الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع منهج أبي الفداء في كتاب «الكناش»
يتّضح لنا منهجه في كنّاشه مما يأتي:
أ - قدّم أبو الفداء لكناشه بخطبة موجزة بيّن فيها أنّ هذا «كناش مشتمل على عدة كتب: الأول: في النحو والتصريف، الثاني: في الفقه، الثالث: في الطب، الرابع: في التاريخ، الخامس: في الأخلاق والسياسة والزهد، السادس: في الأشعار، السابع: في فنون مختلفة (1)» غير أنه لم يبيّن لنا فيها الهدف من تأليفه، ولم يشر إلى الكتب التي سيقوم بشرحها، ولم يذكر الكتب التي اعتمد عليها في صنعه لكناشه كما صنع في مقدمة «المختصر» حين ذكر في مقدمته كلّ الكتب التي أخذ عنها، ولعله كان عازما على كتابة خطبة طويلة يبين فيها ذلك بعد انتهائه من تأليف كل الكتب التي ذكرها في خطبته الموجزة، ولكنّ المنيّة حالت دون ذلك.
2 -
شرح أبو الفداء في الكناش أجزاء من مفصل الزمخشري، وأجزاء من كافية ابن الحاجب وشافيته فأتى من ذلك على الموضوعات النحوية والصرفية والإملائية جميعها.
3 -
سار أبو الفداء في تقسيم كناشه وراء تقسيم الزمخشري لمفصله فقسم الكناش إلى أربعة أقسام:
1 -
الاسم
2 -
الفعل
3 -
الحرف
(1) الكناش، 1/ 113.
4 -
المشترك
وأنهى الكناش بعقد فصل خاصّ عن الخط والإملاء، التزم فيه بالشافية لابن الحاجب كما التزم في القسم الرابع (المشترك) بالمفصل للزمخشري فقط (1).
وقد صدّر أبو الفداء عناوين موضوعاته بكلمات (ذكر - فصل - القول على)(2) فيقول مثلا: «ذكر الخبر - فصل في
المقصور والممدود - القول على إبدال الواو من غيرها - ثم يورد بعد ذكره العنوان «الحدّ» الذي يختاره من الكتب الثلاثة (المفصل أو الكافية أو الشافية)، من غير أن يشير إلى صاحبه صراحة، وكان أحيانا ينسبه إلى صاحبه باستعماله لفظة «وقوله» مثال ذلك ما ذكره عن التمييز إذ قال «وهو الاسم النكرة الذي يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة
…
وقوله: الإبهام المستقر، احترز به عن الأسماء المشتركة
…
وقوله: «الاسم النكرة إنما هو على المختار وهو مذهب البصريين» (3) غير أن طريقة إيراد الحد لم تطرد ففي القسم الرابع «المشترك» اختلط كلام أبي الفداء بنصوص المفصل، وفي الفصل العاشر المعقود للخط امتزج فيه كلام ابن الحاجب في الشافية بكلام أبي الفداء، ومثل ذلك نلمسه في عدد من الموضوعات النحوية والصرفية المتفرقة (4).
4 -
تميز أسلوبه في الكناش بسهولة التعبير، وسلاسة الألفاظ، وانتظامها في تراكيب واضحة، هادفا من ذلك بيان المسألة النحوية وإبرازها في أوضح صورة وأتمّ بيان، فيسهب حين يرى الإسهاب لازما ويوجز حين لا فائدة منه، ويورد ما تتطلبه المسألة حين تكون للمختصين ويعرضها مجردة مما يثقل فهمها حين تكون للمبتدئين، فجاء الكناش كتابا تعليميا من جهة، تخصصيا من جهة ثانية.
5 -
اهتم أبو الفداء بصنع دوائر وجداول لتوضيح بعض الأحكام النحوية والصرفية من ذلك الدائرة التي رسمها للبدل (5) والجدول الذي ضمّنه أمثلة نون
(1) أشار إلى ذلك في الكناش 2/ 151.
(2)
انظر فهرس الموضوعات ليتضح منه ذلك.
(3)
الكناش، 1/ 188.
(4)
انظر الصفحات 1/ 282 - 344. 2/ 292 - 293 - 299 - 301.
(5)
الكناش، 1/ 237، وقد صدر هذه الدائرة بقوله: لم يسبق إليها، وانظر دائرة الضمائر في الكناش 1/ 248 -
التأكيد جميعها (1).
6 -
أورد أبو الفداء في كناشه عددا من الأبيات التعليمية التي يسهل حفظها من ذلك البيت الجامع في أوائل كلمة أحرف الإخفاء مع النون وهو:
ترى جار دعد قد ثوى زيد في ضنى
…
كما ذاق طير صيد سوءا شبا ظفر (2)
ومن ذلك أيضا البيت الجامع للحروف التي تبدل الياء منها وهو: -
هل كان سرّ بصدّي
…
أثمت عوّض بحدّ (3)
7 -
أكثر أبو الفداء من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأشعار لتوضيح الأحكام النحوية أو لتعضيدها، مثال ذلك قوله عن أن المصدرية والمخففة «وأن المصدرية لا تقع بعد العلم، والمخففة تقع بعده ومثال المخففة مع حرف النفي: علمت أن لا يخرج زيد، وكقوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (4) وقد استعملت معها «ليس» مكان «لا» لشبهها بها في النفي كقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (5) وقد عوضوا «لم» عنها قال الله تعالى: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (6) وأما قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها (7) فلما في إذا من معنى الشرط المختص بالاستقبال صارت بمنزلة السين وسوف، ومثالها مع «قد» علمت أن قد خرج زيد ومثالها مع السين قوله تعالى:
عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (8)(9).
ومثال استكثاره من الشعر قوله عن زيادة إن الخفيفة المكسورة بعد ما النافية:
- ودائرة الصفة المشبهة 1/ 337.
(1)
الكناش، 2/ 133.
(2)
الكناش، 2/ 332.
(3)
المرجع السابق، 2/ 228.
(4)
من الآية 89 من سورة طه.
(5)
من الآية 39 من سورة النجم.
(6)
من الآية 7 من سورة البلد.
(7)
من الآية 140 من سورة النساء.
(8)
من الآية 20 من سورة المزمل.
(9)
الكناش، 2/ 98 - 99.
«وإن المكسورة الخفيفة تزاد بعد ما النافية لتأكيد النفي ويبطل عمل ما حينئذ كقول الشاعر:
فما إن طبّنا جبن ولكن
…
منايانا ودولة آخرينا
وكقول النابغة:
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه
…
إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي
وكقول امرئ القيس:
حلفت لها بالله حلفة فاجر
…
لناموا فما إن من حديث ولا صالي (1)
8 -
يعيّن أبو الفداء أحيانا موضع الشاهد في الأشعار التي يسوقها ويوضحه، وأحيانا يعربه ويشرح غريبه من ذلك قوله عن جرير:
تعدون عقر النّيب أفضل مجدكم
…
بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا
ومثل ذلك قوله على بيت لبيبد:
فأرسلها العراك ولم يذدها
…
ولم يشفق على نغص الدّخال
يصف حمار الوحش بأنه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة، فالعراك وإن كان لفظه معرفة فمعناه التنكير أي معتركة، وقال أبو علي الفارسي: تأويله تعترك العراك، فتعترك المقدّر هو الحال والعراك منصوب على المصدر، والعراك الزّحام» (3).
9 -
تأثر أبو الفداء في عرضه ومناقشاته لبعض القضايا النحوية والصرفية بعلمي الكلام والمنطق، من ذلك قوله حين عرض خلاف النحويين حول تعريف المخصوص بالمدح أو الذم: «وقيل تعريف الرجل في قولك: نعم الرجل، هو تعريف الجنس لا
(1) الكناش، 2/ 110.
(2)
المرجع السابق، 2/ 115.
(3)
المرجع السابق، 1/ 183.
تعريف العهد لأنك إذا مدحت جنس الشيء لأجل ذلك الشيء بالغت في مدح ذلك الشيء» (1).
ويندرج تحت ذلك أيضا استعماله لمصطلحات أصحاب الكلام والمنطق كالفصول العدمية والماهية الاعتبارية والعوارض والحقائق والمحكوم والمحكوم عليه، والخاص والعام
…
إلخ (2).
10 -
نقل أبو الفداء كثيرا من الآراء الخلافية غير أنه كان يعرضها غالبا من غير أن يبدي رأيه فيها من ذلك عرضه
للخلاف حول جواز تقديم خبر ليس عليها فقال:
«وأما جواز تقديم خبرها عليها نفسها فقد اختلف فيه، فمنهم من ألحقها بكان لكونها فعلا محقّقا، ومنهم من ألحقها بما فتئ، واستدلّ من ألحقها بكان بقوله تعالى أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (3) ووجه الاستدلال أن يوم يأتيهم معمول ل «مصروفا» وإذا قدّم المعمول صحّ أن يقدّم العامل، لأنّ المعمول فرع للعامل وأجيب عن ذلك أنه من الجائز أن يكون تقديمه لاتساعهم في الظروف فلا يجوز تقديم غير الظرف» (4).
11 -
عرض أبو الفداء كثيرا للخلاف بين النحويين والقرّاء، وتردّد في تأييد أحد الطرفين، فنراه أحيانا يؤيد القراء كقوله:«وإدغام الراء في اللام لحن كذا قال في المفصل وهو مذهب سيبويه والخليل قال السّخاوي وقد أدغم أبو عمرو الراء في اللام فيما يزيد عن ثمانين موضعا في القرآن الكريم وأبو عمرو حجة فيما ينقل وفيما يقرأ فيجب الرجوع إليه في ذلك» (5) وأحيانا يؤيّد النحويين كقوله: وقد أدغمت الجيم في التاء في قراءة أبي عمرو في قوله: ذي المعارج تعرج (6) بإدغام جيم المعارج في تاء تعرج وليس بالقويّ لأنّ الجيم قريبة من الشين فكما أنّ الشين لا تدغم لفضيلتها
(1) الكناش، 2/ 53 - 54.
(2)
المرجع السابق، 1/ 115 - 177 - 2/ 41.
(3)
من الآية (8) من سورة هود.
(4)
الكناش، 2/ 44.
(5)
المرجع السابق، 2/ 330.
(6)
من الآيتين، 3 - 4 من سورة المعارج.
فكذلك الجيم» (1).
هذه أبرز المعالم التي تتضح منها خطة أبي الفداء في تأليفه لكناشه ومنهجه العام فيه ولعل هذا المنهج يبدو أكثر وضوحا حين نرى شواهده ومصادره التي ضمّنها كناشه، وذلك في الفصل الآتي.
(1) الكناش، 2/ 326، وانظر الكناش، 2/ 324 - 325 - 328.