الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل تردّد النية مع ترجّح أحد الطرفين]
262 -
قوله في فصل تردّد النية مع ترجّح أحد الطرفين:
(النية قصدٌ، فلا يُتصور توجّهُه إلا إلى معلوم أو مظنون، فلا تتعلق بمشكوكٍ فيه)(1).
يقال فيه: يُستثنى منه أن يكون الشك في الآلة، كما إذا اشتبه عليه ماءٌ بماءِ وَرْدٍ (2)، وقلنا: يتوضأ بكل منهما.
ويُستثنى أيضًا، بما إذا توضأ للاحتياط.
* * *
[فصل في تفريق النيات على الطاعات]
263 -
قوله: (فصل في تفريق النيات على الطاعات:
فلو فَرَّق النية على أحد جُزأَيْ الجملة في القراءة، مثل أن قال:(بسم الله)(3) أو قال: (الذين آمنوا)، فالذي أراه أنه لا يثاب على ذلك، ولا يثاب إلا إذا فَرَّق النية على الجُمل المفيدة) (4).
يقال عليه: لا يجتمع هذا مع ما قدَّمه قبل ذلك بأوراقٍ، من أنّ قراءة القرآن لا تحتاج إلى نية، من أنها (5) متميزة فيه بصورتها.
264 -
قوله بعد ذلك: (الضرب الثاني: ما يغلب عليه كونه ذكرًا ليس بقرآن، كقوله: (بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا قوة إلا بالله)، فهذا
(1) قواعد الأحكام 1: 324.
(2)
أي: اشتبه عليه ماءٌ مطلق، وماءُ الوَرْد. ينظر المهذب 1: 9 وأسنى المطالب 1: 23.
(3)
هكذا في المخطوط: (بسم الله). وفي قواعد الأحكام 1: 326: (بسم) فقط.
(4)
قواعد الأحكام 1: 326.
(5)
كذا في المخطوط: (من أنها متميزة) والمراد: لأنها متميزة
…
لا يحرُم على الجُنب قراءتُه إلا أن ينوي به القراءة، فيخرج عن الغلبة لغلبة الذكر عليه) (1).
يقال عليه: صوابه: (فيخرج عن الغلبة لنية القراءة). انتهى.
265 -
قوله: (النوع السادس والعشرون من أعمال القلوب: التوبة، ولها أركان: الندم، والعزم، والإقلاع)(2).
قال شيخنا: الأقرب عندي أنه لا يعتبر في التوبة إلا الندم فقط، ويلزم منه الإقلاع والعزم أن لا يعود، وإلا فلا يكون ندمًا نافعًا، ومن ثَمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الندم توبة)(3). ولا حاجة إلى تأويله بالـ (مُعْظَم) على حدّ قوله: (الحج عرفة)(4). وهذا دقيق.
266 -
قوله بعد ذلك: (ويستحب للتائب إذا ذَكَر ذنبه الذي تاب عنه، أن يجدّد الندمَ على فعله والعزمَ على ترك العود إلى مثله، وعلى هذا يُحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مئة مرة)(5)، لا يعني بذلك أنه
(1) قواعد الأحكام 1: 327.
(2)
قواعد الأحكام 1: 327.
(3)
سنن ابن ماجه: الزهد-باب ذكر التوبة 2: 1420 وصحيح ابن حبان: الرقائق- باب التوبة 2: 377 (612) والمستدرك 4: 271 وصحَّح إسناده، كلهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(4)
سنن الترمذي: الحج -باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج 3: 237 (889) وسنن النسائي: مناسك الحج- باب فرض الوقوف بعرفة 5: 256 (3016) وسنن ابن ماجه: المناسك- باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع 2: 1003 (3015) كلهم من حديث عبد الرحمن يَعْمَر الدِّيلي الصحابي رضي الله عنه.
وقول البلقيني: (ولا حاجة إلى تأويله بالـ (مُعْظَم) على حدّ قوله: "الحج عرفة" يعني به: أنه لا حاجة إلى تأويل حديث (الندم توبة) بأن المراد به: معظم التوبة: هو الندم، كما يقال في توجيه حديث (الحج عرفة) أن المراد به: أن الركن الأعظم في الحج هو (وقوف عرفة).
(5)
رواه النسائي في سننه الكبرى 6: 115 (10274) من حديث أبي موسى الأشعري =
يُذنب في كل يوم مِئة مرة، بل معناه تجديد التوبة وتكريرها عن ذنب واحد صغير) (1).
ما ذكره الشيخ في تقديره: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مِئة مرة)، لا يليق بمقام النبوة، لأن من جَوَّز عليهم الصغائر سهوًا، لا يقول: إنها وقعت!
والذي ينبغي في تقرير ذلك أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم لا يزال في تَرَقٍّ، فكلما تَرَقَّى إلى مقامٍ، استغفَر الله تعالى من ذلك المقام الذي دونه.
267 -
وقوله بعد ذلك: (فشتان بين من لا ينسى الصغير الحقير، وبين من ينسى عظيمَ ذنوبه، فلا تمرّ على بالِهِ احتقارًا لذنوبه)(2).
يقال عليه: صوابه: فشتان بين من يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مئة مرة ولا ذنبَ له، إجلالًا لربه! وبين من ينسى عظائم ذنوبه فلا يُمرّ على باله، احتقارًا لذنوبه!.
268 -
قوله بعد ذلك: (فإن قيل: كيف يُتصور التوبة مع ملاحظة توحيد الله بإيجاد الأفعال خيرها وشرّها، مع أن الندم على فعل الأغيار لا يُتصور؟ قلنا: من رأى للآدمي كسبًا، خصَّص الندم والعزم بكسبه دون صنع ربه. ومن لا يرى بالكسب، خَصَّص التوبة بحال الغفلة عن التوحيد، وهذا مشكل من جهة أنه يتوب عما يظنه فعلًا له وليس بفعلِ له في نفس الأمر؟)(3).
= رضي الله عنه. ورواه مرة أخرى 6: 118 (10287) من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني ذَرِبُ اللسان، قد أحرقتُ أهلي بلساني. قال:(فأين أنت من الاستغفار! إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة). وراه ابن ماجه 2: 1254 (3815) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1)
قواعد الأحكام 1: 328.
(2)
قواعد الأحكام 1: 328.
(3)
قواعد الأحكام 1: 328.
يقال عليه: ليس هذا بمشكل، وغايته أن يكون العبد. . . (1) فنقول: إنه مجبول على المعصية، ومع ذلك فالله تعالى أوجب التوبة منها عليه، وعِدَتُه عليها: أن يُثيب، لا يُسأل عما يفعل.
وقوله في السؤال: (مع أن الندم على فعل الأغيار (2) لا يُتصور):
لا يليق بالمقام ذكرُ الأغيار. والأولى أن يقول: لأن الندم على فقره (3) لا يُتصور.
269 -
قوله بعد ذلك في النوع التاسع والعشرين: (ومنها: الحب في الله والبغض في الله؛ كحب الأنبياء والأولياء، وبُغض العصاة والأشقياء)(4).
يقال فيه: (وبغض العصاة): فيه تجوز، والمبغوض فعل العصاة لا ذواتهم.
270 -
قوله بعد ذلك: (ومنها أن يقدِّر إذا عَبَدَ اللهَ (5)، كأنه يراه، لتقع العبادة على أكمل الأحوال، فإن عَجَز عن ذلك فلْيقدِّر أن الله ناظرٌ إليه (6).
وقوله: (فإن عَجَز): يحتمل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)(7). معناه: فإن عَجَزتَ عن رؤيته فإنه يراك.
(1) كلمة لم تتضح في المخطوط، صورتها:(اخرنا)؟
(2)
في المخطوط: (الأعيان)؟ وما جرى إثباته هو من قواعد الأحكام 1: 330.
(3)
كذا بالمخطوط.
(4)
قواعد الأحكام 1: 330.
(5)
جاء مكتوبًا في المخطوط فوق لفظ (الله)، لفظ (ربَّه)، وكان الناسخ يريد الإشارة إلى أنه ربما جاء الكلام في نسخة من (قواعد الأحكام) هكذا:(أن يقدِّر إذا عَبَد ربَّه).
(6)
قواعد الأحكام 1: 331.
(7)
جزء من حديث جبريل المشهور عليه الصلاة والسلام، رواه البخاري بلفظه في التفسير =
ويحتمل أن يعلّق على الحقيقة، لأن ذلك لم يقع في الدنيا لغير النبي صلى الله عليه وسلم (1).
فإن قيل: فكيف ساغ دخول (إنْ)، وهي لا تدخل إلا على المشكوك؟ قلنا: قد يستعملها العرب في المحقَّق (2).
* * *
= -باب إن الله عنده علم الساعة 4: 1793 (4499) وفي الإيمان- باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة 1: 27 (50) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه مسلم: الإيمان- باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان 1: 36 من حديث عمر رضي الله عنه.
(1)
توضيح ما يريده البلقيني في تعليقه هذا على الحديث المذكور: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) يحتمل معنيين:
المعنى الأول: وهو المتبادر والمتداول لدى عامة أهل العلم-: أن على العبد أن يتصور أولًا كأنه هو نفسه ينظر إلى الله تعالى في حال العبادة، فإذا عَجَز عن هذا التصور، فلْيتصور بعد ذلك أن الله تعالى ناظرٌ إليه، لأنه سبحانه تعالى ناظرٌ حقيقةً إليه.
أما المعنى الثاني: فهو أن كل واحد منا يعلم جزمًا أنه عاجز عن رؤية الله تعالى رؤيةً حقيقية في الدنيا؛ لأن ذلك لم يقع في الدنيا لغير النبي صلى الله عليه وسلم، فما دام الأمر كذلك وهو أن العجز عن ذلك واقع حقيقةً، فلا داعي لمحاولة تصور أننا نرى الله تعالى، بل ينبغى أن ينتقل العبد مباشرة إلى تصور أن الله تعالى هو الناظر إليه، فيكون هذا أحد المعنيين -على رأي البلقيني- في توجيه جملة:(فإن لم تكن تراه فإنه يراك). والله أعلم.
(2)
هذا إيراد من البلقيني نفسه رحمه الله على توجيهه لجملة (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) بالمعنى الثاني في الهامش المتقدم، وهو العجز الحقيقي عن الرؤية. فيقول البلقيني: إذا كان المراد بنفي رؤية الله تعالى في الحديث، هو العجز الحقيقي عنها كما قلتم على الاحتمال الثاني، فما هو تفسير كلمة (إنْ) في جملة (فإن لم تكن تراه)، وهي لا تدخل إلا على شيء مشكوك، وقد حُملت هنا على الحقيقة لا على المشكوك، فجوابه ما قاله البلقيني: أن الأصل في كلمة (إنْ)، كونها للمشكوك لكن قد تُستعمل في الحقيقة أيضًا. والله أعلم.