلعن الرجل والديه!) قالوا: يا رسول الله، وكيف يَلعن الرجل والديه؟! قال:(يسبّ أبا الرجل، فيسبّ أباه؟ ويسبّ أمَّه، فيسبّ أمَّه). جَعَل اللعن من أكبر الكبائر لفرط قبحه، بخلاف السبّ المطلق) قال:(وقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن عقوق الوالدين من الكبائر مع الاختلاف في رتب العقوق). انتهى. قواعد الأحكام 1: 31.
رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال:(أن تدعو لله ندًّا وهو خلقك). قال: ثم أيٌّ؟ قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يَطعَم معك). قال: ثم أيٌّ؟ قال: (أن تُزاني حليلة جارك)، فأنزل الله تصديقها:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (1)[الفرقان: 68].
14 -
قوله في الفصل: (ولم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق، على ضابطٍ أعتمد عليه، فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما؛ وما يجب للأجانب فهو واجب لهما. ولا يجب على الولد طاعتُهما في كل ما يأمران به، ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء. وقد حرُم الجهاد بغير إذنهما فيما يشقّ عليهما من توقع قتله، أو قطع عضو من أعضائه، ولشدة تفجعهما على ذلك. وقد أُلحق بذلك كلُّ سفرٍ يخافان فيه على نفسه، أو على عضو من أعضائه. وقد ساوى الوالدان: الرقيقَ في النفقة والكسوة والسكنى)(2).
يقال على ما ذكره أولًا (3):
يُضبط ذلك بوجوه:
أحدها: أن يقال: ما عُدّ في العرف عقوقًا لهما، فهو عقوق.
الثاني: أن يقال: كل ما يؤذيهما مما يُتأذّى به عادةً وتعدَّى به الولد، فهو عقوق.
(1) متفق عليه. صحيح البخاري 6: 2517 (6468) و 6: 2739 (7094). صحيح مسلم 1: 91 (86) واللفظ له.
(2)
قواعد الأحكام 1: 31.
(3)
وهو قول الشيخ: (ولم أقف في عقوق الوالدين ولا فيما يختصان به من الحقوق، على ضابطٍ أعتمد عليه).
وأخرجتُ بقولي: (وتعدَّى به الولد): طلبَه حَبسَهما في دَينٍ له! فإن من يحبسه الله، لا يعدّه به عاقًّا لعدم تعدّيه (1).
(1) هذا الذي قاله البلقيني في سواغية حبس الولد لوالده بسبب دَيْنه عليه، هو رأي الغزالي من الشافعية، لكن الأصح المعتمد في المذهب خلاف ذلك، أي: عدم جواز حبس الوالد بسبب دَيْن ولده، لأنه عقوبة، ولا يعاقَب الوالدُ بالولد.
جاء في نهاية المحتاج للشمس الرملي 4: 333 (المديون يُحبس إلى ثبوت إعساره وان لم يُحجر عليه بالفلس، لخبر (ليُّ الواجد يُحل عِرضه وعقوبته)
…
أما الوالد -ذكرًا كان أو أنثى، وإن علا من جهة الأب أو الأم- فلا يُحبس بدين ولده -كذلك وإن سفُل، ولو صغيرًا وزَمِنًا لأنه عقوبة، ولا يعاقَب الوالدُ بالولد. ولا فرق بين دين النفقة وغيرها. وما جرى عليه في (الحاوي الصغير) تبعًا للغزالي من حبسه لئلا يَمتنع عن الأداء، فيعجز الابنُ عن الاستيفاء، رُدَّ
…
لأنه متى ثبت للوالد مالٌ أَخَذه القاضي قهرًا، وصَرَفه إلى دَيْنه). انتهى.
وفي روضة الطالبين للنووي 11: 237 (في حبس الوالدين بدين الولد أوجهٌ: الأصح المنع. قال الإمام: وإليه صار معظم أئمتنا
…
). وينظر أيضًا 4: 139.
وهذا الذي قرره الشافعية، هو الذي اتفق عليه أيضًا أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة، أي: أنه لا يُحبس الوالد -عند الجميع- بدَيْن ولده، لأنه عقوقٌ، ومخالفٌ لمبدأ الإحسان والمصاحبة للوالدين بالمعروف. بل ذهب الحنابلة إلى أنه ليس للولد حقُّ مطالبة أبيه بدينه -فضلًا عن الحبس- لحديث:(أنت ومالك لأبيك).
يقول السرخسي في المبسوط 20/ 88: (وُيحبس الرجل في كل دَيْنٍ ما خلا دَيْنَ الولد على الأبوين، أو على بعض الأجداد، فإنهم لا يُحبسون في دينه؛ أما في دَيْن غيرهم فيُحبس لأنه بالمطل صار ظالمًا، والظالمُ يُحبس، وإنه عقوبة مشروعة
…
، والقياسُ في دَيْن الولد على والديه هكذا، إلا أنا استَحسنّا في دَيْن الوالدين ومن كان في معناهم: أنه لا يعاقَبُ الوالدُ بسبب الجناية على ولده).
ويقول الكاساني في بدائع الصنائع 7: 173 (لا يُحبس الوالدون وإن عَلَوْا، بدَيْن المولودِين وإن سَفُلوا، لقوله تبارك وتعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، وقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83]، وليس من المصاحبة بالمعروف والإحسان: حبسُهما بالدَّين). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي التاج والإكليل للمواق 5: 48 - 49: (يُحبس في الدَّين أحدُ الزوجين لصاحبه، والولدُ في دَيْن الأبوين، ولا يُحبسان في دَيْنه، وقد قال مالك: لا أرى أن يُحَلَّف الأبُ للابن في دعواه عليه. فاليمين أيسرُ شأنًا من السجن).
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3: 281 في تعليل عدم تحليف الوالد من أجل ابنه: (لأنه عقوق)، ثم قال الدسوقي: (ولا يُقضَي للولد بتحليف والده إذا شَحَّ الوَلَدُ وطَلَب تحليفَه
…
وهو قول مالك في المدوَّنة، وبه قال مُطَرِّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وسحنون. وهو المذهب. ورُوي عن ابن القاسم أنه يُقضَي للولد أن يُحلِّف والدَه في حقٍّ يدَّعيه عليه
…
ويكون بذلك عاقًّا). قال الدسوقي: (وهو بعيدٌ! فإن العقوق من الكبائر، ولا ينبغي أن يُمكَّن أحدٌ من ذلك!).
وفي كشاف القناع للبهوتي 4: 320 وليس لولدٍ ولا لورثتِه مطالبةُ أبيه بدينِ قرضٍ، ولا ثمنِ مبيعٍ، ولا قيمةِ مُتلَفٍ، ولا أرشِ جنايةٍ، ولا بأجرةِ ما انتَفَع به من ماله، لِما روى. . . (أنت ومالك لأبيك)
…
؛ ولا مطالبةَ للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق، لما تقدم).
وبهذه النصوص الصريحة من المذاهب الأربعة، اتضح أن القول المعتمد المتفق عليه بين الجميع في هذه المسألة: أنه لا يجوز حبس الوالد بسبب دَيْن ولده.
وقد اتضح أيضًا من إطلاق الشافعية فيما سبق من نص الرملي، أنه لا فرقَ عندهم في هذا الحكم بين كون الدَّيْن الذي يطالِب به الوَلَدُ تجاه والده: هو دَين نفقته الواجبة له على والده، أو غير ذلك من الديون، فلا يُحبس الوالد -عند الشافعية- بسبب دَيْن الولد مطلقًا. لكن بعض الفقهاء الآخرين كالحنفية والحنابلة استثنوا دَيْن النففة، فقالوا بجواز حبس الوالد بسبب هذا الدَّين خاصة، لكنه مع ذلك ليس حبسًا بالدَّين، وإنما لضرورة حفظ نفس الأولاد.
وفي هذا يقول الكاساني في البدائع 7: 173 (إذا امتنع الأصول عن دفع النفقة على أبنائهم وأحفادهم حتى أصبحت ديونًا، فإنّ القاضي حينئذ يحكم بحبسهم تعزيرًا لا حبسًا بالدين، وذلك دفعًا لهلاك الأبناء، وحتى لا يتجرأ الناس فتسقط النفقة بمرور الزمن).
وفي الروض المربع للبهوتي 2: 499 (وليس للولد مطالبةُ أبيه بدينٍ ونحوه
…
إلا بنفقته الواجبة عليه؛ فإن له مطالبتَه بها وحَبْسَه علمها لضرورة حفظ النفس). =
وحيث منعْنا الولدَ السفرَ للجهاد ونحوه، فإنه مما تَعدَّى به.
الثالث: أن يقال: كل ما تلحقهما به مشقة ظاهرة مما يصدر من الولد باختياره لا يَحتمل مثلَهما الوالدان مما ليس حقًّا له، فإنه يكون عقوقًا.
وقوله: (ولا فيما يختصان به من الحقوق) إلى آخره:
غيرُ مسلّم. أما ما يختصان به من الحقوق، فضابطه أنهما يختصان بحق إجلالهما الإجلالَ اللائقَ لهما، وخفض جناح الذلّ لهما من الرحمة.
وقوله: (فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما):
مسلّم، ولكن يكون في حقهما كبيرةٌ، بخلاف الأجانب فإنه قد لا يكون كذلك.
ولم يقل الشيخ: (فإن الذي يحرُم في حقهما، يحرم في حق الأجانب): فإنه يحرم في حقهما: (أُفّ)، ولا يحرم ذلك في حق الأجانب.
وقوله: (وما يجب للأجانب فهو واجب لهما):
هذا إن سُلِّم، لا يحصّل مقصودَه، وإنما يحصّل مقصودَه أن يقال:(وما يجب لهما يجب للأجانب).
وهذا الكلام ممنوع، فإنه يجب لهما من النفقات وغيرها ما لم يجب للأجانب (1).
= وفي مطالب أولي النهى للرُّحيباني 4: 414 (لا يملك الوَلَدُ إحضاره -أي: الأب- لمجلسِ حكمٍ بسبب دَيْنٍ
…
ولا بشيءٍ غيرِ ذلك مما للابن عليه
…
إلا بنفقته الواجبة على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب؛ فله أن يطالبه بها
…
ويحبسه هو عليها لقوله عليه الصلاة والسلام لهند: (خُذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف).
(1)
الظاهر أن قول الشيخ ابن عبد السلام هذا (وما يجب للأجانب فهو واجبٌ لهما) لا غبار عليه، بل هو الذي ينسجم مع ما سبق من قوله (فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما). فإن مقصود الشيخ: التنبيه إلى رعاية حقوق التعظيم والبِرّ وحسن السلوك مع الوالدين. ولا شك أن ما يحرُم في هذا الجانب مع غير الوالدين =
وقول الشيخ: (ولا يجب على الولد طاعتُهما في كل ما يأمران به):
مسلّم. لكن فيما يتعلق بحقوقهما: يجب على الولد طاعتهما، فإذا أمراه بالإقامة -مع إسلامهما- عن سفر الجهاد، وجب عليه ذلك؛ وإذا نهياه عنه حرُم عليه ذلك. وإذا خالف في ذلك أَمْرَهما أو نَهْيَهما، كان عاقًّا.
وقوله: (وقد ساوى الوالدان: الرقيقَ في النفقة والسكنى):
كلامٌ عجيبٌ! لأن ذلك واجبٌ لهما إكرامًا وإجلالًا؛ وواجبٌ للرقيق: للمِلْك القائم المقتضي للاستخدام، وعدم الاستقلال بالكسب. فكيف يُذكر هذا مع هذا؟!
ولو سَمِع الوالدان بمثل هذا لأنكراه! وما كان يَرْضَى الشيخ الإمام من أولاده، أن يُذكر له ذلك! وذكرُ ذلك للوالد عقوقٌ له (1)(2).
= فهو حرامٌ في حقهما، بل أعظم حرمة كما نبه إليه البلقيني في تعليقه. وهكذا في مقابل ذلك: ما يجب لغير الوالدين من الأدب والسلوك، لا شك أنه سيكون واجبًا -بل آكد في الوجوب- للوالدين. ولا صلةَ هنا لمسألة النفقات بموضوع الكلام، ولذا لا يظهر وجهٌ لهذا الإيراد من البلقيني على الشيخ ابن عبد السلام.
(1)
إنما قال الشيخ ابن عبد السلام هذه العبارة وهي: (وقد ساوى الوالدان: الرقيقَ في النفقة والسكنى) لمجرد بيان أن ما يجب للأجانب فهو واجب للوالدين، فأراد أن يمثّل لذلك بمثال توضيحي، وهو أن النفقة والكسوة والسكنى واجبة للرقيق -مثلًا- وحقٌّ من حقوقه، وهكذا هي واجبة للوالدين أيضًا، وحقٌّ لهما. فمقصود الشيخ رحمه الله لا غبار عليه، وهو بيان التسوية بين الوالدين وغيرهما في هذه الأشياء من حيث مجرد وجوبها الشرعي فقط، دون النظر إلى تفاصيل كونها واجبة للوالدين من جهة الإكرام، ولغيرهما من جهة أخرى. وما إخال أن ذلك غائب عن نظر الشيخ الإمام ابن عبد السلام رحمه الله، لكن يبقى مع ذلك أن التعبير بهذه الصيغة في حق الوالدين، قد يكون غيرَ مرضيّ، وذلك ما حفز البلقيني رحمه الله إلى التنبيه على عدم استحسان استعماله في حق الوالدين، والله أعلم.
(2)
هنا في هامش المخطوط نص (بلاغ)، كتبه الناسخ لقراءته لهذا الكتاب على شيخه =
15 -
تقوله فيه أيضًا: (وقد ضبط بعض العلماء، (الكبائر)، بأن قال: كل ذنب قُرن به وعيد أو لعن فهو من الكبائر. فتغييرُ منار الأرض كبيرة لاقتران اللعن به، وكذلك قتلُ المؤمن كبيرة لأنه اقترن به الوعيد واللعن) إلى آخره (1).
تقييده بـ (المؤمن) في قوله: (قتل المؤمن كبيرة) إنما هو لأنه الذي ثبت على قتله اللعنُ والوعيدُ (الغضبُ والعذاب) في قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} إلى قوله: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، وإلا فقتلُ الذمي ونحوه كبيرةٌ بالإجماع.
16 -
قوله فيه أيضًا: (فما تقولون فيمن قَذَف محصَنًا قذفًا لا يسمعه إلا الله والحفظةُ مع أنه لم يواجِه به المقذوفَ ولم يغتبه به عند الناس، هل يكون قذفه موجِبًا للحدّ مع خلوّه من مفسدة الأذى؟ قلنا: الظاهر أنه ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة، ولا يعاقَب في الآخرة عقاب المجاهِر بذلك في وجه المقذوف أو في ملأ من الناس، بل يعاقَب عقاب الكاذبين غير المصرّين. وقد قال الشاعر:
فإن الذي يؤذيك منه: سماعُه
…
وإن الذي قالوا وراءك: لم يُقَلْ (2)
= ومؤلفه البلقيني، هكذا: (بلغ كاتبه قراءة على مؤلفه شيخ الإسلام
…
). وبعد كلمة (شيخ الإسلام) توجد كلمة غير واضحة على صورة (أو لا)؟
(1)
قواعد الأحكام 1: 31.
(2)
هو أحد أبيات ثلاثة تُنسب للصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، وهي:
وحَيِّ ذوي الأضغان، تَسْبِ قلوبَهم
…
تحيةَ ذي الحسنى، فقد تُرقع النَّعَلْ
فإن دَحَسوا بالشر، فاعفُ تكرمًا
…
وإن كتموا عنك الحديث، فلا تَسَلْ
فإن الذي يؤذيك منه سماعُه
…
وإن الذي قالوا وراءك: لم يُقَلْ
ينظر: الوافي بالوفيات للصفدي 20: 41، والعقد الفريد لابن عبد ربه 2:172.