الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ، فلا ينصرف للعلّتين وهذا هو الفصيح، ومن العرب من يعرب الأوّل بالرفع والنّصب والجرّ كالمضاف، ويعرب الثاني إعراب المضاف إليه الغير المنصرف، ومن هؤلاء من يعرب الثاني إعراب المضاف إليه المنصرف فيقول:
هذا بعلبكّ بجرّ الثاني في الأحوال الثلاث (1) وأمّا نحو: (2): «ذهبوا أيدي سبا» فقد عدّه المحققون (3) من باب المبنيّات وهو مشكل؛ فإنّ معناه ذهبوا مثل أيدي سبا في تشتّتهم، فحذف المضاف الذي هو مثل، وأعرب المضاف إليه بإعرابه ثم حقّقت الهمزة من سبأ، وسكّنت الياء من أيدي على التخفيف وذلك لا يوجب بناء (4).
ذكر الكنايات المبنيّات
(5)
وهي سابع المبنيّات، والكناية من كنيت إذا سترت ومنه كنية الشّخص؛ سمّيت بذلك لكونها تستر اسمه (6) وتكون الكناية معربة نحو: فلان، ويسمّى الضمير مكنيّا أيضا، وليس ذلك بمراد هاهنا، وإنّما المراد الكنايات المبنيّة، وهي: كلّ لفظ مجمل يعبّر به عن مفصّل، ويكون إجماله إمّا لنسيانه أو لقصد إبهامه على السّامعين، بحيث لا يعلم معناه إلّا من يعرف ذلك التفصيل نحو: عندي كذا كذا درهما، فكذا كذا درهما، مجمل وله تفصيل من نحو: عشرين أو خمسين أو غير ذلك، وقد عبّر عنه بهذا اللفظ المجمل، أعني كذا كذا درهما، إمّا للنسيان أو للإبهام على السّامعين (7) وألفاظ الكنايات كم وكذا للعدد، وكيت وذيت للحديث وقد قيل:(8) إنّ كم الاستفهامية ليست من الكنايات، لأنّها وضعت للاستفهام عن العدد فلا تكون بهذا
(1) شرح المفصل، 4/ 124.
(2)
المستقصى، 2/ 88 وفرائد اللآل، 1/ 227 وانظر الكتاب، 3/ 304 والمقتضب، 4/ 25.
(3)
في شرح الكافية، للرضي 2/ 90 وجعل جار الله بادي بدا وأيدي سبا من باب معد يكرب، وجعلها سيبويه من باب خمسة عشر، وهو الأولى، وانظر الكتاب، 3/ 304 وشرح المفصل، 4/ 122.
(4)
شرح الكافية، لابن الحاجب، 2/ 546 والنقل منه.
(5)
الكافية، 407.
(6)
اللسان، كنى وخلل.
(7)
شرح المفصل، 4/ 126.
(8)
القائل هو ابن الحاجب نصّ على ذلك في شرح الكافية، 2/ 549 ونسب إليه أيضا في الأسرار الصافية للنجراني، 98 وشرح الكافية،
للرضي 2/ 93.
الاعتبار من الكنايات وإلّا لزم أن يكون أين ومتى، كنايتين عن مكان وزمان مبهمين، لأنّ كم كما يفيد الاستفهام والعدد فكذلك أين يفيد الاستفهام والمكان (1)، وقال السخاوي (2) في شرح المفصل ما معناه: إنّ كم الاستفهامية من الكنايات أيضا، قال: لأنّها في الاستفهام سؤال عن عدد مبهم فلا شيء من العدد إلّا ويصلح أن يكون جوابا، وبنيت الاستفهامية لتضمنها همزة الاستفهام، والخبريّة لكونها مثل الاستفهاميّة في الصيغة (3) وبني «كذا» لكونه منقولا عن مبنيّ لأنّ أصله «ذا» ودخلت عليه كاف التشبيه فبقي على ما كان عليه (4) وأما كيت وكيت وذيت وذيت، فكنايتان عن الحديث، وبنيا لكونهما واقعين موقع المبنيّ وهو الجملة (5) أعني الحديث الذي كني عنه بهما/.
ومميّزكم الاستفهامية (6) مفرد منصوب نحو: كم رجلا ضربت، لأنّ كم للعدد فجعل مميّزها كمميّز الأعداد المتوسطة أعني من أحد عشر إلى تسعة وتسعين ولم يجعل كمميّز طرفي العدد أعني العشرة وما دونها والمائة وما فوقها، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجّح، ويدخل «من» في مميّزها فيخفض نحو: كم من رجل ضربت، ومميّزكم الخبريّة مجرور مفرد، ومجموع كقولك: كم درهم وهبت، وكم دراهم وهبت، أما كونه مجرورا، فلأنّها للتكثير، والعدد الصريح الكثير، مميّزه مجرور كمائة وألف، وأما كونه مفردا، فلأنّ مميّز العدد الكثير كذلك، وأمّا كونه جاء مجموعا فلأنّ العدد الكثير، فيه ما ينبيء عن كميّته صريحا كالمائة والألف، ولما كان
(1) شرح الكافية، لابن الحاجب 2/ 549 والنقل منه بتصرف يسير. وانظر شرح الكافية، للرضي 2/ 94 وهمع الهوامع، 2/ 75.
(2)
هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي ولد في سخا سنة 559 هـ وقرأ على الشاطبي، ثم نزل دمشق وقرأ عليه خلق كثير، كان بصيرا بالقراءات وعللها وإماما في النحو واللغة والتفسير عارفا بأصول الفقه له من التصانيف شرحان على المفصل، وسفر السعادة وسفير الإفادة، وشرح على الشاطبيّة مات سنة 643 هـ انظر ترجمته في إنباه الرواة، 2/ 311 وبغية الوعاة، 2/ 192 وطبقات المفسرين، للداوودي، 1/ 425.
(3)
شرح الكافية، 2/ 94.
(4)
همع الهوامع، 2/ 76.
(5)
شرح الكافية، 2/ 95.
(6)
الكافية، 407.
هذا ليس مثله في التصريح جعل كأنّه نائب عن معنى التصريح (1) وتدخل «من» في مميّز الخبريّة كثيرا نحو قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (2) ولكم الاستفهامية والخبريّة صدر الكلام (3) لكون الاستفهاميّة لإنشاء الاستفهام، والخبريّة لإنشاء التكثير، والكوفيون لا يوجبون لهما صدر اللام ويستشهدون بقوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ (4) ويزعمون أنّ كم فاعل يهد (5) والبصريون يتأولونه ويقفون على يهد لهم ويبتدئون بقوله: كم أهلكنا (6) لكن إن كان قبلهما مضاف أو حرف جرّ وجب تقديمه وكانا في موضع خفض كقولك: غلام كم رجلا ضربت، وبكم رجلا مررت، لأنّ المضاف وحرف الجرّ لا يتأخّر عن معموله، فلذلك اغتفر تقديمه على ماله صدر الكلام، ليتنزّل المضاف وحرف الجرّ منزلة الجزء من الكلمة، ويكون إعراب المضاف نحو الغلام في: غلام كم رجلا، كإعراب كم، ولذلك نصبت غلام كم رجلا ضربت، والاستفهاميّة والخبريّة كلاهما يقع مرفوعا ومنصوبا ومجرورا (7) أما جرّهما فبالمضاف أو حرف الجرّ حسبما تقدّم، وأمّا النصب فبما بعدهما من الفعل، إن كان متسلّطا عليهما، أي غير مشتغل بضميرهما أو متعلّق ضميرهما على حسب ما يقتضيه، أعني؛ إن اقتضى مفعولا به كان مفعولا به نحو:
كم رجلا أو رجل ضربت، بنصب رجل مع الاستفهاميّة، وجرّه مع الخبريّة، وإن اقتضى مفعولا مطلقا كان مفعولا مطلقا نحو: كم ضربة وضربة ضربت، وإن اقتضى
(1) شرح الكافية، 2/ 97 وشرح الأشموني، 4/ 81.
(2)
من الآية 4 من سورة الأعراف.
(3)
الكافية، 407.
(4)
من الآية 26 من سورة السجدة.
(5)
انظر معاني القرآن 2/ 195 - 333 وشرح الوافية، 298.
(6)
في البيان، للأنباري، 2/ 154: وزعم الكوفيون بأنّ فاعل يهدى هو كم، وذلك سهو ظاهر؛ لأنّ كم لها صدر الكلام ولا يعمل فيها ما قبلها رفعا ولا نصبا، وكم في موضع نصب بأهلكنا وهو مفعول مقدّم وتفسيره محذوف وتقديره: كم قرية أهلكنا، وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدّم العامل على كم الخبريّة وردّ ابن هشام ذلك بأنها: لغة رديئة ولا يجوز تخريج كلام الله سبحانه على هذه اللغة وقرّر بأنّ الفاعل هو ضمير اسم الله سبحانه أو ضمير العلم أو الهدى المدلول عليه بالفعل، أو جملة أهلكنا على القول بأن الفاعل يكون جملة. انظر مغني اللبيب، 1/ 184 وحاشية الصبان، 4/ 83.
(7)
الكافية، 407.
ظرفا كان ظرفا نحو: كم يوما وكم يوم صمت، وأمّا الرفع فعلى أن يكونا مبتدأين أو خبرين، وذلك إذا لم يكن بعدهما فعل متسلّط عليهما ولا قبلهما اسم مضاف ولا حرف جرّ فيكونان حينئذ مجرّدين من العوامل اللفظيّة، فيتعيّن أن يكونا في موضع رفع على الابتداء أو على الخبر، ولا يكونان فاعلين لاقتضائهما صدر الكلام، والفاعل ليس له صدر الكلام، وأمّا تعينهما للابتداء دون الخبر أو للخبر دون الابتداء، فإذا وقعا غير ظرف تعيّنا للابتداء كقولك: كم رجلا إخوتك، وكم رجلا قام، وإن وقعا ظرفا تعيّنا للخبر، كقولك: كم يوما سفرك/ لأنك لو جعلت كم مبتدأ وهي للزمان تعذّر أن يكون خبرها السّفر كما يتعذّر ذلك في: متى سفرك، فيجب أن يقدّر السّفر ونحوه مبتدأ، ويكون ما تقدّم ظرفا في موضع رفع على الخبر (1).
واعلم أنّ إعراب أسماء الاستفهام والشّرط نحو: من وما، استفهاميتين وشرطيّتين مثل إعراب كم فإن كان بعدهما فعل متسلّط عليهما كان محلّهما النصب نحو: من ضربت، ومن تضرب أضرب وإن كان قبلهما حرف جرّ أو اسم مضاف فمحلّهما الجرّ نحو: بمن مررت وبمن مررت أمرر، وغلام من ضربت، وغلام من تضرب أضربه، فإن لم يكن بعدهما فعل، شأنه ما ذكرناه، ولا قبلهما مضاف ولا حرف جرّ فهما في محلّ الرفع بالابتداء، نحو: من ضربته، ومن تضربه، أضربه وفي مميّزكم في مثل قول الفرزدق يهجو جريرا. (2)
كم عمّة لك يا جرير وخالة
…
فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
(1) شرح المفصل، 4/ 127 وشرح الأشموني، 83 - 84.
(2)
وهو جرير بن عطيّة، يكنّى أبا حرزه من فحول شعراء الإسلام ومن أشد الناس هجاء وتشبيها، مدح الحجاج، وعبد الملك بن مروان، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض مشهورة توفي 111 هـ.
انظر ترجمته في طبقات فحول الشعراء 1/ 297 - 374 والشعر والشعراء 1/ 374 ووفيات الأعيان، 1/ 321 والبيت للفرزدق همام بن غالب، ورد في ديوانه، 2/ 451 برواية: كم خالة وروي منسوبا له في الكتاب، 2/ 72 - 162 وكتاب الحلل، 179 وشرح المفصل، 4/ 133 وشرح الكافية، 2/ 100 ومغني اللبيب، 1/ 185 وشرح التصريح، 2/ 280 وخزانة الأدب، 6/ 485 وروي البيت من غير نسبة في الكتاب، 2/ 166 والمقتضب، 3/ 58 وهمع الهوامع، 1/ 254.
الفدعاء: المعوجّة الرّسغ من اليد أو الرجل، والعشار: جمع عشراء وهي الناقة التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر.