الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
520 -
قوله: (المثال العاشر: إذا قال لامرأته: (إذا رأيتِ الهلال فأنت طالق)، فرآه غيرها، طلُقت عند الشافعي حملًا للرؤية على العرفان. وهذا على خلاف الوضع وعرف الاستعمال. وخالفه أبو حنيفة في ذلك. واستدل الشافعي بصحة قول الناس: رأينا الهلال، وإن لم يروا كلُّهم) (1).
يقال عليه: ما ذكره ليس بماسٍّ لمُدرك الشافعي، وذلك أن مُدرك الشافعي في رؤية الهلال، أن الشارع يَصرف فيها بالعلم، فكان الحمل على المعهود الشرعي أولى، وهو المعيّن، ومن ثَمَّ جرى وجهان في:(إن رأيتِ الدم فأنت طالق)، فعلمتْ به ولم تَرَه، لأن الشارع لم يتصرف في ذلك.
وأصلُ تقديم الشرعي على اللغوي، قوله تعالى لنوح عليه السلام لمّا تعلّق بمقتضى اللغة في قوله:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]، ذَكَر الله تعالى له:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46]، يعني: أن أهلك الشرعيين هم الذين على دينك، بدليل:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46].
* * *
[فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح المقال]
521 -
قوله: في فصل تنزيل دلالة العادات: (التوكيل في البيع المطلق، فإنه يتقيد بثمن المثل وغالبِ نقد بلد البيع)(2).
يقال عليه: تقييده بـ (نقد بلد البيع) في غير نسخة، ليس بجيد (3)،
(1) قواعد الأحكام 2: 224.
(2)
قواعد الأحكام 2: 225.
(3)
وهكذا وقع في النسخة المحققة من قواعد الأحكام 2: 225 بتحقيق د. نزيه حماد، د. عثمان ضميرية، أي بلفظ (نقد بلد البيع)، ولم يُشر المحققان إلى أي اختلاف في هذه الكلمة، في النسخ السبع التي اعتمدوها في تحقيق الكتاب، مما يدل أن جميع =
لاقتضائه أنه لو قال له بمصر: وكّلتُك في بيع كذا، فباعه بمكة، أنه يتقيد بنقد مكة. وليس كذلك، بل ذلك يتقيد بنقد بلد الوكالة.
وفي نسخة: (نقد البلد)، وهي سالمة من الإيراد (1).
ويؤيد ما ذكرناه، قوله (2):(فكأنه قال للوكيل: بعْ هذا بثمن مثله من نقد هذا البلد إن كان له نقدٌ واحد، أو: من غالب نقد البلد (3) إن كان له نقود).
522 -
[قوله](4): (ويدل على هذا، أن الرجل لو قال لوكيله: بعْ داري هذه. فباعها بجَوزة) إلى آخره (5).
يقال عليه: الأحسن أن يقال: ويدل على هذا، أنه لو قال لوكيله: بعْ هذا، فباعه بأقل من قيمته بقدرٍ لا يتسامح بمثله، فإن العقلاء قاطعون بتقصيره، وأن هذا غير مراد.
وما مَثَّل به الشيخ من البيع بجوزة وغيرها، لا يصلح أن يكون دليلًا، لأنه لا يُعلم منه الحال بما فوق الجوزة، أو التمرة، في بيع ما يساوي ألفًا، بخمس مئة أو ست مئة أو ثمان مئة.
523 -
قوله: (إذا قال مَن هو من أشراف الناس وأفضلهم لوكيله:
= تلك النسخ السبع اتفقت على هذه الكلمة بلفظ (نقد بلد البيع) أي: بتقييدها بـ (بلد البيع)، وهو ما يراه البلقيني محلَّ نظر.
(1)
وهذا يدل أن هذه النسخة التي يشير إليها البلقيني، والتي جاءت فيها هذه الكلمة مطلقة هكذا بلفظ:(نقد البلد)، هي نسخة ثامنة جيدة غير تلك النسخ السبع المعتمدة في الطبعة المشار إليها من (قواعد الأحكام).
(2)
أي: قول الشيخ ابن عبد السلام في المثال نفسه في قواعد الأحكام 2: 225.
(3)
في قواعد الأحكام 2: 225: (من غالب نقد هذا البلد).
(4)
كلمة (قوله) ساقطة من المخطوط، لكن مقتضى السياق إثباتها حسب ما يظهر.
(5)
قواعد الأحكام 2: 226.
وكلتُك في تزويج ابنتي. فزوَّجَها بعبد فاسق مشوّه الخلق، على نصف درهم، فإن أهل العرف يقطعون بأن ذلك غير مرادٍ باللفظ) (1).
الأحسن أن يقال: (فزوّجها بمن لا يليق بها بدون مهر المثل، فإن أهل العلم يقطعون بتقصيره، وأن ذلك غير ذلك).
وما مَثَّل به من (عبد فاسق مشوّه الخلق، على نصف درهم) لا يُعلم منه حال ما فوق ذلك مما هو غير لائق بها.
524 -
قوله: (ولو قال لامرأته: إن أعطيتِني ألفًا فأنتِ طالق. فإن الإعطاء يتقيد بالفور)(2).
يقال عليه: إنما يتقيد هذا بالفور في تعليقٍ فيه شوبُ معاوضة، فمن حيث كونه معاوضة اعتُبر فيه الفور، ولا دلالة للعرف على شيء من ذلك، فليُتأمل هذا المثال، فإنه ليس من قاعدة الفصل، ولا فروع القاعدة. نعم قوله:(إن شئتِ فأنتِ طالق) من فروع القاعدة.
525 -
قوله: (ولهذه القاعدة امتنعت مسألة (مدّ عجوة)، ومسألة المراطلة، وكذلك أخذ الشقص بما يخصه من الثمن، بناء على هذه القاعدة) (3).
يقال عليه: إنما استوت قاعدة (مد عجوة) لأن التوزيع يقتضي الجهل، لأن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة.
526 -
قوله: (وجاز لمن (4) اشترى عبدين بثمن (5)، أن يوزِّع الثمن على
(1) قواعد الأحكام 2: 226.
(2)
قواعد الأحكام 2: 226.
(3)
قواعد الأحكام 2: 229.
(4)
في المخطوط: (وجاز لمدّة)؟ والتصويب من قواعد الأحكام 2: 229.
(5)
أي: (بثمن واحد) كما في قواعد الأحكام 2: 229.
قيمتهما، ثم يُخبر أنه اشتَرَى كل واحد بما يقتضيه التوزيع على القيمة) (1).
يقال عليه: الصواب، أن ذلك لا يجوز في بيع مرابحة (2)، بل يُخبر أن ثمنه كذا، بمقتضى التوزيع عليه وعلى رقيقه.
527 -
قوله في (المثال السابع): (توزيع القيمة على الأعيان المبيعة في الصفقة الواحدة، وعلى المنافع المختلفة المستحقة بإجارة واحدة) إلى آخره (3).
يقال عليه: التوزيع في صور هذا المثال، ليس شيء (4) منها من الأمور المعدّدة، وإنما بيعُ الجملة المشتركة يوزَّع الثمنُ فيه على الحصص بقضية التعاقد (5)، بعد ذلك يقع التوزيع في صورة تفريق الصفقة على نسبة القيم بمقتضى التفاوت لا بمقتضى العادة.
528 -
قوله: (فإذا مات الأجير في أثناء الحج، فهلّا سقط جميع أجرته، لأنه لم يحصِّل شيئًا من مقصود المحجوج عنه) إلى آخره (6).
يقال: إنما وزعنا في الحج، مراعاة لأخف الضررين.
(1) قواعد الأحكام 2: 229.
(2)
في المخطوط: (منع مرابحة). والظاهر ما تم إثباته.
(3)
قواعد الأحكام 2: 228. ويتضح الكلام بالأمثلة التي ذكرها الشيخ ابن عبد السلام، وهي: (مثاله في البيوع: إذا اشترى جارية تساوي ألفًا، وأخرى تساوي خمسمائة: بتسعمائة؛ فإنا نقابِل التي تساوى ألفًا: بستمائة، والتي تساوي خمسمائة: بثلاثمائة. ومثاله في الإجارة: إجارة منازل مكة؛ فإن الشهر منها في أيام الموسم يساوي: عَشَرة؛ وفي بقية السنة تساوي: عَشَرة. فيُقابَل شهرُ الموسم بنصف الأجرة؛ وبقية السنة بما تبقّى منها. فإن أهل العرف يبذلون أشرف الثمن في أشرف المثمن، وأرذله في أرذله، ويقابلون النفيس بالنفيس والخسيس بالخسيس. وكذلك في الإجارات).
(4)
في المخطوط: (بشيء). والمثبت هو الذي ينسجم مع السياق.
(5)
لم تتضح كلمة (التعاقد) هذه في المخطوط. والفقرة كلها غير واضحة.
(6)
قواعد الأحكام 2: 229.
بيانه أن لحرمان الأجير ضررٌ بيّنٌ (1)؛ وإلزامُ المستأجر من غير حصول مقصودٍ، ضررٌ؛ فراعيناه، لأنه حصل له في مقابلة ما مضى من أعمال الحج أجرٌ، وذلك أخف من حرمان الأجير، لأنه ضررٌ لا في مقابلة شيء. وهذا بخلاف الجعالة.
ولم يذكر الشيخ الأصح، وهو توزيع الأجرة على ما مضى من السَّير ونقص أعمال الحج.
529 -
قوله: (إن كان الطعام قليلًا مشفُوهًا)(2).
يقال فيه: في الحديث: (إذا صَنَع لأحدكم خادمُه طعامًا، فلْيُقعِدْه معه، فإن كان مشفُوهًا فلْيَضَع في يده منه أُكلةً أو أُكلتين)(3).
المشفُوه: القليل. وأصله: الماء الذي كثرت عليه الشفاه حتى قَلَّ. وقيل: أراد: فإن كان مكثورًا عليه، أي: كثُرتْ أكَلَتُه.
530 -
قوله (4): (إذا أراد مَن لا حاجة له: الدخولَ إلى دُور القضاة والولاة للتنزه، الأظهر جوازه لجريان العادة بمثله)(5).
(1) كذا في المخطوط. ومقتضى قواعد العربية أن يقال: (أن لحرمان الأجير ضررًا بيّنًا).
(2)
قواعد الأحكام 2: 232.
(3)
لم تتضح بعض كلمات الحديث في المخطوط. والحديث يخرج في صحيح البخاري: الأطعمة- باب الأكل مع الخادم 5: 2078 (5144) وصحيح مسلم: الإيمان- باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس ولا يكلّفه ما يغلبه 3: 1282 (1663) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه عند مسلم:(إذا صَنَع لأحدكم خادمُه طعامَه، ثم جاءه به وقد وَليَ حَرَّه ودُخانَه فَلْيُقْعِدْه معه فَلْيأكل، فإن كان الطعام مشفوهًا قليلًا فَلْيَضَع في يده منه أُكلةً أو أُكلتين).
(4)
يوجد في المخطوط على كلمة (قوله). حرف (ح)، وكان الناسخ يريد الإشارة إلى أن هذه الكلمة موجودة في هذا الموضع في نسخة أخرى من الكتاب.
(5)
قواعد الأحكام 2: 232.
اختار (1) شيخنا: بمنع الدخول للتنزه، لاطراد أن القضاة والولاة يبادرن (2) لذلك.
531 -
قوله: (المثال الثامن: استصناع الصنّاع الذين جرت عادتهم بأنهم لا يعملون إلا بأجرة) إلى آخره (3).
ما صححه من استحقاقهم الأجر، هو وجة حسن، ولكن الأصح عند جمع من الأصحاب أنهم لا يستحقون شيئًا.
وما ذكره الشيخ من استحقاق ما جرت به العادة، وغايَرَ بينه وبين أجرة المثل (4)، لم يقل به أحد من الأصحاب في التفريع على هذا الوجه. والكل يقولون -في التفريع على هذا الوجه- أنهم يستحقون أجرة المثل.
والذي جرت به العادة هو أجرة المثل كما (5) نقول في (مهر المثل): إنه القدر الذي يُرغب به في نكاح أمثال المرأة. وكذلك نقول في (قيمة المثل) في بناء (6) القدر الذي تنتهي إليه الرغبات، وذلك هو العرف.
وحينئذ فالواجب للصناع المذكورين على هذا الوجه: أجرة المثل، ولا
(1) في المخطوط ما صورته: (أجاز). والمثبت هو ما يقتضيه السياق.
(2)
كذا ظهر من رسم الكلمة في المخطوط؟
(3)
قواعد الأحكام 2: 230 وأصل الكلام هكذا: (استصناع الصنّاع الذين جرت عادتهم بأنهم لا يعملون إلا بأجرة، إذا استصنَعَهم مستصنِعٌ من غير تسمية أجرة، كالدلّال والحلّاق
…
فالأصح أنهم يَستحقون من الأجرة ما جَرَت به العادة لدلالة العرف على ذلك. ولا يقال: يستحقون أجرة المثل، لأنا قد أقمنا اطراد العرف مقام صريح اللفظ فاستحقوا الزائد على أجرة المثل
…
).
(4)
يُنظر الهامش السابق.
(5)
لم تتضح الكلمة في المخطوط، لكن مقتضى السياق هو ما جرى إثباته.
(6)
كذا بالمخطوط.
تُستحق زيادة على أجرة المثل، لا يختلف الأصحاب بل ولا العلماء في ذلك.
ولعل الشيخ رأى كلام أبي إسحاق (1) في المسابقة عند فساد عقد المسابقة، وهو: أن المستحق ما يُعقد عليه المسابقة غالبًا إلا أن الفرق بينهما، أن مسألة أبي إسحاق ليس فيها منفعةٌ تحصل لمن تلزمه الأجرة، بخلاف مسائل الصناع.
وقول الشيخ: (وقد قيل بمثل هذا في هبة الثواب)(2).
يقال عليه: ذاك المذكور في الهبة ضعيفٌ مفرّع على ضعيف.
والفرق بين الهبة وبين ما نحن فيه، أن هنا: ملاحظة العوضية، فعند عدم التسمية يُرجع إلى مقابلة ما فات من المنفعة التي للصانع، وهو أجرة المثل. وأما الهبة فلا يُلحظ فيها العوضية، لأن ملك المتّهِب يَبين (3) بالقبض بالإذن، من غير أن يملك الواهب في مقابلة ذلك:(الموهوبَ) عوضًا، وإنما المرجع إلى العادة، فلمّا تمحّضت العادة، قال بعض الأصحاب: يجب ما يُعدّ ثوابًا لمثله في العادة.
ويدل لعدم ملاحظة العوضية في الهبة، أن المتّهِب لا يُجبَر على الثواب قطعا، بخلاف ما يتعلق بالصناع، فإنه يُجبَر المالك على دفع الأجرة قطعًا، وذلك مقتضى المعاوضة، ولم تتمحض فيه العادة، فوجب أجرة المثل على ما نفرّع عليه قطعًا.
(1) هو أبو إسحاق المَرْوَزي. تقدمت ترجمته في النص رقم 399.
(2)
قواعد الأحكام 2: 230.
(3)
لم تتضح الكلمة بالمخطوط.