الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول التعريف بعنوان الكتاب «الكنّاش»
كثرت المؤلفات التي عنونها أصحابها بكناش أو كناشة (1) في حين لم أجد أحدا قد تناول هذه اللفظة بدرس خاص بها يكشف لنا عن أصلها ومدلولها، سوى شذرات متناثرة في بعض الكتب والمعجمات العربية، لعلنا في عرضها نقدم مزيدا من البيان حولها. قال الدكتور العلامة عبد المجيد عابدين - يرحمه الله - كاشفا عن أصلها التاريخي ما نصه: «إن لفظ كنش سامي الأصل لوروده في عدد من اللغات السامية دالا في أشهر معانيه على الجمع، فقد ورد في اللغة الآرامية بالسين والشين:. وفي اللغة العربية بالسين كنس والشين كنش (2) أيضا، في حين ورد في اللغة العبرية والأثيوبية الجعزيّة بالسين فقط، (3).
وأحسب أن أول استخدام لهذه الكلمة لدى العلماء المشتغلين بعلوم العربية قد ورد في كتاب الخصائص على لسان أبي علي الفارسي المتوفى 377 هـ في قول ابن جني: وذاكرت يوما أبا علي بنوادره - أي بنوادر اللحياني - فقال: كناش» (4) وعلّق الأستاذ محمد علي النجار محقق الكتاب عليها بقوله: وأبو علي يريد أنه ليس فيه
(1) انظر مثلا فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، لأسماء حمصي 427 - 431 وقائمة حصر المخطوطات العربية بدار الكتب والوثائق القومية المصرية المخطوطات المبدوءة بحرف الكاف، مايو 1974، 1933 - 1934 والكشافات التحليلية للمجلدات الخمسة الأولى لمجلة المورد العراقية، 223،
(2)
انظر القاموس المحيط وتاج العروس كنش ومراده أن بعض معاني كنس يفيد الجمع ولذا قالوا لمتعبد اليهود كنيس ولمتعبد النصارى كنيسة لأنهم يجتمعون فيه. القاموس المحيط والمصباح المنير كنس.
(3)
من ورقة كتبها بخط يده رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
(4)
الخصائص، 3/ 206.
مسكة التصنيف (1) وعرّف الفيروزآبادي والزبيدي الكناشات بالقول «والكنّاشات بالضمّ والشدّ، الأصول التي تتشعب منها الفروع، ومنه الكناشة لأوراق تجعل كالدفتر يقيّد فيها الفوائد والشوارد للضبط» (2) ونص العنيسي على أن: «كناشة وكناش في قانون ابن سينا مشتق من كنش الآرامي أي جمع، والمراد به دفتر يدرج فيه ما يراد استذكاره» (3) ونخلص من هذه النصوص إلى ما يأتي:
1 -
أن «الكناش» لفظ سامي الأصل، والجمع من أكثر معانيه، والغاية من هذا الجمع تقييد الشوارد والفوائد للضبط والاستذكار غير أن هذا الجمع ليس فيه مسكة التصنيف والتأليف.
2 -
أنه أطلق في العربية أيضا على الأصول التي تتشعب منها الفروع، فإذا سحبنا ذلك على كناش أبي الفداء لحظنا أن سمات كناشه يتفق بعضها مع ما ذكرناه حول الدلالة العامة للكناشات، وبعضها لا يتفق، وبيان ذلك:
أولا: أن فكرة «الجمع» تلك التي تفيدها لفظة الكناش، هي ظاهرة واضحة في كناش أبي الفداء، وقد بدا هذا الجمع في صورتين:
الأولى: أن أبا الفداء قد عزم على أن يجمع في كناشه عددا من العلوم والفنون وقد أشار إلى ذلك في خطبة الكناش حين قال: «فهذا كناش مشتمل على عدة كتب:
الأول: في النحو والتصريف.
الثاني: في الفقه.
الثالث: في الطب.
الرابع: في التاريخ.
الخامس: في الأخلاق والسياسة والزهد.
السادس: في الأشعار.
(1) انظر حاشية الخصائص، 3/ 206.
(2)
القاموس المحيط، وتاج العروس، كنش.
(3)
تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه، لطوبيا العنيسي 64.
السابع: في فنون مختلفة» (1).
الثانية: جمع المادة العلمية، بعد اختيارها، ثم تبويبها وتنظيمها، وهذا يعني من جانب آخر أن كتب الكناش تشارك غيرها من أنواع التأليف العلمي، لأن كل من يريد أن يؤلف كتابا لا بد له من أن يعتمد على كتب سالفيه فينقل آراءهم ويجمع أقوالهم، وقد ذكرنا من قبل مصادر أبي الفداء ومراجعه تلك التي أقام كناشه عليها فنقل منها ما يوافق منهجه، واختار منها ما يتصل بموضوعاته، وقد أشار إلى فكرة الاختيار والاصطفاء بقوله:«قد أكثر النحاة في ذكر اللامات حتى صنف بعضهم فيها كتابا، وقد أثبتنا منها ما اخترنا إثباته» (2) ثم لا شك أن قوله في القسم الرابع المشترك: «وهو ما التقطناه من المفصل» (3)، يفيد أن هذا الالتقاط قد تمّ بدقة وروية لأنه للضبط والاستذكار، ولقد نظم أبو الفداء المادة العلمية المختارة تنظيما رائعا، وفق منهج دقيق، وخطة محكمة، وتبويب
رائع، لا يستبعد ممن يضع الدوائر والجداول الهندسية لمسائل نحوية.
فرأيناه يعنون موضوعاته ويربط بين فصوله وأقسامه فيكثر من الإحالات على مواضع في الكناش حتى لا نقع في التكرار، فإن عدل عن منهجه المتلئب الواضح، بيّن سبب ذلك معتذرا، من ذلك حديثه عند ذكره إبدال الياء من النون إذ قال:
ومثل ذلك اعتذاره عن عقد ذكر للامات إذ قال: «وهي وإن كان تقدم ذكرها في
(1) الكناش، 1/ 113. ومن المفيد أن نشير إلى أن تعدد الفنون ليس سمة عامة تتسم بها كتب الكناش، فقد يكون الكناش مقصورا على الطب فقط أو على الأدب أو على فن من الفنون المتعددة، وحديثنا هنا عن كناش أبي الفداء وسماته تلك التي ألفيناها في كناشه. انظر على سبيل المثال كناش المحاسني «إسماعيل» المحاسني المتوفى 1102 هـ، في دار الكتب المصرية تحت رقم 677 أدب تيمور. وكناشة في الطب لم يعلم مؤلفها، تحت رقم 577 طب - طلعت.
(2)
الكناش، 2/ 138.
(3)
الكناش، 2/ 151.
(4)
الكناش، 2/ 232 - 233 وانظر 1/ 269.
حروف الجر لكن إعادتها هنا لا تخلو من زيادة فائدة» (1) وكرّر هذا الاعتذار صراحة مع الواو حين قال: «والاعتذار في إعادة ذكرها كما تقدم في اللام» (2).
ووجدناه أحيانا ينقد النحويين في تبويباتهم فيقول مثلا عن باب الإخبار بالذي:
وألفيناه أيضا يخالف أحيانا الترتيب الداخلي لبعض المسائل في المفصل والكافية والشافية، فيشير إلى ذلك، قال تحت عنوان:«ذكر الأسماء المتصلة بالأفعال» ، وهي ثمانية المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل وهذه الخمسة هي المذكورة في كتب النحو لكونها تعمل، وأما الثلاثة الباقية من اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة وهذه الثلاثة من قسم التصريف لكونها لا تعمل وقد أثبتناها وغيرها من أبواب
التصريف، في كتابنا هذا لكونه من كتب الكناش فأجري مجرى الكناش» (4) فقوله: فأجري مجرى الكناش، يفيد أنه خالف المألوف، وكأن الأصل - فيما يبدو - أن يسير شارح المتن وفق تنظيم وترتيب المتن الذي تصدّى لشرحه، وحين يعلن المؤلف أن كتابه هو «كناش» فهذا فيما أحسب يعفيه من الالتزام بترتيب المتن الذي يشرحه، فنقله اسم الزمان والمكان والآلة إلى المشتقات العاملة فيه مخالفة يسيرة لترتيب بعض الموضوعات في المتون الثلاثة التي أدار كناشه عليها، فصاحب المفصل ذكر هذه الموضوعات بعد المصغّر والمنسوب في حين أن أبا الفداء قدّمها عليها، وصاحب الكافية لم يذكر هذه الموضوعات فيها لأنها موضوعات صرفية، فجاء ذكرها في الشافية متقدمة أيضا على المضمر والمنسوب، وكل ذلك يعني أن أبا الفداء حين جعل كتابه «كناشا» قد وسّع على نفسه وتحرّر هنا من سلطان الترتيب المتبع في المتون الثلاثة، ولعل هذا يفيد من جهة ثانية،
(1) الكناش، 2/ 138.
(2)
الكناش، 2/ 144.
(3)
الكناش، 2/ 267.
(4)
الكناش، 1/ 319.
أن كتب «الكناش» لا يلتزم فيها التقييد بترتيب ما، وإدراك أبي الفداء لذلك لم يدفعه إلى الفوضى والإضطراب بل رأيناه ملتزما كما ذكرنا بمنهج دقيق وترتيب محكم ثم إن إشارته هنا إلى ما حصل في الترتيب تدل على مدى حرصه على ترتيب كناشه، والتزامه بمنهجه الصارم الذي وضعه حين عزم على تأليف كناشه هذا.
ومؤدّى ذلك كله أن قول الأستاذ محمد علي النجار إن «الكناش» ليس فيه مسكة التصنيف» فيه بعد إذا أريد سحبه على كناش أبي الفداء، وذلك لأن هذا الكناش كما ذكرنا - قد أقيم على أسس متينة، وأركان ثابتة فعراه وثقى، وأقسامه متصلة، وفصوله محكمة، كغيره من المؤلفات العلمية الأخرى، خدم فيه أبو الفداء المفصل والكافية والشافية، فجاء شرحا لأجزاء مختارة من ثلاثة متون معتبرة عند المشتغلين بعلوم العربية، وهذا يعني أيضا أن قول الفيروزآبادي والزبيدي إن الكناشات أصول
…
إلخ (1) لا ينطبق على كناش أبي الفداء لأنه ليس «متنا» كما يفهم من كلامهما، كما لا ينطبق عليه أن هذا الجمع هو «للشوارد والفوائد» فقط، لأنه حوى جميع المباحث النحوية والصرفية والإملائية فغدا شرحا لا تنقصه صفة من صفات الكتب العلمية الأخرى. والغاية منه هو الاستذكار والمراجعة والضبط ويستغنى به عن مراجعة كثير من
الكتب المطوّلة.
والظاهر أن هذه الغاية هي غاية عامة عند أبي الفداء هدف إليها في كثير من مؤلفاته، فقد أشار الدكتور حسن الساعاتي وهو بصدد حديثه عن غاية أبي الفداء من كتابيه المختصر وتقويم البلدان إلى ذلك فقال:«إنه إنما يكتب مختصرات تكون بمثابة مذكرات يكون فيها الغناء عن مطالعة الكتب الكبيرة في كل موضوع من الموضوعات التي عالجها» (2) واستدلّ على ذلك بما أورده أبو الفداء في مقدمتي الكتابين المذكورين فقد قال في مقدمة كتابه المختصر: «سنح لي أن أورد في كتابي هذا شيئا من التواريخ القديمة والإسلامية يكون تذكرة لي يغنيني عن مراجعة الكتب
(1) لعل إطلاق الكناشات على الأصول يمثل مرحلة من مراحل اتساع دلالة الكناش، ولعل الأصل فيه أن يطلق على الدفتر الذي تقيد فيه الشوارد والفوائد ثم صار يطلق على الأصول. ثم رأينا دلالته عند أبي الفداء متسعة على نحو ما نشرحه.
(2)
منهج أبي الفداء في البحث 69.
المطولة فاخترته واختصرته من الكامل
…
(1) وذكر في مقدمة تقويم البلدان ما نصه:
«لما وقفنا على ذلك وتأملناه جمعنا في هذا المختصر ما تفرق في الكتب المذكورة من غير أن ندّعي الإحاطة» (2). وتلاقي الكتب الثلاثة في الغاية من تآليفها لا يعني الاتفاق في طريقة عرض المادة العلمية فيها، كما ذهب إلى ذلك الدكتور الساعاتي فقد ذكر:«أن أغراض أبي الفداء من تأليف ما كتب كانت معلومة سواء في ميدان الجغرافية، أو ميدان التاريخ أو الميادين الأخرى التي طرقها» (3) ثم راح يعرض هدف أبي الفداء من كتبه التي وقف عليها فقال: «فقد كان هدفه في ميدان الجغرافية وضع تقويم للبلدان في أقاليم شتى يمتاز بدقته ووضوحه من ناحية، وخلوه من النقائص التي شابت ما ألفه الجغرافيون قبله في الموضوع نفسه من ناحية أخرى، وكان هدفه في ميدان التاريخ جمع مادة تاريخية وفيرة ذات دلالة وعرضها في إيجاز ووضوح» (4) ثم عرّج إلى الكناش فقال: «وكان غرضه من الكناش عرض مذكرات يجمل فيها أهم ما كان معروفا عن الموضوعات المختلفة التي تناولها دون الدخول في التفاصيل» (5).
وأنهى حديثه بالقول «وكان هدفه من وضع نظم الحاوي ونظم الموازين تقديم المادة الأساسية في كل من الموضوعين، في صورة ميسّرة لطلاب العلم تسهل عليهم الحفظ من ناحية، وسرعة تذكرها من ناحية أخرى» (6).
وإذا سلمنا للدكتور الساعاتي بما ذكره حول منهج أبي الفداء في غير كتاب الكناش فإنا لا نسلم له بأن غرض أبي
الفداء من كناشه هو عرض مذكرات موجزة مختصرة سواء أراد د. الساعاتي الكناش المتعدد العلوم الذي لم يتم بعد - وذلك لأننا لم نقف عليه فنحكم فيه - أم أراد الكتاب الأول من الكناش الذي نحن بصدده .. لأن كناش أبي الفداء هنا هو شرح لأجزاء مختارة من ثلاثة متون كما ذكرنا من قبل
(1) المختصر، 2 ومنهج أبي الفداء في البحث، 69.
(2)
تقويم البلدان، 3، ومنهج أبي الفداء، 69.
(3)
منهج أبي الفداء، 61.
(4)
منهج أبي الفداء، 61.
(5)
منهج أبي الفداء، 61.
(6)
منهج أبي الفداء، 61.
وبضم هذه الأجزاء إلى بعضها استوفى أبو الفداء كل الأبواب النحوية والصرفية والإملائية، وهو في شرحه يفصّل إذا لزم الأمر التفصيل، ويوجز حين لا فائدة من التطويل، وقد عرض كثيرا للخلافات النحوية وأدلى برأيه فيها لذا لا يمكننا القول إن هذه المذكرات موجزة وأنه لا يدخل في التفاصيل كما ذكر د. الساعاتي (1).
ومجمل القول بعد ذلك كله أن تصور أبي الفداء للكناش هو كونه كتاب معارف متنوعة يشبه الموسوعات العلمية في عصرنا، يكتبه المرء لنفسه، فيختار له المادة العلمية من كتب كثيرة، ثم يصنفها ويرتبها ترتيبا جيدا، والغاية منه هي المراجعة والضبط، والاستذكار.
ويبدو لي - أخيرا - أن أبا الفداء كان عازما على ضم بعض مؤلفاته إلى بعض ليتكوّن منها «الكناش» يدفعنا إلى هذا الزعم ما يأتي.
1 -
أن موضوعات الكتب التي ذكرها في خطبة الكناش قد ألّف أبو الفداء فيها، ومن المقارنة السريعة بين مؤلفاته، وخطبة الكناش يتضح ذلك الأمر.
2 -
أن صاحب كشف الظنون قد صرّح بأن «شرح منظومة الكافية» قد علقه أبو الفداء من شرح ابن الحاجب ومن شروح الكافية وقد ألفيت أن أكثر اعتماد أبي الفداء في المباحث النحوية من كناشه كان على شرح ابن الحاجب (الوافية)، فلا يستبعد أن يكون هذا الشرح نواة الكناش ثم أتبعه بالمسائل الصرفية.
3 -
أن محققي كتاب تقويم البلدان رينو والبارون ديسلان قد ذكرا في تصديرهما للكتاب أن أبا الفداء ألف
مجموعة من عدة أجزاء في الطب بعنوان الكناش (2) أقول: لعل منها تلك القطعة التي ذكرها د. رمضان ششن الموجودة في
(1) حصر د. الساعاتي منهج البحث عند أبي الفداء بأربعة قواعد:
1 -
الوفرة في جمع البيانات أي كثرة المصادر التي استقى منها مادة كل بحث من بحوثه.
2 -
الدقة في تفسير البيانات وتفنيدها.
3 -
الاختصار في العرض.
4 -
الوضوح في تناول البيانات وعرضها. واستلهم هذه القواعد من «المختصر وتقويم البلدان» أما بقية كتب أبي الفداء فقد ذكرها عرضا أحيانا ومن ضمنها الكناش مخطوطا
…
والبحث في ميدانه رائد نافع أفدنا منه.
(2)
تقويم البلدان 30، ومنهج أبي الفداء في البحث، للدكتور حسن الساعاتي 59.
مكتبة مغنيسا، فقد فرغ أبو الفداء منها عام 728 هـ. أي بعد الانتهاء من كناش النحو والصرف بعام واحد فقد انتهى منه عام 727 هـ. والمهم أن إطلاق لفظة «الكناش» كانت في هذا العام، فلعل هذه القطع والأجزاء الطبية التي أطلق عليها الكناش هي من الكتب التي كان أبو الفداء سيجمعها في كناشه فيما بعد.
4 -
أن لدى أبي الفداء إحساسا بأنه لن يعيش أكثر من ستين سنة، قال الكتبي:«ومن الغريب أن السلطان رحمه الله كان يقول ما أظن أني أستكمل من العمر ستين سنة فما في أهلي يعني بيت تقي الدين من استكمله» (1) وحقا لقد مات أبو الفداء وعمره ستون عاما فإذا كان أبو الفداء قد فرغ من كناش النحو والصرف عام 727 هـ وتوفي سنة 732 هـ، فهل يعقل - ما دام لديه هذا الإحساس - أن يصرح بأنه عازم على تأليف سبعة كتب خلال خمس سنوات، نعم يعقل إذا كانت هذه الكتب صغيرة الحجم، ولا دليل على ذلك بل إن كبر حجم الكناش الذي نقوم بتحقيقه، ما يدفع ذلك، ثم يجب علينا أن لا ننسى أن أبا الفداء ملك على حماة، وكثرة الصوارف والشواغل بشؤون الحكم لن تسمح له بتأليف مثل هذه الكتب خلال خمس سنوات، زد على ذلك أنه فرغ من تأليف الكناش 727 هـ وفرغ من تأليف المختصر 729 هـ أي بعد سنتين من الكناش، فإذا كان المختصر قد استغرق سنتين، فكم ستستغرق بقية الكتب التي أشار إليها في خطبة الكناش، كل ذلك يدفعنا إلى القول إنّ أبا الفداء كان عازما على ضم ما ألّف من كتب في هذا الكناش، ولا أستبعد أن يكون المختصر واحدا منها لأنه قد انتهى منه كما ذكرنا 729 هـ، أي بعد إطلاق أبي الفداء للفظة الكناش بسنتين، كما أني لا أستبعد أيضا أن أبا الفداء كان عازما بعد جمع مؤلفاته، في هذا الكناش أن يكتب
مقدمة عامة لهذا الكناش غير أن المنيّة قد حالت دون هذه الخطبة، ودون هذا الجمع، فبقيت هذه الكتب تحمل عناوينها ومقدماتها الخاصة بها مستقلة منفردة عما كان متوقعا لها ..
والسؤال الذي يتردّد في الذهن هو لم عزف النحويون الخالفون عن النقل من كناش أبي الفداء (النحو والصرف) أو الإشارة إليه مع كونه يتعلق بمتون مهمّة كثرت
الشروح والحواشي عليها.
والجواب يتضح مما يأتي.
1 -
ندرة الكتاب: فقد قال الشيخ أحمد الصابوني في كتابه «تاريخ حماة» بعد ذكره للكناش إنه نادر عزيز الوجود» (1). ومما يؤكد قوله أننا لم نعثر إلا على هذه النسخة الوحيدة.
2 -
أنه قد بات في أذهان النحويين فيما يبدو أن كتب الكناش للاستذكار الشخصي تسجل فيها الفوائد والشوارد ولا تتّسم بصفة التأليف العلمي لكون أصحابها يجمعون الآراء وينقلون الأفكار من غير مناقشة أو نسبة أو تعليق أو تفضيل رأي على آخر، وهذا التصور مردود - إن كان - لأن الذي يكتب لنفسه لا شك أنه يطّلع على عدد كبير من كتب سالفيه، فيصطفي منها ويختار ما يقتنع به ويرضاه، ولا ريب أن في ذلك فوائد قيمة، فهي من جهة تساعدنا على كشف جوانب كثيرة من ثقافة المصطفي، وتغنينا أحيانا من جهة ثانية عن الاطّلاع على كتب قد لا يتاح لنا أن نطلع عليها نتيجة فقدها أو ندروها.
(1) تاريخ حماة، 126.