الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فإن عزما على أن يعملا بما أُمرا به في الفتيا والحكم، أُثيبا على عزمهما. فإن أمضيا ما عزما عليه، أُثيبا على عزمهما وفعلهما؛ وإن رجعا عما عزما عليه، أُثيبا على عزمهما، وأَثِما برجوعهما)(1).
يقال عليه: الرجوع الذي ذكره؛ إن كان المراد به: العزم على عدم العمل، ففي التأثيم بالعزم خلافٌ، صرَّح به المتولي في (التتمة) (2) في (باب زكاة التجارة). والأصح من الخلاف: أنه لا يأثم بالعزم ما لم يتلبس بالمعصية.
* * *
[فصل في تفضيل الحكام على المفتين]
153 -
قوله في الفصل المعقود لتفضيل الحكام على المفتين:
(وتصدّي الحكام للحكم أفضل من تصدّي المفتي للفتيا)(3).
يقال عليه: في هذا نظر، فإن متعلَّق الفتيا أعمّ.
154 -
قوله فيه أيضًا: (فإذا أَمَر الإمام بالجهاد كان متسبِّبا إلى تحصيل
(1) قواعد الأحكام 1: 196.
(2)
المتولي هو: أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي، المعروف بالمتولي، الفقيه الشافعي النيسابوري. كان جامعًا بين العلم والدين وحسن السيرة وتحقيق المناظرة، له يد قوية في الأصول والفقه والخلاف. وصَنَّف في الفقه كتاب تتمة الإبانة، تمَّم به الإبانة تصنيف شيخه الفُوراني (أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد المروزي المتوفى سنة 461) لكنه عاجلتْه المنيّة قبل إكماله. وصنف كتابًا في أصول الدين، وفي الخلاف، ومختصرًا في الفرائض. وكل تصانيفه نافعة. تُوفي رحمه الله سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وفيات الأعيان 3: 133 وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 238 وطبقات الشافعية لابن السبكي 5: 106.
(3)
قواعد الأحكام 1: 198.
مصالحه، بأمره الأجناد بمباشرة القتال. ولمُباشِر القتال أجرٌ أفضل من أجر الإمام، لأن الإمام متوسِّل إلى مصالح الجهاد، والمُقاتل مباشِرٌ. لكن الظاهر أن أجر الإمام أفضل من أجر الواحد من المجاهدين؛ فإذا كانوا ألفًا كان لكل واحدٍ منهم أجرُ مباشرته على حسب ما باشر، وللإمام أجرُ تسبّبه إلى قتال الألف) إلى آخره (1).
يقال عليه: ما ذكره من أن أجر الإمام -والحالةُ هذه- أقل من أجور المباشرين للقتال: فيه نظر، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من دعا إلى هدى، كان له مثلُ أجر من عَمِل به، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا)(2)، وهذا يقتضي أن يكون أجرُ الإمام للتسبب إلى جهادِ ألفٍ: كأجر الألف المباشرين للجهاد. وهذا هو الأرجح.
(1) قواعد الأحكام 1: 199.
(2)
هذا اللفظ مركب من حديثين:
أحدهما رواه مسلم 4: 2060 (2674) كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا) الحديث.
والحديث الآخر رواه مسلم أيضًا في الموضع نفسه 4: 2059 (مكرر 1017) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه وفيه قصة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سَنّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده، كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء) الحديث.
ورواه مسلم في موضع آخر من صحيحه 2: 705 (1017) كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق ثمرة
…
عن جرير أيضًا رضي الله عنه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عَمِل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء) الحديث. وهو في المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نُعيم 3: 9 عن جرير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عَمِل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا) الحديث.
155 -
قوله فيه أيضًا (1): (فإن قيل: إذا جار الأئمة والحكام وعَدَلُوا، فهل يقوم عدلُهم بجورهم؟ فالجواب: أن ما فوَّتوه من الأموال مضمون عليهم في الدنيا؛ فإن أدَّوه، برئت ذممهم وبقوا في عهدة إثم الحيلولة. وإن لم يؤدّوه، أُخذ في الآخرة من حسناتهم؛ فإن فَنِيت حسناتهم، طُرح عليهم من سيئات مَنْ ظلموه، ثم طُرحوا في الجحيم)(2).
يقال عليه: هذا الجواب غير مطابق للسؤال. وينبغي أن يجاب بأنه إن رَبَا العدل على الجور، قام العدل بالجور حكمًا للأغلب، لقوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. وإن رَبَا الجور على العدل، فلا.
156 -
قوله فيه أيضًا: (فإن قيل: لو مات المكلف وعليه دَيْنٌ لم يأثم بسببه ولا بمَطْله، فهل يؤخذ من حسناته في الآخرة بمقدار ما عليه من الدَّين؟ قلنا: نعم) إلى أن قال: (كما تؤخذ أمواله ومساكنه وعبيده وإماؤه في الدنيا)(3).
يقال عليه: هذا الجواب ممنوع. والأرجح أنه لا يؤخذ في الآخرة من ثواب حسناته شيء، لعدم تعدّيه. وفي الحديث:(من أَخَذ أموال الناس يريد أداءها، أدَّى الله عنه)(4).
(1) أي: في (فصل تفضيل الحكام على المُفتين
…
). وجاء هذا النص في المطبوع من قواعد الأحكام 1: 201 تحت فصل آخر بعنوان: (فصل فيمن جَمَع بين الجور والعدل من الأئمة في ولايته)، ونبه محققاه الفاضلان أن هذا العنوان ساقط من بعض النسخ.
وعليه فنسخة الإمام البلقيني موافقة للنسخ التي سقط منها هذا العنوان.
(2)
قواعد الأحكام 1: 201.
(3)
قواعد الأحكام 1: 201 - 202 وجاء بعده قول الشيخ: (فإن فنيت حسناته في الآخرة، لم يُطرح عليه من السيئات، لأنه غير عاص ولا آثم. ولا يتعجبنّ متعجبٌ من ذلك، فإن ذلك عدل من الله في الدنيا والآخرة) قواعد الأحكام 1: 202.
(4)
صحيح البخاري 2: 841 (2257) كتاب الاستقراض وأداء الديون
…
، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.