الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في وقت النية المشروطة في العبادات]
253 -
قوله في فصل في وقت النية المشروطة في العبادات:
(وليس قول الشافعي: (مع التكبير لا قبله ولا بعده) نصًّا في بسطه النية على التكبير؛ لأن اسم الشيء يُطلق على ابتدائه وعلى انتهائه) (1).
يقال عليه: ما ذكره من أن اسم الشيء يُطلق [على] ابتدائه وانتهائه، ذلك في الفعل، بدليل ما لو حلف: لا يصلّي، فإنه يحنث بالتحريم. أما الاسم، أي تسمية الفعل (صلاة) فلا يُطلق بها على مجموع الأجزاء.
* * *
[فصل في قطع النية في أثناء العبادة]
254 -
قوله في فصل في قطع النية في أثناء العبادة:
(إذا قَطَع نية العبادة في أثناء الصلاة، بطلت صلاته لانقطاع النية المستصحبة)(2).
يقال عليه: ما ذكره من بطلان الصلاة بنية قطع العبادة، يشمل نية القطع بطريق اللازم، كما إذا ارتدّ أو نوى الردّة في أثناء صلاته فإنها تبطل، لكن محلّه في البالغ. أما الصبي يرتدّ في أثناء صلاته فإنها لا تبطل كما حكاه الرُّوياني عن (. . . (3) لعدم صحة ردّته، ثم قال (4): وعندي تبطل وإن
(1) قواعد الأحكام 1: 319.
(2)
قواعد الأحكام 1: 320.
(3)
بياض في المخطوط، فلم يُذكر اسم المحكي عنه.
(4)
أي: الرُّوياني.
لم نصحِّح ردّته لِما في الردّة من نية قطع العبادة، وهو لو نوى قطع العبادة في أثناء صلاته بَطَل (1). يراجع الفرع من (البحر)(2). انتهى.
255 -
قوله بعد ذلك: (فإن فعل في حال شكه ركنًا لا يزاد مثله في الصلاة، كالركوع والسجود، بطلت صلاته، لأنه زاد فيها متعمدًا ركنًا لا يُعتدّ به، لفوات النية الحكمية فيه، فصار كلما لو تَعمَّد زيادته من غير نسيان)(3).
ما ذكره الشيخ من التعليل، هو طريقة الإمام ومن تبعه، وليس ذلك بمعتمد عند العراقيين. والمعتمد عندهم أنه يُعدّ متلاعبًا، وحقه التوقف إلى التذكر، وعلى هذا: فلا فرق بين الفعل والقول وهو الأصح، وردُّوه عن النص (4).
256 -
قوله بعد ذلك: (فإن قصُر زمان الشك، لم تبطل صلاته، كما لا تبطل بالكلام القليل والفعل اليسير في حال النسيان)(5).
ما ذكره من التشبيه، لا يناظر مثلُه (قِصَر زمان الشك)؛ لأن المأتيّ به في زمن الشك، فَعَله متعمدًا.
(1) كذا في المخطوط: (بطل) بالتذكير. والمراد: بطلت العبادة أو الصلاة.
(2)
هو للروياني نفسه. وهو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد، قاضي القضاة، أَبو المحاسن الروياني الطبري، وصنف الكتب المفيدة، منها (بحر المذهب) وهو كاسمه. وبرع في المذهب حتى كان يقول: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتُها من حفظي. ولهذا كان يقال له: شافعي زمانه. وكان فيه إيثارٌ للقاصدين إليه. وُلد سنة خمس عشرة وأربعمائة، وقتله الباطنية شهيدًا يوم الجمعة عند ارتفاع النهار بعد فراغه من الإملاء، سنة اثنتين وقيل سنة إحدى وخمسمائة. رحمه الله. طبقات الشافعية لابن شهبة 1: 287 وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 247 ووفيات الأعيان 3: 198.
(3)
قواعد الأحكام 1: 320.
(4)
كذا جاءت عبارة (وردُّوه عن النص) في المخطوط، ولعل المراد به: نص الشافعي.
(5)
قواعد الأحكام 1: 320.
257 -
قوله بعد ذلك: (فإن قيل: هل تصح العبادة بنية تقع في أثنائها؟ قلنا: نعم، وله صور: إحداها: أن ينوي المتنفل ركعة واحدة، ثم ينوي أن يزيد عليها ركعة أو أكثر، فتصح الركعة الأَوَّلةُ (1) بالنية الأولى، وتصح الثانية بالنية الثانية) (2).
خرّج شيخنا وجهين فيما إذا نوى المتنفل عددًا، ثم نوى أن يزيد عليه ركعة أو أكثر، هل يصح الزائد تنزيلًا لنيته منزلة النية المقارِنة لأول العبادة تقديرًا، أو هي نية مبتدأة في أثناء العبادة تحقيقًا وتقديرًا، وصحّت لاستمرار حكم العبادة.
ويظهر أثر الوجهين فيما لو نوى عددًا قبل وقت الكراهة، ثم زاد قبل فراغه ركعة أو أكثر بعد دخول وقت الكراهة. فإن نزّلنا هذه النية منزلة المقارِنة للنية الأولى، صحّحنا، وإلا أبطلنا نية الزائد لوقوعها في وقت الكراهة.
ويظهر أثرهما أيضًا فيما لو نوى ماسحُ الخُفّ عددًا يسع ما بقي من مدّته فقط، ثم نوى عددًا آخر لا يمكن فعله إلا بعد انقضاء مدته: إنْ نَزَّلْنا نية الزائد منزلة المقارِن، جاء فيه الوجهان فيما لو لم يبق من مدة الماسح إلا ما يسع ركعة، فافتتح ركعتين، وإلا بطلت نية الزائد قطعًا.
والوجهان خرّجهما شيخنا من الوجهين فيما لو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، ثم أراد إدخال الحج عليها في أشهره ليكون قارنًا: أحدهما: لا يجوز، تنزيلًا لنية الحج منزلة المقارنة للنية الأولى، أعني: نيةَ العمرة الواقعة في غير أشهر الحج. والثاني: يجوز، تنزيلًا لهذه النية منزلة المبتدأة، وهي واقعة في شهر الحج.
وللمسألة التفاتٌ إلى ما لو آجَر المالك العين المستأجرة من المستأجر
(1) كلمة (الأَوَّلةُ) هكذا جاءت مشكولة مضبوطة في المخطوط.
(2)
قواعد الأحكام 1: 322.
مدة أخرى قبل فراغ المدة الأولى. وفي ذلك كله بسطٌ ليس هذا موضعه. انتهى.
258 -
قوله بعد ذلك: (الصورة الثانية: إذا نوى الاقتصار في الصلاة على الأركان والشرائط، ثم نوى التطويل المشروع والسنن المشروعة. فإن ذلك يجزئه)(1).
قال شيخنا: لا يصح التمثيل بهذه الصورة لما قَعَّده؛ لأن نية الصلاة شاملة لِما يقع فيها من قِصَرٍ وطُولٍ، وليست نية الاقتصار على الأركان والشرائط نية مغيّرة حتى تؤثر في قطعها نيةُ التطويل، وليس التطويل عبادة مستقلة حتى يقال فيه مثل ذلك.
وكذلك قوله (2) فيما (لو نوى التسليم بعد انقضاء التشهد، ثم بَدَا له أن يطوّل في الأدعية والأركان)(3)؛ لأن العبادة واحدة، ونية الصلاة شاملة لذلك جميعه. انتهى.
259 -
قوله بعد ذلك: (الصورة الرابعة: إذا اقترن بصلاة القاصر، ما يوجب الإتمام، أو طرأ عليها ما يوجب إتمامها وهو لا يشعر بذلك، ثم شعر به في أثناء صلاته، فإنه يُتم الصلاة بالنية الثانية. وقد قال بعض أصحابنا: تُجزيه النية الأولى، وجَعَل القصر معلّقًا على شرط أن لا يطرأ ما يوجب الإتمام، وهذا لا يصح في حق من لا يشعر بهذا الحكم ولم يخطر بباله)(4).
ما ذكره من قوله: (وهو لا يشعر بذلك)، إنما يصح كونه قيدًا فيما إذا اقترن بصلاة القاصر ما يوجب الإتمام وما لا يصح كونه قيدًا فيما إذا طرأ
(1) قواعد الأحكام 1: 322.
(2)
أي: الشيخ ابن عبد السلام.
(3)
قواعد الأحكام 1: 322.
(4)
قواعد الأحكام 1: 322 - 323.
عليها ما يوجب الإتمام، إذ لا فرق بين شعوره وعدمه، بخلاف الأُولى فإنه لا بدّ فيها من عدم شعوره، إذ لو شعر بما يوجب الإتمام مَنْ نَوَى القصر، فإنه لا يصح نيته (1).
وما ذكره من الخلاف أنه يُتم الصلاة بالنية الثانية أو تُجزيه بالنية الأولى، قال شيخنا (2): لا أعرفه، والوجه أنه إذا لزم الإتمامُ، لا حاجة فيه إلى نية قطعًا.
ولعل الشيخ (3) أخذ الخلاف مما لو لزم إتمام الجمعة ظهرًا، فإنه لا يحتاج إلى نية الظهر على الأصح.
ولا يصح الأخذ لقيام الفرق بين الجمعة ومسألتنا، وهو أن (الجمعة مع الظهر) جنسان بناء على استقلالهما، فأمكن مجيءُ وجهٍ بأنه لا بد من إحداث نية.
وقوله: (وهذا لا يصح في حق من لا يشعر بهذا الحكم، ولم يخطر بباله)، كلام لا يظهر منه المقصود.
260 -
قوله بعد ذلك: (فإن قيل: النية قصدٌ، ولا بدّ للقصد من مقصود مكتَسَب يتعلق به القصد، فأيّ كسبٍ مقصودٍ للإمام إذا نَوَى الإمامة، فإن صلاته مع القوم لا تزيد على صلاته وحده. وكذلك إذا أحرم الناسك بالعمرة والحج مع اتّحاد الفعل، بخلاف ما لو أَدخَل الحجَّ على العمرة، فإن أفعال الحج تزيد على أفعال العمرة، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: لو أَدخَل العمرة على الحج [لم يصح] على قولٍ، إذ لا مَنْويّ. فهذه المسائل مشكلة)(4).
(1) هكذا جاءت كلمة (يصح) بالتذكير في المخطوط.
(2)
أي: البلقيني، والقائل هو تلميذه ناسخ المخطوط.
(3)
أي: ابن عبد السلام.
(4)
قواعد الأحكام 1: 323.
فائدة: قال شيخنا: لا إشكال في شيء من هذه المسائل. والنيةُ إنما تعلقت بمقصودٍ مكتسبٍ حكمًا؛ لأن صيرورته (1) قارنًا نَزَّله الشارع منزلة المكتسَب لكونه إنما حصل بنيته.
وكذلك انعقاد الإحرام بمجرد النية من غير قولٍ ولا فعلٍ صيرورته مُحرِمًا، يُنزَّى منزلة المكتسَب لحصوله بنيته وسببه. وكذا القول فيما أَشبَه ذلك، ولا إشكال.
261 -
قوله بعد ذلك: (ومن المشكل قول الشافعي رحمهما الله تعالى: إن الحج والعمرة ينعقدان بمجرد نية الإحرام من غير قولٍ ولا فعلٍ.
فإنْ أريد بالإحرام: أفعالُ الحج، لم يصح؛ لأنه لم يتلبّس بشيء منها في وقت النية، ولأن محضورات الحج (2) لا تَتَقدَّم عليه، كما لا تَتَقدَّم محظورات (3) العبادات عليها.
(1) في المخطوط: (صيرورة).
(2)
كلمة (محضورات) هذه، هي نفس كلمة (محظورات) وإنما كتبها الناسخ هنا بالضاد لا بالظاء. وقد تكررت هذه الكلمة أكثر من مرة في هذا النص (سواء في نص كلام الشيخ ابن عبد السلام، أو في تعليق البلقيني عليه) فكان من عجيب أمر الناسخ أنه كتبها تارة بالضاد: (محضورات)، وتارةً بالظاء (محظورات). ولم أتمكن من العثور في المعاجم اللغوية -في حدود ما بحثتُ عنه- ورود هذه الكلمة بالضاد، لكن ربما يقال: هي لهجة من الله جات العربية، فقد وجدتُ أنه يقال لجَرِين التمر (وهو الموضع الذي يُجمع فيه التمر):(الحظيرة) بالظاء و (الحضيرة) بالضاد كما في تاج العروس 11: 56 (حظر) والمعجم الوسيط مادة (حظر) و (حضر). فإذا كان هذان الوجهان (الظاء والضاد) واردين في كلمة (حظيرة) فلا بُعد في سواغيتهما في كلمة (محظورات) التي معنا، لاشتراكها مع (حظيرة) في أصل المادة والمعنى. ولهذا أبقيتُ كلمة (محظورات) في هذا النص كله حسبما جاءت في المخطوط، سواء بالظاء في موضع، أم بالضاد في موضع آخر.
(3)
كلمة (محظورات) هذه والتي بعدها في السطر التالي، جاءتا في المخطوط بالظاء.
وإنْ أريد به الانكفاف عن محظورات الإحرام، لم يصح، لأنه لو نَوَى الإحرام مع ملابسته لمحضوراته (1) سوى الجماع، لَصحّ إحرامه. ولو كان الكفُّ عنها هو الإحرامَ، لَمَا صحّ مع ملابستها، كما لا يصح الصيام مع ملابسة الأكل والشرب. وإن كان الإحرامُ هو الكفَّ عن الجماع، لَمَا صحّ إحرام من يَجهل وجوب الكفّ عن الجماع)، إلى آخره (2).
يقال عليه: قد مرّ جواب هذا (3).
وقوله: (فإنْ أريد بالإحرام: أفعالُ الحج)، يُشعر أن أحدًا قال: إن ذلك هو الإحرام. وكذا قوله: (وإنْ أريد به الانكفاف عن محظورات الإحرام)، وكذا قوله:(وإن كان الإحرامُ هو الكفَّ عن الجماع)؛ لم يقل بشيء من هذا أحدٌ.
والإحرام صفةٌ حاصلة للداخل في حج أو عمرة بنية معتبرة، نُزِّلتْ منزلة الفعل المكتسَب لحصوله بنيته، إذ لولا النية لم يَصِر مُحرِمًا، فهو الذي حصَّل لنفسه هذه الصفة بنيته. فهذا واضح لا خفاء به.
وقوله عقب قوله: (وإنْ أريد بالإحرام: أفعالُ الحج):
(ولأن محضورات الحج (4) لا تَتَقدَّم عليه) إلى آخره: لا تظهر مطابقته لِما قبله.
* * *
(1) أي: (لمحظوراته) وقد كتبها الناسخ هنا بالضاد، كما سبقت الإشارة إليه قبل قليل.
(2)
قواعد الأحكام 1: 323 - 324.
(3)
كأنه في قول البلقيني في التعليق على النص رقم 260: (وكذلك انعقاد الإحرام بمجرد النية من غير قول ولا فعل
…
).
(4)
كذا هنا أيضًا في المخطوط: (محضورات) بالضاد. وقد سبق التعليق عليه قريبًا.