الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل فيما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده أو بإفساد بعضه]
87 -
قوله في الفصل المعقود لِما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده، أو بإفساد بعضه، أو بإفساد صفة من صفاته:
(فأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده، فكإفساد الأطعمة والأشربة والأدوية لأجل الشفاء والاغتذاء لإبقاء (1) المكلفين لعبادة رب العالمين) (2).
يقال عليه: قيد (المكلفين) لا حاجة إليه، فغيرُهم كذلك.
88 -
قوله فيه أيضًا: (وأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه، فكقطع اليد المتأكّلة، حفظًا للروح)(3).
يزاد عليه: (أو حفظًا لبقية العضو أن يُتأكّل لو تُرك).
* * *
[فصل في اجتماع المفاسد المجردة عن المصالح]
89 -
قوله في الفصل المعقود لاجتماع المفاسد المجردة عن المصالح:
(ولاجتماع المفاسد أمثلة: أحدها: أن يُكرَهَ على القتل (4) بحيث إنه لو امتَنَع منه، قُتل؛ فيلزمه أن يدرأ مفسدة القتل، بالصبر على القتل؛ لأن صبره
= بالقرعة) في تعارض البينتين، فإن القرعة لا ترجّح الثقة بإحدى الشهادتين، إذ لا تزيد بيانًا، والترجيح في كل باب إنما يقع بالزيادة في مقاصد ذلك الباب).
(1)
في قواعد الأحكام 1: 129: (وإبقاء).
(2)
قواعد الأحكام 1: 129.
(3)
قواعد الأحكام 1: 129.
(4)
في قواعد الأحكام 1: 130 (أن يُكرَهَ على قتل مسلمٍ).
على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه. وإن قدر على دفع المُكرِه بسبب من الأسباب، لزمه ذلك لقدرته على درء المفسدتين) (1).
يقال عليه: إنما يتوجّه اللزوم إذا قلنا: إنه يجب الدفع عن النفس، وقد تقدّم ما فيه، فراجعه (2).
90 -
قوله فيه أيضًا: (وكذلك لو أُكرِه بالقتل، على شهادة زورٍ أو على حكمٍ بباطل؛ فإن كان المُكرَه على الشهادة به أو على الحكم به قتلًا أو قطعَ عضوٍ أو إحلالَ بُضع محرّم، لم تجز الشهادة ولا الحكم) إلى آخره (3).
يقال عليه: التعبير بـ (إحلال البُضع) لا يستقيم. وصوابه: (أو الاستيلاء على بُضعٍ محرّم) لأن البُضع لا يحلّ بشهادة الزور.
91 -
قوله فيه أيضًا: (المثال الثالث: لو وَجَد المضطر إنسانًا ميتًا، أَكَل لحمه)(4).
يقال عليه: محل ذلك ما إذا لم يكن نبيًّا، فإن كان الإنسان الميتُ نبيًّا، فلا يجوز أكلُ لحمه (5).
92 -
قوله فيه أيضًا في (المثال الرابع): (ولا يجوز التداوي
(1) قواعد الأحكام 1: 130.
(2)
ينظر تعليق البلقيني على النص رقم 61.
(3)
قواعد الأحكام 1: 130 وتمام العبارة: (لأن الاستسلام للقتل أولى من التسبب إلى قتلِ مسلمٍ بغير ذنب، أو قطع عضو بغير جرم، أو إتيان بضع محرّم).
(4)
قواعد الأحكام 1: 132 وتمام العبارة: (لأن المفسدة في أكل لحم ميتِ الإنسان، أقل من المفسدة في فوت حياة الإنسان).
(5)
هذا كلامٌ فيه من التكلف والبعد الشديد عن مقصود الإمام الشيخ ابن عبد السلام، ما يُتعجب من البلقيني لذكره في مثل هذا المقام استدراكًا على الإمام الشيخ ابن عبد السلام؟! فإن المسألة -على غرابتها الشديدة، ونكارتها الذوقية- على التسليم بكونها مقرَّرة في نفسها عند أهل العلم، هي من الفرْضيات التي يصدق عليها تسميتها =
بالخمر على الأصح إلا إذا علم أن الشفاء يحصل بها ولم يجدوا (1) دواءً غيرها) (2).
يقال فيه: المختار أن الله تعالى سَلَب الخمرَ منفعتَها حين حرّمها (3).
= بـ (الشطحات) بمعنى الكلمة!.
وكلام الإمام الشيخ ابن عبد السلام واضح فيما يريده من المقارنة والترجيح بين مفسدتين اجتمعتا في المضطر الذي لا يجد إلا إنسانًا ميتًا يسدّ به رمق الجوع الاضطراري، فماذا يفعل؟ هل يُقدم على حرمة انتهاك هذا الميت؟ أم يمتنع عن ذلك فيكون مرتكبًا لحرمة قتل نفسه؟
هذا غاية ما أراده الشيخ ابن عبد السلام هنا كما هو واضح. أما ما ذكره البلقيني في التعقيب، فلا يُتصور أن يخطر ببال أحدٍ، لا سيما وأن الله تعالى قد حفظ أجساد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما هو معلوم ووارد في حديث صحيح مشهور.
(1)
هكذا في المخطوط: (ولم يجدوا). وفي قواعد الأحكام 1: 132 (ولم يجد).
(2)
قواعد الأحكام 1: 132.
(3)
تعليق البلقيني هذا جاء بسبب الاستثناء في قول الشيخ ابن عبد السلام أعلاه: (ولا يجوز التداوي بالخمر على الأصح إلا إذا علم أن الشفاء يحصل بها) وهكذا جاءت هذه العبارة في المطبوع من قواعد الأحكام 1: 132 أي: مع الاستثناء. لكن أفاد محققاه الفاضلان أن هذه العبارة جاءت في بعض النسخ من (قواعد الأحكام) بدون الاستثناء، أي هكذا:(ولا يجوز التداوي بالخمر على الأصح إذا علم أن الشفاء يحصل بها ولم يجد دواء غيرها)، وهي إشارة قيّمة جدًّا من الأستاذين المحققين، شكر الله لهما صنيعهما. فعلى هذا السياق، يتّفق كلام الشيخ ابن عبد السلام مع ما يقصد البلقيني التنبيه إليه، رحمهما الله تعالى، وهو (أن الخمر لا يجوز الاستشفاء بها على الأصح وإن علم أن الشفاء يحصل بها
…
).
وفي أسنى المطالب 1: 571 (وشربُ الخمر أي تناولها للعطش وللتداوي حرامٌ وإن لم يجد غيرها، لعموم النهي عن شربها، ولأن بعضها يدعو إلى بعض، ولأن شربها لا يدفع العطش بل يزيده وإن سَكَّنه في الحال، ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التداوي بالخمر: (إنه ليس بدواء ولكنه داء). رواه مسلم. وروى ابن حبان في صحيحه (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حَرَّم عليكم). والمعنى: أن الله سلب الخمر منافعها عندما حرَّمه). انتهى.
93 -
قوله في المثال أيضًا (1): فإن قيل: لِم التُزم في صلح الحديبية إدخال الضيم على المسلمين، وإعطاء الدنيّة في الدين؟ قلنا: التُزم ذلك دفعًا لمفسدة عظيمة، وهي قتل المؤمنين) إلى آخره (2).
يقال عليه: لم يكن في صلح الحديبية إدخال ضيم ولا إعطاء دنيّة في نفس الأمر، ومن ثَمّ قال النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، لعمر رضي الله عنهما ما قالا، حين قال:(فعلامَ نُعطي الدنيّة في ديننا)(3) وأيضًا فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تكون خُطّةٌ
(1) أي: في المثال السابق المتعلق بالتداوي بالنجاسات والخمر. وقد نبّه الشيخ ابن عبد السلام في أثناء هذا المثال، أن مضمونه يتعلق بتحصيل أعلى المصلحتين أو دفع أعظم المفسدتين. وبناء على هذا تطرّق الشيخ للكلام عن صلح الحديبية ضمن هذا المثال، وهو الذي يعلّق عليه البلقيني فيما يأتي من الكلام.
(2)
قواعد الأحكام 1: 133.
(3)
وهو أن عمر رضي الله عنه حين قال هذا القول أولًا للنبي صلى الله عليه وسلم، أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إني رسول الله، ولستُ أعصيه، وهو ناصري). ثم ذهب عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال له القول نفسه، فأجابه أبو بكر رضي الله عنه بمثل جواب النبي رضي الله عنه نفسه، حيث قال:(أيها الرجل، إنه لَرَسولُ الله، وليس يَعصي ربَّه، وهو ناصرُه، فاستمسِك بغَرْزه، فوالله إنه على الحق). صحيح البخاري 2: 978 (2581).
قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 7: 570 (وفي كلامه صلى الله عليه وسلم: (إني رسول الله ولستُ أعصيه): دليل واضح أن الصلح ما وقع لضعف المسلمين، بل لأمرٍ من الله حقيقةً بوحي أو بإشارة كما سبق من قوله:(حَبَسها حابسُ الفيل)، أو بإلهام استنباط لمّا رأى المصلحة المرتبة على إتمام هذا الصلح وما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة التي كان أوّلُها: فتحُ خيبر وتقوّي المسلمين بالكُراع والسلاح، وعاقبتُها: فتحُ مكة وإسلامُ أهلها كلهم ودخولُ الناس في دين الله أفواجًا؛ وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، ولا تتظاهر عندهم أمور النبي كما هي، ولا يختلطون بمن يُعلمهم بها مفصلة؛ فلما حصل (صلح الحديبية) اختلطوا بالمسلمين وجاؤوا إلى المدينة، وذهب المسلمون إلى مكة وخَلَوْا بأهلهم وبأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونه، وسمعوا منهم أحوال النبي ومعجزاته الظاهرة، وأعلامَ نبوته المتظاهرة، =
يعظّمون فيها حُرُمات الله، إلا أجبتُهم إليها) (1) يقتضي أن كل ما أجابهم إليه، فيه تعظيم حُرُمات الله وإن كانوا مخطئين في اعتقادهم. فتأمله! والله الموفق.
94 -
قوله فيه أيضًا (2): (ولتساوي المفاسد أمثلة: أحدها: إذا وقع رجلٌ
= وحُسنَ سيرته، وجميلَ طريقته، وعاينوا بأنفسهم كثيرًا من ذلك، فمالت نفوسهم إلى الإيمان حتى بادر خلقٌ منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة فأسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة، وازداد الآخرون ميلا إلى الإسلام. فلما كان يوم الفتح أسلموا كلُّهم لِما كان قد تمهّد لهم من الميل، وكانت العرب -غير قريش- في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلامَ قريش، فلما أسلمتْ قريشٌ أسلمتْ العرب في البوادي، قال تعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1 - 2]. فالله ورسوله أعلم). وينظر شرح النووي على صحيح مسلم 12: 140.
وفي فتح الباري 5: 348 (ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور
…
أنه كان مقدمةً بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عَقِبَهُ في دين الله أفواجًا، وكانت الهدنة مفتاحًا لذلك
…
وكان في الصورة الظاهرة ضَيْمًا للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عزًّا لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم: اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأَسمَع المسلمون المشركين القرآنَ، وناظروهم على الإسلام جهرةً آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، وظهر من كان يُخفي إسلامه، فذَلّ المشركون من حيث أرادوا العزة، وأُقهِروا من حيث أرادوا الغلبة).
هذا، وقال العلماء في توجيه قول عمر:(فعلامَ نُعطي الدنيّة في ديننا) أنه لم يكن كلامه المذكور شكًّا منه رضي الله عنه، بل الذي يظهر أنه توقّفٌ منه ليقف على الحكمة في القصة، وتنكشف عنه الشبهة. ينظر فتح الباري 5: 348 ومرقاة المفاتيح 7: 569.
(1)
رواه البخاري 2: 974 (2581) من حديث عروة عن المِسوَر بن مَخْرَمة ومروان بن الحكم، بلفظ:(والذي نفسي بيده لا يسألونني خطةً يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتُهم إياها). ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 7: 387 من حديث عروة بن الزبير مرسلًا بلفظ (والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظّمون فيها حرمة، ولا يدعوني فيها إلى صلة، إلا أجبتُهم إليها)، وهو قريب من اللفظ الذي ذكره المصنف البلقيني رحمه الله.
(2)
أي: في فصل اجتماع المفاسد المجردة عن المصالح).
على طفل بين الأطفال، إن أقام على أحدهم، قَتَله؛ وان انتقل إلى آخر من جيرانه، قتَله. فقد قيل: ليس في هذه المسألة حكم شرعي) إلى آخره (1).
يقال عليه: هذا يردّه قول الشافعي رضي الله عنه في آخر خطبة (الرسالة): (فليست تَنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلةٌ، إلا وفي كتاب الله تعالى الدليلُ على سبيل الهدى فيها)(2).
95 -
وأما قول الشيخ بعد ذلك (3): (فلو كان بعضهم (4) مسلمًا، وبعضهم كافرًا، فهل يلزمه (5) الانتقال إلى الكافر لأن قتله أخف مفسدة من قتل الطفل المحكوم بإسلامه؟ فالأظهر عندي أنه يلزمه ذلك، لأنا نجوّز قتل أولاد الكفار عند التترس) إلى آخره (6).
فيقال عليه: المختار تعيّن الإقامة على الذي وقع عليه؛ لأن ابتداء المفسدة -وهو الوقوع- كان بغير اختياره.
96 -
قوله فيه أيضًا: (المثال السابع: لو وَجَد كافرين قويَّيْن أَيِّدَيْن في حال المبارزة، تخيّر في قتل أيهما شاء، إلا أن يكون أحدهما أعرفَ بمكايد الحروب والقتال وأضرَّ على أهل الإسلام، فإنه يقدّم قتله) إلى أن قال: (بل لو كان ضعيفًا وهو أعرف بمكايد الحروب والقتال، قدّم قتله على قتل القويّ)(7).
(1) قواعد الأحكام 1: 133 وتتمة الكلام: (وهي باقية على الأصل في انتفاء الشرائع قبل نزولها. ولم تَرِد الشريعة بالتخيير بين هاتين المفسدتين).
(2)
الرسالة ص 20.
(3)
أي: في المثال السابق نفسه المتعلق بوقوع شخصٍ على طفلٍ من بين الأطفال.
(4)
أي: بعض أولئك الأطفال الذين وقع عليهم الشخص.
(5)
الضمير يعود إلى الشخص الذي وقع على الأطفال.
(6)
قواعد الأحكام 1: 134.
(7)
قواعد الأحكام 1: 135.