الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن التعارض يقتضي الوقف لا اتباعَ أحد المتعارضَيْن. والصواب أن يقال: الشبهة اختلاف العلماء مع تقارب الأدلة.
* * *
[قاعدة في المستثنيات من القواعد الشرعية]
569 -
قوله: (تغيُّرُ أحد أوصاف الماء بشيء طاهر، سالبٌ لطهوريته. استُثني من ذلك ما يشقّ حفظ الماء منه)(1).
يقال عليه: ليس التغير بما شَقَّ حفظُ الماء منه، داخلًا في (قاعدة المتغير بشيءٍ سالب للطهورية) حتى يستثنى منه، وذلك أن النصوص الواردة لاستعمال الماء، تُخرج التغير بنحو الزعفران تغيرًا كثيرًا يزيل اسم الماء؛ ولا تُخرج المتغير بطول المكث، وبالطُّحلب، وبما في مقرّه وممرّه، لبقاء اسم الماء. فالمدار على الاسم وعدمه.
ويدل لما قلناه، أن السيد لو أَمَر عبده بإحضار ماءٍ، فأَحضر ماءً متغيرًا بالطُّحلب، أو بما [في] مقرّه وممرّه، أو بالمكث؛ فإنه يُعد ممتثلًا. ولو أحضر ماءً متغيرًا كثيرًا بزعفران مثلًا، لا يُعد ممتثلًا، لعدم الاسم.
ومن ثَمَّ لو حلف: لا يشرب ماءً، حنث بالأول دون الثاني.
575 -
قوله: (استُثني من ذلك غُسالة النجاسة ما دامت على المحل)(2).
(1) قواعد الأحكام 2: 283 والنص فيه هكذا: (تغير أحد أوصاف الماء بشيء، سالبٌ لطهوريته). فكلمة (شيء) هنا جاءت مطلقة بدون التقييد بـ (طاهر) كما في النص أعلاه.
(2)
قواعد الأحكام 2: 283.
محل ما ذكره في غسالة النجاسة، ما لم يتغير (1) بما على المحل، فإن تغيرت به فهي نجسة.
571 -
قوله: (ولو قيل: إنما طهر الجسد من الحدث بالمقدار الذي لاقاه من الماء دون ما وراء ذلك) إلى آخره (2).
لا يَرِدُ، لأن الاستعمال مغيرٌ مؤثرٌ سَلْبَ الطهورية في الماء القليل، ولا فرق في هذا بين الملاصق للجسد وغيره، ألا ترى أن التراب يثبت له حكم الاستعمال سواء ما التصق بالعين (3) وما تناثر منه.
وفي المتناثر وجهٌ لا يأتي هنا؛ لأن المائع ليس له قوة الجامد في كونه حاجزًا.
ويدل لهذا المعنى أن الاستعمال لو كان في ماء كثير، فإنه لا يسلُب الطهورية بلا خلاف، وصار الاستعمال في سلبه للطهورية كالنجاسة التي لا يُعفَى عنها في سلبها الطهارة، إلا القليل بمجرد الوقوع. ولو كانت في الكثير، ولا تغيّر بطريق الحق (4) ولا بطريق التقدير، فإنها لا تؤثر بلا خلاف.
ويلزم على تقدير الفرض على ما ذكره: أنه لو كثُر الماء وكثُر المغتسلون فيه، وكان الملاقي لهم -لو قُدِّر مخالفًا- تَغَيَّر، فإنه يؤثر، وهو خلاف الاتفاق.
(1) كلمة (يتغير) هكذا واضحة بالتذكير في المخطوط، ومقتضى السياق:(تتغير).
(2)
قواعد الأحكام 2: 284 وأصل النص هكذا: (ولو قيل: إنما طهر الجسد من الحدث بالمقدار الذي لاقاه من الماء دون ما وراء ذلك
…
لَمَا كان بعيدًا).
(3)
كذا يظهر من رسم الكلمة في المخطوط. والذي يوجد في كتب الشافعية في هذا الموضع هو كلمة (العضو)، فيكون الكلام هكذا:(سواء ما التصق بالعضو وما تناثر منه). ينظر المهذب 1: 33 وروضة الطالبين 1: 109 وكفاية الأخيار ص 58 ومغني المحتاج 1: 96.
(4)
كذا بالمخطوط. ولم يتضح المراد.
572 -
قوله: (والخنزير أسوأ حالًا منه لوجوب قتله بكل حال)(1).
يقال: الأصح استحباب قتل الخنزير (2).
استُشكل تعليل الأَسْوئيّة بـ (قتله)(3)، لأن الفواسق الخمس يُقتلن وهنّ طاهرات.
573 -
قوله: (وإذا كانت الجراحة نضّاخة بالدم بحيث لا ينقطع، فحكمها حكم دم الاستحاضة)(4).
يقال: قوله في (الجراحة النضاخة: حكمها حكم دم الاستحاضة)، مراده بالنسبة إلى العفو، وإلا فدمُ الاستحاضة حدثٌ، وهذا ليس بحدث. ودم الاستحاضة لا تصلّي صاحبتُه إلا فرضًا ونوافل، والجراحة النضاخة ليست كذلك.
574 -
قوله: (فنظرُ كل من الزوجين إلى صاحبه للحاجة وغيرها)(5).
وفي كون الأصل: (ستر العورات)، حتى يُستثنى منه، نظرٌ (6).
(1) قواعد الأحكام 2: 285.
(2)
هذا تعقيب من البلقيني على قول الشيخ ابن عبد السلام بوجوب قتل الخنزير.
(3)
هذا تعقيب آخر من البلقيني على نفس النص المذكور، من جهة أن الشيخ ابن عبد السلام ذَكَر فيه علة قتل الخنزير: كونه أسوأ من الكلب في النجاسة. فيعقّب عليه البلقيني هنا بأن هذا محل نظر؛ إذ لا تلازم بين نجاسة الحيوان وقتله. والدليل على عدم التلازم؛ ورود الأمر بقتل الخمس الفواسق، وهن ليست نجسات، بل طاهرات.
(4)
قواعد الأحكام 2: 286.
(5)
قواعد الأحكام 2: 286 وأصل كلام الشيخ هكذا: (ستر العورات والسوءات واجب
…
ولا سيما في النساء الأجنبيات، لكنه يجوز تركه للضرورات والحاجات. أما الحاجات فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه
…
)
(6)
يُنظر ما نقلته من كلام الشيخ ابن عبد السلام في الهامش السابق.
575 -
قوله: (وجُعل صَوْبُ السفر بدلًا من القبلة لأنه هو الذي مسّت الحاجة إليه، كما جُعلت جهة محاربة الكفار بدلًا من القبلة)(1).
يقال: جهة محاربة الكفار مختلطة، وقد تكون في صوب القبلة كما قيل في قوله تعالى:{فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]، قال ابن عباس: مستقبِلِي القبلة وغير مستقبِلِيها (2).
وقد يلجأ المحارب إلى غير جهة المحاربة بأن يولّي فارًّا، وقد يحتاج في الآنِ الواحد إلى استقبال جهات. فليست له جهة مستقرة كصوب السفر حتى تُجعل بدلًا عن القبلة.
576 -
قوله: (واستُثني من ذلك: الفاتحةُ وقيامُها في حق المسبوق جبرًا لهما بشرف الاقتداء)(3).
الأحسن أن يقال: جبرًا لهما بشرف الاقتداء وإدراك الركعة، أو جبرًا لهما بإدراك الركعة، وإلا فمجرد الاقتداء ليس كافيًا في ذلك.
577 -
قوله: (ولو قرأ المسبوق بعض الفاتحة، فركع الإمام قبل إتمامها، فالمختار إلحاقه بالمسبوق بجميع قراءة القيام)(4).
أصح الأوجه أنه إن لم يشتغل بالافتتاح والتعوذ، تَرَك قراءته وركع، وهو مدركٌ للركعة، وإلا لزمه قراءةٌ بقدره.
(1) قواعد الأحكام 2: 287.
(2)
كذا ورد هذا الأثر في المخطوط منسوبًا لابن عباس رضي الله عنه. والذي ظهر بمراجعة كتب التفسير والحديث أنه من قول ابن عمر رضي الله عنه. ينظر أحكام القرآن للشافعي 1: 36 وأحكام القرآن للجصاص 2: 162 والتفسير الكبير للرازي 6: 132 وتفسير ابن كثير 1: 159 و 296 والدر المنثور 1: 735 وينظر صحيح البخاري 4: 1649 (4261) والموطأ 1: 184 (442) وغيرهما من كتب الحديث.
(3)
قواعد الأحكام 2: 287.
(4)
قواعد الأحكام 2: 287.
578 -
قوله: (السادس عشر: مساوقة المأموم الإمامَ في أركان الصلاة جائزة)(1).
يقال عليه: المساوقة: مجيءُ واحدٍ بعد واحد (2).
مقصودُ الشيخ بها: بحثُ (3)(المقارنة)، وهو تابع للغزالي وغيره في استعمال (المساوقة) بمعنى (المقارنة)(4). وهو قاعدة شيخنا (5).
فالصواب أن يقال: مقارنة المأموم الإمامَ، إلى آخره.
(1) قواعد الأحكام 2: 287.
(2)
في المخطوط: (المساوقة بعد مجيء واحد بعد واحد). ويبدو أن كلمة (بعد) الأولى مقحمة خطأً. ومقتضى السياق هو ما تم إثباته أعلاه. والمساوقة في اللغة: المتابعة، يقال: ساوَقَهُ: ثابَعَه وسايَرَه. وتَساوَقت الماشية ونحوها: تتابعتْ وتزاحمتْ في السير. المعجم الوسيط 1: 464 (سوق).
(3)
التصقت هذه الكلمة في المخطوط بكلمة (المقارنة) بعدها، ولم تتضح قراءتها، وجرى إثباتها هكذا بحسب السياق.
(4)
جاء في الوسيط للغزالي 2: 236 في شرائط القدوة في صلاة الجماعة (الشرط السادس: المتابعة، وهو أن لا يتقدم على الإمام ولا يتخلف عنه تخلفًا كثيرًا ولا يساوقه بل يتابعه؛ فإن ساوق لم يضر إلا في التكبير، فإن ابتداء تكبيره ينبغي أن يكون بعد فراغ الإمام على العادة
…
؛ والصحيح أن السلام كسائر الأركان فيجوز المساوقة فيه، وقال الشيخ أبو محمد: هو كالتكبيرة).
فالمساوقة في كلام الغزالي هنا هي بمعنى المقارنة، وقد استعملها الغزالي بهذا المعنى في مواضع أخرى أيضًا من (الوسيط)، ينظر فيه مثلًا: 2: 669 و 3: 89 و 3: 107 و 7: 177 و 7: 403.
(5)
أي: البلقيني، والقائل هو تلميذه ناسخ المخطوط. ولم يتضح ما هو المراد من هذه الجملة، إلا أن يكون الناسخ يقصد أن شيخه البلقيني أيضًا يستعمل (المساوقة) بمعنى (المقارنة).
579 -
قوله: (السابع عشر: مخالفة المؤتم الإمامَ بالمسابقة إلى الأركان، إنْ كثرت أفسدت الصلاة)(1).
يقال: الأَولى حذف قوله: (وإن (2) كثرت أفسدت)، والاقتصارُ على التفصيل بعده (3)، لاقتضائها أنه إذا سَبَق إلى الأركان، واجتمع مع الإمام في كل ركنٍ، أنها مبطلٌ (4)، وليس كذلك كما بيّنه بعدُ.
فالأحسن أن يقال: (مخالفة المؤتم الإمام بالمسابقة عمدًا إلى الأركان: إن سَبَق بركنين، بطلت) إلى آخره.
580 -
قوله: (وفي الانتظار في صلاة ذات الرقاع، تقديمًا لمصالح الجهاد على مصالح الاقتداء. وعلى التحقيق: هذا جمعٌ بين مصالح الاقتداء ومصالح الجهاد، فإن الحراسة والانتظار ضربٌ من الجهاد)(5).
قال شيخنا سلّمه الله تعالى: التحقيق أن ذلك تقديم لحفظ المسلمين، وحصول الجماعة لهم.
(1) قواعد الأحكام 2: 288. والنص بتمامه هكذا: (السابع عشر: مخالفة المؤتم الإمام بالمسابقة إلى الأركان، إن كثرت أفسدت الصلاة إلا في حالة الغفلة والنسيان، فمسابقته بركنين مبطلة مع العمد، وفي المسابقة بركنٍ واحدٍ خلافٌ. ولو سَبَق إلى الأركان، واجتمع مع الإمام في كل ركني منها، لم تبطل صلاته على المذهب).
(2)
كذا هنا في المخطوط: (وإن كثرت) بالواو، مع أن الواو غير موجودة في نص كلام الشيخ ابن عبد السلام المتقدم قبل سطر واحد، ولا توجد أيضًا في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 288 (ط دار القلم). ويظهر أن الواو زائدة هنا خطأ، إذ لم يتقدم في كلام الشيخ ما يتعلق بالمخالفة غير الكثيرة للمأموم حتى تُعطف عليها مخالفته الكثيرة بقوله: (وإن كثرت
…
).
(3)
وهو أن المسابقة بركنين مبطلة مع العمد بخلاف المسابقة بركن واحد، كما سبق في النص المنقول من كلام الشيخ ابن عبد السلام، في الهامش قريبًا.
(4)
كذا في المخطوط: (مبطل) بالتذكير.
(5)
قواعد الأحكام 2: 288. وأصل الكلام يبدأ هكذا: (التخلف بأركان كثيرة والانتظارُ =
وما قال الشيخ (1) من أن الحراسة ضربٌ من الجهاد، ممنوع (2).
581 -
قوله: (ولا يصلَّى على الشهداء، فإنهم قد غُفرت لهم الزلات، لأن أول قطرة تقطر من دم الشهيد، يُكفّر بها كل ذنب إلا الدَّين)(3).
فقال شيخنا أدام الله به النفع للمسلمين: إنما لم يصلَّى (4) على الشهداء، لأن الصلاة على الميت تابعة لغَسله، والشهيد لا يُغسل فلا يصلَّى عليه.
582 -
قوله: (فإن قيل: لِمَ تَرَك صلى الله عليه وسلم الصلاة على المَدين مع افتقاره
= في القيام ممنوع إلا في التخلف للحراسة في صلاة عسفان، وفي الانتظار في صلاة ذات الرقاع، تقديمًا لمصالح الجهاد على مصالح الاقتداء
…
).
(1)
أي: ابن عبد السلام.
(2)
سياق كلام الشيخ ابن عبد السلام يدل أن المراد بالحراسة هنا: الحراسة في سبيل الله، وهي من الجهاد كما قاله الشيخ ابن عبد السلام؛ ولا يظهر وجه لهذا التعقيب من البلقيني، ومَنْعه لذلك؛ ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:(طُوبَى لعبدٍ آخِذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثَ رأسُه، مغبرّةٍ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في السّاقَة كان في السّاقَة). صحيح البخاري 3: 1057 (2729) وقد أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، وبَوَّب عليه بقوله:(باب الحراسة في الغزو في سبيل الله). كما أن البيهقي أخرج هذا الحديث في سننه الكبرى 9: 159 في كتاب السير، وبَوَّب عليه:(باب في فضل الجهاد في سبيل الله). وأخرجه ابن عساكر في الأربعين في الجهاد ص 109 (الحديث الخامس والثلاثون). وينظر: فتح الباري 6: 83، ومرقاة المفاتيح 7: 326 - 329 ففيهما أحاديث في فضل الحراسة والمرابطة في سبيل الله.
(3)
قواعد الأحكام 2: 289.
(4)
كذا في المخطوط: (لم يصلَّى) بإثبات حرف العلة مع كون الفعل (المضارع) مجزومًا، وهو وجهٌ نحوي وارد على لغة قومٍ، وإلا فمقتضى الوجه المشهور حذف حرف العلة في المضارع المجزوم. يراجع النحو الوافي لعباس حسن 1: 182 - 185 ودور اللهجة في التقعيد النحوي، دراسة إحصائية تحليلية في ضوء همع الهوامع للدكتور علاء إسماعيل الحمزاوي ص 16 - 17 و 66.
إليها (1)؟ قلنا: تركها تنفيرًا من الديون لِما في العجز عن أدائها من مضرة أربابها، ولأن المَدين إذا حَدَّث كذب، وإذا وعد أخلف) (2).
الأحسن أن يقال؛ تركها تنفيرًا عن التكاسل عن أداء الديون.
(ولأن المدين إذا حدَّث كذب)(3): لا يناسب المقام ولا الدليل الذي ذكره، لأن الحديث في الدَّين العام، والمقام أعم منه.
583 -
قوله في (المثال السادس والعشرون): (إذا قلنا: يملك الفقراء الزكاة بحول الحول، فنفقة نصيبهم على المزكِّي، وهذا مستثنى من إيجاب نفقة المِلك على المالك)(4).
يقال: إنما كانت نفقة الفقراء على المزكي لعدم استقرار ملك نصيبهم، بل إن له أن يعطي من غيره، وإنهم ممنوعون من التصرف. فالملك في الحقيقة إنما هو للمالك، ولكن للفقراء عُلقة المِلك. ويظهر أثر العلقة فيما إذا لم يُخرج من النصاب شيئًا من السنة الأولى، فإنه لا تجب [في] السنة الثانية مما نقص بذلك، زكاةٌ (5).
(1) سبق تخريجه في التعليق على النص رقم 510.
(2)
قواعد الأحكام 2: 290. وحديث (أن المَدين إذا حَدَّث كذب، وإذا وعد أخلف) أخرجه البخاري -واللفظ له- ومسلم، عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم قال: إن الرجل إذا غَرِم حَدَّث فكذب ووعد فأخلف).
صحيح البخاري: الاستقراض وأداء الديون، باب من استعاذ من الدين 2: 844 (2267) وصحيح مسلم: الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة 1:412.
(3)
كذا بدأت هذه الجملة في المخطوط. والمراد بها التعليق على قول الشيخ ابن عبد السلام: (ولأن المدين إذا حدَّث كذب): أنه لا يناسب المقام
…
إلخ.
(4)
قواعد الأحكام 2: 291.
(5)
جاء في المهذب للشيرازي 1: 144 (وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة؟ فيه =
584 -
قوله: (وإنما استُثني ذلك لعُسر إحضار المقوِّمين إلى أهل البوادي)(1).
يؤخذ منه: الفرق بين ذلك وبين الخَرْص (2)، لأن الحوائط غالبَّا تَجاور البُلدان.
585 -
قوله في (المثال الثلاثون): (لا يثبت شيء من الشهور إلا بشاهدين عدلين، وتثبت أوقات الصلاة بخبر العدل الواحد) إلى قوله: (فيصير كالإخبار عن الشرعيات)(3).
يقال: قوله: (كالإخبار عن الشرعيات)، يقتضي ظاهرُه أنه يُسلك بذلك مسلك الرواية، وهو وجهٌ. والأرجح أنه يُسلك به مسلك الشهادة.
586 -
قوله: في (المثال الحادي والثلاثون): (لا تصح النيابة في شيء من العبادات كالعرفان والإيمان والصلاة)(4).
= قولان. قال في القديم: تجب في الذمة
…
وقال في الجديد: تجب في العين وهو الصحيح
…
فإن قلنا: إنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة، فلم تُؤَدَّ حتى حال عليه حول آخر، لم تجب في الحول الثاني زكاةٌ لأن الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض، فلا تجب في الحول الثاني زكاةٌ، لأن الباقي دون النصاب).
(1)
قواعد الأحكام 2: 292. وأصل الكلام هكذا: (جُبران الأسنان في الإبل مستثنى من قياس الجبرانات، فإن إبدالها في غير الزكاة يتقدر بقيمتها من نقد البلد من غير تخيير. وإنما استُثني ذلك لعسر إحضار المقوّمين إلى أهل البوادي
…
).
(2)
وجه هذه الإشارة إلى (الخَرْص): هو أن الشيخ ابن عبد السلام تطرق إليه في هذا الموضع نفسه حين تكلم على جُبران أسنان الإبل في الزكاة.
(3)
قواعد الأحكام 2: 294 وجملة (فيصير كالإخبار عن الشرعيات) متعلقة بثبوت رمضان، فقد قال الشيخ ابن عبد السلام:(وإنما ثبت رمضان بعدل واحد لأنه حق الله عز وجل، يبعُد في العادة الكذبُ فيه، فيصير كالإخبار عن الشرعيات).
(4)
قواعد الأحكام 2: 294.
يقال عليه: العرفان والإيمان لا يتصور فيها النيابة حتى يقال: لا تصح، لأنه يقال:(يصح كذا) أو (لا يصح) إلا فيما يمكن أن يقع وأن لا يقع (1).
587 -
قوله: (من نوى التنفل بعبادة من العبادات، لم ينقلب تنفله فرضًا إلا في النسكين)(2).
يُزاد على حَصْرِهِ:
التشهد الأخير، بنية الأول.
والجلوس بين السجدتين، بنية جلسة الاستراحة.
وغَسل اللمعة المُغفَلة في الأولى، بنية النفل في الثانية.
588 -
قوله: (وأما الاعتكاف، فيُخرَج منه تارة بانتهاء مدته كالصوم، وتارة بالخروج من المسجد بغير عذر؛ بخلاف الحج فإنه يُخرَج منه وخروجين: أحدهما: بالتحلل الأول، والثاني: بالتحلل الثاني)(3).
أَثبَت شيخنا -سلمه الله تعالى- للحج ثلاث تحللات (4)، وذلك أن حَلْق
(1) كذا جاءت هذه الجملة في المخطوط: (لأنه يقال: (يصح كذا) أو (لا يصح) إلا فيما يمكن أن يقع وأن لا يقع). ومقتضى السياق أن تكون هكذا: لأنه لا يقال: (يصح كذا) أو (لا يصح) إلا فيما يمكن أن يقع وأن لا يقع).
(2)
قواعد الأحكام 2: 294.
(3)
قواعد الأحكام 2: 296.
(4)
هذا المضمون قاله البلقيني أيضًا في كتابه (التدريب) -وهو من كتبه في فقه الشافعية- كما نقله الشهاب الرملي في حاشيته على أسنى المطالب 1: 509 فقال: (لو حلق المُحرم من رأسه الركن ولم يأت بغيره من أسباب التحلل فإنه يَحلّ له أن يأخذ من شعور بدنه، ومع ذلك فهو محرمٌ لم يتحلل التحلل الأول. نبه على ذلك البلقيني في (تدريبه) فقال: ضابط: لا يحل شيء من المحرمات بغير عذر قبل التحلل الأول إلا حلق شعر بقية البدن، فإنه يحل بعد حلق الركن أو سقوطه لمن لا شعر على رأسه، وعلى هذا صار للحج ثلاث تحللات
…
).
غيرِ شعر الرأس، يُحلّ بعد حلق الرأس أو سقوطِهِ عمن لا شعر على رأسه، فهذا هو التحلل الأول.
فإذا أَتَى بآخَرَ من الاثنين الآخَرَيْن، وهما: الطواف ورمي جمرة العقبة، حلّ به ما عدا (
…
) (1) الصيد
…
(2)، فهذا هو التحلل الثاني.
فإذا فَعَل الثالث، حلّ به سائر الجهات.
589 -
قوله في (المثال الثالث والأربعون): (من نذر جنسًا لم يبرأ من نذره بجنس آخر وإن كان أفضل من المنذور. فمن نذر التصدق بدرهم، لم يبرأ منه بدينار)(3).
يقال: أَهمَل: ما إذا نذر الصلاة أو الاعتكاف في مسجد المدينة أو بيت المقدس، فإنه يقوم مقامها: مكةُ.
وإن نذر ذلك بمسجد الأقصى، قام مسجدُ المدينة مقامه، ولا عكس.
590 -
قوله: (فإن قيل: هل يستقل أحد بالتملك والتمليك؟ وهل يقوم أحدٌ مقام اثنين أم لا؟ قلنا: نعم)(4).
يقال: لا عبرة
…
(5) رِضًا لنائبه ولا يرضاه؛ فإذا حصل الرضا من مستنيبه، تصرَّف الحاكم، رَضِي النائبُ النائب أو أَبَى (6).
591 -
قوله في تملك مال ابنه لنفسه: (وإذا فَعَل ذلك، فهل
(1) كلمة غير واضحة في المخطوط، وكأنها على صورة (إنما)؟
(2)
هنا يوجد سقطٌ في المخطوط بقدر بضع كلمات.
(3)
قواعد الأحكام 2: 297.
(4)
قواعد الأحكام 2: 298.
(5)
يوجد هنا سقطٌ في المخطوط.
(6)
لم تتضح بعض الكلمات في المخطوط في هذا النص. وقد اجتهدتُ في إثبات النص كما تبيّن في قراءته بمقتضى السياق.
يفتقر إلى إيجاب وقبول؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم، ليأتي بصورة العقد. والثاني: لا، لتحقق الرضا) (1).
يقال: وذا ما ذكره الشيخ من الوجهين. أوفيه، وجهان آخران: أحدهما: الاكتفاء بالإيجاب. والثاني: الاكتفاء بالنية من غير احتياج إلى إيجاب وقبول (2).
592 -
قوله: (وإن زَوَّج الجدُّ بنت ابنه، بابن ابنه، ففيه خلاف، مأخذُه أن تولّي الأب لطرفي البيع كان لكثرة وقوعه أو لقوة الولاية)(3).
يقال عليه: بل مدرك الخلاف عندي: أن النكاح دخله ضرب من التعبد.
فمن راعى التعبد، اعتَبر موجِبًا وقابلًا، فمَنَع تولّي الطرفين في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر. ومن لم يراعِهِ، جَوَّز ذلك بالقياس على الأب.
593 -
قوله: (استقلال الشفيع يأخذ الشقص المشفوع)(4).
مراده: أن الشفيع قام مقام نفسه ومقام المشتري في الشقص المشفوع، فكان مستقلًا بالتملك والتمليك في الشقص المشفوع.
قال شيخنا سلمه الله تعالى: وفيه نظر من جهة أن ذلك تملّكٌ قهري، والتملك القهري لا يراعى فيه تمليك وتملّك، كالإرث.
594 -
قوله: (الخامس: استقلال الملتقط بتملك اللقطة، إقامةً له مقام مقرض ومقترض)(5).
(1) قواعد الأحكام 2: 298.
(2)
ينظر الحاوي 6: 29 - 30.
(3)
قواعد الأحكام 2: 298.
(4)
قواعد الأحكام 2: 299.
(5)
قواعد الأحكام 2: 299.
ما ذكره من إقامة الملتقط مقام مقرض ومقترض، إن أراد:(في الحال)، ففيه نظر، لأن ذلك تمليك شرعي.
وإن أراد: (في المآل عند ظهور المالك)، على معنى: أنا نتبين عند ظهور الملك، أنه كان قائمًا مقام مقرض ومقترض، فمسلَّم.
595 -
قوله: (السادس: استقلال القاتل بتملك سلَب القتيل، واستقلال السارق بتملك ما يسرقه من دار الحرب) إلى آخره (1).
دخول السلَب في ملك القاتل، قهريٌّ، وكذا الحكم في الأمثلة المتبقية (2)، وذلك تمليك شرعي كالإرث، فلم يقم أحد ممن ذُكر مقام مملِّك ومتملك.
596 -
قوله: (فمن أَبرَأ مما لا يَعلم جنسَه أو قدرَه، برئ المُبرَأ من القدر المعلوم منه، ولا يبرأ من المجهول على الأصح. ومن برَّأَه من المجهول كان هذا عنده مستثنى من قاعدة اعتبار الرضا)(3).
ما ذكره من أن هذا مستثنى من قاعدة اعتبار الرضا عند من بَرَّأَه من المجهول، فيه نظر، لأن الظاهر أن المُبرِئ رضي بأن يُبرئه من أعلى ما يمكن أن يكون في ذمته ووَطَّن نفسه عليه. وليس هذا مستثنى من قاعدة اعتبار الرضا عند من برَّأَه بالمجهول.
597 -
قوله: (ولأجل قاعدة اعتبار الرضا، نهى الشرع عن بيع الغرر، لأن الغرر ما جهِلتَه وانطوَى عنك أمره)(4).
(1) قواعد الأحكام 2: 299.
(2)
قوله: (وكذا الحكم
…
متبقية) لم يتبين في المخطوط. والأمثلة المتبقية في كلام الشيخ ابن عبد السلام، هي:(استقلال الجند بتملك الغنيمة، وكذلك استقلالهم بأكل أقواتهم من مال الغنيمة، وعَلْف دوابهم ما داموا في دار الحرب).
(3)
قواعد الأحكام 2: 300.
(4)
قواعد الأحكام 2: 300.
اختار شيخنا رضي الله عنه (1)، أن النهي عن بيع الغرر، لقطع النزاع، لا لما ذكره الشيخ (2) من قاعدة اعتبار الرضا.
598 -
قوله: (المثال الخامس: لا يدخل في البيع إلا ما تناوله الاسم. وقد اختلف في الاستثناء من هذه القاعدة، ولذلك أمثلة: أحدها ثياب العبد، للعرف في ذلك. وهذا لا يصح، لأن العرف دلّ على إطلاقه والمسامحة به لا على تمليكه)(3).
قوله: (لأن العرف دلّ على إطلاقه) إلى آخره، فيه نظر، إذ لو كان كذلك، لصح رجوعه قبل القبض وبعده إذا باع العبدُ من طفله، أو قبل القبض إذا كان البائع أجنبيًّا. والفرض أنه لا يصح الرجوع بحال.
599 -
قوله: (المثال السابع: إذا باع عينَيْن، ثم وَجد بأحدهما عيبًا، فأراد أن يُفردها بالرّدَ قبل تَلَف إحداهما) إلى قوله: (ويردّ بدل قيمة اللبن صاعًا من تمرٍ) إلى آخره (4).
قوله: (يردّ قيمة اللبن) كذا في بعض النسخ. وصوابه: (ويردّ بدل اللبن) بإسقاط (قيمة)، لأن الشارع جعل الصاع في مقابلة اللبن، لا في مقابلة قيمته.
600 -
قوله: (ومنها: التوثق بالحَجْر على البائع إذا أوجبنا البداية بتسليم الثمن على المشتري. وهذا حَجْرٌ بعيد)(5).
يقال: قوله: ومنها: التوثق بالحجْر على البائع أي في الثمن، إذا أوجبنا
(1) أي: البلقيني. والقائل هو تلميذه ناسخ المخطوط.
(2)
أي: ابن عبد السلام.
(3)
قواعد الأحكام 2: 303.
(4)
قواعد الأحكام 2: 305.
(5)
قواعد الأحكام 2: 307.
البداءة بتسليم الثمن على المشتري، وسلَّمه، فإنه يُحجر على البائع في الثمن حتى يسلّم العين المبيعة للمشتري.
وهذه الصورة عكس (الحجْر الغريب) من جهة أنه يُحجر على المشتري، إلا أنه في الحجْر الغريب يُحجر عليه في جميع أحواله (1) حتى يسلِّم الثمن. وفي الصورة التي ذكرها الشيخ، يُحجر على باقي الثمن.
601 -
قوله (2): (من لا يملك تصرفًا، لا يملك الإذن فيه. ويستثنى من ذلك: المرأة، فإنها لا تملك النكاح، وتملك الإذن فيه) إلى آخِر المثال الثالث عشر (3).
محل ما ذكره أن لا يكون ما يتملكه تابعًا لما يملكه، فإن كان تابعًا لقوله:(وكذلك في بيع ما أملكه وما سأملكه) فإنه يصح.
واستثنى شيخنا سلمه الله تعالى أيضًا: أمين الحكم بنَصْب الحاكم على الأيتام، فإنه يصح وإن لم يكن حينئذ أيتامٌ موجودون، لأن ذلك مراعى فيه للجهة.
ومن فروع المسألة: ما في (الروضة) عن (فتاوى البغوي)(4) أن التي
(1) في هامش المخطوط: (أمواله). وينظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 458.
(2)
كلمة (قوله) عليها علامة (خ) في المخطوط، كأن الناسخ يريد الإشارة إلى أنه يوجد شيء يتعلق بها في نسخة أخرى من هذا الكتاب (الفوائد الجسام).
(3)
قواعد الأحكام 2: 308 وقوله: (إلى آخر المثال الثالث عشر) يَقصِد به هذا المثال المعروض أعلاه نفسه، وهو أن من لا يملك تصرفًا لا يملك الإذن فيه.
(4)
هو البغوي، محيي السنة الحسين بن مسعود، صاحب (معالم التنزيل) في التفسير، و (مصابيح السنة) و (شرح السنة) في الحديث. توفي سنة ست عشرة وخمس مئة. وستأتي ترجمته في التعليق على النص رقم 628.
يُعتبر إذنها في تزويجها، إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدّة:(أذنتُ لك في تزويجي إذا فارقني زوجي أو انقضت عدّتي)(1).
والأصح أنه لا يصح، خلافًا لما وقع في (الروضة) في كتاب النكاح، فإنه قال بعد ما تقدم:(فإنه ينبغي أن يصح الإذن، كما لو قال الولي للوكيل: زوِّج بنتي إذا فارقها زوجها أو انقضت عدّتها). ثم قال: (وفي هذا التوكيل وجه ضعيف: أنه باطل، وقد سبق في الوكالة). والذي سبق في الوكالة أن الأصح: الصحة.
602 -
قوله في (المثال الثاني عشر): (لا يجوز توكيل الإنسان ولا إذنُه فيما سيملكه، إذ لا ينعقد إذنه فيما لا سلطان له عليه إلا في المضاربة، فإن إذن المالك في بيع ما سيملكه من العُروض، نافذ) إلى آخره (2).
يقال: يستثنى مع ما ذكره:
توكيل المُحرِم حلالًا في التزويج.
وكذا إذا وكَّل الوليّ امرأةً لتوكِّل رجلًا عنه في تزويج ابنته.
وكذا توكيل المشتري: البائعَ؛ أو المسلِمُ: المسلَم إليه في أن يوكّل من يقبض عنه.
وكذا التوكيل في الطلاق إذا قلنا: يمتنع في المسألة السُّريجية.
وكذا توكيل المستحق في استيفاء القصاص من الأطراف.
وكذا توكيل من ليس بوكيل في المباشرة: أن يوكِّل في كذا، بشيء معين.
603 -
قوله: (ومن لا يملك الإنشاء، لا يملك الإقرار بما لا يملكه من
(1) روضة الطالبين 7: 57.
(2)
قواعد الأحكام 2: 307.
الإنشاءات. وقد استثني منه: المرأة، فإنها لا تملك إنشاء النكاح، وتملك الإقرار به) إلى آخره (1).
يستثنى من قاعدة: أن (من لا يملك الإنشاء، لا يملك الإقرار) مسائل، منها: الإقرار بالنسب. ومنها: إقرار المفلس ببيع الأعيان. ومنها: إقرار الأعمى بالبيع. ومنها: إقرار الوارث بدَينٍ على مورّثه. ومنها: إقرار المريض لوارثه (2) أنه قد كان وهبه.
604 -
قوله: (الخامس عشر: إيجار المأجور (3) بعد قبضه جائز، مع أن المنافع لم تُقبض) إلى آخره (4).
قوله: (إيجار المأجور بعد قبضه جائز) أي: من غير المؤجِر (5). أما من المؤجِر فيجوز بعد قبضه، وكذا قبل قبضه على الأصح. ويصح إيجار المأجور من المؤجِر قبل قبضه على الأصح، فما الفرق؟ قلنا: الفرق أن القبض الحقيقي في البيع ممكن فاعتُبر، وليس ممكنًا في المأجور لأن العقد حقيقة واردٌ على المنافع، ولا يمكن القبض الحقيقي فيها.
605 -
قوله: (ولو استأجرها ذرّية مستأجريها (6) بأجرة مجهولة، لم يجز
(1) قواعد الأحكام 2: 308.
(2)
توجد هنا في هامش المخطوط كلمة غير واضحة.
(3)
يوجد أمام هذا في هامش المخطوط كلمة (المؤجَر) مضبوطة بفتح الجيم. ولم يتضح المراد بذلك إلا أن يكون الناسخ يريد الإشارة إلى تعديل كلمة (المأجور) بكلمة (المؤجَر)، وأن لفظ (المؤجَر) أصح وأعلى لغةً من لفظ (المأجور). والله أعلم.
(4)
قواعد الأحكام 2: 309.
(5)
جاءت الكلمة في المخطوط مضبوطة بكسر الجيم.
(6)
كذا في المخطوط. وفي قواعد الأحكام 2: 309: (ولو أَجَرها ذرّية مستأجريها) والأظهر أن هذا هو الصواب، فإن أصل كلام الشيخ ابن عبد السلام هكذا (ضمن أمثلة ما خالف القياس في المعاوضات وغيرها من التصرفات): (إيجارُ عمر رضي الله عنه =
على الأصح، إذ يجوز للمصالح العامة ما لا يجوز للخاصة. وقال ابن سُريج؛ ما يؤخذ منهم ثمنٌ. وهو أيضًا خارج عن القياس. ولكن الذي ذكره الشافعي أبعد من القياس، لأن الجهالة واقعة في العوض والمعوّض) (1).
ما ذكره الشافعي رضي الله عنه، يفقهه عند قرب القياس مما ذكره ابن سريج، لأن ابن سريج أَلزَم بها مجهولًا مستمرًا أبدًا في مقابلة رقبة مملوكة، ولا نظير له. والشافعي جَعَل أجرةً مستمرة أبدًا في مقابلة مأجور، وهذا معروف مألوف.
606 -
قوله: (وفي مذهب الشافعي إشكال من جهة حكمه بالوقف على أرباب الأيدي بمجرد الرواية من غير بينة قامت على ذلك) إلى آخره (2).
هذا الإشكال أورده شيخنا (3) سلمه الله تعالى في (تصحيح المنهاج) من غير أن يقف على كلام أحد، وأجاب عنه بأن المجتهد إذا ثبت (4) عنده خبر في قضية مختصة، رتّب الحكم على ما ثبت عنده اعتقادًا وعملًا، فيُلزِم المحكومَ عليه بمقتضاه. ومن ذلك أنه ثبت عند المجتهدين قوله صلى الله عليه وسلم:(نحن معاشر الأنبياء، لا نورَث، ما تركناه صدقة)(5)، فرتّب عليه مقتضاه اعتقادًا.
= أرض السويداء بأجرة مؤبدة معدومة مجهولة المقدار (يعني: أن ذلك جائز مع مخالفة القياس) لما في ذلك من المصلحة العامة المؤبّدة. ولو أَجَرَها ذرّيةُ مستأجريها بأجرة مجهولة، لم يجز على الأصح، إذ يجوز للمصالح العامة ما لا يجوز للخاصة).
(1)
قواعد الأحكام 2: 309 وتتمة الكلام: (وعلى قول ابن سُريج تختص الجهالة بالثمن دون المثمن
…
).
(2)
قواعد الأحكام 2: 309.
(3)
أي: البلقيني، والقائل هو تلميذه ناسخ المخطوط.
(4)
في المخطوط: (كتب). والمثبت هو ما يقتضيه السياق.
(5)
متفق عليه بلفظ (لا نورث، ما تركنا صدقة) وبدون جملة (نحن معاشر الأنبياء). صحيح البخاري: الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة 6: 2475 =
وقد رتَّب عليه الصدّيق مقتضاه عملًا بمقتضى الخلافة، وجرى عليه عمر في خلافته عملًا، وجرى على ذلك المجتهدون اعتقادًا.
607 -
قوله: (وقد أجاز بعض العلماء الإجارة على الغد، وعلى الحول القابل، لأن المنافع لا تكون في حال العقد إلا مَعْرُوفة (1)، فلا فرق بين المنافع المتعقّبة للعقد وبين المنافع المستقبلة. والشافعي رضي الله عنه يجعل المنافع المستقبلة في العقد المتحد، تابعةً لما يَتعقب العقد من المنافع) (2).
يقال: ليست المنافع مستقبلة (3) في نظر الشافعي تابعةً لما يتعقب العقد من المنافع، حتى يلزم ما ذكر، وإنما العقد في نظر الشافعي واردٌ على المنافع كلها دفعة واحدة، ولكن يَعتبر (4) اتصالها بالعقد لينزل العقد على شيء (5) موجود.
ويوضحه أنه إذا قال: (وقفتُ على من سيولَد لي)، فالمذهب بطلانه لعدم موجود ينزل عليه الوقف في الحال. ولو (وَقَف على أولاده)، دخَّلْتَ (6) مَنْ سيولد. والوقف يتناول الموجودين والمعدومين دفعة واحدة.
= (6346) وصحيح مسلم: الجهاد، باب قول النبي رضي الله عنه: لا نورث ما تركنا فهو صدقة 3: 1379 ورواه الطبراني في المعجم الأوسط 5: 26 (4578) بلفظ: (إنا معشر الأنبياء، لا نورَث، ما تركنا فهو صدقة).
(1)
كلمة (معروفة) جاءت في المخطوط واضحة بل مشكولة هكذا. وفي قواعد الأحكام 2: 310 (معدومة).
(2)
قواعد الأحكام 2: 310.
(3)
كذا في المخطوط: (مستقبلة) بالتنكير، ومقتضى السياق أن تكون معرّفة هكذا:(ليست المنافع المستقبلة في نظر الشافعي تابعةً لما يتعقب العقد من المنافع).
(4)
أي: الشافعي رضي الله عنه.
(5)
(شيء) رُسمت في المخطوط على صورة (سر)؟
(6)
كلمة (دخلت) كذا جاءت في المخطوط. ويمكن أن تُصوَّب قراءتها بأن تُضبط كما جرى إثباتها أعلاه بصيغة الخطاب: (دخّلتَ)، بناء على أن الكلام موجّه للقارئ. والله أعلم.
608 -
قوله: (فلو شَرَط المستأجر على الأجير أن يستوعب النهار بالعمل من غير أكل وشرب يقطع المنفعة، لزمه ذلك)(1).
توقّف شيخنا سلمه الله تعالى فيما إذا كان عدمُ شرط الأكل والشرب يضُرّ بالأجير ضررًا ظاهرًا. ومال (2) إلى البطلان حينئذ.
609 -
قوله: (ويجوز أن تكون مخالطة المحجور عليهم، ومخالطة المطلِّقين (3)، من باب المعاوضة، فيكون ما يأكله كلٌّ منهم من نصيب غيره، في مقابلة ما بذله من نصيب نفسه) (4).
يقال: ما جوّزه الشيخ من جعله من باب المعاوضات، بعيد جدًّا، لأنه يلزم عليه محذورات لا ضرورة لى ارتكابها. والذي يتعين فيه أن يكون: من باب الإباحات.
610 -
قوله: (وأجمع آية في القرآن لحث على المصالح كلها وللزجر عن المفاسد بأسرها، قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} النحل: 90] للعموم والاستغراق)(5).
يقال: قوله: (وأجمع آية في القرآن هي).
أجمعُ آية في لك: قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)} [الزلزلة: 7، 8] ومن ثَمَّ قال صلى الله عليه وسلم حين سُئل
(1) قواعد الأحكام 2: 311.
(2)
لم تتضح هذه الكلمة في المخطوط، وقد جاءت على صورة (ودال)؟
(3)
أي: مخالطة المطلِّقين لزوجاتهم في أثناء العدّة، في مثل الأكل والشرب.
(4)
قواعد الأحكام 2: 312.
(5)
قواعد الأحكام 2: 315.
عن الحُمُر: (ما أُنزل عليّ فيها شيءٌ إلا هذه الآية الفاذّة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}) (1).
611 -
قوله في المثال الثاني والعشرين: (الكتابة، وجَعَل المعاملةَ الواقعة بينه وبين السيد، كالمعاملة الواقعة بين السيد وبين الأجنبي، تحصيلًا لمصالح العتق. ولكن مذهب الشافعي رحمه الله مشكل من جهة أنه شَرَط في الكتابة: التنجيمَ بنجمين) إلى آخره (2).
جواب ما ذكره من إشكال المذهب، أن الشافعي رضي الله عنه ينظر في العقود إلى ما يقتضيه الوضع اللغوي، كما أَخَذ من (موضوع السَّلَم):(اعتبار قبض رأس المال في المجلس).
كذلك (الكتابة)، فإن معناها:(الجمع والضمّ). وسُمِّي هذا العقد (كتابةً) لجمع النجوم وضم بعضها إلى بعض. وأقلُّ جمعٍ يحصِّل المقصود هنا: نجمان. فاعتبرهما (3). واستأنَس في ذلك بآثار (4) مذكورة في موضعها.
612 -
قوله: وتُقدَّم البنات على الأخوات، لأنهن بَضعة من الأموات، لكن خولف القياس فيما إذا مات عن مئة وخمسين درهمًا وعن مئة بنتٍ وأختٍ واحدة من أبويه، فإن الأخت تفوز بالثلث، وهو أضعاف ما يحصل لكل واحدة من البنات مع قربهن، إذ يحصل لكل بنتٍ: درهمٌ (5)، ويحصل
(1) صحيح البخاري: التفسير، باب تفسير سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} [الزلزلة: 1] 4: 1897 (4678) وصحيح مسلم: الزكاة، باب إثم مانع الزكاة 2:680.
(2)
قواعد الأحكام 2: 318.
(3)
أي: الشافعي رحمه الله.
(4)
لم تتضح الكلمة في المخطوط، وإنما تم إثباتها بناء على الاستفادة مما جاء في هذا الموضوع في كتب الشافعية. ينظر الحاوي 18: 149 وكفاية الأخيار ص 581 والإقناع للشربيني 2: 653.
(5)
أي: درهمٌ واحدٌ، كما في قواعد الأحكام 2:320.
للأخت خمسون درهما مع كون البنت بَضعةً للميت، والأخت بَضعة من الجد، مع بُعده. وهذا موغل في البعد عن القياس) (1).
يقال: ليس فيما ذكره مخالفة القياس، لأن أصحاب الفروض مقدّمون. وكونُ الأخت فازت بالثلث في هذه المسألة، ونقصت كلُّ بنت عنها نقصًا كثيرًا: فلعارضٍ. وبدليل ما لو كان للميت بنتان ومئة أخت، فلهما الثلثان، ولهن الثلث.
613 -
قوله: (ولهذا جَعَل الشافعي رضي الله عنه، الأخ في باب الولاء مقدّمًا على الجد على قولٍ، لكونه بَضعةً من المُدْلَى به. ولولا إجماع الصحابة على أن الأخ لا يقدّم على الجد في الإرث، لقال بتقديم الأخ، كما قال به في باب الولاء)(2).
يقال: لولا إجماع الصحابة، ما قال الشافعي بتقديم الأخ في الإرث أبدًا، لمُدرَكٍ خَفِيَ على الشيخ (3)، وهو أن الجد في الإرث صاحبُ فرضٍ، فلو قُدّم الأخ عليه لزم تقديم العاصب على ذي الفرض. ولا كذلك في الولاء، لأنه لا يورَث فيه إلا بالتعصيب، فلا يلزم من تقديم الأخ على الجدّ فيه، ما لزم في الإرث.
614 -
قوله: (واستثني من ذلك (4): تزويج المرأة نفسها، لما في مباشرتها ذلك من المشقة والخجل والاستحياء) (5).
(1) قواعد الأحكام 2: 319.
(2)
قواعد الأحكام 2: 320.
(3)
أي: وإنما لم يقل الشافعي بتقديم الأخ على الجدّ في باب الإرث -علاوة على كونه مخالفا لإجماع الصحابة-، لمُدركٍ آخر وهو
…
إلخ.
(4)
أي: من قاعدة: (الأحرار المُطْلقون مستقلون بالتصرف في منافع أموالهم وأجسادهم). قواعد الأحكام 2: 320.
(5)
قواعد الأحكام 2: 320.
الأَولى في تعليل ذلك أن يقال: المرأة غالبًا سريعة الانخداع، فربما وَضَعتْ نفسَها تحت من لا يكافئها.
615 -
قوله: (ولو قال: إن أعطيتِني ألفًا، فأنتِ طالق. فأعطتْه ألفًا، فإنها تطلق. وهذا مشكل) إلى آخره (1).
جواب هذا الإشكال أن الإعطاء في عرف الشرع، مقتضاه التمليك، وفي الهبات شواهد كثيرة بذلك من لفظة النبي صلى الله عليه وسلم على الإقباض، للعرف الشرعي، ويُحمل على التمليك، ويقوم فيه الفعل مقام القول للضرورة، كما لو غصب حربي حربيةً، أو اعتقد ذلك نكاحًا.
ومسألة الخلع مما استشهد به الأصحاب لمسألة المعاطاة.
616 -
قوله: (ولو قال: إن أعطيتِني ألفًا، فأنتِ طالق. فأعطتْه ألفًا من غير النقد الغالب، وقع الطلاق، ووجب الإبدال بألفٍ من الغالب. وهذا في غاية الإشكال) إلى آخره (2).
يقال عليه: جواب هذا الإشكال أن هذا تعليق فيه شَوْبُ معاوضة، فمن حيث النظر إلى التعليق يقع بأي ألفٍ كان، ومن حيث النظر إلى المعاوضة وجب الإبدال بالغالب.
ونظير المسألة: ما نَصّ عليه الشافعي رضي الله عنه، وذكره الأصحاب من أنه لو
(1) قواعد الأحكام 2: 320 وتتمة الإشكال هو قوله: (لأنه إنْ حُمل الإعطاء على الإقباض من غير تمليك، فينبغي أن تطلق، ولا يَستحق شيئًا، كما لو قال: إن أقبضتِني ألفًا فأنت طالق. وإن أراد إعطاء التمليك فكيف يصح التمليك بمجرد فعلها؟).
(2)
قواعد الأحكام 2: 321 ووجه الإشكال قوله: الأن الطلاق إن عُلّق على غير الغالب لم يجب إبداله، كما لو نُص عليه. وإن عُلِّق على الغالب فينبغي أن لا يقع الطلاق بغير الغالب، لأن الشرط لم يوجد).
قال: إن أعطيتِني عبدًا فأنتِ طالق. فأعطته عبدًا أيّ عبدٍ كان، وهي تملكه، طلُقت. ويرجع بمهر المثل عليها.
وفيه الإشكال الذي ذكره (1). وجوابُه ما قلناه، أن من حيث النظر إلى التعليق يقع الطلاق بأي عبدٍ كان، ومن حيث النظر إلى المعاوضة يرجع إلى مهر المثل لجهالة العوض.
617 -
قوله: (الرابعة: ما يتلفه العبيد على السادة، فإنهم لا يضمنونه مع تحريم إتلافه. وفي هذا إشكال)(2).
جواب هذا الإشكال: أن ما ثبت على العبد بالبينة أو بتصديق السيد، يتعلق برقبته. والسيد ها هنا معترف، لأنه مدّعٍ. والتعلقُ بالرقبة -والمستحق هو السيد- متعذر، فلزم من ذلك عدم الضمان.
618 -
قوله: (وأما ما يتلفه العبد على غير سيده، فإنه يتعلق برقبته، خلافًا لأهل الظاهر. وهذا مشكل من جهة أن السيد لم يتلف شيئًا، ولا تَسبَّب إلى إتلاف)(3).
جواب هذا الإشكال، أن حق التلف عليه ناجزٌ، وتعلّقُه بالذمة يؤدي إلى تأخيره والتعرض لفواته، ولم يراعَ في ذلك حق السيد كما في جناية البهيمة.
619 -
قوله: (الخامسة: أن الإمام والحاكم إذا أتلفا شيئًا من النفوس
(1) أي: الإشكال الذي ذكره الشيخ ابن عبد السلام قبل قليل في (مسألة الطلاق المتعلقة بغير النقد الغالب).
(2)
قواعد الأحكام 2: 322 ووجه الإشكال قوله: (لأن إيجاب ما يُتلفه العبيد، في ذممهم، لا يمنع منه شرع ولا عقل. ولا فرق بين السادة وغيرهم في ذلك).
(3)
قواعد الأحكام 2: 322 وتتمة الكلام: (والذي تقتضيه القواعد أن يثبُت في ذمة العبد ولا يتعلق برقبته).
أو الأموال في تصرفهما للمصالح، فإنه يجب على بيت المال دون الحاكم والإمام ودون عواقلهما، على قولٍ للشافعي) (1).
يقال: نَصَّ الشافعي أن ذلك إنما يجب على عاقلة الإمام قولًا واحدًا. وحَكَى (2) وجوبَه في بيت المال عن المشرقيين (3). فإثبات القولين في هذه المسألة طريقة ضعيفة.
620 -
قوله: (الثلاثون: الذكاة، وهي واجبة في الحيوان المأكول، تقليلًا لما فيه من الدم النجس) إلى آخره (4).
فقال شيخنا: إنما تجب الذكاة
…
(5) لِما كانت الجاهلية عليه من إباحة المنخنقة والموقوذة والمتردّية ونحوها، لا لِما ذكره الشيخ؛ بدليل أنه لو ذَبَح الذابح ثم مَنَع خروجَ الدم، فإنه يحلّ. والدم قبل خروجه لا يوصف بنجاسة ولا بطهارة، حتى يقال:(تقليلًا لما فيه من الدم النجس).
621 -
قوله: (وأمكن طعنه في بعض مَقاتله، حلّ بذلك (6). وهذا
(1) قواعد الأحكام 2: 322.
(2)
أي: الشافعي رحمه الله. وينظر ما سيأتي من كلام الشافعي في الهامش الآتي.
(3)
توجد هنا كلمة غير واضحة في المخطوط. هذا وفيما يلي نص الإمام الشافعي في الأم 6: 176 في هذه المسألة، قال رحمه الله:(فأما ما عاقب به السلطانُ في غير حدٍّ وجب لله وتلف منه المعاقَب، فعلى السلطان عقلُ المعاقَب وعليه الكفارة. ثم اختُلف في العقل الذي يلزم السلطان، فأما الذي أختارُ -والذي سمعتُ ممن أرضى من علمائنا-: أن العقل على عاقلة السلطان. وقد قال غيرنا من المشرقيين: العقلُ على بيت المال، لأن السلطان إنما يؤدِّب لجماعة المسلمين فيما فيه صلاحهم، فالعقل عليهم في بيت مالهم).
(4)
قواعد الأحكام 2: 325.
(5)
هنا كلمة في المخطوط لم تتضح، صورتها هكذا:(وخما) أو (وهما؟ ومقتضى السياق أن تكون الكلمة هي (دفعًا).
(6)
أصل هذه العبارة هكذا: (لو سقط بعيرٌ في بئر يتعذر رفعه منها، وأمكن طعنه في بعض مقاتله، حلّ بذلك). قواعد الأحكام 2: 325 - 326.
وأمثاله داخل في قول الشافعي: بُنيت الأصول على أن الأشياء إذا ضاقت اتسعت. يريد بالأصول: قواعد الشريعة. وبالاتساع: الترخيص) (1).
قوله: (في بعض مَقاتله) ليس بجيد. والأحسن أن يقال: (في بعض أعضائه)، لقوله صلى الله عليه وسلم:(لو طَعنتَ بها في فخذه لأجزأ عنك)(2).
622 -
قوله في الحادي والثلاثين: (ولو وقع ذلك في قَسْم الغنائم، وعَسُر إبطالها لكثرتهم، لم يُحكم ببطلانها، وعُوِّض من وقع المستحق في نصيبه، من سهم المصالح العامة؛ لِما في نقض القسمة مع كثرة الجند من العُسر)(3).
يقال عليه: ليس المُدرَك ما ذكر من العُسر؛ وإنما المُدرَك في قسمة الغنيمة أنها إلى رأي الإمام، فله أن يقسم بغير اختيار الغانمين ويقرر لكل طائفة شيئًا، وذلك خارج عن قواعد القَسْم. ومن ثَمَّ لا يُنقض القَسْم ولو كان الجند قليلًا، ويعوِّض من وقع المستحق في نصيبه.
623 -
قوله بعد ذلك: (ولو انفرد -يريد: المجني عليه أو الولي
(1) قواعد الأحكام 2: 326.
(2)
رواه النَّسائيُّ في سننه 7: 228 (4408) مبوِّبًا عليه بموضوع هذه المسألة نفسها، فقال:(باب ذكر المتردية -في البئر- التي لا يوصل إلى حلقها)، ثم أخرج فيه هذا الحديث من طريق حماد بن سلمة عن أبي العُشَراء عن أبيه أنه قال: يا رسول الله أَمَا تكون الذكاة إلا في الحلق واللَّبة؟ قال: (لو طعنتَ في فخذها لأجزأك).
ورواه أيضًا بقية أصحاب السنن الأربعة بنحو اللفظ المذكور. ينظر سنن أبي داود: الضحايا، باب ما جاء في ذبيحة المتردية 3: 103 (2825) وسنن الترمذي: الذبائح، باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبة 4: 75 (1481) وسنن ابن ماجه: الذبائح، باب ذكاة النادّ من البهائم 2: 1062 (3184). وقال الترمذي: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العُشراء عن أبيه غير هذا الحديث).
(3)
قواعد الأحكام 2: 326.
المقتص -بحيث لا يُرى- أي: يقتصّ من الجاني على انفراده بحيث لا يُرى -، فينبغي أن لا يُمنع) (1).
اختار شيخنا سلمه الله تعالى أنه يُمنع مطلقًا إلا بحضرة الإمام، سدًّا للباب، خشية زيادة التعذيب.
624 -
قوله: (الحال الثالثة: أن يكون متفاحش الخَلق في الطول والعرض وعِظَم البطن وفخامة الأعضاء، فيستحب أن لا ينقص عن مقدار تكون نسبته إلى بَدَنِهِ كنسبة المُدّ والصاع إلى بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم)(2).
اختار شيخنا سلمه الله تعالى أنه يستحب أن لا يزيد على الصاع مطلقًا ولو كان متفاحش الخَلق، لظاهر قول جابر:(كان يكفي من هو أوفى منك شَعَرًا وخيرًا منك)(3) يريد: النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا مشعر إشعارًا ظاهرًا بأن هذا الترتيب في الغُسل لا يزيد عليه في حق كل أحد.
625 -
قوله: (ومنها الاقتصاد في قيام الليل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) قواعد الأحكام 2: 327 وأصل الكلام يبدأ هكذا: (من قدر على استيفاء حق له مضبوط معين فله استيفاؤه، كانتزاع المغصوب من غاصبه والمسروقِ من سارقه. ويستثنى من ذلك: القصاص، فإنه لا يُستوفَى إلا بحضرة الإمام لأن الانفراد باستيفائه محركٌ للفتن. ولو انفرد بحيث لا يُرى، فينبغي أن لا يُمنع منه ولا سيما إذا عجز عن إثباته).
(2)
قواعد الأحكام 2: 342 والكلام هنا يتعلق بما يستحب من الماء في الوضوء والغُسل.
(3)
رواه البخاري من حديث أبي جعفر محمد بن علي الباقر أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه، وعنده قوم، فسألوه عن الغُسل فقال: يكفيك صاعٌ، فقال رجل: ما يكفيني! فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرًا وخير منك. صحيح البخاري: الغسل، باب الغسل بالصاع ونحوه ج 1: 100 (249).
عن السَّرَف فيه، وقال:(خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يَسْأم الله حتى تَسْأموا)(1).
يقال: في رواية: (لا يملّ الله حتى تملّوا (2)).
وحقيقة (السآمة) و (الملال) مستحيلة على الله تعالى، والمراد: لازم لازم (3) هذا الفعل. والذي حَسَّن تلك المقابلة (4)، على حد قوله تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116].
وليس من هذا القبيل: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] لقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: (وامكُر لي ولا تمكُر عليّ)(5).
(1) قواعد الأحكام 2: 344 والحديث متفق عليه من حديث عائشة بها. صحيح البخاري: اللباس، باب الجلوس على الحصير ونحوه 5: 2201 (5523)، وصحيح مسلم: صلاة المسافرين، باب أمر من نعس في صلاته 1: 542 واللفظ له. أما لفظ البخاري فهو: (خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا).
(2)
هي رواية لحديث عائشة السابق نفسه. صحيح البخاري: الإيمان، باب أحب الدِّين إلى الله أدومه 1: 24 (43). وصحيح مسلم: صلاة المسافرين، باب أمر من نعس في صلاته 1:542.
(3)
كذا تكررت كلمة (لازم) مرتين في المخطوط؟
(4)
يعني أن هذه المقابلة حسُنت في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَسْأَم الله حتى تَسْأَموا) أو (لا يملّ الله حتى تملّوا): كما حسُنت المقابلة الواردة في قوله تعالى (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) في نسبة (النفس) إلى الله تعالى، وإلى العبد.
(5)
سنن أبي داود: الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم 2: 82 (1510) وسنن الترمذي: الدعاء، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم 5: 554 (3551) وسنن ابن ماجه: الدعاء، باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم 2: 1259 (3830) وصحيح ابن حبان 3: 227 (947) والمستدرك 1: 701 كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال الترمذي: (حديث حسن صحيح). وقال الحاكم: (حديث صحيح الإسناد).
626 -
قوله: (وكذلك رجم الزاني، لا يُضرب بحصيات ولا بصخرات، وإنما يُضرب بحجر لطيف يُرجم بمثله في العادة)(1).
اختار شيخنا نفع الله المسلمين بعلومه، في رمي الزاني، أنه يُرمَى بالخفيف والثقيل على حسب ما هي (2) مما يجده الرامي، لظواهر الأحاديث في ذلك.
وفي بعضها: فرميناه بجلاميد الحَرَّة (3).
وفي بعضها: أن ماعزًا لم يمت حتى رماه عمر بن الخطاب بلَحْي بعير، فأمَّ رأسَه فقتله (4) وفي بعضها: فرماه بوظيف حمارٍ، فصرعه (5).
و (الوظيف): مستدق الذراع والساق.
627 -
قوله: (ومنها الجهر بالكلام، لا يخافِت به بحيث لا يسمعه
(1) قواعد الأحكام 2: 344.
(2)
أي: من الحجارة أو غيرها مما يجده الرامي، لما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة رجم ماعز بن مالك رضي الله عنه، فقد قال أبو سعيد:(فرميناه بالعظم والمَدَر والخَزَف). صحيح مسلم 3: 1320.
(3)
هو في قصة رجم ماعز بن مالك نفسها رضي الله عنه، في الحديث السابق المعزو إلى صحيح مسلم 3:1320. والجلاميد: الحجارة الكبار، واحدها: جَلمَد (بفتح الجيم والميم)، أو: جُلمود. ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 11: 198.
(4)
مصنف عبد الرزاق 7: 321 (13339) وعمدة القاري 20: 258 ونصب الراية 3: 322 كلهم من حديث أبي أمامة بن سهل الأنصاري رضي الله عنه.
(5)
السنن الكبرى للنسائي: الرجم، باب إذا اعترف بالزنى ثم رجع عنه 4: 290 (7205) وفيه أيضًا في باب الستر على الزاني 4: 305 (7274) ومسند أحمد 5: 217 (21942) وسنن البيهقي: الحدود، باب من أجاز أن لا يحضر الإمامُ المرجومين ولا الشهود 8: 219 والمستدرك 4: 404 (8082).
ملحوظة: كلمة (فصرعه) هكذا هي (بالراء) في روايات هذا الحديث. وقد جاءت في المخطوط على صورة (فصدعه) بالدال.
حاضرُوه، ولا يرفعه فوق حد أسماعهم، لأن رفعه فوق حدّ أسماعهم فضولٌ) (1).
يقال: الأحسن أن يقال: (ومنها: صفة الكلام)، لأنه أخذ بعده في تقسيم الأعم.
628 -
قوله: (ومنها إمكان السير إلى الحج والعمرة، لا يراد به شدة الإسراع المُنضية (2) للأجساد، ولا التباطؤ الخارج عن المعتاد (3).
قوله: (إمكان السير إلى الحج والعمرة) يعني بالنسبة إلى استقرار الحج في الذمة.
والمعتمد في كلامه: يستقر إذا مضى بعد تمكنه ما يسع المسير إلى عرفة، ثم إلى مزدلفة والإقامة بها ساعةً بعد النصف الثاني من ليلة النحر، ثم إلى منى لرمي جمرة العقبة، ثم إلى مكة، ومضى زمن يسع الطواف والسعي.
ووقع في (الشرح) و (الروضة) عن (التهذيب)(4) كلام عليه تعقبات،
(1) قواعد الأحكام 2: 344 - 345.
(2)
كلمة (المنضية) هكذا هي واضحة في المخطوط بتقديم النون على الضاد. وجاءت في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 345: (المضنية) بتقديم الضاد على النون. والمعنى على كلا الوجهين صحيح سليم.
(3)
قواعد الأحكام 2: 345.
(4)
هو للبغوي صاحب الكتب المشهورة (معالم التنزيل) في التفسير وكتابي (شرح السنة)(ومصابيح السنة) في الحديث. وكتابه (التهذيب) تصنيف متين محرر عارٍ عن الأدلة غالبًا.
وهو الحسين بن مسعود بن محمد، محيي السنة. قال الذهبي كان إمامًا في التفسير، إمامًا في الحديث، إمامًا في الفقه، بورك له في تصانيفه ورُزق القبول لحسن قصده وصدق نيته. وقال السبكي في تكملة شرح المهذب: قلّ أن رأيناه يختار شيئًا إلا وإذا بُحث عنه إلا وُجد أقوى من غيره، هذا مع اختصار كلامه، وهو يدل على نبل كبير، =
يظهر مما ذكرتُه، فليراجع (1).
629 -
قوله: (ولذلك شُرع رفع الصوت في الأذان لكثرة السامعين، وخفضُه في الإقامة لقلّة الحاضرين)(2).
الأحسن أن يقال: شُرع رفع الصوت في الأذان لغَيبة السامعين، وخفضه في الإقامة لحضور السامعين؛ حتى لو كان الغائبون السامعون قليلين، استُحب رفع الصوت. ولو كان الحاضرون السامعون للإقامة كثيرين، استُحب خفض الصوت بقدر ما يسمعون. وهذا يحقق ما قلناه من اعتبار الغَيبة والحضور.
630 -
قوله: (السبب الثاني: معرفة جَماله، وعنها تنشأ محبة الجَمال، وينبغي أن تكون كل من المحبَّتَيْن أفضلَ من كل محبةٍ، إذ لا إفضالَ كإفضاله، ولا جَمالَ كجَماله)(3) إلى أن قال: (والتعظيم والإجلال أفضل من الأقسام الثلاثة)(4).
= وهو حري بذلك فإنه جامع لعلوم القرآن والسنة والفقه. توفي سنة ست عشرة وخمسمائة. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1: 281.
(1)
العزيز في شرح الوجيز للرافعي 7: 29، وروضة الطالبين 3:33.
(2)
قواعد الأحكام 2: 347.
(3)
قواعد الأحكام 2: 350.
(4)
كذا في المخطوط. والذي في قواعد الأحكام 2: 351 (والتعظيم والإجلال أفضل من الكل).
وتوضيح هذه الفقرة: أن الشيخ ابن عبد السلام ذكر الأحوال التي تطرأ على الإنسان بالنسبة لتعلقه بالله تعالى، وهي أنواع: أحدها: الخوف. والثاني: الرجاء. والثالث: التوكل. والرابع: المحبة. والخامس: الحياء. والسادس والسابع: المهابة والإجلال. والثامن: الفناء.
وذكر الشيخ فيما يتعلق بالمحبة أن لها سببين فقال:
(أحدهما: معرفة إحسانه وإنعامه، وعنها تنشأ محبة الإنعام والإفضال، فإن القلوب مجبولة على حب من أنعم عليها وأحسن إليها، فما الظن بمحبةِ مَنْ الإنعامُ كله منه، =
يقال عليه: والتعظيم والإجلال أفضل من الكل، يقتضي أن (مقام الجلال) أفضل من (مقام الجمال).
والذي اختاره شيخنا نفع الله بعلومه، خلافه، وهو أن (مقام الجمال) أفضل لأنه مقام أهل الجنة في الجنة لقوله:(أُحِلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعدها أبدًا)(1). وأيضًا فإن (مقام الجمال) هو مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، و (مقام الجلال) هو مقام موسى صلى الله عليه وسلم حين تجلَّى ربّه للجبل فجعله دكًّا. ومقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل.
631 -
قوله: (لَمَا أَهْمَل الأنبياء أن يفعلوه) إلى آخره (2).
= والإحسان كله صادر عنه).
(السبب الثاني: معرفة جَماله، وعنها تنشأ محبة الجَمال).
ثم قال: (وينبغي أن تكون كلٌّ من المحبتيْن (أي محبة الإفضال، ومحبة الجمال) أفضلَ من كل محبةٍ، إذ لا إفضالَ كإفضاله، ولا جَمالَ كجَماله).
ثم وضح الشيخ ما يتعلق بالمهابة والإجلال فقال: (ومنشؤهما معرفة جلاله وكماله، فينبغي أن تكون مهابته وإجلاله أعظم من كل مهابة وإجلال؛ إذ لا جلالَ كجلاله ولا كمالَ ككماله).
ثم قال عن (المحبة الناشئة عن معرفة الجمال): إنها (أفضل من المحبة الناشئة عن معرفة الإنعام والإفضال
…
) ثم قال: (والتعظيمُ والإجلال أفضل من الكل). يعني: أن حال التعظيم والإجلال أفضل من جميع الأحوال التي تقدمت.
(1)
صحيح البخاري: الرقاق، باب صفة الجنة والنار 5: 2397 (6183) وصحيح مسلم: الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة 4: 2176 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
قواعد الأحكام 2: 353 ويتعلق هذا الكلام يقول الشيخ ابن عبد السلام: (فالسماع بالحُداء ونشيدِ الأشعار بدعة لا بأس بسماع بعضها. وأما سماع المُطربات المحرَّمات فغلطٌ من الجهلة المتشبّعين المتشبهين المجترئين على رب العالمين. ولو كان ذلك قربة كما زعموه، لما أَهْمَل الأنبياءُ أن يفعلوه ويُعرفوه لأتباعهم وأشياعهم).
الأولى أن يقال: لَمَا أَهمَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيانه للناس؛ لأن العلم بشرائع غيره في ذلك على التفصيل: متعذرٌ الآن.
632 -
قوله: (القسم الرابع: من غلب عليه التعظيم والإجلال، فهذا أفضل من الأقسام الثلاثة)(1).
يقال: قد مرّ إقامة الدليل على أن (مقام الجمال) أفضل من (مقام الجلال)(2).
قال شيخنا رضي الله عنه: وأفضل أقسام المحبة عندي أن يُحبّ اللهَ لكونه هو المتفرد بالإلهية، قال: وبه يشعر قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165].
633 -
قوله: (فإن قيل: أيّما أفضل؟ أحال الأغنياء أم حال الفقراء؟ فالجواب: أن الناس أقسام، أحدهم: من يستقيم مع الغِنَى وتفسُد أحواله بالفقر، فلا خلاف أن غِنَى هذا خيرٌ له من فقره) إلى آخر الأقسام التي تتعلق بالفقر والغِنَى (3).
يقال: اختار شيخنا سلمه الله تعالى: أن الفقير الصابر أفضل، لأمور، منها: أنه صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه مفاتيح ذخاير الأرض، فلم يقبلها، واختار الآخرة (4).
(1) قواعد الأحكام 2: 354. وقوله: (فهذا أفضل من الأقسام الثلاثة) كذا هو في المخطوط. وفي قواعد الأحكام: (فهذا أفضل الأقسام). وينظر النص رقم 631.
(2)
ينظر النص رقم 631.
(3)
قواعد الأحكام 2: 362 - 363.
(4)
روى الدَّارميُّ في سننه 1: 50 (باب في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم) وأحمد في مسنده 3: 489 (16040) والحاكم في المستدرك 3: 57 كلهم من حديث أبي مُوَيْهبة رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل، وفيه -واللفظ للدارمي-: (فقال: يا أبا مويهبة إني قد أُوتيتُ بمفاتيح خزائن الدنيا والخُلد فيها، ثم الجنة، فخُيِّرتُ بين =
والفقرُ الذي استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفقرُ الاضطراري. والفقرُ الذي اختاره: فقرٌ اختياري (1).
وكلام الشيخ (2) في هذا الفصل لا يناسب مقامه. فليتأمل.
634 -
قوله: (ومن غلبت عليه محبة الإجلال فهو أفضل ممن غلبت عليه محبة الإنعام والإفضال)(3).
[يقال عليه: محبة الإنعام والإفضال](4) أفضلُ ممن غلبت عليه محبة الإجلال. وقد مرّ الاستدلال بذلك قريبًا. والله أعلم بالصواب.
والحمد لله وحده، وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن بعده.
* * *
= ذلك وبين لقاء ربي). قلت: بأبي أنت وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة. قال:(لا والله يا أبو مويهبة، لقد اخترتُ لقاء ربي). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 2: 878 (3216)(وسنده صحيح).
وأخرج الترمذي في سننه: الزهد، باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه 4: 575 (2347) وأحمد في مسنده 5: 254 - واللفظ للترمذي- من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَرَض عليّ ربي ليَجعَل في بطحاء مكة ذهبًا، قلت: لا يا رب ولكنْ أشبعُ يومًا وأجوعُ يومًا -وقال ثلاثًا أو نحو هذا- فإذا جُعتُ تضرعتُ إليك وذكرتُك، وإذا شبعتُ شكرتُك وحمدتُك). قال الترمذي: حديث حسن. وينظر تخريج أحاديث الإحياء للعراقي 1: 189 (755).
(1)
قال ابن حجر في فتح الباري 11: 292 (كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك (أي: الفقر والضيق) مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له، كما أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة: عَرَض عليّ ربي ليجعل في بطحاء مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا، فإذا جُعتُ تضرعتُ إليك، وإذا شبعتُ شكرتُك).
(2)
أي: ابن عبد السلام.
(3)
قواعد الأحكام 2: 369.
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة لم تأت في المخطوط، لكن مقتضى السياق إثباتها.