الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانفرد أحدهما في تحمل المشقة لأجل الله تعالى، فأُثيب على تحمل المشقة لا على عين المشاق) إلى آخر ما ذكره (1).
يقال عليه: ما ذكره الشيخ من أن الثواب على تحمل المشقة لا على عين المشاق، ورَتَّب عليه ما ذكره من المسائل (2)، منازَعٌ فيه، ويردّه ظواهر الأدلة.
* * *
[فصل في تساوي العقوبات العاجلة مع تفاوت المفاسد]
32 -
قوله في الفصل المعقود لتساوي العقوبات العاجلة مع تفاوت المفاسد:
قد تتساوى العقوبات العاجلة مع تفاوت الزلات، مع أن الأغلب تفاوت العقوبات بتفاوت المخالفات، فإن من شرب قطرة من الخمر مقتصرا عليها يُحَدّ كما يُحَدّ من شرب ما أسكره وخَبَّل عقله، مع تفاوت المفسدتين.
ولم تُجعل الوسائل إلى الزنى والسرقة والقتل، مثلَ الزنى والسرقة
(1) قواعد الأحكام 1: 51.
(2)
كقول الشيخ: (وذلك كالاغتسال في الصيف والربيع، بالنسبة إلى الاغتسال في شدة برد الشتاء، فإن أجرَيْهما سواء لتساويهما في الشرائط والسنن والأركان، ويزيد أجر الاغتسال في الشتاء لأجل تحمل مشقة البرد. فليس التفاوت في نفس الغُسلين، وإنما التفاوت فيما لزم عنهما.
ثم قال: (وكذلك مشاق الوسائل في من يقصد المساجد أو الحج أو الغزو من مسافة قريبة، وآخرُ يقصد هذه العبادات من مسافة بعيدة، فإن ثوابهما يتفاوت بتفاوت الوسيلة، ويتساويان من جهة القيام بسنن هذه العبادات وشرائطها وأركانها، فإن الشرع يثيب على الوسائل إلى الطاعات كما يثيب على المقاصد مع تفاوت أجور الوسائل والمقاصد، ولذلك جعل بكل خطوة يخطوها المصلي إلى إقامة الجماعة: رفعَ درجة وحطَّ خطيئة، وجعل أبعدَهم ممشى إلى الصلاة أعظم أجرًا من أقربهم ممشى إليها
…
). قواعد الأحكام 1: 51 - 52.
والقتل، في الزواجر. والفرق بينها وبين من شرب القطرة: خفةُ حد السُّكر، وثقل ما عداه من الحدود، مع أن التوسل إلى السرقة والقتل لا يحرِّك الداعية إليهما ولا يحث عليهما، بخلاف وسائل الزنى من النظر والمسّ وغيرها، فإنها تؤكد الحث عليه، والدعاء إليه) (1).
يقال عليه: ليس شربُ قطرة من الخمر وسيلةً حتى يُطلب الفرق بينها وبين الوسائل إلى الزنى والقتل والسرقة.
وما ذكره من الفرق لخفة حدّ السُّكر وثقل ما عداه، لا يتوجّه.
ونظير القطرة من الخمر: إيلاج الحشفة ونزعها في الحال، فإنه يجب فيه الحد، كمن أَولَج جميع ذَكَره وأَنزَل. وكذلك سرقة ربع دينار، فإنه يُقطع فيه كما يُقطع في سرقة ألف دينار. وجراحةٌ خفيفة مع جراحة أعظم منها أو جراحات، فإنه يجب القصاص على الجارحين سواءً.
33 -
قوله فيه أيضًا: (فإن قيل: هل يكون وزرُ من سَرَق ربع دينار كوزر من سَرَق ألف دينار، لاستوائهما في القطع؟ قلنا: بل يتفاوت وزرهما في الدار الآخرة بتفاوت مفسدتَيْ سرقتهما لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] إلى آخره (2).
يقال فيه: ما ذكره من أن وزر مَن سَرَق ربع دينار، ووزر من سَرَق ألف دينار، يتفاوت بتفاوت مفسدتي سرقتهما، يتناول: أن وزر من سَرَق رُبع دينار لفقيرٍ، أعظمُ من وزر من سَرَق ألف دينار لغنيٍّ ذي مالٍ كثير لا يَعبأ بذلك، لاختلاف المفسدتين. وسيأتي في كلامه التصريح بما يوافق ذلك في المثال السابع عشر من الفصل المعقود للمصالح المجرّدة.
34 -
قوله فيه أيضًا: (والقطع الواجب في ألفٍ، متعلقٌ بربع دينار من
(1) قواعد الأحكام 1: 56.
(2)
قواعد الأحكام 1: 56.