الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والزوجات، ممنوع، فإن الأزواج والزوجات بينهما عذرًا (1) فيُتوقف، ويُدفع ما عداه إذا ثبت الانحصار بالنسبة إلى غير الزوجين.
* * *
[فصل فيما يقتضيه النهي من الفساد]
347 -
قوله في فصل ما يقتضيه النهي من الفساد:
(المثال الثاني: الصلاة في الدار المغصوبة، ليس النهي عنها لعينها، وإنما المراد بالنهي ما اقترن بها من الغصب، فالنهي يتعلق بالصلاة من جهة اللفظ، وبالغصب من جهة المعنى)(2).
قال (3) رضي الله عنه: حاصل كلامه أنه: يُنهَى عن الشيء، والمراد: النهي عن غيره لقيام المعنى.
* * *
[فصل في بناء جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون]
348 -
قوله في فصل في بناء جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون: (فإن الاستبراء بقُرءٍ واحدٍ)(4).
فيه تجوّزٌ، وصوابه: فإن الاستبراء بحيضة.
(1) كذا في المخطوط.
(2)
قواعد الأحكام 2: 32.
(3)
يعني الشيخ البلقيني. وهذه الجملة هي من الناسخ تلميذ البلقيني.
(4)
قواعد الأحكام 2: 36 والنص بتمامه هكذا: (وكذلك تتفاوت الظنون المستفادة من الأسباب الشرعية، فإن الاستبراء بقُرءٍ واحدٍ يُحرّك الظن ببراءة الرّحِم، من جهة أن الغالب أن الحامل لا تحيض
…
).
349 -
قوله: (بخلاف فوات حقٍّ واحدٍ على شخصٍ واحدٍ في المحاكمات)(1).
يقال: توقّع تكرره في كل واحد، يؤدي إلى كثرته وعمومه.
350 -
قوله: (وقد يُشترط رؤية الفعل والفاعل)(2).
يقال فيه: إنما تُشترط في الزنى رؤيةُ فرجه، لا رؤية كله.
351 -
(. . . (3)).
يقال فيه: اختار شيخنا جريان الخلاف مطلقًا، سواء كان مستندُ علمه خبرَ التواتر أم لا، طردًا للباب، إلا إذا كان المتواتر لا ينكره أحد وحصل تعليقٌ عليه (4)، كـ (إن كانت بغدادُ موجودةً، فزوجتي طالق أو فعبدي حرّ)، واتصل التعليق بالقاضي، فإنه حينئذ يَحكم بطلاق الزوجة وعتق العبد، وإن لم يَرَ (بغداد).
(1) قواعد الأحكام 2: 36 وهو يتعلق بقول الشيخ ابن عبد السلام: (قد ينفرد بالحديث النبوي شاهدٌ واحدٌ، فلو لم يُقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة العامة في المأمورات والمنهيات والحلالِ والحرامِ، بخلاف فوات حقٍّ واحدٍ على شخصٍ واحدٍ في المحاكمات).
(2)
قواعد الأحكام 2: 37 وهو متعلق بقول الشيخ ابن عبد السلام عن إثبات الحقوق بالشهود، أن من التصرفات ما يُشترط في الشهادة عليها حقيقةُ العلم كالشهادة على الأفعال فإنه يُشترط فيها رؤية الفاعل ورؤية فعله المشهود به، قال الشيح:(وقد يشترط فيها رؤية المفعول والفاعل والفعل، كالشهادة على القتل والجرح والزنى).
(3)
بياض في المخطوط. وموضعه -حسب ما يظهر- نص ساقط للشيخ ابن عبد السلام، وهو قوله فيما يتعلق بإثبات الحقوق بالشهود:(فإن قيل: هلّا حَكَم الحاكم بعلمه الذي هو أقوى من الاعتقادات والظنون؟ قلنا: إن كان مستندُ علمه خبرَ التواتر، حُكم به لانتفاء التهمة عنه باشتهار الواقعة على ألسنة أهل التواتر. وإن كان بغير ذلك حُكم به على الأصح. ومن مَنَعه من ذلك مَنَعه لِما عارضه من خوف التهمه من قضاة السوء).
قواعد الأحكام 2: 37.
(4)
أي: حصل تعليق بالشرط على شيء معلوم بالتواتر، كما في المثال الذي سيذكره.
352 -
قوله بعد ذلك: (ومن الأمثلة: ما يُشترط فيه العلم تارة والظن أخرى: فكأداء الشهادة على من لا يُعرف إلا بعينه، وكتحديد العقار ببلدِهِ ومكانِه، وغير ذلك)(1).
يقال فيه: ما ذكره الشيخ من هذه الأمثلة، فيه نظر، والأقربُ أنه لا يشترط العلم، وأنه يكفي غلبةُ الظن، إذ العلمُ الذي هو الاعتقاد الجازم، بعيدٌ.
353 -
قوله: (وكالشهادة بالعُسرة، فإنها شهادة بنفي الغِنَى، ولا مستند له إلا الظن، وكذلك الشهادة بالتعديل، فإنها مبنية على النفي والإثبات)(2).
يقال فيه: الوجه الصائر إلى أنه لا بدّ في شهادة الإعسار من ثلاثة -كما هو ظاهر الحديث (3) -، طرده شيخنا رضي الله عنه في كل ما كان كالإعسار مما يَخفَى، كالتعديل ونحوه. قال: وبه صرَّح الفُوراني (4) في التعديل.
(1) قواعد الأحكام 2: 38 ونصه: (ومن التصرفات، ما يشترط فيه العلم تارةً والظن أخرى. فأما ما يشترط فيه العلم، فكأداء الشهادة على من لا يُعرف إلا بعينه
…
).
(2)
قواعد الأحكام 2: 38.
(3)
كأنه إشارة إلى حديث قَبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه، قال: تحمّلتُ حَمَالةً فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:(أَقِمْ حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها). قال: ثم قال: (يا قَبيصة إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة)، فذكر منهم:(ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحِجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو قال سدادًا من عيش) الحديث. صحيح مسلم 2: 722. وفي بعض رواياته (حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحِجا من قومه: قد أصابت فلانًا فاقة) كما في سنن النسائي 5: 89 (2580).
(4)
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فُوران -بضم الفاء- الفُوراني، أَبو القاسم المَرْوَزي، أحد الأعيان من أصحاب الففال. قال عنه الذهبي:(العلامة كبير الشافعية الفقيه) وقال: له المصنفات الكثيرة في المذهب والأصول والجدل والملل والنحل، وطَبَّق الأرض بالتلامذة، وله وجوه جيدة في المذهب. وكان مقدّم الشافعية بمرو.=
ومن نَصَر المذهب، أجاب بأن الحديث محمولٌ على الاستظهار استحبابًا، بالقياس على الأموال، لأن القياس يعيِّن أحد المحملَيْن.
354 -
قوله في المثال الثالث منه: (ما يصلَّى عليه وفيه (1): لو شُرط فيه يقين الطهارة، لفاتت المصالح التي لأجلها وجبت الطهارة) (2).
يقال عليه: الأحسن في هذا المثال الثالث، أن يقال: ما يصلَّى عليه [وفيه](3): لو شُرط يقين الطهارة، لشَقَّ ذلك، لأن يقين الطهارة ممكن بالغَسل في ماء كثير، ومثل ذلك لا يؤدّي إلى فوات المصالح التي لألجها وجبت الطهارة.
355 -
قوله بعد ذلك في المثال السابع: (حقوق الأموات المختصة بأهل الإسلام، فإنا لا نقطع موت أحد منهم على الإسلام إلا في حق من لا يَعمل كالأطفال والمجانين)(4).
يقال عليه: الأطفال والمجانين محكومٌ بإسلامهم تبعًا، وإذا كان لا يُقطع بإيمان المتبوع فلا يُقطع بإيمان التابع، فاستثناءُ الشيخ، (الأطفالَ والمجانين)، بعيد.
356 -
قوله: (وكذلك لا يُقطع برُشد المدّعي والمنكرين)(5).
= انتهى. صنف (الإبانة) و (العمدة). وهو شيخ الفقيه أبي سعد المتولي صاحب (التتمة) يعني: تتمة كتاب الإبانة. توفي رحمه الله، سنة إحدى وستين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء 18: 264 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1: 248.
(1)
أي: ما يصلَّى عليه من المكان، وما يصلَّى فيه من اللباس.
(2)
قواعد الأحكام 2: 39.
(3)
هنا وقعت في المخطوط كلمة صورتها هكذا: (ونهيه) بدون نقط. وهي كلمة غريبة لم يتضح معناها ولا علاقتها بالسياق، فلهذا أثبتُّ كلمة (وفيه) حسب ما جاءت في نص الشيخ ابن عبد السلام الذي ساقه البلقيني مع هذا التعليق.
(4)
قواعد الأحكام 2: 40.
(5)
قواعد الأحكام 2: 42.
يقتضي أنه يُشترط في كلٍّ من المدّعي والمنكر، كونه رشيدًا. وهي طريقة القاضي حسين (1) نقلها عنه ابن الرِّفعة (2) وجرى عليها الشيخ في (التنبيه)(3) والأصح المجزوم به في (الشرحين) و (الروضة) خلافُه (4). فلن تصح دعوى السفيه، فإذا آَل الأمر إلى قبض مالٍ، قبضه الولي.
وأنكر شيخنا (5) ما ذُكر عن القاضي (6) وقال: ما ذكره الشيخ (7) في
(1) هو القاضي حسين بن محمد بن أحمد المَرْوَالرُّوذي، أَبو علي، الإمام المحقق من كبار أصحاب القفال. قال الرافعي: كان غواصًا في الدقائق، وكان يلقب بحبر الأئمة. توفي رحمه الله، سنة اثنتين وستين وأربعمائة. طبقات الفقهاء للشيرازي ص 234، والأنساب 5: 262 وسير أعلام النبلاء 18: 260. و (المَرْوَالرُّوذي): بفتح الميم والواو، بينهما الراء الساكنة، بعدها الألف واللام، وراء أخرى مضمومة، بعدها الواو، وفي آخرها الذال المعجمة. هذه النسبة إلى (مَرْو الرُّوذ)، وقد نخفف فتقال:(المَرُّوذي). وهي غير (المَرْوزي) بالزاي، التي هي نسبة إلى بلدة (مَرْو الشاهْجان)، كما في الأنساب 5: 262 و 5: 265.
(2)
هو أحمد بن محمد بن علي نجم الدين أَبو العباس بن الرفعة الأنصاري المصري، الشيخ العالم العلامة شيخ الإسلام وفقيه الزمان. صنَّف الكتابين العظيمين المشهورين:(الكفاية) في شرح (التنبيه) للشيرازي، و (المَطْلَب) في شرح (الوسيط) للغزالي. وله كتاب في الموازين والمكاييل. قال الإسنوي: لا نعلم في الشافعية مطلقًا بعد الرافعي من يساويه. وكان خَيِّرًا محسنًا إلى الطلبة. ولد سنة خمس وأربعين وستمائة، وتوفي رحمه الله، سنة عشر وسبعمائة. طبقات الشافعية لابن السبكي 9: 24 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2: 211.
(3)
التنبيه للشيرازي ص 261 والمراد بـ (الشيخ) هنا هو نفسه.
(4)
ينظر روضة الطالبين 10: 5.
(5)
أي: البلقيني، والقائل تلميذه ناسخ المخطوط.
(6)
أي: القاضي حسين، السابق ذكره.
(7)
أي: أَبو إسحاق الشيرازي، المشار إليه قبل أسطر.
(التنبيه) من قوله: (لا يصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدّعيه)، لا يستقيم (1) من وجوه:
أحدها: أن العبد يدّعي على سيده العتق، ولا تصرف له فيه.
فإن قيل: العتق، يُشهد فيه بالحسبة، وما شُهد فيه بالحسبة لا تُسمع فيه دعوى الحسبة عند القفال (2) خلافًا للقاضي حسين؟.
قلنا: محل خلاف القفال وفتواه: ما إذا كان هنا أيُّ بينة تشهد، فإن شهادتها مُغنيةٌ عن سماع الدعوى. فأما إن لم يكن هناك بينة فإنه تُسمع
(1) لم تتبين كلمة (يستقيم) هنا في المخطوط، ولكن يبدو من رسمها رجحان إثباتها هكذا، لأنها ستأتي بعد قليل واضحة في قول البلقيني:(وظهر بذلك أن هذه العبارة التي وقعت في (التنبيه)، لا يستقيم أمرها
…
).
(2)
القفّال هذا: هو (القفّال المَرْوَزي)، لا (القفّال الشاشي) رحمهما الله تعالى، لأن المَرْوزي يُطلَق عند الذكر غالبًا، أما الشاشي فإنه إذا ذُكر قُيِّد بـ (الشاشي).
والقفّال المَرْوَزي هو: عبد الله بن أحمد، أَبو بكر، الفقيه الشافعي، شيخ طريقة الخراسانيين. كان وحيدَ زمانه فقهًا وحفظًا وورعًا وزهدًا. وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره. وتخاريجُه كلها جيدة. رحل إليه الفقهاء من البلاد وتخرج به أئمة، منهم القاضي حسين، والشيخ أَبو محمد الجويني والد إمام الحرمين، وغيرهم، وكلُّ واحد منهم صار إمامًا يشار إليه، ولهم التصانيف النافعة، ونشروا علمه في البلاد. له شرح (المختصر)، وشرح (الفروع) لأبي بكر محمد بن الحداد، وهما من عجائب الكتب. وله (الفتاوى) في مجلدة ضخمة كثيرة الفائدة. ولد سنة 327 وتوفي سنة 417 وهو ابن تسعين سنة رحمه الله.
ذكر القاضي حسين عن أستاذه القفال أنه كان في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدروس، ثم يَرفع رأسَه ويقول: ما أغفلَنا عما يراد بنا! رحمه الله.
وفيات الأعيان 3: 46 وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1: 496 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1: 183 وطبقات الشافعية لابن السبكي 5: 53 والأعلام للزركلي 4: 66.
الدعوى بلا خلاف. وحينئذ فالعبد يدّعي العتق ولا يتصرف فيه. فقد سُمعت الدعوى من غير مطلق التصرف فيما يدّعيه.
الوجه الثاني: الزوجة تدّعي النكاح على زوجها، وليست مُطلَقَة التصرف فيما تدّعيه؛ لأنها إن كانت مُجبَرةً، فالعقد عليها يتولّاه المُجبَر بغير إذنها. وإن كانت غيرَ مُجبَرة، فالعقد عليها يتولاه غير الولي بإذنها المعتبر. وعلى كلٍّ من الحالين، فهي غير مُطْلَقَة التصرف في النكاح، وقد سُمعت دعواها مع اقترانها بحق من حقوق النكاح قطعًا، وكذا إن تمحّضت دعوى الزوجية على الأصح.
الوجه الثالث: الوكيل بمجرد الدعوى: ليس مطلَقَ التصرف فيما يدّعيه، وتُسمع دعواه اتفاقًا.
الوجه الرابع: دعوى المحجور عليه بالفلَس: لا يملك التصرف فيما يدّعيه، وتصح دعواه بلا خلاف.
الوجه الخامس: دعوى المستولدة: الاستيلادَ؛ والعبدِ: التدبيرَ، مسموعةٌ على السيد على المذهب. وليسا بمطلَقَيْ التصرف فيما يدّعيانه.
الوجه السادس: دعوى النسب صحيحة بالاتفاق، وليس للمدّعي به مطلق التصرف فيما يدّعيه.
فإن قيل: تصرُّفه: أنّ له أنْ يستلحقه. قلنا: لا تصرف في ذلك، لأن التصرف: ما يملكه ويملك تركَه، والاستلحاق واجب عليه عند ظهور مقتضيه، فليس من التصرف المملوك المخيَّر فيه.
وظهر بذلك أن هذه العبارة التي وقعت في (التنبيه)، لا يستقيم أمرها، ولا يُعمل بمقتضاها.
وإذا كانت كذلك فلا يؤخذ منها (بطلان دعوى السفيه)، لأنه لا يُدرَى
ما المراد بها. ولم يذكرها الشيخ (1) في (المهذّب)، ولا أحد من الأصحاب، وليس لها مخرج تصح به.
ولم يذكر الشافعي رضي الله عنه، ولا أحد من الأصحاب، اشتراطَ رُشد المدّعي. فقد نص الشافعي في كتبه كلها على نصوص كثيرة في الدعاوى، ليس في شيء منها إخراجُ السفيه من الدعوى، وكذلك جرى عليه الأصحاب.
وقد أجمع العلماء القائلون بالقضاء باليمين المردودة، واليمين مع الشاهد، على أنه يحلف عند نكولى المدَّعى عليه، وعلى أنه يحلف مع شاهد. فثبت بذلك أن الحالف -وكُلُّ من صح حلفُه-، صحت دعواه، كالرشيد.
فإن قيل: الرشيد يصح قبضه فصحت دعواه، والسفيه لا يصح قبضه فلا تصح دعواه.
قلنا: هذا كلام فاسد، لأن السفيه يصح قبضه بإذن الولي، ولئن قلنا: لا يصح قبضه، فالولي يَقبض له.
فإن قيل: فكيف يكون غيرَ القابض؟ (2)
قلنا: الوكيل في الدعوى وإثبات الحق، لا يستوفيه. فيكون هو المدّعي (3)، والوكيل هو القابض، أو من يأذن له الموكِّل في الاستيفاء (4).
(1) أي: أَبو إسحاق الشيرازي، صاحب (المهذّب).
(2)
أي: إذا كان السفيه يصح دعواه ولا يصح قبضه، فيُستشكل عليه أنه كيف يكون المدّعي شخصًا غير الشخص القابض؟
(3)
أي: يكون الموكِّل هو المدّعي.
(4)
يعني: أن المدّعي بإثبات الحق، لا يستوفيه، وإنما يوكِّل غيرَه في الاستيفاء والقبض، فيكون المدّعي في هذه الصورة غيرَ قابض، وإنما القابض هو وكيله أو من يأذن له المدّعي في القبض.
ونحن نقول في مقابلة هذا: كيف يكون المدّعي، غيرَ الحالف (1)؟ فإن قيل: لاختلاف المُدرَك. قلنا: وكذلك يكون المدّعي غيرَ القابض، لاختلاف المُدرَك. انتهى.
357 -
قوله: (وما ذكرتموه من إجماع المسلمين على جواز معاملة المجهولِين، وقبول هداياهم، وأكل ضيافاتهم، وأَخْذ صدقاتهم، وتنفيذ إعتاقهم، مع أن الغالب على الناس فسادُ الدين: مشكل على الشافعي رحمه الله. قلت: الجواب عن هذا عَسِرٌ، والآيةُ لا تدل على مذهب الشافعي، فإن قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] لا دلالة فيه على أن المراد بالرشد: إصلاح المال والدِّين)(2).
يقال عليه: لا عُسر في الجواب بفضل الله؛ لأن الحَجْر المُثبَت على شخصٍ معيّن، لا يرتفع إلا بظهور الطريق التي ترفعه، لأن الحكم له أو عليه يقتضي ذلك.
وأما ما استند إليه من إجماع المسلمين على الوجه الذي ذكره، فلا يُستشكل به ذلك، لأن هذا ليس فيه حكمٌ على معيّن، وإنما فيه إجراءُ الأمور على مقتضى الظاهر. وسدادُ التصرف وإن كان له أسباب قبل إبرامه يخفى، فإن من ذَكَر تجوَّز أن يكون تصرُّفُه صدر في حياة أبيه الذي هو وليٌّ عليه، وأقرّه الأب على ذلك، وهذا مقتضى مفاسد الحَجْر (3).
(1) يعني إذا كان القائلون بمنع صحة دعوى السفيه يقولون: كيف يكون المدّعي غيرَ قابض، فيقول البلقيني: نحن نقول في مقابلة ذلك: كيف يكون المدّعي شخصًا غير الحالف؟ فما تُجيبون به هناك، يكون هو جوابنا هنا.
(2)
قواعد الأحكام 2: 43 - 44.
(3)
لم تتضح بعض الكلمات في المخطوط في هذه الفقرة، لذا يُلحظ شيء من عدم الوضوح في فهم معنى الكلام.
ويحتمل أن يكون ذلك المُعامَل مات أبوه قبل بلوغه واتصل حاله (1) بمن رَشَّده. ويحتمل بقاء الحجر فيهما.
فكان الاحتمال بذلك ضعيفًا لا يقاوِم الاحتمالين الأوَّلَين واستمرارَ التصرف. فلذلك جرى الناس على هذا الحكم للمعيَّن أو عليه، في الواقعة المعيّنة المقتضية لثبوت الحَجر، على المحتاجة إلى ارتفاع الحَجر.
وأما الآية فوجه الاحتجاج بها، أن {رُشْدًا} نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط، في نظر الشافعي، تعمّ، فلا يكون مطلقًا. فلذلك اعتَبر الشافعي (الصلاح في المال والدين)، لأنه مقتضى العموم.
فإن قيل: إذا ادُّعِي على ظاهر التصرف من غير ثبوت رُشده، هل تُسمع الدعوى عليه فيما لا يُقبل إقرار السفيه به؟
قلنا: نعم، لظهور الحال وقوة الاحتمال.
فإن قال: (أنا سفيه، وإنما وليِّي أعطاني هذا، ليختبرني)، فلا يُحكم عليه حتى ينكشف الحال.
وأما تعجُّبُه مما قال الإمام (2) فهو بتأويلٍ يرجع إلى ما قال الناس، وذلك أن قوله:(إذا بلغ الصبي ولم يوجد منه ما يخالف الرشد)، يعني: بلغ رشيدًا
(1) لم تتضح هذه الكلمة في المخطوط.
(2)
المراد به: إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني. والضمير في (تعجبه) يعود على الشيخ ابن عبد السلام. ويقصد البلقيني بهذا: الإشارة إلى أن الشيخ استَشكَل هنا قولًا لإمام الحرمين يتعلق بنفس موضوع الرُّشد المتحدَّث عنه، فقال:(والعجبُ أن الإمام رحمه الله قال في (النهاية): إذا بلغ الصبيُّ ولم يوجد منه ما يخالف الرشدَ، انفكّ الحَجر عنه) ثم قال الشيخ ابن عبد السلام:(وهذا لا يليق بمذهب الشافعي رحمه الله ولا بقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فعلَّقه الرب سبحانه وتعالى على البلوغ وإيناس الرُّشد. وكيف يُحكم بانفكاك الحَجْر عنه مع أن الغالب على الناس فسادُ الدين). قواعد الأحكام 2: 44.
إلا أنه بلغ ولم يظهر رشدٌ ولا سَفَهٌ. أو يؤوَّل قوله: (انفكّ الحَجر)(1) أي: حَجْرُ الصبي، وبقي حَجر غيره على الشك.
358 -
قوله: (والذي أختاره، أن الصبي الحديث العهدَ بالبلوغ، لا ينفكّ حَجره، إلى أن ينتهي إلى حدٍّ يغلب فيه الرشد على الناس، وهذا ظاهر في رشد التصرفات. وأقصى ما يقال على الرشد في الدين: أن الظاهر من المسلمين إذا طالت أعمارهم أنهم لا يَخْلَون من وقتٍ يتوبون فيه إلى الله، ويُنيبون إليه، ولا سيما في وقت الشدائد والأمراض، وإذا صحّت توبتهم؛ خرجوا عن حيّز الفاسقين، وحصلوا على صلاح المال والدين)(2).
ما اختاره الشيخ، لا يحصل به ضبط (الرشد) لاختلاف أحوال الناس فيه.
ويقال له: ما استشكَلتَ به المذهبَ من إجماع المسلمين على جواز معاملة المجهولين، إلى آخره: مطلقٌ؛ أو مقيدٌ بانتهاء المجهولين إلى حدّ يغلب فيه الرشد على الناس؟
إن كان مطلقًا، فكيف اختار خلاف الإجماع؟ وإن كان مقيدًا بما ذَكر، فالواقع يردّه.
وأيضًا، فقول الشيخ خارجٌ عن قول من اعتَبر خمسًا وعشرين سنةً، وعن قول (3) من اعتَبر الولادة في النساء.
359 -
قوله في الاجتهاد في الأوقات: (ويشترك فيه الأعمى والبصير)(4).
(1) يعني: في قول إمام الحرمين المتقدم في الهامش السابق.
(2)
قواعد الأحكام 2: 44 وهو تعليق من الشيخ ابن عبد السلام على قول إمام الحرمين الذي سبق نقله، وكان محلَّ إشكال عنده.
(3)
لم تتضح هذه الكلمة في المخطوط، وقدّرتُ أن تكون هكذا بمقتضى السياق.
(4)
قواعد الأحكام 2: 45.
يزاد عليه فيه قولٌ: أنه يختص في البصير، نَصّ عليه الشافعي في (الأم).
360 -
قوله في المثال التاسع عشر، في أثناء القسم الثامن:(وإذا اجتهد المجتهد فله أحوال: إحداها (1): أن يؤدّيه اجتهاده إلى العلم بمطلوبه)، إلى آخره (2).
يقال فيه: الاجتهاد اصطلاحًا: عبارة عن النظر في الدليل، كما سنذكره بعدُ، وذلك غير مؤدٍّ إلى العلم قطعًا، إنما يكون مؤدّيًا إلى الظن، فلا يحسن في التقسيم أن يقال:(أحدها: أن يؤدّيه اجتهاده إلى العلم بمطلوبه)، إلا أن يريد:(الاجتهاد اللغوي) الذي هو بذل المجهود في طلب المقصود. وليس الكلام فيه، إنما الكلام في (الاجتهاد) الذي هو النظر في الدليل، وحينئذ (فالظفر بالنص أو الإجماع أو القياس الجليّ)(3)، لا يسمّى اجتهادًا، ومن ثَمّ يقولون:(لا إنكار في مسائل الاجتهاد) ونحو ذلك.
وكذلك (الظفر بالطاهر من الأواني والثياب قطعًا)(4)، إن تُصوِّر: لا يسمى اجتهادًا.
(1) جاءت كلمة (إحداها) مرسومة في المخطوط هكذا: (إحديها). وفي قواعد الأحكام 2: 45 (أحدها) وهكذا سيأتي في قول البلقيني بعد قليل: (فلا يحسن في التقسيم أن يقال: أحدها: أن يؤديه اجتهاده إلى العلم بمطلوبه).
(2)
قواعد الأحكام 2: 46 والنص بتمامه هكذا: (وإذا اجتهد المجتهد فله أحوال: أحدها: أن يؤدّيه اجتهاده إلى العلم بمطلوبه
…
، كما لو نَظَر في أدلة الأحكام، فظفر بنص أو إجماع أو جليّ من القياس. وكذلك قد يظفر بالطاهر من الأواني والثياب قطعًا
…
). وسوف يعلّق البلقيني بعد قليل على قول الشيخ العز عن (الظفر بنص أو إجماع) الخ، ثم يعلّق بعده على قوله عن (الظفر بالطاهر من الأواني والثياب)، ولهذا لزم توجيه القارئ إليه هنا.
(3)
هذا وارد في كلام الشيخ ابن عبد السلام كما سبقت الإشارة إليه في الهامش المتقدم.
(4)
هذا أيضًا وارد في كلام الشيخ ابن عبد السلام كما سبقت الإشارة إليه في الهامش المتقدم.
361 -
قوله في القسم المذكور: (وكذلك الظفر بعين الكعبة، والظفرُ بجهتها بالدلالات القاطعة عليها من الكواكب وغيرها)، إلى آخره (1).
يقال عليه: إن أراد: (معاينة عينها)، فهذا لا يسمى اجتهادًا، وإن أراد:(إصابة العين من بُعدٍ)، فالقطع بعيدٌ، لعدم الدليل القاطع.
362 -
قوله بعد ذلك: (الحالة الثانية (2): أن يتبيّن للمجتهد، أنه أخطأ مطلوبَه، وله حالان: إحداهما (3) أن يتبيّن خطأَه (4) بالاجتهاد الظني: فإن كان في غير الأحكام، كالعبادات والمعاملات، فالورع: العملُ بالاجتهاد الثاني إن كان فيه احتياط للعبادات والمعاملات) (5).
يقال عليه: مراده أن يتبيّن ظنًّا. ومراده بـ (الأحكام): (الأقضية). وكان الأولى، التعبيرُ (6) بـ (نحو ذلك)، لئلا يُلتبس.
وقوله: (فالورع: العملُ بالاجتهاد الثاني إن كان فيه احتياط للعبادات والمعاملات):
عسِرُ التصوير، لأنه إذا اجتَهد في (القبلة) مثلًا، وأدّاه اجتهاده إلى جهةٍ، فصلَّى إليها الظهر، ثم اجتهد ثانيًا، فتبيّن أنه أخطأ مطلوبَه، وقلنا: يعيد
(1) قواعد الأحكام 2: 47.
(2)
من حالات اجتهاد المجتهد.
(3)
جاءت مرسومة في المخطوط هكذا: (إحديهما)، وهي كذلك في قواعد الأحكام 2:47.
(4)
أي: أن يتبيّن المجتهدُ خطأَه. وفعل (تبيّن) يأتي لازمًا ومتعديًا معًا، ففي تاج العروس 34: 297 (وبان بيانًا اتضح فهو بيّن كسيّد
…
وبِنتُه وبيّنتُه وتبيّنتُه واستبنتُه أوضحتُه وعرَّفتُه، فبان وبيَّن وتبيَّن وأبان واستبان، كلها لازمة متعدية).
(5)
قواعد الأحكام 2: 47.
(6)
لم تتضح هذه الكلمة في المخطوط.
الظهر إلى الجهة الثانية، فلا يقال مِن هذا: إنه عمل بالثاني، لأن (1) الاجتهاد لا يُنقض -لو شكًّا (2) - بالاجتهاد.
وإن كان المراد: أنه اجتهد، وأدّاه اجتهاده إلى جهةٍ عَلِمَه يصلّي (3) إليها حتى لا يَجتهد ثانيًا، وتغير اجتهاده، فلا يمكن أن يقال: يصلي الصلاة إلى الجهتين، ولا أن يعمل بالثاني. وليس العمل بالثاني حينئذ، احتياطٌ.
ولعله احتَرز بقوله: (إن كان فيه احتياطٌ)، عما إذا تغير اجتهاده في الأواني. والكلام في أحكام الشرع فيه، معروف في موضعه. انتهى.
363 -
قوله في الحالة الثانية (4)، في تيقن الخطأ:(وإن كان خطؤه في النجاسات، بأنْ تبيّن أنه اغتَسل أو توضأ بماء نجس، فإنه يلزمه الإعادة)، إلى آخره (5).
يقال عليه: لا يُتصور جعلُه قسيمًا، بل هو قسم منها، أعني:(إزالة النجاسة)(6).
(1) يوجد بعده بياض في المخطوط. لكن الكلام يبدو متصلًا.
(2)
لم تتضح الكلمة في المخطوط.
(3)
لم تتضح الكلمة بالمخطوط هل هي (يصلّي) أم (فصلَّى)؟
(4)
في المخطوط: (الثالثة) وهي سهو فلم. وهذه الحالة الثانية هي المذكورة في قول الشيخ في قواعد الأحكام 2: 47 (أن يتبيّن للمجتهوإنه أخطأ مطلوبَه)، وذكر تحته:(وله حالان: إحداهما: أن يتبين خطأه بالاجتهاد الظني) وهذه قد سبق التعليق عليها، ثم قال الشيح:(الحال الثانية: أن يَتيقَّن أنه أخطأ)، وهذه التي يعلّق عليها البلقيني هنا.
(5)
قواعد الأحكام 2: 47.
(6)
توضيح هذا الكلام أن الشيخ ابن عبد السلام قال فيما إذا (تيقّن المجتهد أنه أخطأ في اجتهاده): أنه إن كان هذا الخطأ في أحكام الشرع، بأن عَرَف أن حكمه أو فُتياه مخالفان للنص أو الإجماع أو القواعد الكلّية
…
فإنه يتبين بطلان حكمه وفتياه لمخالفته لقواطع الأدلة. ثم قال الشيح: وإن كان خطؤه في النجاسات
…
فإنه يلزمه الإعادة. =
أما ما يغيّر النجاسة فهي من الأحكام على طريقة؛ وإعلام بالحكم على طريقة. والكلام في ذلك معروف في كتب الأصول.
364 -
قوله: (فإن أخطأ الجهة ففي الإعادة قولان)، إلى آخره (1).
ما ذكره من مأخذ القولين، لا يظهر مأخذهما، أنه يؤمر مثله في القضاء أو بعذر؟.
365 -
قوله: (وإن أخطأ في التقويم، بأن اطّلع على صفة نفيسة تقتضي زيادة كبيرةً، أو على صفة خسيسة تقتضي نقصًا كبيرًا من القيمة، بطل التقويم؛ لأن الخطا والعمد سِيّان في تفويت الأموال)(2).
يقال عليه: ما ذكره من بطلان التقويم، محلُّه ما لم يكن هناك حكمُ قاضٍ به، فإن كان هناك حكمُ حاكمٍ، فإنه لا يَبطل قطعًا لِما فيه من نقض الاجتهاد بالاجتهاد. والأحسن أن يقال في تعليل البطلان:(لأنه لا عبرة بالظن البيّن خطؤه).
366 -
قوله: (الحالة الثانية (3): أن يتحيّر في مياه الأواني، فإنْ أمكن أن يحصل من مجموعها قُلّتان، بأن يكون معه إناء يصبّ الجميع فيه، لزمه ذلك.
= فجعل الشيح: (الخطأ في إزالة النجاسات) قسيمًا مقابلًا لـ (الخطأ في الأحكام)، فيعلّق البلقيني على هذا، بأنه لا يتصور كونه قسيمًا، بل هو قسم من نفس (الخطأ في الأحكام).
(1)
قواعد الأحكام 2: 48. والنص فيه بتمامه هكذا: (وإن أخطأ في القبلة: فإن أخطأ بتيامن يسير أو تياسر يسير، أجزأته صلاته على المختار لتعذر الاحتراز من ذلك المقدار. وإن أخطأ الجهةَ، ففي الإعادة قولان، مأخذُهما أن فرضه هل هو استقبال الكعبة أو استقبال جهة يظُنّ فيها الكعبة).
(2)
قواعد الأحكام 2: 48.
(3)
أي: من حالات تحيّر المجتهد في اجتهاده وعدم ظهور مقصوده له.
وإن تعذّر ذلك، فمذهب الشافعي أنه يصبّ الجميع. وفي إلزامه بالصبّ إشكال) (1).
يقال عليه: جواب هذا الإشكال، أنه مفقود في الأوانى، بخلاف ما إذا حال بينه وبين الماء سبُعٌ ونحو ذلك. فلذلك أُلزم بالصبّ في مسألة الأواني.
367 -
قوله: (السابعة: إذا تحيّر الأسير في معرفة شهر رمضان، فهذا مشكل، إذ لا يمكن أن يصوم الدهرَ ليَخرُج عما عليه بيقين، لوجهين: أحدهما: ما في ذلك من المشقة القادحة. والثاني: تعذّرُ جزم النية في كل يوم يصومه)(2).
يقال عليه: الظاهر في الأسير إذا تحيّر، أن يصبر إلى أن يَتَيقّن، ولو أدَّى ذلك إلى صبر سنةٍ، إلا في حق من لا يَعرف الليل من النهار كالمحبوس في مطمورة ونحوها، فإنه يصوم كيف اتّفق، ويَقضي.
368 -
قوله: (فإن قيل: كيف صحّت صلاة المستحاضة وصومها مع عدم جزم النية، للتردّد في الوجوب)، إلى آخره (3).
يقال عليه: عدم جزم النية في هذه المسألة وأنظارها، مغتفر للضرورة، وذلك هو الجواب عن مسألة المستحاضة وصومها.
وما ذكره الشيخ في الجواب، من:(أيام الطهر أغلبُ من أيام الحيض)
(1) قواعد الأحكام 2: 49 ووجه الإشكال ما ذكره الشيخ العز بقوله: (وفي إلزامه بالصب إشكال من جهة أن الممنوع شرعًا كالممنوع حِسًّا. فوجودُ هذا الماء كعدمه، لأنه عاجز عن استعماله شرعًا، فيصير كوجدان الماء الذي يحتاج إليه للعطش أو إلى ثمنه في ذهابه وإيابه. وقد تقرّر أن العجز الحكمي كالعجز الحسيّ، فإن من وَجَد ماءَ في وادٍ أو نهر لا يقدر على الوصول إليهما، بمثابة من فقدهما).
(2)
قواعد الأحكام 2: 49.
(3)
قواعد الأحكام 2: 50.
إلى آخره (1)، لا يدفع عدم الجزم بالنية، فلا يَرِد ما ذكره في الأسير من: أنّ أيام الفطر أغلبُ، لأن الضرورة مراعاةٌ في الجميع.
369 -
وقوله: (ولا يستقيم هذا الجواب على أصل الشافعي رضي الله عنه)، إلى آخره (2).
قد بُيّن جواب إشكاله قبلُ بأوراق، فليُراجَع.
370 -
قوله: (إذا اشتبه عليه ماءٌ وبولٌ، فاجتهد فيهما، فإنْ أدّاه اجتهاده إلى اليقين، بَنَى عليه. وإنْ لم يُفِدْه إلا الظن، فالأصح أنه لا يَبني. والفرق بينه وبين الاجتهاد في المياه، أن الأصل في المياه: الطهارة)، إلى آخره (3).
ينبغي أن يكون الأصح، أنه يبني عليه. وما ذكره من الفرق غيرُ متّجه، لأنه بعد ورود النجاسة على أحدهما، زال الأصل فيه، ولا فرق بين إناء نجس، وإناء متنجس.
(1) قال الشيخ في الجواب المشار إليه عن الاستشكال على صحة صلاة المستحاضة مع عدم وجود الجزم بالنية، بخلاف ما في مسأله الأسير:(الجواب، أن أيام الطهر أغلبُ من أيام الحيض، فيكون الغالبُ وقوعَ الصوم والصلاة في أيام الطهر، ولا يكون الترددُ بين الطهر والحيض متساويَ الطرفين، بخلاف تردد الأسير فإن زمان الفطر أكثرُ من زمان الصيام، ولا يُتصور جزم النية مع ذلك، لأن غلبة أيام الفطر تمنع من الجزم بصوم رمضان) ثم قال: (ولا يستقيم هذا الجواب على أصل الشافعي رحمه الله، من جهة أن احتياطها مبني على أن طهرها أقل الطهر، وحيضها أكثر الحيض، وهما متقاربان. ومذهب الشافعي في ذلك في غاية الإشكال). قواعد الأحكام 2: 50.
وقول البلقيني هنا: (وما ذكره الشيخ في الجواب، من: أيام الطهر
…
)، هكذا جاءت العبارة في المخطوط. والمراد: (من أنّ أيام الطهر
…
) كما جاء في المطبوع من قواعد الأحكام.
(2)
قواعد الأحكام 2: 50 وتقدم نقل هذا الجواب في الهامش السابق.
(3)
قواعد الأحكام 2: 51.
وقولهم: (من شروط الاجتهاد: أن يكون لكلٍّ منهما أصلٌ في التطهير): ممنوع، لِما ذكرناه. وما ذكرناه هو الأصح عند شيخنا.
371 -
قوله بعد ذلك: (الضرب الثاني: في الدعوى النافية لثبوت الحق من أصله: وهي خبرٌ مجردٌ لا طلبَ فيها)(1).
يقال عليه: محله ما لم يكن (2) الدعوى لطلب قطع النزاع على ما ذكره الماوردي.
قلت: فخبرٌ مجرد، يلي (3) فيها طلب قطع النزاع.
372 -
قوله: (الرابعة: أن ينكُل المدّعِي عن اليمين المردودة، فيَصرف الخصمين (4) لعدم الحجة، ويَمنعهما من الاختصام، لأن أحدهما كاذب، فيكون منعهما من باب النهي عن المنكر (5).
ما ذكره فيما (أن يمتنع المدّعي من اليمين المردودة): محلّه ما إذا امتنع من الحلف، وكان حلِفُه يُثبِت له حقًّا يأخذه من المدّعَى عليه.
فأما لو كان حلفُه يُسقِط عنه حقًّا للمدّعَى عليه، كما لو ادَّعَى على شخص ألفًا من ثمن مبيع، فقال: قد أَقبضتُه له، فأنكر البائع، فالقول قوله
(1) قواعد الأحكام 2: 53.
(2)
هكذا في المخطوط: (يكن) بنقطتين واضحتين تحت الياء. ووجه التنبيه إليه، ملاحظةُ سواغية استعمال أسلوب تذكير الفعل مع كون الفاعل (وهي كلمة "الدعوى" مؤنثة تأنيثًا مجازيًّا.
(3)
كلمتا (فخبر) و (يلي) غير واضحتين في المخطوط.
(4)
كذا يبدو في المخطوط: (الخصمين) وعليه فالمعنى: (فيَصرف الحاكمُ الخصمين). وجاءت الكلمة بالرفع في قواعد الأحكام 2: 54: (فيُصرف الخصمان).
(5)
قواعد الأحكام 2: 54.
بيمينه في عدم القبض. فإنْ حَلَف: استَحقَّها؛ وإن نَكَل، وحَلَف المشتري، انقطعت الخصومة.
وإن نَكَل المشتري أيضًا، وهو المدّعِي للقبض -والحالةُ كما ذكرنا- فقضية ما في (الشرح) و (الروضة) في (كتاب الشركة) (1) أن المذهب الصحيح: أن المشتري يُلزَم بالألف، وأن ابن القطان (2) حكى وجها بالمنع، لئلا يؤدي إلى القضاء بالنكول. قال الرافعي: والمذهب خلافه، فليس هذا حكمًا بالنكول، وإنما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشِّرَى (3) ابتداء. وليس ذلك في مسألة الشريكين في العبد، يبيعه أحدُهما من الآخر، ثم يُجعل النزاع في قبض ثمنه.
وعلى قياس ذلك، لو ادَّعَى عليه دَينًا، فقال: أَقبضتُه، أو أَبرَأَني منه، فأَنكَر ونَكَل عن اليمين، وردَّها على مدّعِي القضاء أو الإبراء، فنَكَل عن اليمين، أنه يطالَب بالدَّين.
ويمكن أخذ ذلك مما ذكره صاحب (الروضة) في امتناع المدّعي من الحلف من جهة أنه إذا نَكَل عند ردّ اليمين عليه، لا يستفيد بذلك مقتضى دعواه، فلا تأخير ذلك (4)؛ لا يستفيد المشتري، ومدّعِي الإبراء ونحوُه به، ما ادّعاه من الأداء والإبراء، فيلزمه المال، وقد اتضح ذلك (
…
(5)).
(1) الشرح الكبير للرافعي 10: 445 وروضة الطالبين 4: 287.
(2)
هو أَبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن القطان البغدادي. قال الخطيب البغدادي: هو من كبار الشافعيين، وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه. توفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، رحمه الله. وفيات الأعيان 1: 70 وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 2: 500.
(3)
هكذا جاءت الكلمة مرسومة في المخطوط. وهي بمعنى (الشراء)، ففي مختار الصحاح ص 142 (الشّراء: يُمدّ ويُقصر. وقد شَرَى الشيء يشريه شِرًى وشراءً).
(4)
لم تتضح هذه الكلمة في المخطوط.
(5)
لم يتضح معنى الكلام في هذه الفقرة. وما بين القوسين بياض في المخطوط.
وكذلك لو كان حلفُه يُسقِط عنه حقًّا، إما للمدَّعَى عليه أو لله، كما لو وَلَدَتْ فطلَّقها، ثم ادّعت تقدم الطلاق، فقال: لا أدري، فإنه لا يُقنَع منه.
فإن حَلَف أن الطلاق لم يتقدم (1)، انقطعت الخصومة. وإن نَكَل، حَلَفتْ هي، ولا عدّة عليها، فإن نَكَلتْ فعليها العدّة (2).
وفي (الشرح) و (الروضة) في (كتاب العِدد): (قال الأصحاب: وليس
(1) في المخطوط: (لم تقدم). والتصحيح من روضة الطالبين 8: 383.
(2)
وجدتُ مضمون كلام البلقيني هذا، منقولًا عند الرملي الوالد في (حاشيته على شرح روض الطالب) 4: 405 معزوًا إلى البلقيني (بدون تسمية كتابه هذا) فأحببتُ إيراده هنا لكونه ملخصًا جيدًا، ولأنه يشهد لتوثيق نسبة كتاب البلقيني هذا إليه، حيث إن المضمون الوارد هنا، هو نفسه معزو للبلقيني عند الرملي. وفيما يلي ما نقله الرملي من كلام البلقيني المتعلق بهذا المضمون، في (حاشيته على شرح روض الطالب) 4: 405:
قال الرملي: (قوله: وامتناع المدعي عن المردودة نكول إلخ. قال البلقيني: إنه مقيد بقيدين:
أحدهما: أن يكون حلف المدعي يُثبت له حقا يأخذه من المدعى عليه. فإن كان حلفه يُسقط حقًّا للمدعى عليه، فإنه إذا نكل عن اليمين، فله -يعني المدعى عليه- مطالبة خصمه بالحق الذي ادَّعَى به، كما إذا ادَّعَى على شخص ألفا من ثمن مبيع، فقال: أقبضتُه له، فأنكر البائع، فالقول قوله بيمينه في عدم القبض. فإن حَلَف: استَحَقّ الألف؛ وإن نَكَل، وحلف المشتري: انقطعت الخصومة. وإن نَكَل المشتري عن اليمين أيضًا -وهو المدّعي للقبض- فالصحيح في أصل (الروضة) في (الشركة): أن المشتري يُلزَم بالألف مؤاخذةً له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.
ثانيهما: أن لا يكون هناك حق لله مؤكّد يسقُط عن المدعِي بحلفه. فإن كان لم يسقط بنكول المدعِي، كما إذا وَلَدتْ وطلَّقها، ثم قال: وَلدتِ ثم طلّقتُك، وقالت: وَلدتُ بعد الطلاق، فالقول قوله بيمينه. فإن حَلَف فعليها العدة؛ وإن نكل وحلفتْ فلا عدة عليها. وإن نكلتْ فعليها العدة). انتهى كلام الرملي.
هذا قضاء بالنكول، بل الأصل بقاء النكاح وآثاره، فيُعمل بهذا الأصل ما لم يظهر دافع). انتهى (1).
ويحتمل أن يجري فيه الوجه الذي حكيناه عن ابن القطان في الفرع المذكور في (الشركة).
ويحتمل الفرق: بأن (العدّة) حقٌّ لله تعالى، فلا يسقُط بنكولها. وهذا أظهر.
373 -
قوله في توجيه القول الثاني من القولين في أن الحلف بعد النكول يُنزّل منزلة البيّنة أو الإقرار: (أنه يُنزّل منزلة الإقرار، فيكون مقصورًا على المتداعيَيْن)(2).
يقال عليه: لا حاجة للتشبيه عليه في الإقرار، لأن الإقرار لا يكون إلا كذلك، وكان الأليق به أن يُذكر في القول الأول (وهو أنه يُنزّل منزلة البينة، والأصح أنها بينة قاصرة على الخصم)، كما سيذكره.
374 -
قوله: (وإن عَلِم أو غلب على ظنه أنّ خصمه يحلف كاذبًا، فالذي أراه أنه يجب الحلف دفعًا لمفسدة كذب خصمه)(3).
(1) روضة الطالبين 8: 383.
(2)
قواعد الأحكام 2: 54.
(3)
قواعد الأحكام 2: 57 وتوضيح هذا (حيث سيحتاج إليه القارئ فيما يأتي من كلام البلقيني):
أن الشيخ ابن عبد السلام نَقَل هنا في (قواعد الأحكام) 2: 57 قول إمام الحرمين: (لا تجب اليمين قطُّ) أي لا على المدعي ولا على المدّعى عليه. ثم عَقَّب الشيخ عليه بأنه ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل. فذكر أولًا ما يتعلق بيمين المدعى عليه، والحالات التي يرى الشيخ فيها وجوب اليمين عليه. ثم ذكر ما يتعلق بيمين المدّعي والحالات التي يجب عليه اليمين فيها كذلك.
فالنص المذكور هنا (الذي ساقه البلقيني) يتعلق بيمين المدعى عليه. وقد ذكر الشيخ =
يقال عليه: لم يتعين ذلك طريقًا لدفع مفسدة خصمه، لاندفاعها بأن يَهَبه المال المدَّعَى به.
وتوقّف شيخنا أولًا في (الحالة الثانية)(1)، ثم اختار أن كلام الإمام (2) على عمومه من أنّه (لا تجب اليمين قط). واستَدَلّ لذلك بأن الله تعالى جَعَل لكل من المتداعيَين أن يشهد أربع شهادات مع القطع بكذب أحدهما، فلو كانت اليمين تجب دفعا لمفسدة كذب الخصم، لَمَا أباح له القدوم في اللعان حيث لا ولدَ إذا علم أنها لا تَفضَح قومها، وتُقدِم على اللعان.
وأوضح من هذا، جواز الاستسلام إذا قصده مسلمٌ بالقتل. فلو كان دفعُ مفسدة الخصم يجب، لَمَا جاز الاستسلام.
= ابن عبد السلام في ذلك حالين: إحداهما: أن يكون الحق المدَّعى به مما يباح بالإباحة كالأموال، فالمدّعى عليه مخير بين أن يَحلف وبين أن ينكُل إذا علم أن خصمه لا يحلف كاذبًا. وإن علم أو غلب على ظنه أنه يحلف كاذبًا، فالذي أراه أنه يجب الحلف دفعًا لمفسدة كذب خصمه. فهذه هي الحالة الأولى وهي التي يعلّق عليها البلقيني أعلاه بقوله:(لم يتعين ذلك طريقًا لدفع مفسدة خصمه ....).
أما الحالة الثانية فهي أن يكون الحق مما لا يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع. فهذه الحالة رجَّح الشيخ ابن عبد السلام فيها أيضًا أن المدّعى عليه إذا علم أن خصمه يحلف إذا نَكَل هو عن اليمين أو يغلب ذلك على ظنه، فلا يحل له النكول لما فيه من التسبب إلى العصيان، لأن الله تعالى قد أوجب حفظ هذه الحقوق بما قدَرَ عليه المكلف من أسباب الحقوق، واليمينُ هاهنا سببٌ حافظ فلا يجوز تركه.
هذا ما يراه الشيخ ابن عبد السلام في هذه الحالة الثانية، لكن البلقيني يرى التوقف فيها كما سيأتي بعد قليل في قول الناسخ تلميذ البلقيني: (وتوفف شيخنا أولًا في الحالة الثانية
…
).
(1)
وهي أن يكون الحق مما لا يباح بالإباحة كالدماء والأبضاع، كما سبق بيانه في الهامش قبل قليل.
(2)
أي: إمام الحرمين كما سبق بيانه في الهامش قريبًا.
فإن قيل: فيؤدّي ذلك إلى الوَطْي المحرّم في مسألة البُضع؟ قلنا: لم يتحقق ذلك، لأنه قد لا يَحلِف وينفذ بِرّ حلفه، فقد لا يَطَأ. وأيضًا، فإنا نقول: لو دعاها إلى فراشه، والحالة هذه، لكان عليها الهربُ، كما في حالة الطلاق الثلاث.
375 -
قوله: (ولذلك يجب حفظ الوديعة من الظَّلَمة بالأيمان الحانثة)(1).
يقال عليه: هذا ممنوع، لأنه لا يجب الدفع عن المال.
وكذا لا تجب اليمين فيمن ادُّعي عليه قتلٌ أو قطعٌ كالزنى، أنه لا يجب الدفع عن النفس.
وكذا لا يجب على المرأة في دعوى النكاح كاذبًا لِما قدّمناه.
وكذا في دعوى الرّقّ كاذبًا، لا تجب اليمين، لأن المدّعي قد لا يحلف اليمين المردودة.
كذا قاله شيخنا (2)، خلافًا لما ذكره الشيخ عز الدين في المسائل كلها (3).
376 -
قوله: (المثال الرابع: أن يُدَّعَى عليه بحد القذف، فلا يحل له النكول، كيلا يكون عونًا على جَلدِهِ وإسقاطِ عدالته والعزلِ عن ولايته)(4).
يقال عليه: نكولُ القاذف وردّ اليمين وإنْ أَوجَب الحدَّ، لا يُسقِط عدالة القاذف ولا يؤثر في ولايته، سواء قلنا: اليمين المردودة كالإقرار، أو
(1) قواعد الأحكام 2: 58.
(2)
أي: البلقيني، والقائل هو تلميذه ناسخ المخطوط.
(3)
هذه المسائل ذكرها كلها الشيخ في قواعد الأحكام 2: 58.
(4)
قواعد الأحكام 2: 58.
كالبينة، لأن ذلك من الأمور التقديرية، فلا يؤثر في إسقاط عدالته ولا سلب (1) ولايته.
ويؤيّده أنه لو ادّعى على قاذفه، فادّعى عدم إحصانه، فأنكر، فقال: حلِّفُوه أنه لم يَزْنِ، فنكل وردَّ اليمين، فحلف القاذفُ اليمين المردودة، فإنه يسقط حدّ القذف، ولا يُحَدّ المقذوف حدَّ الزنى.
377 -
قوله: (المثال الخامس: أن يُدَّعَى على الولي المُجبِر أنه زَوَّج ابنته، فلا يحل له النكول)(2).
قال شيخنا: في هذا المثال والذي قبله: لا يجب اليمين، لأن المدّعي قد لا يحلف اليمين المردودة، وكذا في الدعوى على الولي المُجبِر وما بعده.
وحجة شيخنا في ذلك، ما سبق من جواز الاستسلام المدلول عليه بقوله تعالى في قصة ابنَيْ آدم:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة: 28] وقوله صلى الله عليه وسلم: "كُن عبدَ الله المقتول، ولا تكن عبدَ الله القاتل"(3).
قال الشيخ (4): الذي يظهر من الآية والحديث، عدم وجوب الدفع بما يؤدي إلى قتلٍ ونحوه، بدليل قولِهِ:{لَأَقْتُلَنَّكَ} ، وقولِهِ: "ولا تكن عبدَ الله
(1) في المخطوط: (سبب). والمثبت هو الصواب الظاهر.
(2)
قواعد الأحكام 2: 58.
(3)
رواه أحمد 5: 110 (21101) من حديث عبد الله بن خبّاب عن أبيه رضي الله عنهما. وأورده بنحوه ابن حجر في فتح الباري 12: 297 معزوًا لمسند يعقوب بن سفيان، وقال عن سنده:(صحيح). ورواه أحمد أيضًا 5: 292 (22552) والحاكم في المستدرك 4: 562 من حديث خالد بن عُرفُطة رضي الله عنه بلفظ (فإن استطعتَ أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل، فافعل). وتكلم الحاكم في إسناده بسبب راويه (علي بن زيد بن جُدعان).
(4)
المراد به هنا البلقيني. والقائل هو تلميذه ناسخ المخطوط.
القاتل". أما وجوب الدفع بالشيء الخفيف كـ (اليمين) في الأمثلة المتقدمة، فلا يبعد وجوبه لوجوب. . . (1) لمن قدَر عليه.
وأيضًا فالمودَع، وولي اليتيم، حيث تُشرَع اليمين في حقه: مأموران بالحفظ، قد تعيّن الحلف طريقًا إليه.
فلم يعرّج (2) على شيء منه، واستمرّ على إطلاق كلام الإمام (3) وأنه لا يجب اليمين في حالٍ أبدًا.
وزاد (4) في (ولي اليتيم): لو وجبت اليمين في حقه للحفظ، لوجبت بلا خلاف، كيف وحلِف الوليّ وجهٌ ضعيف.
وقال في (مسألة البُضع): ليس وجوب الدفع عنه لمُدرَك: أنه دفعٌ عن مجرم، إذ لو كان كذلك لوجب فيه وفي النفس والمال، وإنما المُدرَك في وجوب الدفع عن البُضع: ما فيه من مفسدة اختلاط الأنساب وضياع الأحساب وارتكاب العار.
وما ذكره من الأمثلة في (الحالة الثانية) من المثال المذكور: من ادّعاء الزوجة البينونة، وادّعاء (5) الأمة الإعتاق، وادّعاء العبد ذلك، وادّعاء الجاني عفوَ الوليّ، وادّعاء القاذف العفو (6)، فلا يخفى ما على ذلك كله من المناقشات، وتُعرف مما تقدم.
(1) كلمة غير واضحة في المخطوط.
(2)
أي: الشيخ ابن عبد السلام.
(3)
أي: إمام الحرمين، كما سبق توضيحه.
(4)
كأن قائل هذا هو ناسخ المخطوط. ويقصد به شيخه البلقيني. وكذلك قوله الآتي: (وقال في مسألة البُضع
…
) فكأن المراد به أيضًا: البلقيني.
(5)
كلمة (ادعاء) جاءت مرسومة في المخطوط هكذا: (ادِّعى)، وهكذا رُسمت مع جميع الجمل الآتية.
(6)
تُنظر هذه الأمثلة في قواعد الأحكام 2: 59.
378 -
وقوله في أثناء مثال القذف: (ولو نكل الوليُّ عن أيمان القسامة (1): فإن أوجبنا بها القصاص، وجبت اليمين، وإلا فلا) (2).
يُعلم المراد منه، لأنه إذا أوجبنا بها القصاص على القديم (3).
379 -
وقوله في أثنائه أيضًا: (وقد جوّز الشافعي رضي الله عنه لمن باع عبدًا كما ملَكَه، إذا خاصمه المشتري في قِدم عيبٍ يمكن حدوثه، أن يحلف أنه باعه وما به عيبٌ)(4).
يقال فيه: هذا الفرع نص عليه الشافعي رضي الله عنه في (الأم) في (أبواب الشاهد مع اليمين) في مناظرته مع محمد بن الحسن (5).
380 -
وقوله في أثنائه أيضًا: (فإن قيل: هل يجوز للمدّعِي أن يطالِب المدَّعى عليه باليمين مع علمه بكذبه فيها وفجوره) إلى قوله: (قلنا: نعم، يجوز ذلك)، ثم ذَكَر له وجهين:
أحدهما: لو لم يجز لبطلت فائدة الأيمان، وضاعت الحقوق.
والثاني: لو حرُم، لم يجز للحاكم أن يأذن له في تحليف خصمه لاعترافه بكذبه). انتهى ملخصًا (6).
ويزاد على ذلك، أنه مُستَدَلٌّ لجواز ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لك إلا
(1) الذي في المخطوط هكذا: (ولو نكل اليمين الوليُّ عن أيمان القسامة)، فكأن كلمة (اليمين) جاءت مقحمة خطأً. وما أُثبت أعلاه موافق لما في قواعد الأحكام 2:60.
(2)
قواعد الأحكام 2: 60.
(3)
كذا بالمخطوط؟.
(4)
قواعد الأحكام 2: 60.
(5)
الأم 7: 92 والمسألة تتعلق بعيب الإباق في العبد.
(6)
قواعد الأحكام 2: 60 - 61.