المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة] - الفوائد الجسام على قواعد ابن عبد السلام

[سراج الدين البلقيني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم بقلم الأستاذ الجليل الدكتور علي أحمد الندوي

- ‌المبحث الأول التعريف بكتاب (الفوائد الجسام)

- ‌أولًا: تسمية الكتاب:

- ‌ثانيًا: توثيق نسبة الكتاب للبلقيني:

- ‌ثالثًا: توثيق مضمون الكتاب للبلقيني:

- ‌رابعًا: طبيعة الكتاب:

- ‌خامسًا: أسلوب الكتاب:

- ‌سادسًا: منهح الكتاب:

- ‌سابعًا: مزايا الكتاب:

- ‌ثامنًا: مصادر البلقيني في الكتاب، وطريقته في العزو:

- ‌المبحث الثاني التعريف بابن عبد السلام، والبلقيني، والناسخ يحيى الكرماني

- ‌أولًا: التعريف بابن عبد السلام

- ‌1 - موجز عن سيرته:

- ‌2 - براعته في التصنيف والتأليف:

- ‌3 - مكانة كتاب (قواعد الأحكام) للعز بن عبد السلام:

- ‌4 - نموذج من علومه ومعارفه:

- ‌5 - جوانب مشرقة من سيرته ومناقبه:

- ‌ثانيًا: التعريف بالبلقيني

- ‌1 - اسمه، ولادته، دراسته وتفوقه العلمي:

- ‌2 - مكانته العلمية، وثناء الأعلام عليه:

- ‌3 - أعلام من تلامذته:

- ‌4 - من سيرته في الحياة:

- ‌5 - مؤلفاته:

- ‌6 - وفاته:

- ‌ثالثًا: التعريف بناسخ المخطوط:

- ‌أ - ترجمة الناسخ

- ‌ب- مشاركات الناسخ العلمية في هذا الكتاب:

- ‌المبحث الثالث وصف المخطوط

- ‌أ- قيمة النسخة المخطوطة المعتمدة في إخراج الكتاب:

- ‌ب- وصف المخطوط شكلًا:

- ‌ج - وصف المخطوط مضمونًا:

- ‌[المبحث الرابع عملي في خدمة الكتاب]

- ‌أولًا: ما يتعلق بخدمة النص في صلب المتن:

- ‌ثانيًا: ما يتعلق بخدمة النص في الهوامش:

- ‌نماذج من النسخة الوحيدة التي حُقِّق عليها الكتاب

- ‌الاصطلاحات المعتمدة في النص المحقق

- ‌[مقدمة البلقيني]

- ‌[مقدمة الشيخ ابن عبد السلام لكتابه (قواعد الأحكام) وتعليق البلقيني عليها]

- ‌[فصل في بناء جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما على الظنون]

- ‌[فصل فيما تُعرف به المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل في تقسيم أكساب العباد]

- ‌[فصل في بيان حقيقة المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل في بيان ما رُتِّب على الطاعات والمخالفات]

- ‌[فصل فيما عُرفت حِكَمُه من المشروعات وما لم تُعرف حكمته]

- ‌[فصل في تفاوت الأعمال بتفاوت المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل فيما تميَّز به الصغائر من الكبائر]

- ‌[فصل في إتيان المفاسد ظنًّا أنها من المصالح]

- ‌[فصل في بيان تفاوت رتب المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل فيما يتفاوت أجزه بتفاوت تحمل مشقته]

- ‌[فصل في تساوي العقوبات العاجلة مع تفاوت المفاسد]

- ‌[فصل في تفاوت أجور الأعمال مع تساويها، باختلاف الأماكن والأزمان]

- ‌[فصل في انقسام جلب المصالح ودرء المفاسد إلى فروض كفايات وفروض أعيان]

- ‌[فصل في بيان رُتب المفاسد]

- ‌[فصل في اجتماع المصالح المجرّدة عن المفاسد]

- ‌[فصل في بيان تنفيذ تصرف البغاة وأئمة الجور لِما وافق الحقَّ، للضرورة العامة]

- ‌[فصل في تقيّد العزل بالأصلح للمسلمين فالأصلح]

- ‌[فصل في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة]

- ‌[قاعدة في تعذر العدالة في الولاية العامة والخاصة]

- ‌[فصل في تقديم المفضول، على الفاضل بالزمان، عند اتساع وقت الفاضل]

- ‌[فصل في تساوي المصالح مع تعذر جمعها]

- ‌[فصل في الإقراع عند تساوي الحقوق]

- ‌[فصل فيما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده أو بإفساد بعضه]

- ‌[فصل في اجتماع المفاسد المجردة عن المصالح]

- ‌[فصل في اجتماع المصالح مع المفاسد]

- ‌[فصل في الوسائل إلى المصالح]

- ‌[فصل في الوسائل إلى المفاسد]

- ‌[فصل في اختلاف الآثام باختلاف المفاسد]

- ‌[فصل فيما يتعلق به الثواب والعقاب من الأفعال]

- ‌[فصل فيما يثاب عليه العالم والحاكم وما لا يثابان عليه]

- ‌[فصل في تفضيل الحكام على المفتين]

- ‌[فصل فيما يُثاب عليه الشهود وما لا يثابون عليه]

- ‌[فصل في بيان الإخلاص والرياء والتسميع]

- ‌[فصل في بيان الإعانة علي الأديان]

- ‌[فصل في تفاوت فضائل الإسرار والإعلان بالطاعات]

- ‌[قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة]

- ‌[فصل في انقسام الحقوق إلى المتفاوت والمتساوي]

- ‌[فصل فيما يثاب عليه من الطاعات]

- ‌[قاعدة في الجوابر والزواجر]

- ‌[فصل فيما تُشترط فيه المماثلة من الزواجر وما لا تُشترط]

- ‌[فصل في بيان متعلقات حقوق الله تعالى]

- ‌[فصل في وقت النية المشروطة في العبادات]

- ‌[فصل في قطع النية في أثناء العبادة]

- ‌[فصل تردّد النية مع ترجّح أحد الطرفين]

- ‌[فصل في تفريق النيات على الطاعات]

- ‌[فصل ما يتعلق به الأحكام من الجوارح]

- ‌[فصل فيما يتعلق به الأحكام من الحَواسِّ]

- ‌[فصل فيما يتعلق بالأزمان من الطاعات]

- ‌[فصل في تنويع العبادات البدنية]

- ‌[فصل فيما يفوت من المصالح]

- ‌[فصل في مناسبة العلل لأحكامها]

- ‌[فصل فيما يُتدارك إذا فات بعذر]

- ‌[فصل في بيان تخفيفات الشرع]

- ‌[فصل في المشاقّ الموجبة للتخفيفات الشرعية]

- ‌[فصل في الاحتياط لجلب المصالح]

- ‌[فصل فيما يقتضيه النهي من الفساد]

- ‌[فصل في بناء جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون]

- ‌[فصل فيما يجب على الغريم إذا دُعِي إلي الحاكم]

- ‌[فصل فيما يَقدح في الظنون من التّهم وما لا يقدح فيها]

- ‌[فصل في تعارض أصلين]

- ‌[فصل في تعارض ظاهرين]

- ‌[فصل في حكم كذب الظنون]

- ‌[فصل في بيان مصالح المعاملات والتصرفات]

- ‌[فصل في بيان أقسام العبادات والمعاملات]

- ‌[قاعدة في بيان حقائق التصرفات]

- ‌[الباب الأول في نقل الحق من مستحقّ إلى مستحق]

- ‌[الباب الثاني في إسقاط الحقوق من غير نقل]

- ‌[الباب الثالث في القبض]

- ‌[الباب الرابع في الإقباض]

- ‌[الباب الخامس في التزام الحقوق بغير قبول]

- ‌[فصل في تصرف الولاة]

- ‌[فصل فيما يسري من التصرفات]

- ‌[قاعدة في ألفاظ التصرف]

- ‌[قاعدة لبيان الوقت الذي تثبت فيه أحكام الأسباب]

- ‌[قاعدة في بيان الشبهات المأمور باجتنابها]

- ‌[فصل في التقدير على خلاف التحقيق]

- ‌[قاعدة فيما يقبل من التأويل وما لا يقبل]

- ‌[فصل فيما أثبت على خلاف الظاهر]

- ‌[فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح المقال]

- ‌[فصل في حمل الأحكام على ظنون مستفادة من العادات]

- ‌[فصل في الحمل على الغالب والأغلب في العادات]

- ‌[قاعدة كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل]

- ‌[قاعدة فيما يوجب الضمان والقصاص]

- ‌[قاعدة فيمن تجب طاعته، ومن تجوز، ومن لا تجوز]

- ‌[قاعدة في الشبهات الدارئة للحدود]

- ‌[قاعدة في المستثنيات من القواعد الشرعية]

- ‌[خاتمه الكتاب]

- ‌ملحق 1: كتابة للبلقيني بخط يده، في آخر المخطوط

- ‌ملحق 2: قصيدة للبلقيني تتعلق بهذا الكتاب

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌[قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة]

فهذا، إظهار الصدقة فيه خيرٌ من إخفائها، لِما فيه من الامتثال.

* * *

[قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة]

170 -

قوله في (القاعدة التي لبيان الحقوق الخالصة والمركبة):

(وحقوق الله تعالى ثلاثة أقسام: أحدها: ما هو خالص له، كالمعارف والأحوال المبنيّة عليها، والإيمان بما يجب الإيمان به كالإيمان بإرسال الرسل) إلى آخره (1).

يقال عليه: الإيمان بإرسال الرسل، من قبيل المركّب، لِما فيه من حق الرسول بالتصديق له. وسيأتي ذلك في كلامه. ولعله لم يذكر تصديق الرسول؛ لأنه عامٌّ في كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى.

171 -

قوله في (التقسيم الثالث من القاعدة: ما يتركّب من حقوق الله، وحقوق رسوله، وحقوق المكلَّف): (فإن قيل: هل الأذان أفضل من الإمامة لاشتماله على هذه الفوائد؟ (يعني: حقّ الله وهو التكبير والتوحيد، وحقّ الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الشهادة، وحق المؤمنين وهو الإعلام). قلنا: ذهب بعضهم إلى أنه أفضل لهذه الفوائد). ثم قال: (ومنهم من فَضَّل الأمامة لتسبّب الإمام إلى إفادة فضل الجماعة لنفسه وللحاضرين. وصلاةُ الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بخمس وعشرين درجة، أو بسبع وعشرين درجة، على ما جاءت به السنة)(2).

يقال عليه: لم يجئ في حديثٍ أن صلاة الجماعة تفضُل صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة (3). والذي ورد في الحديث: إما فضلها بخمس

(1) قواعد الأحكام 1: 219.

(2)

(ولا يوجد مثل هذا في الأذان) كما في قواعد الأحكام 1: 220.

(3)

لم يتضح وجه هذا النفي المطلق لهذا اللفظ، من البلقيني رحمه الله؟! كيف وقد ورد ذلك =

ص: 247

وعشرين ضِعفًا، وإما بسبع وعشرين درجة (1). والأجوبة عن ذلك معروفة، ومنها أن ذلك تفاوتُ ما بين (الدرجة) و (الضِّعف).

= صريحًا في الصحيحين وغيرهما. ففي صحيح البخاري 1: 231 (619) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلاة الجماعة تفضُل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوفه خمسا وعشرين درجة) الحديث. ولفظ مسلم: (تفضُل صلاةٌ في الجميع على صلاة الرجل وحده خمسًا عشرين درجة) الحديث. صحيح البخاري 1: 181 (465). وصحيح مسلم 1: 450 (649).

وأمام هذه الصرائح الصحيحة المُثبتة للفظ (خمس وعشرين درجة) لا يقال عن نفي الملقيني له، إلا أنه ربما كان ذلك عن ذهولٍ منه، رحمه الله، وإلا فهو من حفاظ الحديث الكبار، وصدرٍ من الصدور فيه؛ فقد قال عنه تلميذه المحاث المشهور الحافظ سبط ابن العجمي رحمه الله:(حفاظ مصر أربعة أشخاص، وهم من مشايخي) ثم ذكر منهم البلقيني. يُنظر (دراسات الكاشف للإمام الحافظ الذهبي وحاشيته للإمام سبط ابن العجمي) بقلم الشيخ محمد عوامة ص 264 - 267.

وهذا الذي يقوله سبط ابن العجمي أن (حفاظ مصر أربعة أشخاص)، قاله بعد أن أَخَذ علم الحديث الشريف في القاهرة وحدها عما يقرب من أربعين شيخًا، فكان أجلّ هؤلاء الأربعين في نظره، أربعة أشخاص، منهم البلقيني. يُنظر المصدر السابق نفسه.

وقال أيضًا سبط ابن العجمي عنه: (رأيتُ رجلًا فريدَ دهره، لم تَرَ عيناي أحفظَ للفقه وأحاديث الأحكام منه). (دراسات الكاشف) الموضع السابق.

(1)

نعم ورد هذان اللفظان أيضًا في بعض الأحاديث في فضل صلاة الجماعة، لكن ذلك لا ينفي ورود فضلها بلفظ (خمس وعشرين درجة) كما سبق.

فأما ورود فضل صلاة الجماعة بلفظ (خمس وعشرين ضعفًا) ففي صحيح البخاري 1: 232 (620) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في الجماعة تُضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفًا) الحديث. وفي مسند أحمد 1: 376 (3567) عن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجميع تفضُل على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفًا كلُّها مثل صلاته). =

ص: 248

172 -

قوله في (القسم المذكور): (المثال الثاني: الصلاة. وفيها الحقوق الأربعة: أما حق الله، فالنيات) إلى أن قال: (وأما حق المكلف على نفسه، فكدعائه في الفاتحة بالهداية والإعانة على العبادة، وكدعاء القنوت) إلى أن قال: (وأما حق العباد، فكالدعاء بالهداية والإعانة على العبادة في الفاتحة، وكذلك دعاء القنوت)(1).

يقال فيه: المراد أن الحق الأول (2) خاص بالمكلف نفسه، والحقّ الثاني (3) عامٌّ له ولغيره. وقوله:(والإعانة على العبادة) عطف على (الهداية)؛ وفيه شيء، لأنه ليس في الفاتحة دعاء بالإعانة على العبادة، وإنما فيها: الدعاء بالهداية، إلا أن يقال: إن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] خبرٌ، معناه: الطلب.

173 -

قوله فيه أيضًا: (المثال الثالث: الجهاد. وفيه الحقوق الثلاثة: أما حق الله فكمحو الكفر) ثم قال: (وأما حق المسلمين، فالذبّ عن أنفسهم وأموالهم) ثم قال: (وأما حقه على نفسه فكدفعهم (4) عن نفسه ومالِهِ) (5).

يقال عليه: في الجهاد أيضًا: حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في السهم المختص به صلى الله عليه وسلم من الغنيمة، فكان ينبغي أن يقول:(وفيه الحقوق الأربعة)،

= وأما ورود فضلها بلفظ (سبع وعشرين درجة) ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضُل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) صحيح البخاري 1: 231 (619) ولفظ صحيح مسلم 1: 450 (650)(صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة).

(1)

قواعد الأحكام 1: 221.

(2)

أي: في قوله: (وأما حق المكلف على نفسه).

(3)

أي: في قوله: (وأما حق العباد).

(4)

أي: الكفار.

(5)

قواعد الأحكام 1: 222.

ص: 249

ثم يذكر حق الرسول عليه الصلاة والسلام (1). وقد مرّ أن تصديقه حق له في كل ما جاء به.

174 -

قوله في أثناء (القسم الثاني)(2): (ولحقوق بعض المكلفين على بعضٍ، أمثلة كثيرة)، ثم ذكر خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيها: إن الله قد كلّفني أن أصرف عنه الدعاء) إلى أن قال: (ومعنى صرف الدعاء عن الله تعالى أن يُنصِف (يعني: الإمام الأعظم) المظلومين من الظالمين، ولا يُحوِجهم أن يَسألوا الله ذلك. وكذلك أن يدفع حاجات الناس وضروراتهم بحيث لا يُحوجهم أن يطلبوا ذلك من رب العالمين) (3).

يقال عليه: هذا غير ممكن، لأنه لا يمكن الإمام أن يستوعب

(1) جاء في إحدى النسخ المطبوعة من قواعد الأحكام 1: 131 (وهي طبعة دار الكتب العلمية ببيروت دون تاريخ)، التصريح بذكر حق الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا في حقوق الجهاد من جهة السهم المختص به صلى الله عليه وسلم من الغنيمة، كما أبداه الشيخ البلقيني هنا، لكن مع ذلك بقيت حقوق الجهاد ثلاثة ولم تُجعل أربعة كما أرادها البلقيني في كلامه أعلاه، وذلك لأنه جُمع حق المسلمين مع حق الرسول صلى الله عليه وسلم في حقٍّ واحدٍ، ثم يضاف إليه: حق الله تعالى، وحق المكلف على نفسه. وفيما يلي نص كلام الشيخ ابن عبد السلام من هذه النسخة المشار إليها:

قال: (الثالث: الجهاد. وفيه الحقوق الثلاثة: أما حق الله فكمحو الكفر وإزالته من قلوب الكافرين ومن ألسنتهم، وكتخريب كنائسهم، وكسر صلبانهم وأوثانهم. وأما حق الرسول عليه السلام وحق المسلمين فالذب عن أنفسهم وأموالهم وحُرَمهم وأطفالهم وما يحصل لهم من الأخماس. وأما حقه على نفسه فكدفعه عن نفسه وحُرَمه وأطفاله وما يأخذ من سهام الغنيمة وأسلاب المشركين). انتهى من قواعد الأحكام 1: 131 ط.

دار الكتب العلمية ببيروت.

(2)

أي: مما يتعلق بحقوق المخلوقين. والقسم الثاني منها هو: (حقوق بعض المكلّفين على بعض). قواعد الأحكام 1: 222.

(3)

قواعد الأحكام 1: 226.

ص: 250

حوائج الخلق أجمعين، أعني: الدنيوية، بحيث لا يحتاجون أن يطلبوها من الله تعالى، فلا قدرة لأحد على ذلك.

175 -

قوله بعد ذلك: (ومن أمثلة حقوق بعض المكلفين على بعض: أن يُنظَر الموسِر)(1).

يقال عليه: معنى إنظار الموسِر: أن لا يكون عنده نقدٌ، وعنده عُرُوضٌ، فيُسعِفُه بالنظِرة إلى بيعها، ولا يَعْسِفُه ببيعها عاجلًا بحيث ينقص قيمتها ونحو ذلك. وعلى هذا حُمل قوله في الحديث:(كنتُ أُنظِر الموسِر وأتجاوز عن المعسر)(2).

176 -

قوله في (القسم المذكور): (ولا يؤخِّر حقوق الناس إلا لعذر شرعي أو طبعي. مثال ذلك: أن تُؤخَّر الزكاة) إلى أن قال: (وكذلك الشهادةُ على الشهادة)(3).

يقال عليه: (الشهادةُ على الشهادة) لا تُناظِر مسائل الفصل؛ لأن مسائل الفصل: (واجبٌ يجوز تأخيره بعذر شرعي أو طبعي؛ ولو فُعل من غير

(1) هكذا في المخطوط: (أن يُنظَر الموسِر)، وجاء في قواعد الأحكام 1: 230 (أن يُنظَر المعسر ويُتجاوز عن الموسر) وهو وجه صحيح أيضًا. ينظر فتح الباري 4: 308 وعمدة القاري 11: 189 - 191 و 16: 41 وشرح النووي على صحيح مسلم 10: 224.

(2)

صحيح البخاري 3: 1272 (3266) كتاب الأنبياء، باب ما ذُكر عن بني إسرائيل، من حديث طويل لحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وفيه: وسمعتُه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) يقول: إن رجلًا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض رُوحَه، فقيل له: هل عملتَ من خير؟ قال: ما أعلم. قيل له: انظُر. قال: ما أعلم شيئًا، غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم، فأُنظِر الموسِر وأتجاوز عن المعسر). وانظر الجمع بين الصحيحين 1:282.

(3)

قواعد الأحكام 1: 230.

ص: 251

تأخير، وقع الموقعَ)، ولا كذلك:(الشهادةُ على الشهادة)، لأنها لا تجب بل لا تُقبل إلا عند تعذر أو تعسر الأصل بموتٍ أو عمى أو مرضٍ يشق معه حضورُه، أو غيبة لمسافة العدوى على الأصح (1). فلا يناظِر ذلك تأخير الزكاة، والدَّينِ، ونحو ذلك.

177 -

قوله بعد ذلك: (وكذلك (يعني: ما يجوز تأخيره من الحقوق): دفع الأمانات إلى أربابها مع الاشتغال بالأكل أو الشرب أو صلاة النافلة أو الاستحمام) (2).

(1)(مسافة العدوى): هي التي يمكن قطعها في اليوم الواحد ذهابًا ورجوعًا. ومعناه أنه إن كانت المسافة بين الموضع الذي يوجد فيه الشاهد الأصل وبين موضع أداء الشهادة بهذا المقدار بحيث لو خرج الشاهد الأصل من ذلك المكان في الصباح الباكر لأداء الشهادة، أمكنه الرجوع إلى أهله في نفس اليوم قبل الليل، لم تُسمع شهادة الفرع في هذه الحالة، وإلا يجوز سماعها. وتُسمى هذه المسافة:(مسافة العدوى). انظر روضة الطالبين 11: 295 ومغني المحتاج 4: 451 وتهذيب الأسماء واللغات 3: 196.

أما وجه تسميتها بهذا الاسم فهو إما من (العدوى) بمعنى النصرة والمعونة، ومنه يقال: استعديتُ على فلان الأميرَ فأعداني عليه، أي: استعنتُ به عليه فأعانني عليه. والاسم منه: العدوى وهي المعونة والنصرة. فالاستعداء: طلب العدوى، وهي التقوية والنصرة. وإما من (العدوى) بمعنى: ما يُعدِي من جَرَب وغيره، وهي مجاوزته من صاحبه إلى غيره.

وقيل لهذه المسافة: (مسافة العدوى) بالمعنى الأول؛ لأن القاضي يُعدِي، أي: يُعِين من استعدَى به على خصمه الغائب إلى تلك المسافة فيُحضِره منها ليُزيل العدوان. قال ابن فارس: العدوى: طلبك إلى والٍ ليُعديك على من ظلمك، أي: ينتقم منه باعتدائه عليك. ويمكن أن يُجعل بالمعنى الثاني، لسهولة مجاوزة الشخص -المطلوب منه الحضور- من أحد الموضعين إلى الآخر. انظر تاج العروس 39: 10 وتهذيب الأسماء واللغات 3: 196 والمصباح المنير 2: 397 وأسنى المطالب شرح روض الطالب 4: 325 والإقناع للشربيني 2: 623.

(2)

قواعد الأحكام 1: 230. وأصل الكلام هكذا فيما يجوز تأخيره من حقوق المكلّفين: =

ص: 252

يقال عليه: ينبغي أن يقيّده في الأكل، بأكل لُقَمٍ يكسر بها سَورة (1) الجوع. وفي صلاة النافلة، أن لا يزيد على ركعتين إذا نوى نفلًا مطلقًا. ولو قيل: بشرط أن لا يزيد على ركعةٍ، لكان حسنًا.

وقوله: (مع الاشتغال بكذا وكذا)، يُخرج ابتداءَ فعلِه للنافلة ونحوها.

ولا توقّف في منع ذلك. أما في الأكل والشرب المحتاج إليهما، فلا يُمنع الابتداء كالدوام.

178 -

قوله بعد ذلك: (وقد يظن بعض الجهلة الأغبياء أن الإيجاز والاختصار أولى من الإسهاب والإكثار، وهو مخطئ في ظنه)(2) إلى أن قال: (وقد نظرتُ في القرآن فوجدتُه ينقسم إلى أقسام)، فذَكَر: (الثناء،

= (وكذلك تأخيرُ ما تعيّن من الشهادات إذا كان الشاهد مشغولًا بأكل أو شرب أو صلاة) ثم قال: (وكذلك دفع الأمانات إلى أربابها مع الاشتغال بالأكل أو الشرب أو صلاة النافلة أو الاستحمام).

(1)

كلمة (سَورة) جاءت في المخطوط هكذا مشكولة بفتح السين.

(2)

هذا اعتذار من الإمام الشيخ ابن عبد السلام رحمه الله، فيما أطال به من بيان تفاصيل حقوق المخلوقين، حيث قال بعد أن انتهى من تلك الإطالة:(وإنما أتيتُ بهذه الألفاظ في هذا الكتاب؛ التي أكثرها مترادفات، وفي المعاني متلاقيات، حرصا على البيان، والتقرير في الجَنان، كما تكررت المواعظ والقصص، والأمر والزجر، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب والتزهيد، وغيرُ ذلك في القرآن. ولا شك أن في التكرير والإكثار من التقرير في القلوب ما ليس في الإيجاز والاختصار). ثم قال: (ولو قلتُ في (حقوق العباد): (هي أن يجلب إليهم كل خير، ويدفع عنهم كل ضير) لكان ذلك جامعًا عامًّا ولكن لا يحصل به من البيان ما يحصل بالتكرير وتنويع الأنواع. وكذلك لو قلتُ في (حق الإله): (أن يطيعوه ولا يعصوه) لكان مختصرًا عامًّا، ولكن لا يفيد ما يفيده الإطناب والإسهاب. وكذلك لو قلتُ:(حقوق المرء على نفسه: هو أن ينفعها في دينها ودنياها ولا يضرها في أُولاها وأُخراها) لكان ذلك شاملًا لجميع حقوق المرء على نفسه).

ص: 253

والأحكام ومواقعها، ومَدْح فاعلي الطاعات ترغيبًا، وذمّ فاعلي المخالفات تنفيرًا، والوعد والوعيد الآجلان، والوعيد والوعد العاجلان، والأمثال المرغّبة في الخير، والأمثال المنفّرة عن الشر، والقصص، والمنّة علينا بما خلقه لأجلنا) (1).

وقد أَهمَل نوعًا حسنًا، وهو:(الوعد بثواب عاجل وثواب آجل معها)، كـ (الجهاد)، فثوابه العاجل: الغنيمة والسَّلَب بشرطه؛ وثوابه الآجل: ما أعدّه الله تعالى للمجاهد في الدار الآخرة مما نطق به الكتاب العزيز والسنة. وكـ (الإسلام)، فثوابه الآجل: ما وعد الله على الإسلام من الثواب الجزيل؛ وثوابه العاجل: أن العبد بالإسلام يدخل في عِداد من يجوز أن تُصرف إليه الزكوات والكفارات والضحايا والهدايا، وغير ذلك مما شُرط فيه الإسلام.

179 -

قوله في (المثال الثالث) من الامتنان مما خلقه لأجلنا، وهو النوع العاشر (2):(وكل شيء ذَكَره (3) تمنّنًا علينا، كان مقتضيًا لأمرين: أحدهما: شكرُه على ذلك. والثاني: إباحته لنا) (4).

= ثم قال ما ذُكر أعلاه هنا: (وقد يظن بعض الجهلة الأغبياء أن الإيجاز والاختصار أولى من الإسهاب والإكثار، وهو مخطئ في ظنه لِما ذكرنا من التكرير الواقع في القرآن. والعادةُ شاهدة بخطئه في ظنه. وما دلّت العادةُ عليه وأَرشد القرآن إليه، أولى مما وقع للأغبياء الجاهلين الذين لا يعرفون عادة الله ولا يفهمون كتاب الله). قواعد الأحكام 1: 231.

(1)

قواعد الأحكام 1: 231.

(2)

أي: النوع العاشر من الأنوأع التي ذَكَر الشيخ ابن عبد السلام قبل قليل، أنها توجد في أسلوب القرآن الكريم.

(3)

أي: ذَكَره القرآن الكريم.

(4)

قواعد الأحكام 1: 235.

ص: 254

يزاد عليه: (وقد يخلقه للاعتبار فقط (1)، وهو من أجلنا أيضًا).

180 -

قوله في (المثال المذكور)(2): (ومِن مدْح الإله نفسَه ما لا يخرج مخرج المدح، بل يخرج مخرج تأكيد الأحكام، كقوله: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحجرات: 18]، ذَكَر ذلك ترغيبًا في الطاعات، وتنفيرًا من المعاصي والمخالفات) إلى أن قال: (وإنما يتحقق الترغيب والترهيب بصفة السمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والإرادة، دون الحياة والكلام؛ فإنهما لا يُذكران إلا تمدحًا. أما الحياة ففي مثل قوله: {هُوَ الْحَيُّ} [غافر: 65])، إلى أن قال:(وأما الكلام ففي مثل قوله: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 76]، يريد بمن يأمر بالعدل: نفسَه سبحانه وتعالى (3).

يقال عليه: ما ذكره من أن الترغيب والترهيب لا يتحققان في الكلام والحياة، فيه نظر.

فقد ذُكرت (صفة الحياة) في معرض الترغيب، وذلك في قوله تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58]، ذُكر ترغيبًا في التوكل على الله، وتنفيرًا من التوكل على مخلوقٍ لا ثقةَ بحياته يومًا واحدًا.

وذُكر (الكلام) أيضًا، في معرض الترهيب، وذلك في قوله تعالى:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 174]، ونحو ذلك. فتأمله. والله أعلم.

(1) في المخطوط: (فقد)؟

(2)

أي: في المثال الثالث السابق.

(3)

قواعد الأحكام 1: 235 - 236 ووجه تمثيله في تمدّح الله تعالى لنفسه بصفة الكلام في قوله سبحانه وتعالى: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 76] يريد بمن يأمر بالعدل: نفسَه سبحانه وتعالى، فذلك (لأنه قابَلَ به الأبكم الذي لا يقدر على شيءٍ وهو كَلٌّ على مولاه، فقابَلَ (الأمر بالعدل) بـ (البَكَم) الذي هو الخرس المانع من الكلام) كما في قواعد الأحكام 1: 236.

ص: 255

181 -

وقوله بعد ذلك في آخر المثال: (فمعظم حقوق العباد ترجع إلى الدماء والأموال والأعراض)(1).

يقال عليه: إن كان المراد: (الحقوق المحرّمة)، فكلها لا تخرج عن هذه الثلاثة. فقوله:(معظم الحقوق) لا مفهوم له.

182 -

قوله بعد ذلك قبيل الفصل المعقود لانقسام الحقوق إلى التفاوت والتساوي: (والحقوق كلها ضربان: أحدهما: مقاصد. والثاني: وسائل، ووسائلُ وسائل. وهذه الحقوق منقسمة إلى ما له سبب، وإلى ما ليس له سبب. فأما ما لا سبب له: فكالمعارف، والحج والاعتكاف، والطواف) إلى قوله: (فإن قيل: هلّا كان دخول أشهر الحج سببًا لوجوبه، كما كان دخول وقت الصلاة سببًا لوجوبها؟ قلنا: قد يجب الحج قبل دخول وقته على من بعُدت داره. وفي هذا بحثٌ)(2).

يقال عليه: الجمعة كالحج فيما ذكره: قد تجب قبل دخول وقتها على من بعُدت داره.

وفي إخراج الحج عن ما له سبب، نظر. وقد أشار إليه بقوله:(فيه بحثٌ).

وقوله: (والطواف): إن كان أراد به: (الواجب)، فكالحج.

وما ذكره في (المعارف)، يقال عليه: بل سببها الموجِب، هو البلوغ. وكلام الشيخ رحمه الله يحتاج إلى نظر وتأمل.

* * *

(1) قواعد الأحكام 1: 237.

(2)

قواعد الأحكام 1: 238 - 239.

ص: 256