الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في تعارض ظاهرين]
416 -
قوله في فصل تعارض ظاهرين (1): (إذا تأمل الناسُ الهلال، فشهد برؤيته عدلان منهم، ولم يتفوّه غيرهما برؤيته، فقد اختلف العلماء فيه)(2).
يقال عليه: دليل مذهب الشافعي، حديث ابن عباس أن أعرابيًّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال، فقال:(أتشهد أن لا إله إلا الله)؟ قال: نعم. قال: (أتشهد أن محمدًا رسول الله)؛ قال: نعم. قال: (فأذِّن في الناس يا بلال أن يصوموا غدًا)(3).
فلو كان ما ذكره المخالف قادحًا، لَبَيَّنه، ولَما أَمَر بالصيام.
(1) هذا الفصل يبدأ في المخطوط من هذا النص. أما في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 104 فيبدأ من النص السابق المتعلق باختلاف الزوجين في متاع البيت.
(2)
قواعد الأحكام 2: 105 وتتمة كلام الشيخ بعده -وبه سيتضح تعليق البلقيني الآتي فيما بعدُ على هذا النص-كما يلي: (فقد اختلف العلماء فيه، فسمع الشافعي رحمه الله شهادتهما لظهور صدقهما بما ثبت من عدالتهما الوازعة عن الكذب. ورأى بعض العلماء ردّ شهادتهما لأن العادة تكذِّبهما، فإن العادة أن الجمع الكثير إذا رأوا الهلال: شَهَّرُوه وتفوّهوا برؤيته. فإذا لم يتفوّه برؤيته إلا الشاهدان، دل الظاهر المستفاد من العادة على كذبهما، أو على ضعف الظن المستفاد من قولهما).
(3)
رواه أَبو داود: الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان 2: 302 (2340) والترمذي: الصوم، باب ما جاء في الصوم بالشهادة 3: 74 (691) والنسائي: الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان 4: 131 (2112) وابن ماجه: الصيام، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال 1: 529 (1652) وابن خزيمة 3: 208 (923) وابن حبان 8: 229 (3446) والحاكم وصححه 1: 437 و 586 وألفاظهم مختلفة عن اللفظ الذي أورده البلقيني أعلاه. أما هذا اللفظ فقد أورده ابن الملقن في البدر المنير 5: 645 وابن حجر في التلخيص الحبير 2: 187 (878) وكذلك في متن بلوغ المرام بشرحه سبل السلام 2: 153.
417 -
قوله في (المثال الرابع: من اشتبه عليه إناء طاهر بإناء نجس، أو ثوبٌ طاهر بنجس، فأراد استعمال أحدهما بناءً على الاستصحاب، لم يجز، فإنا لا نحكم بالظن المستفاد من الاستصحاب حتى نضمّ إليه الظن المستفاد من الاجتهاد)(1).
يقال عليه: شرط العمل بالاستصحاب: في معيَّن. وليس ذلك بموجود في الإناءين، فليس ذلك من القاعدة التي قررها.
418 -
قوله بعد ذلك: (فإن قيل: هل يُبنى إنكار المنكر على الظنون كغيره؟ فإنا لو رأينا إنسانا يسلُب ثياب إنسان، لوجب علينا الانكار عليه بناء على الظن)(2).
يقال عليه: إنما يجب الإنكار في هذا المثال بقرينةٍ تُغلّب على الظن كون السالب متعديا، كاستغاثة المسلوب ونحو ذلك، وإلا فلا إنكار، كما يرشد إليه المثال الثاني (3).
والأحسن أن يقال في المثال الثالث: (لو رأيناه يقتل إنسانًا يزعم أنه كافر حربي) إلى آخره (4): لأن الدار دالةٌ على عدم الحرابة، ليدخل الذمي ونحوه.
(1) قواعد الأحكام 2: 106 - 107.
(2)
قواعد الأحكام 2: 107.
(3)
والمثال الثاني هو: (وكذلك لو رأيناه يجرّ امرأةً إلى منزله يزعُم أنها زوجته أو أَمَتُه، وهي تُنكر ذلك، لوجب علينا الإنكار عليه، لأن الأصل عدم ما ادّعاه). قواعد الأحكام 2: 107.
(4)
هذا مثال ثالث ذكره الشيخ ابن عبد السلام ضمن إنكار المنكر بناء على الظنون (بعد مثال الشخص الذي يسلب ثياب إنسان، ومثال الشخص الذي يجرّ امرأةً إلى منزله)، ونص هذا المثال بتمامه هكذا: (وكذلك لو رأيناه يقتل إنسانًا يزعُم أنه كافر حربي دخل إلى دار الإسلام بغير أمان، وهو يكذِّبه في ذلك، لوجب علينا الإنكار عليه؛ لأن =
419 -
قوله بعد ذلك: (كما عُذِر موسى عليه السلام في إنكاره على الخضر، خَرْقَ السفينة وقَتْلَ الغلام)(1).
يقال عليه: بل لموسى، الإنكارُ بمقتضى الظاهر وإن عَلِم المصالح المذكورة؛ لأنه الذي كُلِّف به، ولم يكلَّف بعمل بما عليه في الباطن، والظاهرُ على خلافه. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(لولا اللعان، لكان لي ولها شأن)(2).
420 -
قوله بعد ذلك: (ومنها: لو هرب مِن الإمام مَنْ تَحتَّم قتلُه، فأَمَر الإمامُ مَنْ يلحقه ليقتله، فاستغاث بنا لِنَمْنَعَه من قتله، فإن إغاثته واجبة علينا)(3).
= الله تعالى خَلَق عباده حنفاء، والدار دالّةٌ على إسلام أهلها لغلبة المسلمين عليها). قواعد الأحكام 2:107.
ويقصد البلقيني بالتعليق على هذا المثال: أن قول الشيخ في تعليل الإنكار هنا: (أن الدار دالّةٌ على إسلام أهلها لغلبة المسلمين عليها)، كان الأحسن منه أن يقال ما قاله البلقيني وهو:(أن الدار دالةٌ على عدم الحرابة ليدخل الذمي ونحوه).
(1)
قواعد الأحكام 2: 108 وكلام الشيخ ابن عبد السلام هذا، متعلق بأمثلته المذكورة عن (إنكار المنكر بناء على الظنون) فقد قال بعد ذكر تلك الأمثلة: (فإن أصابت ظنوننا في ذلك، فقد قمنا بالمصالح التي أوجب الله علينا القيام بها وأُجِرنا إذا قصدنا بذلك وجه الله سبحانه وتعالى. وإن أَخْلفَتْ ظنوننا، أُثِبنا على قصودنا وكنا معذورين في ذلك كما عُذِر موسى عليه السلام في إنكاره على الخضر، خَرْقَ السفينة وقَتْلَ الغلام
…
).
(2)
كذا ورد لفظ هذا الحديث في المخطوط. والمرويُّ هو لفظ: (ولا الأيمان، لكان لي ولها شأن). والمراد بـ (الأيمان): أيمان اللعان. رواه أَبو داود: الطلاق -باب في اللعان 2: 277 (2256) وأحمد 1: 238 وغيرهما، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة هلال بن أُمية رضي الله عنه في لعانه مع امرأته.
والحديث نفسه مخرّج عند البخاري بلفظ: (لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن). صحيح البخاري: التفسير -سورة النور، باب {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} 4: 1772 (4470).
(3)
قواعد الأحكام 2: 108 هذا كلام رَتَّبه الشيخ ابن عبد السلام على ما تقدم من كلامه =
يقال عليه: هذا المثال لا يطابق قتل الغلام في قصة الخضر؛ لأن هنا ظاهرًا تَرتَّب عليه الحكم، ولكنه خفي على المنكِر. ومثله: من رأيناه يقتل شخصًا يزعم أنه قاتلُ أبيه.
والذي يطابق قَتْلَ الغلام: ما لو اطلع وليٌّ، على كفر شخصٍ ظاهرِ الإسلام، فإنا لا نبيح له قَتْله؛ ولو قَتَلَه، قتَلْناه به.
421 -
قوله بعد ذلك: (فإن قيل: كيف جوّز الشارع اللعان من الجانبين، مع العلم بأن أحدهما كاذب؟ قلنا: إنما جوَّز ذلك، لأن مع كل واحد منهما ظاهرًا يقتضي تصديقَه)(1).
يقال عليه: لم يجوّز الشارع اللعان ابتداءً من الجانبين، وإنما شَرَع أولًا لعان الزوج لدرء حدّ القذف عنه، أو لنفي الولد؛ وبلعانه وجب عليها حد القذف، فشَرَع لها اللعان لدرء الحد. وهذا ظاهر من قوله تعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8].
422 -
قوله (فيما لو قال رجل: إن كان هذا الطائر غرابًا، فامرأتي طالق أو عبدي حر، ولم يُعلم حال الطائر؛ فإنا نقرّ كل واحد منهما على ما كان عليه قبل التعليق)(2).
= في عُذر موسى عليه السلام في إنكاره على الخضر، فقد قال الشيخ بعد ذلك:(ولو اطّلع موسى على ما في خرق السفينة من المصلحة، وعلى ما في قتل الغلام من المصلحة، وعلى ما في ترك السفينة من مفسدة غصبها، وعلى ما في إبقاء الغلام من كفر أبويه وطغيانهما؛ لَما أَنكَر عليه، ولَساعَدَه في ذلك، وصَوَّب رأيه، لِما في ذلك من القربة إلى الله عز وجل. ولو وقع مثل ذلك في زماننا هذا لكان حكمُه كذلك، وله أمئلة كثيرة) ثم بدأ بذكر تلك الأمثلة، ومنها هذا المثال المذكور أعلاه: (لو هرب من الإمام من تَحتَّم قتلُه
…
)، ولهذا عَلَّق عليه البلقيني بأن هذا المثال لا يطابق قتل الغلام في قصة الخضر
…
(1)
قواعد الأحكام 2: 108 - 109.
(2)
كذا جاء هذا النص في المخطوط، وفيه نقص لعبارة مهمة يترتب عليها فهم ضمير =
يُستثنى منه، ما إذا قال أحد الشريكين في عبدٍ:(إن كان غرابًا، فنصيبي حر)، وقال الآخر:(إن لم يكن غرابًا، فنصيبي)، وهما موسِران، فإنا نحكم بعتق العبد، ويُوقف العزم إلى البيان تفريعًا على السراية بنص (1) اللعان.
423 -
قوله بعد ذلك: (وقد كثر في كلام العلماء (2) أن يقولوا: وجب بيقين فلا يبرأ منه إلا بيقين) (3).
يقال عليه: قولهم: (وجب بيقين): اليقين حقيقة كون الصلاة والصوم ونحوهما في الذمة بيقين. و (اليقين) الثاني يُؤوّل على معنى: تيقن ما وجب على المكلف الإتيانُ به، والطريق إليه لا يشترط فيها اليقين.
424 -
قوله بعد ذلك: (في العمل بعموم هذا الحديث: أي (دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك)(4) إشكال، لأنك إنْ حملتَه على (الواجبات) لصيغة
= التثنية في قوله: (فإنا نقرّ كل واحد منهما على ما كان عليه). وفيما يلي النص بتمامه كما في المطبوع من قواعد الأحكام 2: 109: (لو قال رجل: إن كان هذا الطائر غرابًا فامرأتي طالق أو عبدي حر أو أَمَتي حرة؛ وقال آخر: إن لم يكن غرابًا فزوجتي طالق أو عبدي حر أو أمتي حرة، ولم يُعلم حال الطائر؛ فإنا نقرّ كل واحد منهما على ما كان عليه قبل التعليق).
(1)
لم تتضح لكلمة بالمخطوط.
(2)
أصل العبارة في المخطوط كانت هكذا: (وقد كثر في كلام العرب) ولكن أشار الناسخ لاختلاف نسخ الكتاب في كلمة (العرب) فوضع عليها علامة (2) ثم كَتَب أمامها في الهامش كلمة (العرب) مع نفس العلامة (2) ومع التصحيح عليها، فتم إثبات العبارة بلفظ (العلماء) في النص أعلاه، لتصحيح الناسخ عليه في الهامش. وهكذا جاءت العبارة بلفظ (العلماء) في المطبوع من قواعد الأحكام 2:110.
(3)
كذا في المخطوط: (أن يقولوا: وجب بيقين فلا يبرأ منه إلا بيقين)، بدون كلمة (ما) في بدايته. والمشهور في هذه العبارة، لفظ:(ما وجب بيقين فلا يبرأ منه إلا بيقين) وهكذا جاءت أيضًا بإثبات لفظ (ما) في هذا الموضع من قواعد الأحكام 2: 110.
(4)
رواه الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع -بابٌ 4: 668 (2518) والنسائي: =
الأمر، خرجتْ منه المندوبات. وإن حملتَه على (المندوبات)، كان تحكّمًا.
وإن حملتَه عليهما، جمعتَ بين المجاز والحقيقة، أو بين المشتركات.
فالحمل على (الواجبات) أولى) (1).
يقال عليه: ما ذَكَر من الإشكال إذا حُمل على (الواجبات)، لا يلزم منه إلا خروج (المندوبات)، ولا محذور فيه.
وإذا حُمل على (الندب) لا يكون تحكمًا، لأن ذلك تفريع على أن صيغة الفعل للندب؛ لأن القدر الزائد على (مطلق الطلب) -وهو الوجوب- مشكوكٌ فيه، فعَمِلْنا (2) بالتيقن، وهو (مجرد الطلب).
425 -
قوله بعد ذلك: (ولو شك الإمام في أعداد الركعات، فسبَّح به الجماعة تنبيهًا له، فإن كانوا عددًا تحيل العادة وقوع النسيان من جميعهم، بَنى الإمام على قولهم)(3).
ما ذكره خلاف ما رجّحوه. والأصح من الأوجه: أنه لا يَبني على قولهم، وإنما يرجع إلى يقين نفسه.
= الأشربة -الحث على ترك الشبهات 8: 327 (5711) وابن خزيمة 4: 59 (2348) وابن حبان 2: 498 (722) والحاكم 2: 15 كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.
(1)
قواعد الأحكام 2: 111.
(2)
في المخطوط (فعلمنا)(من العلم). ويظهر أن الصواب ما تم إثباته: (فعملنا)(من العمل)، وهو الذي ينسجم مع سياق كلام الشيخ ابن عبد السلام في بداية النص المذكور حيث يقول (في العمل بعموم هذا الحديث إشكالٌ. . .).
(3)
قواعد الأحكام 2: 112.