المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ب- مشاركات الناسخ العلمية في هذا الكتاب: - الفوائد الجسام على قواعد ابن عبد السلام

[سراج الدين البلقيني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم بقلم الأستاذ الجليل الدكتور علي أحمد الندوي

- ‌المبحث الأول التعريف بكتاب (الفوائد الجسام)

- ‌أولًا: تسمية الكتاب:

- ‌ثانيًا: توثيق نسبة الكتاب للبلقيني:

- ‌ثالثًا: توثيق مضمون الكتاب للبلقيني:

- ‌رابعًا: طبيعة الكتاب:

- ‌خامسًا: أسلوب الكتاب:

- ‌سادسًا: منهح الكتاب:

- ‌سابعًا: مزايا الكتاب:

- ‌ثامنًا: مصادر البلقيني في الكتاب، وطريقته في العزو:

- ‌المبحث الثاني التعريف بابن عبد السلام، والبلقيني، والناسخ يحيى الكرماني

- ‌أولًا: التعريف بابن عبد السلام

- ‌1 - موجز عن سيرته:

- ‌2 - براعته في التصنيف والتأليف:

- ‌3 - مكانة كتاب (قواعد الأحكام) للعز بن عبد السلام:

- ‌4 - نموذج من علومه ومعارفه:

- ‌5 - جوانب مشرقة من سيرته ومناقبه:

- ‌ثانيًا: التعريف بالبلقيني

- ‌1 - اسمه، ولادته، دراسته وتفوقه العلمي:

- ‌2 - مكانته العلمية، وثناء الأعلام عليه:

- ‌3 - أعلام من تلامذته:

- ‌4 - من سيرته في الحياة:

- ‌5 - مؤلفاته:

- ‌6 - وفاته:

- ‌ثالثًا: التعريف بناسخ المخطوط:

- ‌أ - ترجمة الناسخ

- ‌ب- مشاركات الناسخ العلمية في هذا الكتاب:

- ‌المبحث الثالث وصف المخطوط

- ‌أ- قيمة النسخة المخطوطة المعتمدة في إخراج الكتاب:

- ‌ب- وصف المخطوط شكلًا:

- ‌ج - وصف المخطوط مضمونًا:

- ‌[المبحث الرابع عملي في خدمة الكتاب]

- ‌أولًا: ما يتعلق بخدمة النص في صلب المتن:

- ‌ثانيًا: ما يتعلق بخدمة النص في الهوامش:

- ‌نماذج من النسخة الوحيدة التي حُقِّق عليها الكتاب

- ‌الاصطلاحات المعتمدة في النص المحقق

- ‌[مقدمة البلقيني]

- ‌[مقدمة الشيخ ابن عبد السلام لكتابه (قواعد الأحكام) وتعليق البلقيني عليها]

- ‌[فصل في بناء جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما على الظنون]

- ‌[فصل فيما تُعرف به المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل في تقسيم أكساب العباد]

- ‌[فصل في بيان حقيقة المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل في بيان ما رُتِّب على الطاعات والمخالفات]

- ‌[فصل فيما عُرفت حِكَمُه من المشروعات وما لم تُعرف حكمته]

- ‌[فصل في تفاوت الأعمال بتفاوت المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل فيما تميَّز به الصغائر من الكبائر]

- ‌[فصل في إتيان المفاسد ظنًّا أنها من المصالح]

- ‌[فصل في بيان تفاوت رتب المصالح والمفاسد]

- ‌[فصل فيما يتفاوت أجزه بتفاوت تحمل مشقته]

- ‌[فصل في تساوي العقوبات العاجلة مع تفاوت المفاسد]

- ‌[فصل في تفاوت أجور الأعمال مع تساويها، باختلاف الأماكن والأزمان]

- ‌[فصل في انقسام جلب المصالح ودرء المفاسد إلى فروض كفايات وفروض أعيان]

- ‌[فصل في بيان رُتب المفاسد]

- ‌[فصل في اجتماع المصالح المجرّدة عن المفاسد]

- ‌[فصل في بيان تنفيذ تصرف البغاة وأئمة الجور لِما وافق الحقَّ، للضرورة العامة]

- ‌[فصل في تقيّد العزل بالأصلح للمسلمين فالأصلح]

- ‌[فصل في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة]

- ‌[قاعدة في تعذر العدالة في الولاية العامة والخاصة]

- ‌[فصل في تقديم المفضول، على الفاضل بالزمان، عند اتساع وقت الفاضل]

- ‌[فصل في تساوي المصالح مع تعذر جمعها]

- ‌[فصل في الإقراع عند تساوي الحقوق]

- ‌[فصل فيما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده أو بإفساد بعضه]

- ‌[فصل في اجتماع المفاسد المجردة عن المصالح]

- ‌[فصل في اجتماع المصالح مع المفاسد]

- ‌[فصل في الوسائل إلى المصالح]

- ‌[فصل في الوسائل إلى المفاسد]

- ‌[فصل في اختلاف الآثام باختلاف المفاسد]

- ‌[فصل فيما يتعلق به الثواب والعقاب من الأفعال]

- ‌[فصل فيما يثاب عليه العالم والحاكم وما لا يثابان عليه]

- ‌[فصل في تفضيل الحكام على المفتين]

- ‌[فصل فيما يُثاب عليه الشهود وما لا يثابون عليه]

- ‌[فصل في بيان الإخلاص والرياء والتسميع]

- ‌[فصل في بيان الإعانة علي الأديان]

- ‌[فصل في تفاوت فضائل الإسرار والإعلان بالطاعات]

- ‌[قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة]

- ‌[فصل في انقسام الحقوق إلى المتفاوت والمتساوي]

- ‌[فصل فيما يثاب عليه من الطاعات]

- ‌[قاعدة في الجوابر والزواجر]

- ‌[فصل فيما تُشترط فيه المماثلة من الزواجر وما لا تُشترط]

- ‌[فصل في بيان متعلقات حقوق الله تعالى]

- ‌[فصل في وقت النية المشروطة في العبادات]

- ‌[فصل في قطع النية في أثناء العبادة]

- ‌[فصل تردّد النية مع ترجّح أحد الطرفين]

- ‌[فصل في تفريق النيات على الطاعات]

- ‌[فصل ما يتعلق به الأحكام من الجوارح]

- ‌[فصل فيما يتعلق به الأحكام من الحَواسِّ]

- ‌[فصل فيما يتعلق بالأزمان من الطاعات]

- ‌[فصل في تنويع العبادات البدنية]

- ‌[فصل فيما يفوت من المصالح]

- ‌[فصل في مناسبة العلل لأحكامها]

- ‌[فصل فيما يُتدارك إذا فات بعذر]

- ‌[فصل في بيان تخفيفات الشرع]

- ‌[فصل في المشاقّ الموجبة للتخفيفات الشرعية]

- ‌[فصل في الاحتياط لجلب المصالح]

- ‌[فصل فيما يقتضيه النهي من الفساد]

- ‌[فصل في بناء جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون]

- ‌[فصل فيما يجب على الغريم إذا دُعِي إلي الحاكم]

- ‌[فصل فيما يَقدح في الظنون من التّهم وما لا يقدح فيها]

- ‌[فصل في تعارض أصلين]

- ‌[فصل في تعارض ظاهرين]

- ‌[فصل في حكم كذب الظنون]

- ‌[فصل في بيان مصالح المعاملات والتصرفات]

- ‌[فصل في بيان أقسام العبادات والمعاملات]

- ‌[قاعدة في بيان حقائق التصرفات]

- ‌[الباب الأول في نقل الحق من مستحقّ إلى مستحق]

- ‌[الباب الثاني في إسقاط الحقوق من غير نقل]

- ‌[الباب الثالث في القبض]

- ‌[الباب الرابع في الإقباض]

- ‌[الباب الخامس في التزام الحقوق بغير قبول]

- ‌[فصل في تصرف الولاة]

- ‌[فصل فيما يسري من التصرفات]

- ‌[قاعدة في ألفاظ التصرف]

- ‌[قاعدة لبيان الوقت الذي تثبت فيه أحكام الأسباب]

- ‌[قاعدة في بيان الشبهات المأمور باجتنابها]

- ‌[فصل في التقدير على خلاف التحقيق]

- ‌[قاعدة فيما يقبل من التأويل وما لا يقبل]

- ‌[فصل فيما أثبت على خلاف الظاهر]

- ‌[فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح المقال]

- ‌[فصل في حمل الأحكام على ظنون مستفادة من العادات]

- ‌[فصل في الحمل على الغالب والأغلب في العادات]

- ‌[قاعدة كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل]

- ‌[قاعدة فيما يوجب الضمان والقصاص]

- ‌[قاعدة فيمن تجب طاعته، ومن تجوز، ومن لا تجوز]

- ‌[قاعدة في الشبهات الدارئة للحدود]

- ‌[قاعدة في المستثنيات من القواعد الشرعية]

- ‌[خاتمه الكتاب]

- ‌ملحق 1: كتابة للبلقيني بخط يده، في آخر المخطوط

- ‌ملحق 2: قصيدة للبلقيني تتعلق بهذا الكتاب

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ب- مشاركات الناسخ العلمية في هذا الكتاب:

توفي سنة 833 شهيدًا بالطاعون، بدَرب شَهيدة بالقاهرة. قال السخاوي:(فوُلِد بدَرْب شُهْدة، ومات بدَرب شَهيدة، ودُفن بحوش سعيد السعداء. . . رحمه الله وإيّانا).

‌ب- مشاركات الناسخ العلمية في هذا الكتاب:

هذا العنوان، دعاني إليه، ما استوقفني في أثناء خدمة الكتاب من بعض العبارات التي يظهر من خلال أسلوبها ولهجتها أنها إضافاتٌ على كلام البلقيني من طرف غيره. فإذا كان الكتاب من إملاء البلقيني، فمن يكون يا ترى مصدر هذه الإضافات؟

هذا ما كان استوقفني، ثمَّ خطرتْ ببالي إجابةٌ عنه، وهو أنَّه يبدو أن هذه الإضافات: هي من طرف الناسخ الذي هو تلميذ البلقيني والمتلقّي عنه لهذا الكتاب، فكأنه كان ينقل كلام شيخه البلقيني، ثم يضيف إليه شيئًا من عنده، ولكن بما أنه لا يميز كلامه عن كلام شيخه البلقيني، ولا يخص نسبة ما ذكره إلى نفسه، فقد يُفهم أن الكلام كله للبلقيني، ولكن المتأمل في السياق يجد أن هناك شيئًا مضافًا من عند الناسخ على كلام البلقيني، فكأن الناسخ لم يقتصر هنا على مجرد نقل أو حكاية كلام شيخه البلقيني، بل يشارك هو أيضًا بنظراته ومرئياته، ويُضفي من طابَعه ورُوحه العلمية ما يتراءى له حول ما نقله من كلام شيخه.

ومما جعل هذه الخاطرة تترجح عندي، ما رأينا في ترجمة الناسخ عن مكانته العلمية، فليس هو مجردَ ناسخٍ كاتبٍ، بل هو ناسخٌ عالمٌ جيّدُ العلم. فلا شك أن مثله لا يكاد يمرّ على معلومة علمية إلا ويدقّق فيها، ويُبدي ما عنده من الرأي حولها.

إذًا فليس هذا الكتاب صادرًا عن البلقيني وحده، بل نجد فيه شيئًا من

ص: 82

(بصمات الناسخ) أيضًا، وهو ما قصدتُ إبرازه بهذا العنوان (مشاركات الناسخ العلمية).

وعلى هذا فالكتاب، بالإضافة إلى ما سبق من كونه ثمرات فكر الشيخين ابن عبد السلام والبلقيني، تزداد قيمته العلمية بما انضم إليه من مشاركات علمية جيدة لهذا الناسخ العالم تقي الدين يحيى ابن العلامة الشمس الكرماني.

وفيما يلي بعض الأمثلة، التي تشفع لي في صحة ما استظهرتُه:

فمثلًا: جاء في النص 234 نقلُ البلقيني عن الشيخ ابن عبد السلام: أنه لم يقف على ما يُعتمد على مثله في المفسدة التي اقتضت جعل الربا من الذنوب الكبائر.

فعلق عليه البلقيني بما ظهر له من تلك المفسدة التي كانت سببًا في كون الربا في نظر الشرع من الكبائر.

وبعد هذا استأنف الناسخ الكلام في الموضوع نفسه كما يلي:

(واختار شيخنا (أي: البلقيني) أن الذي يكون من الربا كبيرةً، إنما هو (ربا الفضل) لقوله في الحديث:(فمن زاد أو استزاد فقد أَربَى)، إذ في الحديث أنواعٌ من الربا، ولم يُخصّ بالذكر إلا (ربا الفضل). لكن ظاهر قوله:(لعن الله آكِلَ الربا ومُوكِلَه) يقتضي التعميم. انتهى).

فمن الواضح من سياق هذه الفقرة، أنها مضافة من طرف الناسخ.

والذي يؤكّد ذلك، ما علّقه على رأي شيخه في هذه المسألة، في آخر هذه الفقرة، حين قال:(لكن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله آكِلَ الربا ومُوكِلَه) يقتضي التعميم). ويعني الناسخ بهذا: أنه لا فرقَ في كون الربا من الكبائر، بين أن يكون ربا الفضل أو ربا النساء، وأن ما ارتآه شيخه البلقيني من هذه

ص: 83

التفرقة وتخصيص الوعيد بربا الفضل فقط، يخالف تعميم وإطلاق نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الواضح أن أسلوب هذا التعقيب (وهو قوله: (لكن ظاهر قوله

" لا ينسجم أن يكون صادرًا من البلقيني، إذ كيف يصح أن يتعقب هو بنفسه على نفسه؟

وتعقيب الناسخ هذا على شيخه البلقيني، يدل على أنه يتمتع بتدقيق النظر وتمحيص الفكر فيما ينقله عن شيخه البلقيني من الآراء.

مثال آخر مما يدل على مشاركة الناسخ العلمية:

النص 265: جاء فيه قول الشيخ ابن عبد السلام أن التوبة لها أركان: الندم، والعزم، والإقلاع.

هذا الرأي للشيخ ابن عبد السلام، علَّق عليه البلقيني كما نقله عنه تلميذه الناسخ، هكذا:

قال الناسخ: (قال شيخنا (أي: البلقيني): الأقرب عندي أنَّه لا يعتبر في التوبة إلا الندم فقط، ويلزم منه الإقلاع والعزم أن لا يعود، وإلا فلا يكون ندمًا نافعًا، ومن ثَمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الندم توبة)

وهذا دقيق). انتهى.

فكلمة: (وهذا دقيق) في آخر هذا التعليق، يُستشف من أسلوبها، أنها جاءت على لسان هذا الناسخ، ثناءً واستحسانًا منه على ما أبداه شيخه من الرأي في حقيقة التوبة والركن الأساسي فيها، وهو أنها ندمٌ!

ومقصود البلقيني أنه عند ما يصدُق هذا الندم عند التائب في توبته، سيَتْبعه تلقائيًّا الإقلاعُ عن الذنب والعزمُ على عدم العود إليه، فإذًا لا حاجة -في نظر البلقيني- إلى إضافة تلك الأركان الثلاثة في ماهية (التوبة)، بل يكفي الاقتصار على أنها (ندمٌ).

وعلى هذا، فتعقيب الناسخ على رأي شيخه هنا، أنَّه دقيق، هي مشاركة

ص: 84

علمية منه، تدل على مقدرته العلمية الجيدة التي تُمكّنه من المفاضلة بين الآراء العلمية واختيار بعضها على بعض. والله أعلم.

ومما يشير إلى مشاركات الناسخ العلمية في الكتاب:

النص رقم 606: فسياق التعبير فيه في التعليق على كلام الشيخ ابن عبد السلام، يشير إلى أنه مصوغ على لسان الناسخ.

وكذلك النص رقم 601: جاء فيه قول الشيخ ابن عبد السلام: (من لا يملك تصرفًا، لا يملك الإذن فيه. ويستثنى من ذلك: المرأة، فإنها لا تملك النكاح، وتملك الإذن فيه).

فقد نبه الناسخ في التعليق على هذا النص: أن شيخه البلقيني استثنى استثناءً آخرَ سوى الذي ذكره الشيخ ابن عبد السلام.

ثم جاء بعد ذلك سياق الكلام هكذا: (ومن فروع المسألة

) حيث نقل الناسخ استشهادًا بفرعٍ منقول من (الروضة) للنووي، يُعتبر نظيرًا للمسألة المستثناة التي ذكرها الشيخ ابن عبد السلام، مع مناقشة هذا الفرع.

فسياق التعبير وأسلوبه في إيراد هذا الفرع النظير، يبدو أنه إضافة من الناسخ. والله أعلم.

إن ما سبق من الأمثلة، يُعدّ نموذجًا لقسمٍ من مشاركات الناسخ، وهي التي تتمثل في مشاركاته العلمية في صلب نصوص الكتاب نفسها.

وهناك نموذجٌ لقسمٍ آخر من مشاركاته العلمية، وهي التي تظهر فيما كان يكتبه من تعليقاتٍ جانبية -في هوامش المخطوط- على كلام شيخه البلقيني، والتي تنبئ أيضًا عن مقدرته العلمية الجيدة، واستيعابه لما يُورده شيخه من المضامين في هذا الكتاب، وإبداء ما يتراءى له حولها من الأنظار العلمية.

ص: 85

فمن ذلك مثلًا:

جاء في النص رقم 246 قول الشيخ ابن عبد السلام: (لأن تطهير الحيوان بالذكاة كتطهير الأعضاء بالمياه).

فعلّق عليه البلقيني بقوله: (يقال على هذا: فيه تجوّز من جهة أن النجاسة لم تَرِد على الحيوان المأكول إلا بعد موته من غير ذكاة. ولعله أراد أن الحيوان يَحرُم حتى يُذكَّى، فكأنه قال: (لأن تحليل الحيوان بالذكاة كتطهير الأعضاء بالماء). انتهى كلام البلقيني.

وعلّق الناسخ -في هامش المخطوط- أمام كلام شيخه هذا، بتأييده بأنه هو المراد، ثمَّ أتى لذلك بنظير أورده البخاري في صحيحه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه معلَّقًا -:(ذَبَح الخمرَ النِّينانُ والشمسُ).

وهو تعليق يدلّ على دقة الفهم وسرعة البديهة لدى الناسخ، بحيث تمكّن من استحضار نظيرٍ -من صحيح البخاري- يؤيد ما قاله شيخه البلقيني في توجيه كلام الشيخ ابن عبد السلام. ولا يكفي في مثل هذا المقام أن يكون الشخص مجردَ حافظٍ للنصوص والروايات الحديثية فقط، ما لم يكن لديه بصيرة علمية جيدة، ووعيٌ دقيق في فقه تلك النصوص، تُمكّنه من إيرادها والاستدلال بها في مواضعها الصحيحة.

ومن ذلك أيضًا:

ما في النص رقم 139 الذي جاء فيه قول الشيخ ابن عبد السلام: (وذلك كمن يطأ جاريةً بالإباحة معتقدًا لمذهب عطاء، فيجب الإنكار عليه).

والعبارة هكذا، محل إشكال كبير، كما لا يخفى! إذ كيف يباح وطء الجواري بالإباحة، على مذهب عطاء (وهو ابن أبي رباح)؟

ولاستبعاد هذا الإشكال، عَلَّق الناسخ في هامش المخطوط أمام هذه

ص: 86

العبارة، ببيان حقيقة مذهب هذا التابعي الجليل، فكَتَب هكذا:(ومذهبه أن إعارة الجواري للوطء جائز).

وهو توضيحٌ في غاية السداد والإجادة، وحُسنُ تصرف من الناسخ، وإلا لكان يُظن بمثل هذا التابعي الجليل، ما ليس بمرادٍ له.

ومثال ثالث من تعليقات الناسخ العلمية:

جاء في النص رقم 311 قول الشيخ ابن عبد السلام: (وقد أَطلق بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه، أنَّه يُستحب الخروج من الخلاف حيث وقع

).

فعلّق الناسخ أمام هذا في -هامش المخطوط- ببيان المراد ببعض أصحاب الشافعي، فكَتَب:(هو ابن أبي هريرة (1)، أطلقه في تعليقه).

ومن ذلك أيضًا: أنَّه جاء في كلام الشيخ ابن عبد السلام في النص رقم 430 كلمة (جمع الحاج). فرأى البلقيني أنها خطأ، وأن صوابها:(جميع الحاج).

هذا ما رآه البلقيني فيما يتعلق بالصواب والخطأ في هذه الكلمة. ولكن الناسخ علّق -في الهامش- على كلام شيخه، بأن تخطئة شيخه لهذه الكلمة جاءت بناء على أنه رآها هكذا في النسخة التي كانت بيده من (قواعد الأحكام)؛ وإلا فإن الناسخ قد رآها في نسخة أخرى من (قواعد الأحكام) على الوجه الآخر الصواب الذي كان يريده شيخه البلقيني فيها، أي: بلفظ (جميع الحاج)، ولهذا يرتفع إيراد شيخه في تخطئة هذه الكلمة.

هذه المشاركات العلمية للناسخ، سواء في صلب نصوص الكتاب، أو في هوامش المخطوط، تُعرِّفنا بما أشار البلقيني فيما كتبه عن تلميذه هذا في

(1) وهو أحد أئمة الشافعية. ينظر التفصيل في موضع هذا النص داخل الكتاب. وينظر لتعليقات الناسخ الأخرى في هوامش المخطوط: النصوص 402، و 430، و 492.

ص: 87

آخر النسخة المخطوطة، أنه كانت له مباحثات في أثناء قراءة هذا الكتاب عليه، وأنه غاص في ذلك، وحَقَّق، ودَقَّق (1).

فكل ذلك يفيد أن الناسخ لم يكن مجرد قارئ، بل كان يباحث شيخه البلقيني، ويحقق معه ما يمليه عليه من مضامين هذا الكتاب، ومن ثَمّ كان يشارك بمرئياته ونظراته العلمية حسب ما تتبدّى له.

وبالجملة، فالذي خَلَصتُ إليه من خلال العمل في هذا الكتاب، أن يقال -في نهاية هذا العنصر المتعلق بمشاركات الناسخ العلمية-: إن أصل مضامين الكتاب وإن كانت إملاءً من البلقيني رحمه الله، فمع ذلك يبدو أنَّه كان للناسخ أثرٌ ومشاركةٌ في استيعاب تلك المضامين من شيخه، ثمَّ في عرضها وصياغتها والتعبير عنها على الصورة التي بين أيدينا من هذا الكتاب.

وبهذا لا حرج أن يقال: إن نِتاج مادة هذا الكتاب على الوجه الموجود بين أيدينا: لعله لم ينفرد به البلقيني، بل شاركه فيه، وشَدّ عضُدَه: تلميذُه الناسخ العالِم تقي الدين يحيى ابن العلامة شارح البخاري الشمس الكرماني. والله تعالى أعلم.

(1) ويستفاد هذا أيضًا مما كتبه البلقيني بخطه في موضع من النسخة، وهو قوله عن الناسخ: (بلغ قراءة وتحقيقًا. . . الشيخ تقي الدين الكرماني

).

ص: 88