الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقال عليه: المختار أن قتل القوي أولى من قتل الضعيف العارف بمكايد الحروب، مختلف في جواز قتله (1)، بخلاف القوي فإنه لا خلاف في جواز قتله.
* * *
[فصل في اجتماع المصالح مع المفاسد]
97 -
قوله في الفصل المعقود لاجتماع المصالح مع المفاسد:
(إذا اجتمعت مصالح ومفاسد؛ فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد، فَعَلْنا)، إلى أن قال:(فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة، دَرَأْنا المفسدة وإن فوّتْنا المصلحة (2)، قال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، حرَّمهما لأن مفسدتهما أكبر) إلى آخره (3).
يقال عليه: ظاهر ما أورده من الأمثلة بعد ذلك من التلفظ بكلمة الكفر، والأفعال المُكَفِّرة (4)، والماء المشمّس، وغيرها: أن كلامه في (المركّب)، يعني: الشيء الواحد يكون فيه مصلحة من وجه ومفسدة من وجه.
(1) كذا جاءت هذه العبارة في المخطوط، ومقتضى السياق أن يقال: (فإنه مختلف في جواز قتله، بخلاف القوي
…
) أو: (المختلف في جواز قتله، بخلاف القوي
…
).
(2)
كتب ناسخ المخطوط في الهامش أمام كلمة (وإن فوّتْنا المصلحة): (ولا نبالي بفوات المصلحة) ووضع عليها حرف (خ). وهكذا وقعت أيضًا في النسخة المطبوعة من (قواعد الأحكام)، أي بعبارة (ولا نبالي بفوات المصلحة).
(3)
قواعد الأحكام 1: 136.
(4)
أي: التي تُوقِع الإنسان في الكفر، وهي التي ذكرها الشيخ ابن عبد السلام في المثال الثاني في هذا الفصل، بقوله: (ما يكفر به من الأفعال المناقضة للتعظيم والإجلال إذا فعله بالإكراه
…
) قواعد الأحكام 1: 137.
فإن كان كلامه في الأعم منه ومن غيره، (كما إذا أمكن تحصيلُ مصلحة الصلاة مثلًا، ودفعُ من يصول على بُضعٍ محرّم)، فلا يتم له الاستدلال بالآية، أعني قوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ، لأن الأخص لا دلالة له على الأعم، إذ المدّعَى عامٌ، والدليل خاصٌ.
98 -
قوله فيه أيضًا: (المثال الأول: التلفظ بكلمة الكفر مَفسدة محرّمة، لكنه جائز بالحكاية والإكراه)(1).
يقال عليه: إنما يُتصور وجود المصلحة في الحكاية إذا اقتَرَن بها غرضٌ شرعي من شهادةٍ أو تجديدٍ، ونحوهما.
99 -
قوله فيه في أثناء (المثال الثالث): (إذ لا يجوز للإنسان قتلُ نفسه بالإكراه)(2).
يقال عليه: يستثنى من ذلك ما إذا أكرهه على قتل نفسه بشيءٍ أعظم في التعذيب من قتله هو نفسَه، فإن الأصح جواز قتل نفسه بالإكراه. وفي (مسألة ركّاب السفينة) الآتية بعد ذلك، ما يشير إليه.
100 -
قوله: (ولو وقع بركبان السفينة نارٌ لا يرجى الخلاص منها، فعجزوا عن الصبر على تحملها مع العلم بأنه لا نجاة لهم من آلامها إلا بإلقاء أنفسهم في الماء المُغرق؛ فالأصح أنه لا يلزمهم الصبر على ألم النار إذا استوت مدتا الحياة في الإحراق والإغراق)(3).
(1) قواعد الأحكام 1: 137.
(2)
قواعد الأحكام 1: 138.
(3)
قواعد الأحكام 1: 138 وتتمة الكلام: (لأن إقامتهم في النار سبب مهلك لا انفكاك عنه، وكذلك إغراق أنفسهم في الماء لا انفكاك عنه. وإنما يجب الصبر على شدة الآلام إذا تضمن الصبرُ على شدتها بقاءَ الحياة، وههنا لا يفيد الصبر على ألم النار شيئًا من الحياة، فتبقى مفسدةً لا فائدة لها).
يقال عليه: قوله: (بركبان السفينة): تمثيل، وإلا فلو وقع لهم ذلك في بيتٍ ونحوه، كان الأمر كذلك.
101 -
قوله فيه أيضًا: (القسم الثالث (1): ما لا يترتب مسبّبه إلا نادرًا) (2)، إلى أن قال:(وهذا كـ (الماء المشمّس في الأواني المعدنية في البلاد الحارة)، فإنه يكره استعماله) ثم قال:(ومن وَقَف الكراهةَ فيه على قصد استعماله، فقد غلط، لأن ما يؤثر بطبعه الذي جبله الله عليه، لا يقف تأثيره على قصد القاصدين)(3).
يقال عليه: المراد بقوله: (على قصد استعماله): (على قصد تشميسه).
والمعنى: على قصد استعماله مشمَّسًا.
وقوله: (فقد غلط)؛ يقال عليه: من أورد هذا من العراقيين، أراد به: ما شأنه أن يُقصد بالتشميس، ليخرج (متشمَّس البِرَك والأنهار) إلا أنه اعتبر القصد.
على أنه لو اعتبر القصد، لم يكن غلطًا؛ لأن المجازاة لا تقع إلا على المقصود، ويجوز أن الله تعالى رَتَّب المحذور في ذلك على القصد.
102 -
قوله فيه أيضًا (المثال السابع: الصلاة إلى غير القبلة مَفسدة محرَّمة، فإن تعذر استقبال القبلة بصَلبٍ أو عجز أو إكراه، وجبت الصلاة
(1) أي: من أقسام الضرر. وقد ذكر الشيخ ابن عبد السلام قبله قسمين آخرين من الضرر، وهما:(القسم الأول: ما لا يتخلّف مسبَّبُه عنه، فلا يجوز الإقدام عليه في حال اختيار ولا إكراه. والقسم الثاني: ما يغلب ترتّب مسببه عليه، وقد ينفكّ عنه نادرًا، فهذا أيضًا لا يجوز الإقدام عليه). ثم القسم الثالث المذكور في النص أعلاه.
(2)
(فهذا لا يحرم الإقدام عليه لغلبة السلامة من أذيته) كما في قواعد الأحكام 1: 138.
(3)
قواعد الأحكام 1: 138.
على الأصح إلى الجهة التي حُول وجهُه إليها لئلا تفُوت مقاصد الصلاة وسائرُ شرائطها لفوات شرطٍ) إلى آخره (1).
يقال عليه: ظاهر كلامه أن (حُوِّل) مبني لما لم يسمّ فاعله، وحينئذ فالصواب: أنه إذا حُول المصلوب عن القبلة إلى جهة المشرق مثلًا، وقدر على التوجه إلى جهة المغرب، جاز له ذلك. وليس هذا كالمتنفل يصلي إلى جهة مقصده لا يجوز له التوجه إلى غيره؛ لأن ذلك بدلٌ عن القبلة في حقه بوضع الشرع، بخلاف المصلوب الموجّه لغير القبلة، فليست الجهة التي وُجِّه إليها بدلًا عن القبلة في حقه. وحينئذ فينبغي أن نقرأ (حَوَّل) على البناء للفاعل. وهذا فرع حسن، فتأمله.
واعلم أنه لو قدر المصلوب الموجَّه إلى غير القبلة، على الالتفات بوجهه إلى القبلة أو ببعض بدنه، وجب عليه ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أَمرتُكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم)(2).
103 -
قوله فيه أيضًا في (المثال التاسع): (نبش الأموات (3). ولو ابتلعوا جواهر مغصوبة، شُقّت أجوافهم؛ فإن كانت الجواهر لمستقلٍّ، فأولى أن لا يستخرجها إلى أن تتجرد عظامهم عن لحومهم حفظًا لحرمتهم. وإن كانت
(1) قواعد الأحكام 1: 139.
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ المذكور لصحيح البخاري 6: 2658 (6858). وأما لفظ صحيح مسلم ففي رواية: (فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم)، وفي رواية أخرى:(وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) صحيح مسلم 2: 975 و 4: 1830 (1337) وينظر الجمع بين الصحيحين 3: 217.
(3)
أي: أن نبش الأموات مفسدة محرّمة لِما فيه من انتهاك حُرمتهم، لكنه يباح في بعض الحالات، ومنها الحالة المذكورة في النص أعلاه من إباحة نبشهم فيما لو ابتلعوا جواهر مغصوبة
…
إلخ.
لغير مستقلٍّ كالمحجور عليه وأموالِ المصالح والأوقاف العامة، وجب استخراجها حفظًا على المحجور عليه) إلى آخره (1).
يقال عليه: ينبغي أن يكون محل الوجوب فيما إذا كانت لغير مستقلٍّ، كما (2) إذا خيف الضياع أو النقص بالتعييب ونحوه، وإلا فكالمستقل. وفي نص الشافعي رضي الله عنه ما يشهد له.
ووقع استفتاء في امرأة أَبرَأَت زوجَها من صداقها في مرض موتها، ولها أولاد صغار لا تُتصور منهم الإجازة، فكان الجواب: أنه لا يجب على الحاكم نزع حصة الأولاد من الصَّداق إذا لم يَخش الضياع؛ لأن الزوج إما وليّ للأولاد إن كانوا منه وهو بصفة الولاية، وإما لا ولاية له عليهم ولكن المال محفوظ في ذمته، فيُترك إلى بلوغ الأولاد ليجيزوا أو يردّوا.
104 -
قوله في المثال المذكور: (وإذا اختلطت قتلى الكافرين بقتلى المسلمين، وجب تغسيل الجميع)، إلى أن قال:(ولا يصلّي على الجميع، بل ينوي الصلاة على المسلمين خاصة)(3).
يزاد عليه: أو يصلّي على الجميع واحدًا بعد واحدٍ ناويًا الصلاة عليه إن كان مسلمًا ويقول: اللهم اغفر له إن كان مسلمًا.
105 -
قوله في الفصل المذكور: (المثال الحادي عشر: قتل الصيد الوحشي المأكول بغير الذبح، مَفسدة محرّمة) إلى آخره (4).
يقال عليه: مراده بذلك في غير حالة الصيد.
106 -
قوله: (المثال الثاني عشر: ذبحُ صيد الحرم، أو الصيدُ
(1) قواعد الأحكام 1: 140.
(2)
كذا في المخطوط: (كما). ومقتضى السياق أن يقال: (فيما إذا خيف الضياع
…
).
(3)
قواعد الأحكام 1: 141.
(4)
قواعد الأحكام 1: 141.
في الإحرام، مَفسدة محرّمة، لكنه جائز في حال الضرورة تقديما لحرمة الإنسان على حرمة الحيوان. وهذا من باب تقديم حق العبد على حق الربّ) (1).
يقال عليه: صوابه: تقديمًا لحرمة الإنسان على حرمة الحرم والإحرام، لأن الحيوان المأكول لا حُرمة له في غير الحرم وحالة الإحرام.
وقوله: (وهذا من باب تقديم حق العبد على حق الربّ):
يقال عليه: إبقاء مهجة العبد في حالة الاضطرار بذبح هذا الحيوان في الحرم أو الإحرام، من حق الربّ سبحانه وتعالى أيضًا، فليس هذا المثال من هذا الباب.
107 -
قوله: (المثال الثالث عشر: ترك الصلوات وصوم رمضان، وتأخير الزكوات وحقوق الناس الواجبات، من غير عذر شرعي، مَفسدة محرّمة، لكنه جائز بالإكراه) إلى آخره (2).
يقال عليه: المراد بالإكراه: الإكراه على ترك الأفعال الظاهرة، وإلا فلا يتصور الإكراه على ترك إجراء الأركان على القلب. وما ذكره في الإكراه على الصوم، بناء على ما رجحه الرافعي رحمه الله، من أنه لو أُكره حتى أَكَل، أَفطَر (3).
أما إذا قلنا بأنه لا يُفطر -وهو الذي صححه النواوي (4) - فلا يأتي ما ذكره الشيخ.
108 -
قوله: (المثال السابع عشر: الحَجر على المرء المستقل في
(1) قواعد الأحكام 1: 141.
(2)
قواعد الأحكام 1: 142.
(3)
ينظر العزيز في شرح الوجيز للرافعي 6: 398 - 399.
(4)
ينظر المجموع 6: 336 ومنهاج الطالبين ص 36. وكلمة (النواوي) هكذا جاءت بخط الناسخ.
تصرفه في منافع نفسه، مَفسدة، لكنه ثبت على النساء في النكاح دفعا لمشقة مباشرته عنهن، فإن المرأة تستحي ويشتد خجلها من العقد على نفسها أو على غيرها) إلى آخره (1).
يقال عليه: المشهور في تعليل عدم مباشرة المرأة لعقد النكاح: كثرة انخداعها. ويجوز أن تكون العلة مركبة من ذلك ومما ذكره الشيخ.
109 -
قوله في (المثال التاسع عشر): (وكذلك الحجر على السفيه ثابت لمصلحته) إلى أن قال: (لكنه تجوز وصيته لأنها مصلحة في حقه لا تعارضها مَفسدة. وكذلك وصيةُ الصبي المميز، على القول المختار)(2).
يقال عليه: ما اختاره الشيخ، خلاف ما رجّحوه. والأصح عدم الصحة.
110 -
قوله: (المثال العشرون: الحجر على العبيد مَفسدةٌ في حقهم، مصلحةٌ في حق السادة، لشرف الحرية)(3).
يقال عليه: الأولى أن يقال: مصلحةٌ في حق السادة، لحقهم في الرقبة.
111 -
قوله: (المثال الحادي والعشرون: بيع العبد في جنايته، مَفسدة في حق السيد؛ مصلحةٌ في حق المجنيّ عليه. وقد خالف فيها بعض أهل الظاهر. وخلافهم ظاهر)(4).
يقال عليه: قوله: (وخلافهم ظاهر) يُشعر بميله لما قالوه أن حق السيد في الملك، كيف يقدَّم عليه حق المجني عليه، ولم تكن من السيد جناية ولا إعانة عليها؟
ويقال لهم في الجواب: أجمعنا نحن وأنتم على أن العبد إذا قَتَل عمدًا
(1) قواعد الأحكام 1: 143.
(2)
قواعد الأحكام 1: 144.
(3)
قواعد الأحكام 1: 144.
(4)
قواعد الأحكام 1: 144.
من يُقتَل به، فإنه يجب القصاص تقديمًا لحق المجني عليه، فلذلك يقدَّم في جناية الخطأ، إذ العبدُ لا تَعقل عنه عاقلة، على ما هو مقرر في بابه.
112 -
قوله في (المثال الثاني والعشرون): (ويجوز التقاط الأموال لمصالح أربابها) إلى أن قال: (وهذا من المصالح المباحة إلا في حق المجانين والأيتام والأموال العامة لأهل الإسلام)(1).
يقال فيه: المراد: فإن كان ذلك في حق المجانين والأيتام والأموال العامة، وجب. ومحله: إذا خشي الضياع، وإلا فلا يجب.
113 -
قوله: (المثال الثالث والعشرون: إتلاف مال الغير مَفسدة في حقه، مضمون ببدله، إلا في مال البغاة والصوّال) إلى آخره (2).
يقال عليه: كلامه في البغاة شامل لما يُتلفه الباغي على العادل، وعكسه. وهو كذلك.
وأما الصوّال فمراده أن ما يُتلفه المَصُول عليه، على الصائل، لا يضمنه. ولا يصح إرادة عكسه. وحينئذ فيقال على عبارته: إن كان المراد: عدم الضمان من الطرفين، وَرَدَ: ما يتلفه الصائل على المصول عليه. وإن أراد: من طرف واحد، وَرَدَ: أن الحكم في البغاة سواء في الطرفين. ولكن الشيخ أحال ذلك على ما هو مقرر في أبوابه.
114 -
قوله: (المثال الخامس والعشرون: قتل المسلم مَفسدة محرّمة، لكنه يجوز بالزنى بعد الإحصان، وبقطع الطريق والبغي والصِّيال)(3).
يقال عليه: قتل المسلم يجوز بأمور أخرى غير الأربع التي ذكرها، فلا معنى لتخصيصه بها. فيجوز قتله قصاصًا أيضًا، وبترك الصلاة، وبتترس
(1) قواعد الأحكام 1: 144.
(2)
قواعد الأحكام 1: 145.
(3)
قواعد الأحكام 1: 145.
الكفار به إذا خيف الاصطلام، ونحو ذلك. ولو اقتصر على الثلاثة المذكورة في الحديث، لكان أولى، وهي:(الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارقُ للجماعة)(1). ويدخل فيه أشياء كثيرة، فتأمله.
115 -
قوله: (المثال السادس والعشرون: تغريم عاقلة الحاكم الديةَ فيما يخطئ به الحاكم في معرض الأحكام ومصالح الإسلام، مَضَرّةٌ على عاقلته، فتجب في بيت المال دون العاقلة، على قولٍ) إلى آخره (2).
يقال فيه: هذا القول الذي ذكره، هو المختار الراجح دليلًا.
116 -
قوله: (المثال السابع والعشرون: تصحيح ولاية الفاسق مَفسدةٌ) إلى أن قال: (لكن صححناها في حق الإمام الفاسق والحاكم الفاسق) إلى آخره (3).
يقال عليه: محل ذلك في (الحاكم)، ما إذا ولّاه ذو شوكة، أو طرأ الفسق وقلنا: لا ينعزل به. وقد مرّ فيه كلام أبسط من هذا، فراجعه (4).
117 -
قوله: (المثال التاسع والعشرون: نكاح الأحرار، الإماءَ، مَفسدة محرّمة، لِما فيه من تعريض الأولاد للإرقاق، لكنه جاز عند خوف العَنَت وفقد الطَّول)(5) إلى آخره (6).
يقال فيه: ما ذكره من أن العلة: تعريض الأولاد للإرقاق، هو المشهور.
(1) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. صحيح البخاري 6: 2520 (6484) كتاب الديات، باب قول الله تعالى: إن النفس بالنفس والعين بالعين. وصحيح مسلم 3: 1302 (1676) كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم.
(2)
قواعد الأحكام 1: 145.
(3)
قواعد الأحكام 1: 145.
(4)
في النص رقم 67.
(5)
(دفعًا لمفسدة وقوع التائق في الزنى، الموجب في الدنيا للعار، وفي الآخرة لعذاب النار). قواعد الأحكام 1: 146.
(6)
قواعد الأحكام 1: 146.
وعليه قيل: لو كان مجبوبًا جاز أن يتزوج الأمة، إذ لا يلحقه الولد، فالمعنى منتفٍ. والأرجح عدم الجواز في المجبوب، لظاهر القرآن. وقولُهم: إن العلة إرقاق الولد، ممنوع.
118 -
قوله في المثال المذكور: (فإن قيل: كيف يحرُم تحصيل مصلحة ناجزة محققة، لتوقع مَفسدة متوهمة؟ قلنا: لمّا غلب وقوع هذه المفسدة، جَعَل الشرع المتوقَّعَ كالمحقَّق، فإن العلوق غالبٌ كثيرٌ؛ والشرع قد يحتاط لِما يكثُر وقوعه، احتياطَه لِما تحقق وقوعه. ألا ترى أن من أثبت أن أباه مات، فإنه يلزمه حصر الورثة فيه) إلى آخره (1).
يقال عليه: التزامه حصرَ الوراثة فيه، ليس لِما ذكره من إنزال المتوقع منزلة المحقق، بل للشك في الاستحقاق.
119 -
قوله في المثال أيضًا (2): (فإن قيل: لو طلَب هذا الابن من التركة درهمًا واحدًا، وهي عشرة آلاف، فهل يُدفع إليه شيء قبل إثبات الحصر أم لا؟ قلنا: نعم، يُدفع إليه ما يُقطع بأنه يستحقه إذا كان عدد الورثة لا ينتهي إلى مثل عدد التركة في العادة) إلى آخره (3).
يقال عليه: ما جَزَم به من أنه يُدفع إليه ما يُقطع بأنه يستحقه، يردّه ما صححوه فيما إذا خلّف ابنًا وزوجةً حاملًا، من أنه لا يُعطَى شيئًا أصلًا. ولو كان كما ذكره الشيخ لأُعطِي اليقينَ، كما هو أحد الأوجه.
نعم يُعطَى اليقينَ، فيما إذا خلّف زوجةً حاملًا وأبوين، فإن للزوجة ثُمُنًا عائلًا، وللأبوين سُدسين عائلين، لأن لكلٍّ منهما ها هنا مقدارًا يرجع به على التركة، فأُعطِيَه عائلًا؛ لأنه لا يمكن أن يأخذ أقل منه على كل تقدير.
(1) قواعد الأحكام 1: 146 - 147.
(2)
أي: في المثال السابق الذي يتضمن الإشارة إلى طلب حصر الوراثة ممن يُثبت موت أبيه.
(3)
قواعد الأحكام 1: 147.
وقد يتيقن ما يُصرف لبعض الورثة دون بعض، كما إذا كان هناك زوجةٌ حاملٌ وبنتان أو أمٌّ معهن، فإنه تُعطَى الزوجةُ الثُمنَ كاملًا، لأنها تستحقه على كل تقدير. وكذلك تُعطَى الأمُّ السُدسَ كاملًا لأنها تستحقه على كل تقديره ولكن اليقين في جميع الورثة مخصوص بصورة العول.
120 -
قوله: (المثال الثلاثون: تزوُّج الضرّات بعقد أو عقود، مَفسدةٌ، لِما فيه من الإضرار بالزوجات، لكنه جاز أن تُضَرّ كلُّ (1) واحدة منهن بثلاث، نظرًا لمصالح الرجال وتحصيلًا لمقاصد النكاح. وحرُمت الزيادة على الأربع، نظرًا للنساء ودفعًا لمضارّ جور الرجال على الأزواج. كما جاز كَسْر المرأة بثلاث طلقات ولم تجُز الزيادة عليها، نظرًا لمصالح النساء، وزجرًا للرجال عن تكثير مفسدة الطلاق) (2).
يقال عليه: التمثيل بالضرّات على الوجه المذكور، فيه نظر؛ لأن هذا ليس من قبيل الأمثلة المركبة التي فيها مَفسدةٌ من وجه، ومصلحةٌ من وجه.
وما ذكره في الطلاق الثلاث، يقال عليه: قد يكون الطلاق مصلحةً للمرأة من جهة ما يحصل لها منه من الضرر، ومصلحةً للرجل وإراحته من شرها، ولهما إذا حصل الشِّقاق بينهما فعَيَّن الحاكمُ الحَكَمَيْن (3).
(1)(تُضَرُّ كلُّ) هكذا جاء مشكولًا في المخطوط.
(2)
قواعد الأحكام 1: 147 - 148.
(3)
أي: يكون الطلاق مصلحةً للرجل والمرأة كليهما إذا حصل الشِّقاق بينهما، وتفاقم أمرهما فلم يفعل الزوجُ الصفحَ ولا الفرقة، ولا المرأةُ تأديةَ الحق ولا الفدية، وخرجا إلى ما لا يحلّ قولًا وفعلًا، فيبعث الإمام حَكَمَيْن ليجتمعا، فينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق. ينظر تفسير البغوي 2: 208 - 209 وتفسير ابن كثير 1: 493. فظهر بهذا أن التفريق إن حصل بين الزوجين في هذه الحالة، فهو مصلحةٌ لهما معًا.
وأما منعُ الزيادة على الثلاث، فقد يكون نظرًا لهما؛ أما للرجال: فلأنه يُوقِع عليها ما يحرّمها عليه بحيث تيأس من الرجعة.
ويكون نظرًا للمرأة على وجهٍ آخر، لأن ذلك الرجل الذي طَلَّق زوجته ئم راجع، ثم طَلَّق ثم راجع، ثم طَلَّق ثم راجع -قبل مشروعية الثلاث- وقال: لا أَدَعُكِ مطلَّقةً ولا معلَّقةً، شَرَع الله الطلاق من ذلك اليوم، وارتفعت الزيادة على الثلاث، واستأنف الناسُ الطلاق الئلاث من ذلك اليوم، مَن كان طَلَّق، ومن لم يطلِّق (1).
وهذا في حق الحُرّ. وأما من فيه رِقٌّ فلا يملك إلا طلقتين.
121 -
قوله: (المثال الحادي والثلاثون: التقرير على الأنكحة الفاسدة مَفسدةٌ إلا في تقرير الكفار على الأنكحة الفاسدة إذا أسلموا، فإنه واجب؛ لأنا لو أفسدناها لَزَهِد الكفار في الإسلام)(2) إلى أن قال: (ولذلك لا يُقتص منهم بمن قَتَلوه من المسلمين، ولا يُغرّمون لِما أَتلفوه على المسلمين) إلى آخره (3).
يقال عليه: عدم تضمين الأنفس والأموال بعد الإسلام، مختص بالحربيين. والحكمُ الأول لا فرق فيه بين الحربيين وغيرهم.
122 -
قوله: (المثال الثاني والثلاثون: التقرير على الكفر مَفسدة كبيرة،
(1) ينظر تفسير الطبري 2: 456 - 457 وتفسير ابن كثير 1: 272 - 273 في تفسير قوله تعالى: الطلاق مرتان، الآية.
(2)
(خوفًا من بطلان أنكحتهم، فتقاعدوا عن الإسلام. والترغيبُ في الإسلام بتقريرهم على أنكحتهم أولى من التنفير من الإسلام بإفساد أنكحتهم، إذ لا مفسدة أقبح من تفويت الإسلام أو السعي في تفويته) كما في قواعد الأحكام 1: 148.
(3)
قواعد الأحكام 1: 148.
لأنه أعظم المفاسد. وفي تقرير المرتد ثلاثةَ أيام، قولان، أحدهما: أنه لا يقرَّر) (1) إلى أن قال: (والثاني: يقرَّر)(2).
يقال عليه: لا يقال في مثل هذا: إنه تقرير، وإنما هو إمهال، فصواب العبارة:(وفي إمهال المرتد قولان: أحدهما: لا يمهَل، والثاني: يمهَل). فتأمله.
123 -
قوله في المثال المذكور: (فإن قيل: لِمَ قرّرتم الكوافر على كفرهن على الدوام؟ قلنا: لأنهن قد صرن مالًا من أموال المسلمين، مع قرب رجوعهن إلى الإسلام)(3).
يقال عليه: ما ذكره في علة تقرير الكوافر على كفرهن على الدوام، من أنهن قد صرن مالًا للمسلمين، لا يمشي في نساءٍ قُرِّرن بالجزية ابتداءً حيث جوّزناه، أو قُرِّرن تبعًا لمن قَرَّرْنا بالجزية.
فإن قيل: في قول الشيخ: (لأنهن قد صرن مالًا من أموال المسلمين) إرشاد إلى الكلام في المسبيّات خاصة. قلنا: فكان ينبغي أن يذكر الحكم في غيرهن.
والصواب في التعليل: أنهن إنما قُرِّرن إذا كنّ مسبيّات، لعدم قتالهن؛ فإن لم يكنّ مسبيّات فلبذلهنّ الجزية إن قُرِّرن بها أو تبعًا لمن قُرِّر بالجزية.
124 -
قوله: (المثال الخامس والثلاثون: التقرير بالجزية. وهو مختص
(1) الوجوب إزالة المفاسد على الفور، والكفرُ من أعظم المفاسد) قواعد الأحكام 1:148.
(2)
قواعد الأحكام 1: 148 وعلل الشيخ فيه وجه تقرير المرتد ثلاثة أيام، بقوله:(نظرًا له، كما تجوز مصالحة أهل الحرب على التقرير أربعة أشهر، ولا تجوز الزيادة عليها لما في ذلك من تقرير أعظم المفاسد، وأنكر المنكرات).
(3)
قواعد الأحكام 1: 149.
بأهل الكتابين والمجوس) إلى أن قال: (ولا تؤخذ الجزية عوضًا عن تقريرهم على الكفر، إذ ليس من إجلال الربّ أن تؤخذ الأعواض على سبِّه وشتمِه ونسبتِه إلى ما لا يليق بعظمته. ومن ذهب إلى ذلك فقد أبعد)(1).
يقال عليه: هذا يقتضي أن من العلماء مَن ذهب إلى ذلك، ولا أعلم من قال به. وإنما تؤخذ الجزية عن حقن دمائهم، أو أجرة سكناهم في بلاد المسلمين، على الخلاف في ذلك. وأما على ما ذكره الشيخ، فلم يقل به أحد.
125 -
قوله في الفصل المذكور: (الغيبة مَفسدةٌ محرّمة، لكنها جائزة إذا تضمنت مصلحةً واجبة التحصيل، أو جائزة التحصيل. ولها أحوال: أحدها: أن يشاوَر في مصاهرة إنسان، فيذكره بما يكره)(2) إلى أن قال: (فهذا جائز. والذي يظهر لي أنه واجب لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصح لكل مسلم)(3).
يقال عليه: ما ذكره من الوجوب على ما ظهر له، جزم به النووي في (الأذكار) و (الرياض) وشرح مسلم (4). والصواب خلافه؛ لأنه يؤدي إلى أن
(1) قواعد الأحكام 1: 149.
(2)
ومثّل له الشيخ ابن عبد السلام بقوله: (كما قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس لمّا خطبها أبو جَهْم ومعاوية: (إن أبا جهم ضَرّابٌ للنساء، وإن معاوية صعلوك لا مالَ له). فذَكَرهما بما يكرهانه نصحًا لها، ودفعًا لضيق عيشها مع معاوية، وتعرّضها لضرب أبي الجهم) قواعد الأحكام 1:153.
(3)
قواعد الأحكام 1: 153. وحديث النصح لكل مسلم، متفق عليه من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. صحيح البخاري 1: 31 (57) كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة لله
…
، وصحيح مسلم 1: 75 (56) كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة.
(4)
انظر الأذكار ص 270، ورياض الصالحين ص 279، وشرح صحيح مسلم 10:97.
لا يَرغب أحدٌ في المستشار فيه، ويؤدي ذلك إلى مفسدة أعظم مما يحصل في مصاهرته، كوقوعٍ في زنا ونحو ذلك. فالصواب: الجواز.
126 -
قوله: (المثال الحادي والخمسون: قطع أعضاء الجاني حفظًا لأعضاء الناس.
المثال الثاني والخمسون: جَرح الجاني حفظًا للسلامة من الجِراح.
المثال الثالث والخمسون: قتل الجاني مَفسدةٌ بتفويت حياته، لكنه جاز لِما فيه من حفظ حياة الناس على العموم) (1).
يقال عليه: ما ذكره في هذه الأمثلة، مراده به: أن هذا هو السبب في مشروعية ذلك قبل النظر إلى وقوع مقتضِيهِ من شخصٍ بعينه. فأما إذا وقع من خص، فالحكم في مشروعية ذلك في حقه، امتناعُ غيره من الإقدام على فعله، مع زيادة معاملته بمثل صنيعه بالاقتصاص منه. فليُتأمل.
127 -
قوله: (المثال الثاني والستون: الحبس. وهو مَفسدةٌ في حق المحبوس، لكنه جاز لمصالح تَرجُحُ على مفسدته، وهي أنواع: منها حبس الجاني عند كَيبة المستحِق، حفظًا لمحل القصاص)(2).
يزاد عليه: (وكذا عند صباه، وجنونه).
وكمحلّه في الغَيبة: ما إذا كان غير مفقود (3). فإن كان المستحِق مفقودًا، فإنه لا يُحبس إلا إذا مضت مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، فينتقل القصاص إلى وارثه.
(1) قواعد الأحكام 1: 157.
(2)
قواعد الأحكام 1: 158.
(3)
أي: كما أن الجاني يُحبس في حال غَيبة المستحِق للقصاص، فكذلك يُحبس إذا كان المستحق غيرَ مفقود، فيُحبس الجاني هنا أيضًا حفظًا لمحل الفصاص إلى أن يحضر هذا المستحِق.
ومحلُّه في الغَيبة والصبا والجنون (1): ما إذا وقعت الجناية في غير قطع الطريق؛ فإن وقعت في قطع الطريق، كما إذا قَتَل (2) في قطعٍ لطريقٍ (3)، وكان المستحِق صبيًّا أو مجنونًا أو غائبا، فإنه يُقتل (4) حالًا، ولا يُنتظَر به البلوغ والإفاقة والحضور (5)، لأن قُصاراه أن يعفو المستحِق، وهو لا أثر لعفوه في دفع العقوبة، لتحتّمها. فليُتأمل.
128 -
قوله في المثال المذكور: (فإن قيل: لِم تحبسون مدّعِي الإعسار بالحق مع أن الأصل عدم الغنى؟ قلنا: له أحوال: أحدها: أن يُعرف له مال (6) بمقدار الحق أو أكثر منه، فنحبسه بناء على الأصل) (7) إلى أن قال:(فإن قيل: إذا طالت المدة وكان ضعيفًا عن الكسب، فالظاهر أنه ينفق ما عهدناه على نفسه وعلى عياله، فإذا مضت مدةٌ يستوعب (8) نفقتُها الغنى الذي
(1) أي: ومحلُّ حبس الجاني في هذه الأحوال الثلاث، وهي: غَيبة المستحق للقصاص، أو كونه صبيًّا، أو مجنونًا
…
(2)
كلمة (قَتل) ضبطها الناسخ هكذا في المخطوط، مشكولة بالبناء للمعلوم.
(3)
كلمة (قطع لطريق) جاءت أصلًا في المخطوط هكذا: (قطع الطريق) أي بتعريف كلمة (الطريق) ولكن يُلحظ أن الناسخ ضَرَب على الألِف من كلمة (الطريق)، وكأنه يشير إلى أن الألف هنا خطأٌ، وأن الصواب (لطريقٍ) بالنكرة، فتصير اللام جارّةً. ومن أجل هذا تم إثباتها هكذا في أعلى النص.
(4)
أي: يُقتل الجاني.
(5)
أي: لا يُنتَظر بالقصاص من مثل هذا الجاني، إلى وقت بلوغ المستحِق للقصاص إن كان صبيًّا، أو إفاقته من الجنون، أو حضوره إن كان غائبًا.
(6)
هكذا جاءت كلمة (يُعرف) في المخطوط، مشكولة بالبناء للمجهول. وجاءت في المطبوع من قواعد الأحكام 1: 159 هكذا: (أن نعرف له مالًا
…
)
(7)
أي: (فنحبسه بناء على أن الأصل بقاء ذلك، وقد انتسخ فقرُه القديم بالغنى الذي عهدناه) كما في قواعد الأحكام 1: 159.
(8)
كلمة (يستوعب) جاءت هكذا واضحة في المخطوط، بصيغة التذكير. ووردت في المطبوع من قواعد الأحكام 1: 159 بالتأنيث: (تستوعب).
عهدناه، فينبغي أن لا يُحبس، لمعارضة هذا الظاهر لاستمرار غناه؟ قلتُ: جواب هذا السؤال مشكل جدًّا) إلى آخره (1).
يقال عليه: لا إشكال في الجواب الأول. فإن ادَّعَى الإنفاقَ، كان القولُ قولَه لأنه وافق الظاهرَ، فلا إشكال. وإن لم يدَّعِ الإنفاق بل ادّعى الإعسار فقط، ولم يدّعِ أنه أنفقه في مدة ضَعفه، فالقول قول خصمه لموافقة الظاهر بما عُرف له من المال. لا يقال: دعوى الإعسار مع ضَعفه وطولِ المدة، تكفي في أن بكون القولُ قولَه؛ لأن القاضي لا يحكم له بما لم يدَّعِه. فتأمله.
129 -
قوله: (الحالة الثانية (2): أن لا يُعرف له غنى ولا فقر. وفيه مذاهب: أحدها: لا يُحبس، لأن الأصل فقرُه) (3) ثم قال:(والثاني: يُحبس، لأن الغالب في الناس أنهم يملكون ما فوق كفايتهم، والفقراء الذين لا يملكون ذلك: بالنسبة إلى هؤلاء، قليل. وهذا مشكل جدًّا إذا كان الحق غزيرًا كثيرًا كالألف والألفين، إذ ليست الغلبة متحققة في الغنى المتسع، فكيف يُحبس الغريم على عشرة آلاف، وليس الغالب في الناس من يملك عشرة آلاف) ثم قال: (ويحتمل أن يقال: إذا أَدَّى قدرًا يخرج به عن الغلبة، وجب إطلاقه. وهذا قريب. المذهب الثالث: إن لزمه الدين باختياره، فالقول قوله)(4) إلى آخره (5).
يقال عليه: ما ذكره من هذه المذاهب، هي أوجه في مذهب الشافعي رضي الله عنه، ولكن إنما أوردها الأصحاب في (مَن القولُ قولُه).
(1) قواعد الأحكام 1: 159.
(2)
أي: من حالات مدّعي الإعسار. وقد سبقت الحالة الأولى في النص رقم 128.
(3)
(فإن الله خلق عباده فقراء لا يملكون شيئًا) كما في قواعد الأحكام 1: 159.
(4)
(لأن الغالب في الناس أنهم لا يلتزمون ما لا يقدرون عليه) كما في قواعد الأحكام 1: 160.
(5)
قواعد الأحكام 1: 159 - 160.
وهذا الوجه الثاني (1) صائر إلى أن القول قول غريم المفلس؛ لأنه يوافق الظاهر، وطردِ الباب طردًا واحدًا، فلا فرق بين اليسير والكثير. ولأن الأصل استحقاق المطالبة. والشيخ نَصَب الأوجه في حبسه معلِّلًا هذا الوجه، بأن الغالب في الناس أنهم يملكون ما فوق كفايتهم، فجاء الإشكال الذي ذكره.
130 -
قوله: (الحالة الثالثة من أحوال مدعي الإعسار: أن يُعهد له مالٌ ناقصٌ عن مقدار الحق الذي يلزمه، فيُحبس عليه. وفي حبسه على ما وراءه: الخلاف المذكور في الحالة الثانية إن كان المدَّعَى به نزرًا يسيرًا. وإن كان كثيرا ففيه مذهبان: أحدهما: يُطلَق للأصل. والثاني: يُفرّق بين ما التزمه وبين ما لزمه بغير اختياره. ولا يجيء المذهب الثالث، إذ لا غلبة)(2).
يقال عليه: إنما انتَفَى (3) لأجل تعليله بالغلبة. وقد تقدم أن العلة الصحيحة في المذهب الثاني: إنما هي كون الظاهر أن الحرّ يَملِك (4).
131 -
قوله في (المثال الثالث والستون): (وكذلك لا يُشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكون المأمور والمنهي عاصيين، بل يُشترط فيه أن يكون أحدهما ملابسًا لمفسدة واجبة الدفع، والآخرُ تاركًا لمصلحة واجبة التحصيل. ولذلك أمثلة: أحدها: أمر الجاهل بمعروف لا يَعرف (5) إيجابه) (6).
(1) وهو أن مدّعي الإعسار الذي لا يُعرف له غنى ولا فقر، يُحبس.
(2)
قواعد الأحكام 1: 160.
(3)
أي: المذهب الثالث.
(4)
وردت كلمة (يَملِك) مضبوطة هكذا في المخطوط.
(5)
كلمة (لا يَعرف) جاءت هكذا في المخطوط، مشكولة بفتح الياء، على البناء للمعلوم.
(6)
قواعد الأحكام 1: 161.
يقال عليه: في التمثيل بأمر الجاهل بمعروفٍ لا يَعرف إيجابه، نظر؛ لأنه لم يتلبس بمنكر، إلا أن يقال: إنه متلبس ولكنه معذور لجهله.
132 -
قوله في (المثال الثالث والستون): (المثال الرابع: ضرب الصبيان على ترك الصلاة والصيام وغير ذلك من المصالح. فإن قيل: إذا كان الصبي لا يصلحه إلا الضرب المبرّح، فهل يجوز ضربه تحصيلًا لمصلحة تأديبِهِ؟ قلنا: لا يجوز ذلك، بل لا يجوز أن يضرب ضربًا غير مبرّح) إلى آخره (1).
يقال عليه: المختار أن يضرب ضربًا غير مبرّح وإن لم يَنجَع، كحد الخمر في العبد، فإنه يُضرب عشرين وإن لم يَنزجر مثلُه بذلك. وهذا ظاهر القرآن في الزوجات (2)، خلافًا لمن ذهب إلى أنه لا يضرب إلا أن يَنجَع (3).
(1) قواعد الأحكام 1: 161. وتتمة الكلام بعده: الأن الضرب الذي لا يبرّح، مَفسدةٌ؛ وإنما جاز لكونه وسيلة إلى مصلحة التأديب، فإذا لم يحصل التأديب سقط الضرب الخفيف كما يسقط الضرب الشديد؛ لأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد).
(2)
إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]. فالمراد: أن ضرب الزوجة عند نشوزها مشروط بأن يكون ضربًا غير مبرّح وإن لم تنزجر الزوجة به. ينظر تفسير القرطبي 5: 172.
(3)
هذا الذي اختاره البلقيني، هو رأي الرافعي رحمه الله، ووجهة نظره أنه يُفعل مثل هذا الضرب ولو لم يُفد، إقامةً لصورة الواجب. وأَيَّده في ذلك الإسنوي رحمه الله. ينظر أسنى المطالب مع حاشية الرملي عليه 4:162.
لكن المعتمد لدى المحققين من علماء الشافعية، هو ما اختاره الشيخ ابن عبد السلام. ففي نهاية المحثاج 8: 20 (من لا يفيد فيه إلا الضرب المبرِّح، فلا يُضرب أصلًا كما نقله الإمام عن المحققين، وهو الأصح؛ هان بحث فيه الرافعي بأنه ينبغي ضربه غير مبرح إقامة لصورة الواجب
…
).
وجاء في تحفة المحتاج 1: 450 - 451 فيما يتعلق بضرب الصبي لعشر سنين على ترك الصلاة، أنه (يُضرب ضربًا غير مبرِّح عليها
…
، ولو لم يُفد إلا المُبرِّح، تَرَكهما =
133 -
قوله فيه أيضًا: (المثال الثامن: لو وَكَّل وكيلًا في بيع جارية، فباعها، فأراد الموكِّل وَطْأها ظنًّا أن الوكيل لم يبعها، فأخبره المشتري أنه اشتراها، فلم يصدّقه؛ فللمشتري أن يدفعه عنها ولو بالقتل (1) -مع أنه لا إثم عليه- (2) إلى آخره (3).
يقال عليه: نفي الإثم عن المالك في الوَطي، صريح في أنه لا يحرُم عليه وَطْيُ الجارية إذا أخبره المشتري، ولم يصدّقه، وإنما للمشتري أن يَدفعه عنها.
والصواب: التحريم، لقوة هذه القرينة المقتضية لعدم الإقدام. وقد تقدم في أوائل الكتاب في (الفصل المعقود لإتيان المفاسد ظنًّا أنها من المصالح): التنبيهُ على صورةٍ أخف حالًا من هذه، وأن الاختيار فيها عدم جواز الإقدام على الوَطْي هَجْمًا، فليراجع (4).
* * *
= وفاقًا لابن عبد السلام، وخلافًا لقول البلقيني: يُفعل غيرُ المبرِّح كالحدّ).
ويُنظر أيضًا -بالإضافة لما سبق- من نصوص علماء الشافعية لاعتماد ما اختاره الشيخ ابن عبد السلام في هذه المسألة: الإقناع للشربيني 2: 433، وفتح المعين مع حاشيته إعانة الطالبين 3: 377 و 4: 168 و 4: 168 - 169.
(1)
(دفعًا لمفسدة الوطء بغير حق). قواعد الأحكام 1: 162 - 163.
(2)
أي: لا إثم على صاحب الجارية الذي أراد أن يطأها في هذه الحالة، وبهذا صرّح الشيخ عقب ذلك فقال:(وإن وطئها في هذه الحال، لم يكن زانيًا ولا آثمًا).
(3)
قواعد الأحكام 1: 162 - 163.
(4)
الصورة المشار إليها هي في النص رقم 17 وهي: (أنه لو وَكَّل في بيع أَمَته، وسلّمها للوكيل ليبيعها، ثم عادت إلى منزله، واحتُمل بيع الوكيل وعدمه، لا يجوز للموكِّل الإقدامُ -بغير اجتهاد- على الوطْء).
وكلمة (هَجْمًا) هي بمعنى: بغير تثبّتٍ وتحرٍّ، مأخوذة من (الهجوم) وهو الدخول بغتة على غفلة أو الدخول بغير إذن. ومنه يقال: هجمتُ على الشيء هَجْمًا إذا جئته بغتةً، =