الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل ما يتعلق به الأحكام من الجوارح]
271 -
قوله في فصل ما يتعلق به الأحكام من الجوارح:
(فأما اللسان فيتعلق به من الواجبات والمندوبات والمحرّمات والمكروهات، ما لا يتعلق بغيره من الجوارح والأركان، بل يتعلق به من ذلك ما لا يتعلق بالجَنان)(1).
يقال عليه: كل عمل يتعلق بالجَنان، من حيث القصدُ إليه والعرض عليه، مما سيذكره الشيخ آخِر كلامه. ومراد الشيخ إثبات ما يختص بكل عضو من الأفعال الظاهرة.
272 -
وقوله عقب ذلك: (كالإكراه على الكبائر كلها، والصغائر بأسرها)(2).
يقال فيه: الإكراه لا يختص باللسان، بل يكون بالكتابة والإشارة من القادر وغيره، ولكن هُما ناشئان عن اللسان قائمان مقام نطقه.
273 -
قوله بعد ذلك: (والكفر، وشهادة الزور)(3).
يقال عليه: الكفر بالقول هو المختص باللسان، وبالفعل لا يختص به كإلقاء المصحف في القاذورات، والسجود للصنم، ونحو ذلك.
274 -
قوله بعد ذلك: (وكذلك يتعلق به الإيمان بالله)(4).
مراده: إظهار الإيمان، وإلا فالإيمان الذي هو التصديق، لا يتعلق إلا بالجَنان.
(1) قواعد الأحكام 1: 332.
(2)
قواعد الأحكام 1: 332.
(3)
قواعد الأحكام 1: 332.
(4)
قواعد الأحكام 1: 332.
وكذا قوله: (وتصديق من يجب تصديقه)(1).
مراده: إظهار تصديق من يجب تصديقه.
275 -
قوله بعد ذلك: (وتعلم العلوم الشرعية، والعبادات المَرضيّة، والفتاوى والأحكام، وزجر المفسدين، وإرشاد الضالّين)(2).
يقال فيه: كلٌّ من هذه الأمور تكون بالكتابة أيضًا، ولا تختص باللسان.
276 -
قوله بعد ذلك: (وأما قوله عليه السلام: (نية المؤمن خيرٌ من عمله)(3)، ففيه وجهان:
أحدهما: أن أجر النية المجردة عن العمل خير من العمل المجرد عن النية.
الوجه الثاني: ما رُوي أنه عليه السلام وَعَد على حفر بئرٍ بأجر، فنَوى عثمان رضي الله عنه أن يحفرها، فسَبَقه إلى حفرها يهودي، فقال صلى الله عليه وسلم:(نية المؤمن خيرٌ من عمله)، أي: نيةُ عثمان خيرٌ من حفر اليهودي) (4).
يقال عليه: هذا الحديث أخرجه صاحب (مسند الفردوس) بسند ضعيف (5).
(1) قواعد الأحكام 1: 332.
(2)
قواعد الأحكام 1: 332.
(3)
سيأتي تخريجه بعد قليل.
(4)
قواعد الأحكام 1: 333. ولم أجد هذه القصة في سبب ورود الحديث. أما تخريج الحديث نفسه فيأتي في الهامش التالي.
(5)
ينظر الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي 4: 285 (6842) أورده فيه من حديث سهل بن سعد وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما. ورواه الطبراني في المعجم الكبير 6: 185 (5942) من حديث سهل أيضًا. ورواه الشهاب القضاعي في مسنده 1: 119 (148) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه. وكذلك رواه الشهاب في مسنده 1: 119 (147) والبيهقي في شعب الإيمان 5: 343 عن أنس رضي الله عنه بلفظ (نية المؤمن أبلغ من عمله). =
وفيه وجه آخر غير ما ذكره الشيخ، وهو أن جملة (نية المؤمن): الإيمان الذي نشأ عنه النطق باللسان، وحينئذ فمجموع نية المؤمن خيرٌ من مجموع فعل الكافر، لاشتمالها على الإيمان الذي هو التصديق.
277 -
قوله بعد ذلك: (وأما الأفواه والبطون لا يجوز أن يُلقَى فيها ما يحرُم أكلُه)(1).
يقال عليه: بل يجوز إذا لم يتحلل منه شيءٌ إلى الجوف كالزجاج ونحوه (2).
= والحديث ضعيف كما قاله البلقيني، فقد ضغفه البيهقي في شعب الإيمان 5: 343 والعراقي في المغني عن حمل الأسفار (وهو تخريج أحاديث إحياء علوم الدين) 2: 1171 (4345) وابن حجر في الفتح 4: 219. وينظر أيضًا التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي 1: 65 والمقاصد الحسنة للسخاوي 1: 701 (1260) وفيض القدير 6: 292. لكن طرقه وإن كانت ضعيفة فبمجموعها يتقوى الحديث، وينجبر ضعفه كما قاله السخاوي والمناوي. وجاء في قواعد الأحكام 1: 333 (تحقيق د. نزيه، د. شبير) في الكلام على تخريج هذا الحديث، أنه (قؤاه ملّا علي القاري بمجموع طرقه وقال: يرتقي إلى درجة الحسن).
فائدة: كتاب (الفردوس) هو لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فنّاخُسرُو الديلمي، المتوفى سنة تسع وخمسمئة. أورد فيه عشرة آلاف حديث من الأحاديث القصار، من غير ذكر إسناد.
وأما مسند الفردوس فهو لولده أبي منصور شهردار بن شيرويه الديلمي المتوفى سنة ثمان وخمسين وخمسمئة، أَسنَد فيه أحاديث كتاب والده (الفردوس). ينظر الرسالة المستطرفة للكتاني ص 75.
(1)
قواعد الأحكام 1: 334.
(2)
مقصد الشيخ ابن عبد السلام رحمه الله واضح، وهو التنبيه إلى التحرز عن أكل الحرام لأنه مفسدةٌ، ولا يريد الشيخ هنا بيان أحكام ما يجوز أكله وما لا يجوز بحسب الواقع، فإن محلّه في كتب الفقه والفتاوى، وأما هنا فالشيخ ينبِّه على حفظ هذه الجوارح (الأفواه والبطون) وأنه ينبغي أن لا يصل إليها شيء مما يحرُم أكله. فما استدرك به البلقيني رحمه الله =
278 -
قوله بعد ذلك: (وردّ المغصوبات واجب على الفور، ولا يتقاعد فساد الطعام عن عَفَن الساجة (1) المغصوبة في البناء، إذ لا يجب نزعها مع إمكانه بسبب عَفَنها) (2).
قال شيخنا: فرقٌ بين (الساجة) و (الطعام)، وهو أنه يلزم من نزع الساجة، إفسادُ ما حولها من البناء، ولا كذلك الطعام.
279 -
قوله بعد ذلك: (ولم يقدِّم الشرع مسح يُمنى الأذنين على يُسراهما، إذ لا فضلَ)(3).
يقال فيه: الأذنان والخدّان يطهُران دفعةً واحدةً، فإن كان أقطعَ، قَدَّم اليمين، كذا نقله الرافعي عن أبي المحاسن الرُّوياني (4).
280 -
قوله بعد ذلك: (ولا شك أن مقابلة الشريف بالشريف حسنة في العقول، ولذلك يُبدأ بها في الانتعال لأنه إكرام لها)(5).
= على الشيخ، وإن كان صحيحًا في حد ذاته، إلا أنه لا يخلو من تكلف وبعد عن مقصد الشيخ ابن عبد السلام، إذ إن ما ذكره البلقيني من إلقاء الزجاج ونحوه في المعدة، هو على فرض وقوعه من الأمور النادرة التي تقع لبعض الناس في بعض الحالات، والنادر لا حكم له.
(1)
الساجة: واحدة (الساج) -وقد يقال: الصاج-. والساج: قسم من الشجر يعظُم جدًّا ويذهب طولًا وعرضًا وله ورق كبير. وقال الزمخشري: الساج خشب أسود رزين لا تكاد الأرض تبْليه، والجمع: سيجان. ينظر المصباح المنير 1: 293 والمعجم الوسيط 1: 460.
(2)
قواعد الأحكام 1: 335.
(3)
قواعد الأحكام 1: 338.
(4)
هو صاحب الكتاب المشهور (بحر المذهب). وسبقت ترجمته.
(5)
قواعد الأحكام 1: 338. وسياق كلام الشيخ ابن عبد السلام هنا في استحباب تقديم اليمين من الأيدي والأرجل في المواضع الشريفة كالطهارات والمصافحات والأكل والشرب والذبح؛ لأن اليُمنى من الأيدي والأرجل أشرف العضوين، فكان من تعظيم =
يقال فيه: فإذا تعارض الخروج من المسجد والانتعال، قَدَّم اليسرى في الخروج ويضعها على ظهر نعله، ثم يُخرج اليمنى فيُنعلها، ثم يُنَعِّل (1) اليسرى).
281 -
قوله بعد ذلك: (والطِّيرة: أن يرى أو يسمع ما يدل على الشر، فيخافه ويَرهبه، وذلك سوء ظنٍّ بالله)(2).
يقال عليه: إنما نُهي عنه زجرًا عما كانوا يعتقدونه من تأثيرها من حيث النفع أو دفع الضر، لا أنها من باب سوء الظن بالله، وإلا فقد عَدَل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلوك وادٍ، ورأى به قبيلته بنو مُحرق (3).
= العبادة وشكر النعم المباحة أن يُستعمل فيها أفضل العضوين. هذا ما قاله الشيخ ابن عبد السلام، ثم قال:(ولا شك أن مقابلة الشريف بالشريف حسنة). وأما تقديم الرِّجْل اليُمنى في الانتعال، فذلك لأن الانتعال بمثابة اللباس للقدم، فهو إكرامٌ لها، ولهذا يُبدأ فيه بالرِّجل اليمنى كما يُبدأ في لباس البدن بالأعضاء اليُمنى. ثم خلعُ النعل بمثابة نزع اللباس عن القدم، فيُبدأ فيه بالقدم اليسرى إبقاءً لإكرام القدم اليمنى هنا مرة أخرى بتأخير نزع لباسها إلى ما بعد القدم اليسرى.
(1)
كلمة (يُنعّل) هذه، ضبطها الناسخ في المخطوط بتشديد العين، ولم يَضبط التي قبلها. ويجوز في الكلمة ثلاثة أوجه: نَعَل القدمَ يَنْعَلها، أي: أَلبَسها النعل. وأَنْعَلَ يُنْعِل. ونَعَّل يُنَعِّل. ينظر تاج العروس 31: 10.
(2)
قواعد الأحكام 1: 340.
(3)
العبارة الأخيرة من هذه الفقرة، لم تتضح بعض كلماتها في المخطوط، واجتهدتُ طويلًا حتى بدا لي أنها أقرب ما تُقرأ كما أثبتُّها.
وهي تتعلق بقصة مسيره صلى الله عليه وسلم إلى بدرٍ الكبرى، ففيها أنه صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المنصَرَف، لمّا استقبل الصفراء -وهي قرية بين جبلين- سأل عن جبلَيْها، ما أسماؤهما؟ فقالوا: يقال لأحدهما: (مُسْلِح)، وللآخر:(مُخْرِئ)، وسأل عن أهلهما، فقالوا؟ بنو النار، وبنو حُراق، بطنان من بني غفار. فكره رسول الله اسم الجبلين، وكره المرور بينهما، فتركهما وعَدل عنهما، وسَلَك ذات اليمين على وادٍ يقال له:(ذَفِرَان). ينظر: السيرة =